قد لا يملك الحزب الشيوعي اللبناني والأحزاب المدنية والقوى المستقلّة، القدرة على التغيير في البلد. فمنطق المحاصصات الطائفية فرض نفسه ولا يزال الأقوى. ولكن يُحسب لهذه القوى أنّها لا تمل من رفع الصوت لطرح مشروعٍ بديل للسلطة السياسية.
أحد عناوين المعركة هو منع التمديد للمجلس النيابي، ومحاولة فرض قانون انتخابي قائم على النسبية خارج القيد الطائفي وفق لبنان دائرة واحدة. انطلاقاً من ذلك، شهدت بيروت أمس اعتصامين عنوانهما منع التمديد ورفض مشاريع القوانين التقسيمية.البداية كانت من أمام مبنى بلدية بيروت، مع اعتصام مجموعات سياسية وجمعيات وقوى شبابية وعدد من مجموعات الحراك المدني، كانت قد أعلنت قيام «جبهة موحدة» لمواجهة التمديد ورفض القوانين الطائفية. وكانت لافتة مشاركة منظمة الطلاب في حزب الكتائب في الاعتصام الذي ألقي في نهايته بيان يدعو إلى اعتماد «النسبية» في دوائر كبرى وإدخال إصلاحات على قانون الانتخابات. ووُجهت دعوة إلى كلّ اللبنانيين «الأحد في 21 أيار وكلّ أحد حتى 20 حزيران إلى الاعتصام في المكان نفسه». ثم انتقل الجميع (باستثناء الكتائب) إلى اعتصام «الشيوعي» في ساحة رياض الصلح.
نجحت الأحزاب الوطنية والمجموعات السياسية هذه المرة في توحيد خطابها. العمل سيُستكمل من أجل أن تكون الخطوات المقبلة مشتركة، فيكون للضغط على السلطة فعاليّة.
(الأخبار)
حكمت غصن - الأخبار
يمرّ العيد الـ 66 للجامعة اللّبنانيّة، و «يمرّ» معه الواقع المزري على وقع الخطابات الرّومانسيّة الرّنّانة. منذ أشهر، وفي إطار حملة «الجامعة اللّبنانية بدّها»، الّتي أطلقتها المؤسّسة اللّبنانيّة للإرسال LBC، والّتي عبّر فيها مئات الطّلّاب عن معاناتهم وحاجاتهم، قام نادي «نبض الشّباب» في الجامعة بإنتاج فيديو قصير يتناول أهميّة تحوّل الجامعة الوطنيّة إلى مركز للبحث العلميّ، وبالتّالي حاجتها إلى الموارد المادّيّة، فما الذي قد تقدّمه لنا الجامعة الوطنيّة إذا ما تحوّلت إلى مركز إنتاج علميّ وبحثيّ فعليّ؟
إنّ البحث العلميّ، في إطار نهج سياسيّ عام يهدف إلى تطوير المجتمع واقتصاده، هو حجر أساس في أيّ عمليّة تخطيط، تنفيذ أو حلّ، وتحقيقه شرط في نجاح أيّ مشروع، ذلك لأنّ القوانين العلميّة هي الّتي تحكم حياتنا بمجمل تفاصيلها، وفهمنا لها وتطوير معرفتنا فيها يجنّبنا الخطأ، الّذي يؤدّي غالباً إلى الفشل.
والفشل في حلّ المعضلات في لبنان، على أنواعها، هو السّمة الأكثر انتشاراً، لا بل تفاقماً، ومن هنا نستنتج، عبر منطق الرّبط ودون لغة الأرقام، كم أنّ البحوث العلميّة في لبنان ما زالت بدائيّة في أحسن الأحوال، والأهم أنّها لا تلبّي حاجات المجتمع والاقتصاد اللّبنانيّ، لذلك، لا بدّ من طرح بعض الأمثلة الّتي قد توضّح كيفيّة حلّ بعض المشكلات، وما أكثرها في وطننا العزيز.
