فلنستعد سياسياً...افتتاحية نشرة عين الشباب- ريم الخطيب مميز

فلنستعد سياسياً...افتتاحية نشرة عين الشباب- ريم الخطيب
01 May
2020

حكَم على شعوب العالم بالمأساة ما دامت الشمس تشرق على النظام الرأسمالي. فما تخرج الشعوب من أزمة الّا لتدخل أُخرى، او تصارع مع اثنتين، فأصبح وجود الرأسمالية عائقاً أمام تطور البشرية يُترجم على مستويات عدة،  فعلى المستوى الإقتصادي حيث التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وعلى المستوى  المعنوي-النفسي حيث أمعنت الرأسمالية إستغلال البشر وتدمير قيمتهم، وعلى مستوى تناقض الإنسان مع الطبيعة وهو المستوى الذي أصبح واضحاً بعد أزمة فيروس كورونا. 

 في الوقت عينه كما تجري الأمور في لبنان. في تشرين العام الماضي لاح في سماء المقهورين والمضطهدين فرصة للنجاة من الوضع الاقتصادي الذي بدأ يُترجَم في اسعار موادنا الغذائية وادنى مقومات عيشنا اليومي. استيقظ الشعب الذي لم ينَم اصلًا، وصارع مع سلطة المحاصصة والمحسوبيات بدمائه ولحمه الحي ولا يزَل. أشهر مرَّت أُسقطت فيها حكومة واسماء لم تصِل أصلًا حتى تشكلت حكومة هي أقل ما يُقال حكومة أزمة، مأزومة ومكبوحة بفعل تشكلها كإفراز من أزمة الطبقة المسيطرة في البلاد. 

 

أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع في سعر الدولار تبعه ارتفاع مجنون بأسعار المواد الغذائية والمستلزمات الحياتية، ثم اقفال الكثير من الشركات وخسارة آلاف العمال لأشغالهم ومن "انصفه القدر" بقي في عمله مع نصف المعاش او حتى الربع، وبالتالي رافق غلاء المعيشة انخفاض القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة، حتى كاد يُخيّل لنا أننا في أسوأ سيناريو للبلاد، قبل أن يفاجئنا فيروس كورونا ليخبرنا أن هذه البلاد تبتلع المأساة دون شبع، و "يا تعتير الشعب". 

الأزمة الصحية "كورونا" التي حلّت في البلاد فرضت اجراءات وقائية وضعتها الحكومة في محاولة لانقاذ ما تبقى من البلاد، فإلى جانب النظافة الشخصية والتدابير المتخذة من الافراد كان على الحكومة فرض الحجر المنزلي على الشعب للحد من انتشار الوباء. وبالطبع فإن القرار المتخذ يبدو جيّدًا ومسؤولًا ظاهريًّا، لو ان بلادنا جاهزة لانقاذ شعبها المحجور خلف الجدران دون عمل ومدخول يخوّله من شراء خبزه "كفاف يومه". القرار جيد لو أننا لا نعيش مأساة اقتصادية وليدة الحكومات السابقة ومصرف لبنان، لو أن الحكومة الحالية قادرة على وضع خطة عمل تنقذ الشعوب من بين منشارين : الكورونا والجوع. 

كان الحجر ليكون خطوة مهمة في محاربة الوباء لو أن هناك تغطية صحية شاملة للشعب مثلًا، فأكثر من ٥٠% من الشعب اللبناني لا يمتلك تغطية صحية! وأكثر من نصف الشعب لا يمتلك من المال ما يخوّله اجراء فحص الكورونا لمعرفة ما اذا كان مصابًا أم لا، فلتأخذ الدولة المتمثلة بسلطاتها هذا الأمر في الحسبان، لربما نرى مجانية الفحص في المستقبل.

 

موضوع الثقة في الحكومة الحالي يطرح نفسه بقوة في ظل الأوضاع الراهنة، خاصة ما شاهدناه من صراعات في الاراء على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يدعم الحكومة الحالية ويصفق لها كون وزير الصحة يقوم بعمله وبين من يرى ان هذا عمله الطبيعي ولا منة له علينا، وفي الحالتين فإن هذا غير كافٍ لإعطاء الثقة لحكومة استغلت الوضع الحساس للشعب وضرورة بقائه في منزله لتساهم في هروب واحد من اكبر عملاء العدو الاسرائيلي، جزار الخيام عامر الفاخوري الذي نكّل بابناء جلدته ومن قاوم الاحتلال. القيام بأقل الواجبات غير كافٍ لمن يستغل وضع الشعب ليزيل خيم المنتفضين من الساحات، غير كافٍ لمنح الثقة لمن لا قدرة فعلية له على انقاذ الشعب من فقره بل يقف مكتوف اليدين أمام تعميمات واجراءات المصرف(...).

 

إن الأزمات الكبيرة دائما ما تزيدُ من بؤس البائسين أصلا، فتعمق اضطهادهم وتزيد قمعهم. بعد اتخاذ القرار بفرض الحجر المنزلي على المواطنين بدأ عدد اتصالات النساء المعنفات يتزايد بشكلٍ ملحوظ، واللافت أن الكثير من الارقام المتصلة لم تتصل مسبقا. فهل النساء، حاملات السماء والأرض، أصبحنَ اليوم "فشة خلق"؟ ما الاجراءات التي تتخذها الدولة لحمايتهن؟ هل الحل فعلا هو بضعة اجراءات قانونية أم ان وضع النساء كما وضع الفقراء يحتاج لانقلاب جذري؟ واين يقف اليسار من ذلك؟

 

الأزمة دائما تحمل في جعبتها فرصة لا بد لنا من انتهازها. أزمة الكورونا وقبلها الازمات الاقتصادية تعرّي اليوم الانظمة امام شعوبها وتسقط الخطابات الرنانة عن المنابر فتُجبر كبار الشخصيات السياسية العنجهية على التواضع في محادثتهم لشعوبهم وشعوب العالم. 

أزمة الكورونا تعرّي الاتحاد الاوروبي وسلطات الدول الاوروبية والولايات المتحدة الأميركية الذين يظهرون بأبشع مظاهر العجز امام اول اختبار حقيقي، ويختارون بكل وقاحة اليوم الأرباح المادية على انقاذ حياة البشرية، إن ما نشهده هو إنهيار  أخلاقيات الرأسمالية الكاذبة ومعه نهايتها. كما أن أزمة  النظام اللبناني الطائفي القائم على المحاصصة والتبعية الاقتصادية والسياسية العميقة بدأت تترسخ في وعي اللبنانيين. 

إن الحجر ليس أكبر مأساتنا، قد يأكلنا الملل لكن الجوع ينتظر دوره لياخذ حصته منّا، وغدًا حين يُفكّ الحجر ونعود مجبرين لأعمالنا المضنية،ان وجدت، سنعجز عن شراء ربطة خبز. لذا على المنتفضين الاستفادة من وقتهم في التفكير والتخطيط بمخرج سياسي للازمة، ما بعد الحجرِ عودة للساحات، على امل ألا تبقى حربنا في الساحات فقط، فلنستعد سياسيًّا.

آخر تعديل على Saturday, 02 May 2020 10:45

الأكثر قراءة