أمثلة من الواقع
تفتك بنا أزمة النّفايات منذ تمّوز 2015، وكانت نتائجها كارثيّة على البلاد بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، ولجأت السّلطة دائماً إلى حلول أقلّ ما يقال أنّها "جنونيّة"، كان آخرها "جريمة النّورس". لقد كان في جعبة الكيمياء والهندسة الصّناعيّة والإحصاءات حلول علميّة وجذريّة، أساسها الفرز الّذي يحتاج إلى دراسة أنواع النّفايات المنتجة في لبنان ونسبها وكيفيّة معالجتها، الّتي تتمّ على أسس كيميائيّة وفيزيائيّة (هنا ضرورة البحث والتّطوير في علوم المادّة وخصائصها). أمّا عن التّهويل المملّ الّذي أتخمنا به المسؤولون وأبواقهم عن صعوبة تنفيذ الفرز، فإن سلّمنا جدلاً بصحّته، فما كان ليكون معضلة لو تمّ وضع خطّة ممنهجة لتوضيح عمليّة الفرز المستندةً إلى إحصاءات الدّراسة الأساسيّة.
البحوث العلميّة في لبنان ما زالت بدائيّة في أحسن الأحوال
أما في الاقتصاد، يتكبّد لبنان يوميّاً خسائر فادحة نتيجة زحمة السّير اليوميّة على مداخل العاصمة، ناهيك طبعاً عن الضّغط النّفسيّ والتّوتّر النّاتجين عنها. أحد الحلول الأكثر عمليّة لمعالجة هذه المعضلة هو تطوير شبكات النّقل العامّ من باصات ومترو وسكك حديد، ولتحقيق هذا المشروع "الحلم"، لا بدّ من الدّراسات في التّنظيم المدنيّ والهندسة وفي مجال المعلوماتيّة والاتصّالات لتنظيم الشّبكات وتحسين خدماتها كما الإحصاءات المسؤولة عن تقدير حركة المواطنين وأوقات الذّروة لتنقّلاتهم.وفي قطاعات منتجة كالزّراعة والصّناعة الغذائيّة، فلا يمكن أن تتقدّم دون الهندسة الزّراعيّة القادرة على معالجة المشاكل الّتي تفتك بالمزارعين أو المستهلك، كتحديد كمّيّات المبيدات وأنواعها، أو إنقاذ شجرة الصّنوبر المهدّدة بالانقراض في لبنان، أو معالجة أزمة الزّراعات الجبليّة النّاتجة عن العشوائيّة دون العودة إلى البحث والتّخطيط، فبعد تغيّر المناخ، مرّ لبنان لسنوات في شتاء "دافئ" دفع بمزارعي الجبل إلى الاستثمار في الفاكهة الاستوائيّة (كالأفوكادو) نظراً إلى إنتاجيّتها المرتفعة ومردودها المادّيّ المهمّ، ولكن للأسف وبسبب عدم استقرار المناخ، عاد الصّقيع إلى لبنان عام 2015 فأدّى إلى ضرب المواسم وتكليف المزارعين خسائر فادحة.ولأزمة اللّجوء في ظلّ الحروب الّتي تعيشها منطقتنا حصّة من الحلول، فأساس مشكلة عدم استيعاب هذا اللّجوء هو سياسة الدّولة الاقتصاديّة الاجتماعيّة الّتي لم تنظّم وجود اللّاجئين ولم تبن اقتصاداً يستوعب طاقاتهم، وبدلاً من وضع دراسات في علم النّفس والاجتماع بهدف إطلاق مشاريع توعويّة لمعالجة التّطرّف والآفات الاجتماعيّة مثلاً، لجأت إلى الحلول الأمنيّة، أي بدل معالجة الأسباب، ذهبت لمعالجة النّتائج.
في أزمة المناهج
تتّفق معظم الكوادر التّربويّة والعلميّة على تخلّف مناهجنا أكان في المدارس أم في الجامعات، وبدلاً من العمل على تطويرها، قامت السّلطات المختصّة المتمثّلة بالمركز التّربويّ للبحوث والإنماء في عهد وزير التّربية السّابق الياس بو صعب بتعديلها عبر إلغاء الكثير من المحاور في مختلف المواد؛ على صعيد الفلسفة مثلاً، ألغيت معظم المحاور الّتي تساهم في تطوير الفكر النّقديّ، كما الّتي تعالج المسائل الاقتصاديّة، في التّربية الوطنيّة، ألغي كلّ ما له علاقة بالعمل التّطوّعيّ والجماعيّ، أمّا في الكيمياء، ألغيت محاور تعتبر جوهريّة في هذا العلم، كمحور "التّوازن التّفاعليّ"، وقس على هذا المنوال في باقي المواد.في مناهج الجامعة اللّبنانيّة، الّتي تعاني من أزمات في الأساس، حصلت محاولات للتّعديل، لا سيّما في كلّيّة العلوم، وصفها أحد الأساتذة بـ "التّدميريّة"، وكان هدف هذا التّعديل كما قال المسؤولون عنه تقليص نسبة التّسرّب من الجامعة اللّبنانيّة إلى الجامعات الخاصّة.في الحقيقة، ومع الإدراك الحتميّ بأنّ هذه التّعديلات بجوهرها لا تهدف إلّا لتدمير القطاع التّربويّ والرّسميّ وعلى رأسه الجامعة اللّبنانيّة، فإنّ الأزمة تكمن في وضع مناهج لا تتلاءم مع حاجات المجتمع ولا بالتّالي مع ضرورات تطوير النّموذج الاقتصاديّ أو حتّى تغييره، جلّ ما تفعله السّلطات في إطار السّياسة اللّيبراليّة الاستهلاكيّة هو استيراد مناهج غربيّة مبنيّة لتحقيق حاجات مجتمعات الغرب، لإسقاطها على طلّابنا ومجتمعنا الّذي تختلف حاجاته جذريّاً، في ظلّ نظام تبعيّ يسعى لتصدير شبابه إلى الدّول الأقطاب وعلى رأسهم الولايات المتّحدة، وهنا تتجلّى "لا علميّة" السّلطة والنّظام السّياسيّ، الّلذين بات من الضّروريّ تغييرهما، عبر بديل يسعى للبحث كأداة لتقدّم المجتمع والاقتصاد، فيفتح فرص عمل هائلة أمام الطّلّاب والباحثين والمهندسين بدلاً من تصديرهم إلى الخارج. هذا البديل لا يمكن أن يتحقّق إلّا بعلميّته، أكان في مشاريعه أم في خطابه، نحو تحسين لشروط العيش، تصليب للاقتصاد وإنتاجيّته، وتوزيع عادل للثّروة، هذا البديل بات ضرورة حتميّة، وقد بدأت ملامحه تلوح في الأفق.
فاتن الحاج - الأخبار
وسط تغييب الانتخابات الطالبية وسباقات الاستئثار بين الأحزاب السياسية، يبحث نادي «نبض الشباب» في الجامعة اللبنانية عن فسحة للعمل والتعبير يخرج من خلالها الطلاب من حالة الخمول ومناخ الصراعات الوهمية الذي يقسمهم ويصادر دورهم في الدفاع عن حقوقهم نحو تطوير الجامعة والواقع الطلابي فيها.النادي تأسس بعيد الحراك المدني في عام 2015 حين تنبّه بعض المشاركين إلى انكفاء معظم طلاب الجامعة عن الانخراط في الشأن العام سواء عبر مجموعاتهم السياسية أو أنديتهم الطلابية. أخيراً، حضر النادي في التحرك الطلابي الحاشد في مجمع الحدث الجامعي ليطالب باستقلالية الجامعة في إدارة شؤونها ورفض خصخصة خدماتها.«نبض الشباب» نادٍ طلابي مستقل، بحسب الناشط تيسير الزعتري، وقد جاء ضد تغييب دور الطالب والطالبة ـ الفرد في تحديد مصيره/ها في الجامعة، «فنحن لا نريد أن نكون أفراداً على الهامش، أفراداً بلا قيمة»، مشيراً إلى أننا «نسعى لإيجاد مناخ جامعي بات ضرورة ملحة على كل صعيد سياسي اجتماعي ثقافي فني توعوي رياضي».
وقال: «نريد أن نحمل معاً همومنا كطلاب جامعتنا، نتوحد خلفها وأن تربطنا العلاقات الإنسانية التي لا تحدّها حدود الطائفية».ويشرح أن النادي موجود في كليات عدة في الجامعة في بيروت وطرابلس وفرن الشباك والنبطية. وهو اليوم يصوّب باتجاه أهداف محددة تتمثل بصورة أساسية «بوضع قانون للأندية ومنع الطريق على أي كلام يتعلق بالتذرع بالرخص للتضييق على نشاطاتنا ومن ثم محاولة تأسيس اتحاد لأندية الجامعة اللبنانية يجمعنا مع الأندية المستقلة الأخرى».
نريد أن نحمل معاً همومنا كطلاب ونتوحد خلفها.
سيركز النادي أيضاً، كما يقول الزعتري، على البرامج الجديدة لكلية العلوم التي ترهق الطالب من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً وتمنعه من الانخراط في أي نشاط غير أكاديمي.
وتبقى الانتخابات الطالبية بنداً أساسياً على جدول أعمال النادي، ففي سنة التأسيس نظم أعضاء النادي حملة «طارت» ركزوا فيها على القانون الانتخابي وسيعودون إلى فتح الملف عبر التصويب على حقوق الطلاب في الانتخابات.نشاطات كثيرة نظمها النادي واستقطبت، بحسب الزعتري، «الأكثرية الصامتة» من الطلاب الذين لا يريدون أن ينضووا تحت أي إطار سياسي. ومن هذه النشاطات المسرح التفاعلي ورحلات ترفيهية وحملة «مكتبة لكل طالب» وهي عبارة عن معرض كتب نظمه النادي أخيراً بالتعاون مع دار الفارابي، إذ تم خفض أسعار الكتب إلى 5000 ل.ل بهدف إتاحة الفرصة للطالب باقتناء الكتاب الذي يريد، نسبة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه. وتنتقل هذه الحملة إلى فروع في النبطية وصيدا وسن الفيل وطرابلس.النادي يصدر نشرة نصف فصلية هي منبر مفتوح لكل الطلاب على اختلاف توجهاتهم السياسية.
زينب حاوي - الأخبار
لقاء إشكالي ومثير للجدل والنقاش! هكذا يمكن وصف الجلسة التي جمعت الكاتبة النسوية المصرية والجمهور اللبناني في «المركز الثقافي الروسي» أول من أمس. تصريحات كررتها مراراً في كتاباتها وإطلالاتها الإعلامية، جعلت بعض الحضور يتهمها بتعزيز المنظومة الذكورية التي أمضت عمرها في محاربتها ضمن قاعة غصّت بالحضور، المتنوع اجتماعياً وعمرياً، وجندرياً في «المركز الثقافي الروسي»، وبحماسة تفاعلية عالية، لاقت الكاتبة المصرية نوال السعداوي (1931)، أول من أمس جمهورها، بدعوة من جمعية Fe-Male و«اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني»، بالتعاون مع «دار الآداب».
حضرت الكاتبة النسوية، كما عادتها، بمظهر يشبهها. توجهت الى شباب وشابات المتواجدين/ ات في القاعة، وسط كلام أثار انقسامهم، لا سيما النساء منهم. ومع ذلك، لم تبد آثار التململ عليهن، بل قابلوا خطاب السعداوي الحاد ربما، والمباشر في بعض الأحيان، بكثير من رحابة الصدر والتصفيق. ومما زاد من حيوية النقاش، سلسلة الأسئلة الموجّهة إلى خطاب السعداوي. أسئلة احتوت على نسبة كبيرة من النقد، مما جعل الكاتبة تندهش من هذه المواجهة، وترد بطريقة أعنف ربما.
صاحبة «الأنثى هي الأصل»، التي بدت عليها آثار الشيخوخة، والتعب، والنسيان في بعض الأحيان، قاومت هذا الأمر، بمزيد من إعمال الذاكرة. عادت إلى طفولتها لغاية وصولها اليوم الى عمر الـ 86 عاماً. بدأت بالحديث عن هذا التغيّر الذي حدث في التاريخ، وقلب الأمور رأساً على عقب، مع تغييب بل محو اسم الأم عن الهوية. بعدما كانت المرأة محوراً في الحضارات القديمة، لا سيما المصرية منها، تحولت بسحر ساحر من «إلهة» إلى «شيطانة»، ومن «صاحبة عقل»، إلى امرأة «بجسد دون رأس» على حد تعبير السعداوي. واقترحت لهذه الغاية إضافة اسم الأم على بطاقة الهوية الى جانب عائلة الأب، كما فعلت ابنتها الروائية منى حلمي. وذكرّت صاحبة «مذكرات في سجن النساء» بقانون أقرّ عام 2008 يسمح لطفل «غير شرعي» بأن يسجَّل على اسم امه، ويأخذ الحقوق عينها التي يحظى بها أي طفل آخر. وفتحت السعداوي موضوع تغييب الأم، مكررة ما أعلنته مراراً في كتاباتها وإطلالاتها الإعلامية. وعلى شكل أسئلة، طرحت قضايا الحجاب والتبرّج والتعرّي، وتوقفت عند الحجاب بوصفه يعبّر عن «رمز سياسي» على حد تعبيرها، ولا علاقة له لا بالجنس ولا الدين. وشددت على هذا الربط مع السياسة، فيما انتقدت التبرّج بكونه يشغل المرأة عن مسار حياتها، ويجعلها تخسر أموالها ووقتها وحتى تسحق شخصيتها بمجرد وضع هذه المساحيق على وجهها.
توقفت عند الحجاب بوصفه «رمزاً سياسياً» وانتقدت تبرّج المرأة
وما بين الحجاب والتبرّج، خيط عند نوال السعداوي، يتمثل في الرجل... هذا الرابط الجامع بينهما، إذ توجهت إلى الجمهور، وأعادت سرد ما قالته لها إحدى النساء عن حجابها، وسبب ارتدائها له، بكونه سيحجب «الفتنة» عند الرجال. وهنا، علّقت السعداوي بالقول: «المشكلة ليست في المرأة بل في عقل الرجل». ودعت (بسخرية) كل الرجال إلى تغطية أعينهم. والأمر نفسه يسري على التبرّج الذي يجعل المرأة «عبدة» عند الرجل وفق السعداوي، إذ أنّها تحاول دائماً استرضاءه. وانتقدت ظاهرة المبالغة في المكياج خصوصاً في بيروت، وتحدثت عن هذا الشكل المنّمط الواحد، الذي سرى على كل النساء، وتساءلت بازدراء: «ما هذا الملل؟»، مع تغنّيها بتجاعيدها، التي تحكي كل واحدة منها حكاية وحقبة من عمرها.
أما عن التعرّي، فنظرة السعداوي، إلى هذا الموضوع تنطلق من التمييز الحاصل بين الرجل والمرأة. سردت هنا زيارتها إلى «معهد الفنون» في القاهرة، وتفحصها عن قرب صفوف الرسم العاري هناك، وجزمها بأنّ أحداً من الطلاب والطالبات، لم يطلب من رجل أن يتعرّى تمهيداً لرسمه.قضايا التمييز التي عاصرتها الكاتبة منذ أن كان عمرها سبع سنوات، منذ نشأتها في بيئة تميّز بين الإخوة بناتاً وصبية. عند هذا المفترق، تفتّح وعيها الاجتماعي والسياسي والفكري. لم تبخل في سرد حياتها الخاصة، وتفاصيل ترعرعها في بيئة متنوعة طبقياً بين أم أرستقراطية، وأب فلاح فقير. لا تفصل السعداوي بين حياتها العامة والخاصة، وهي تحضّر اليوم جزءاً رابعاً من سلسلة «أوراق حياتي»، يتناول حياتها في زواجها الثالث. تنطلق من هنا، لتتحدث عن الزواج، تلك المؤسسة التي تصنّفها ضمن سلّم «العبودية»، وتردّ على أسئلة مباشرة من الجمهور. بعضها كان «دوزه» عالياً، ذهب إلى اتهام السعداوي بإعادة المنظومة الذكورية التي تحاربها، عبر تصنيفها المرأة في خانة معينة حسب ما تجده مناسباً. أكثر من ذلك، وصف أحدهم رفض الكاتبة للحجاب وللتبرج انطلاقاً من نظرة الرجل لهاتين الحالتين، بأنّها تشبه الذرائع التي تعطى للمتحرش أو المغتصب عندما يقدم على اغتصاب امرأة بأنها كانت على سبيل المثال نصف عارية، أو أثارته جنسياً. استقبلت صاحبة «الرجل والجنس» هذه المداخلات برحابة صدر، وابتسامة، لتجيب عليها برد صاعق، قائلةً بأنّ أصحابها ما زالوا خارج درجات الوعي، فإن لم تكن المرأة مدركة بحق، أنها كائن مستعبد أكانت عارية أو ضحية الفن التجاري والسوق الإعلامية والإعلانية، فإنها تفتقد إلى الوعي المطلوب. ولم تستثن نفسها هنا، من كونها سيدة لديها بعض «الزوايا المظلمة» في رأسها، في محاولة منها لامتصاص صدمة الجمهور أو استيائه.لكن اللافت تمثّل في مقاربة هذه الطبيبة لموضوع المثلية، باعتباره قضية «غير مفهومة»، مع تأكيدها مراراً على عدم «إدانة» المثليين/ات، وصنّفت هذه المسألة ضمن «الظواهر الاجتماعية»، داعية إلى ضرورة «درسها»، وطرح سؤال: «لماذا يحدث ذلك؟». الكاتبة النسوية فنّدت طبيعة هذه العلاقات التي تتحول الى أنثوية وذكرية من خلال الجنس الواحد، وأعادت كل ما يحصل الى قاعدة التربية والتنشئة في المنزل، في أن يخرج الرجل رجلاً أو امرأة أو المرأة رجلاً وما الى ذلك. كما بشّرت بإقرار قريب لقانون مدني يتيح الزواج المختلط في مصر.وبعيداً عن الاجتماع والجنس والمرأة، تحدثت السعداوي عن الثورة المصرية، التي «أجهضتها طبقة النخبة الانتهازية، بمساعدة المجلس العسكري، ومحاولة القوى الاستعمارية الأميركية والصهيونية اليوم تقسيم الجيش الوطني».
محمد وهبة - الأخبار
بدل الباخرتين، سيصبح لدينا أربع. وبدل المعامل الأربعة، التي تأخّر إنشاؤها في عهدي الوزيرين جبران باسيل وأرثور نظريان، سيكون لدينا دزينة من معامل إنتاج الكهرباء التي تعمل بواسطة الغاز، ويفترض أن تتغذّى من الخطّ الساحلي النائم في أدراج إحدى اللجان النيابية. وبدل التعرفة المدعومة، سيصبح لدينا تعرفة أعلى تتيح لنا الاستغناء عن مولدات الكهرباء وتغطية كلفة البواخر! هذه هي بنود خطّة وزير الطاقة سيزار أبي خليل «الإنقاذية لصيف 2017»، التي رفعها إلى مجلس الوزراء. هي باختصار خطّة لإعادة إحياء ورقة سياسة القطاع، التي أقرت في عام 2010، ثم تعرضت لنكسات متتالية أدّت إلى دخولها «الكوما». خلال السنوات الماضية، كانت مناقصات المعامل محور تجاذب بين وزارتي الطاقة والمياه والمال. تجاذب كان يمكن تجاوزه ومعالجته، لكنه كان تجاذباً سياسياً استغلّ ثُغَراً في المناقصات والعقود بدلاً من أن يعالجها؛ هناك عقدٌ لإنشاء معمل جديد في دير عمار، جرى تلزيمه فعلياً بقيمة 360 مليون يورو، ولم ينفّذ لأنه لم تُذكر فيه الضريبة على القيمة المضافة، ولم يُعرف من يتحمل كلفتها البالغة 36 مليون يورو، وعقد آخر لتشغيل معملي الجية والزوق الجديدين، اللذين أنجزا في مطلع عام 2016، ولم يجر تشغيلهما بسبب الخلاف على الجهة التي فازت بعقد الصيانة والتشغيل، علماً بأن تشغيلهما كان سيضيف 3 ساعات تغذية إضافية منذ عام تقريباً، فضلاً عن عقد سقط سهواً في مجلس الإنماء والإعمار لتلزيم إعادة تأهيل معمل الزوق المتهالك... وإلى جانب ذلك، تراكمت مشاكل نقل الكهرباء وتوزيعها وجباية الفواتير الملزمة لشركات مقدمي الخدمات. تجربة كانت «منتجة» للمشاكل ومكلفة للخزينة.أما اليوم، فإن الإصرار على استكمال هذه التجربة يأتي انطلاقاً من ارتفاع حدّة الطلب بسبب «النازحين من سوريا والتوقعات بأن يبلغ عدد السيّاح أكثر من 1.5 مليون في صيف 2017 بعد زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون للخليج العربي»، بحسب ما ورد في عرض الوزير أبي خليل الى مجلس الوزراء. لذلك، تقترح وزارة الطاقة سدّ العجز والفجوة بين الطلب الاستهلاكي، وبين القدرة الإنتاجية لمعامل الكهرباء، عبر استئجار باخرتين بقدرة 825 ميغاوات وبكلفة إجمالية تصل إلى 850 مليون دولار سنوياً، تضافان إلى الباخرتين الحاليتين بقدرة 370 ميغاوات واللتين تزيد كلفتهما لمدة ثلاث سنوات على 400 مليون دولار. ما يعني أن الاعتماد على البواخر سيصل إلى 1225 ميغاوات، أي ما يوازي 37% من الطلب على الكهرباء بكلفة إجمالية تتجاوز مليار دولار سنوياً. الاستئجار سيمتد لخمس سنوات، وبالتالي هدفه كسب الوقت لإنشاء المعامل، على أن تزداد الطاقة المنتجة من 12 ساعة تغذية يومياً كمعدل وسطي إلى ما بين 20 ساعة و22 ساعة يومياً. ففي السنة المقبلة، تتوقع الوزارة التخلّي عن باخرتي فاطمة غول وأورهان بيه، وأن تنشئ خلال السنوات الخمس معامل إنتاج بقدرة 2000 ميغاوات بالشراكة مع القطاع الخاص ونصفها من الطاقة الشمسية، وأن توفّر كلفة الإنتاج بإنشاء محطة لاستيراد الغاز الطبيعي وإنشاء خطّ ساحلي لتوزيعه. هناك مخاوف من أن يصبح العقد المؤقت دائماً، لأن الحال هي هكذا في لبنان. مولدات الشوارع تحوّلت إلى دائمة، والبواخر بدأت تتكرّس بشكلها الدائم وتجعل الأسر اللبنانية رهينة لها ولخياراتها. الخطّة كما يعرضها وزير الطاقة على مجلس الوزراء، لا تتضمن دفتر شروط أو مناقصة أو استدراج عروض محصوراً، بل هي عرض قدّمته شركة «كارادينيز» التي يستأجر منها لبنان باخرتي «فاطمة غول» و«أورهان بيه» واللتين جرى تمديد عقودهما من دون العودة إلى مجلس الوزراء. الشركة تعرض زيادة العدد إلى أربع. والأمر نفسه ينسحب على عرض معامل الطاقة الشمسية. في ظل هذه الخصخصة للقطاع بكامله، يتم طرح رفع تعرفة الكهرباء بهدف تغطية كلفة تشغيل الباخرتين الجديدتين، أي ما يؤمن 726 مليار ليرة لهذه السنة!
1000 ميغاوات إضافية عبر القطاع الخاص
يقترح وزير الطاقة سيزار أبي خليل، خطة إنقاذية لقطاع الكهرباء لصيف 2017 تتضمن خمسة محاور: استئجار باخرتين لتوليد الطاقة الكهربائية، زيادة تعرفة الكهرباء، إنشاء معامل بقدرة 1000 ميغاوات بالتعاون مع القطاع الخاص، إنشاء معامل طاقة فوتوفولتية بقدرة 1000 ميغاوات، إنشاء محطات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال.
المحور الأول: استئجار بواخر لـ 5 سنوات
يستند هذا المحور إلى عرض مقدّم من الشركة التركية «كارباورشيب»، التي يستأجر منها لبنان حالياً باخرتي كهرباء هما «فاطمة غول» و«أورهان بيه». الخطّة تقضي بأن يستأجر لبنان باخرتين إضافيتين بقدرة 470 ميغاوات للأولى، وبقدرة 420 ميغاوات للثانية، على أن تكون كمية الطاقة المتعاقد عليها بنسبة 90% من القدرة الإجمالية، أي ما يوازي 800 ميغاوات. مدّة العقد، كما وردت في العرض، محدّدة بخمس سنوات على أن يتم ربط الباخرة الأولى على شبكة الكهرباء في نهاية أيار 2017، والثانية في نهاية آب 2017. أما كلفة استئجار الباخرتين، فتبلغ 5.80 سنت لكل كيلوات ساعة بما فيها التشغيل والصيانة وتنفيذ كاسر للموج، وأشغال ربط البواخر على شبكة 220 كيلوفولت، وتقوية قدرة الشبكة على استيعاب وتصريف الطاقة الإضافية من خلال خمس محطات نقالة وإنشاء خزانات عائمة للوقود.
الأثر المالي
تقول الخطّة إن كلفة الفيول والتشغيل والصيانة، وفق عرض «كارباورشيب»، تبلغ 848.2 مليون دولار سنوياً، علماً بأن كلفة الكيلوات ساعة من الباخرتين مقدّرة بنحو 13.04 سنت مقارنة مع 12.89 سنت للمعامل الحالية في لبنان، وهذا السعر محسوب على أساس سعر برميل النفط بقيمة 60 دولاراً، كما ورد في ميزانية مؤسسة كهرباء لبنان لعام 2017.
الخطة لا تتضمن التلزيم بواسطة مناقصة أو استدراج عروض بل عرضينمن شركتينوبالمقارنة، فإن كلفة الفيول والتشغيل والصيانة في معملي الذوق والجية الجديدين، تبلغ 200.4 مليون دولار سنوياً، أي أن كلفة الكيلوات ساعة تبلغ 9.19 سنت على أساس سعر برميل النفط بقيمة 60 دولاراً.وبالتالي، فإن كلفة الطاقة الإضافية المتوقع توليدها من استئجار الباخرتين، وبدء تشغيل المعملين الجديدين في الذوق والجيّة، تبلغ 1048.6 مليون دولار، لينخفض سعر الكيلوات ساعة إلى 12.55 سنت، علماً بأن هذه الطاقة الإضافية تمثّل 56.8% من مجمل الطاقة المنتجة.
7 ساعات تغذية إضافية
الهدف من الاستئجار هو زيادة التغذية بالتيار الكهربائي، من معدل وسطي يبلغ اليوم 12 ساعة يومياً على مدار السنة مع تفاوت بحسب الفصول إذ تتدنى في فصل الصيف مع ارتفاع الطلب على الطاقة، إلى 19 ساعة يومياً، علماً بأن استئجار الباخرتين سيرفع كمية الطاقة المنتجة بنسبة 42.5%، أو ما يعادل سبع ساعات تغذية إضافية.وتتوقع الوزارة أن تنتج كمية إضافية من الطاقة، من معملي الذوق والجية الجديدين بقدرة 272 ميغاوات، أو ما يوازي 14.3% من الكمية المنتجة، أي ما يعادل 3 ساعات تغذية إضافية، وهو ما يتيح التخلّي عن الباخرتين «فاطمة غول» و«أورهان بيه» في أواخر 2018، على أن يتزامن هذا الأمر أيضاً مع بدء إنشاء 8 معامل جديدة بقدرة 500 ميغاوات لكل واحد منها، اعتباراً من 2020 في دير عمار والذوق والجية وسلعاتا والزهراني ومناطق غير مسماة أيضاً.
المحور الثاني: معامل بقدرة 1000 ميغاوات
يستند هذا المحور إلى ورقة سياسة قطاع الكهرباء التي أقرّها مجلس الوزراء والتي لحظت وحدات إضافية لتوليد الكهرباء بقدرة 1500 ميغاوات وفق نظام IPP. يومها كّلفت شركة Mott Mac Donald بوضع خريطة طريق تتضمن الجدوى الفنية والاقتصادية والقانونية، وقد خلصت الشركة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتعيين استشاري عالمي للقيام بمهام Transaction Advisor، لوضع دراسات الجدوى التفصيلية وتحضير دفاتر الشروط ودليل إجراءات الشراء والمفاوضات وإبرام الصفقات. كذلك، تضمنت التوصيات ضرورة تطوير إطار قانوني «يتمتع بالليونة ويكون نموذجاً استراتيجياً يمكن تكراره في المستقبل مما يجعله جاذباً للقطاع الخاص والمتمولين».وبحسب الخطة، فإن الشركة تحدثت عن ضرورة «تحديد أهداف استراتيجية للتعرفة المقبولة والكلفة الدنيا للطاقة المنتجة»، وأن تكون محطات الكهرباء المنوي إنشاؤها «تعمل على نوعي من الوقود، الفيول الثقيل والغاز»، على أن تكون المحركات العكسية هي تقنية الإنتاج الأفضل في حال اعتماد الفيول كوقود أولي، وأن تكون العنفات الغازية عاملة بالدارة المركبة إذا اعتمد على الغاز كوقود أولّي. واستبعدت الشركة الإنتاج الحراري البخاري التقليدي، لأن «كلفته ومردوديته هي أدنى من الحالتين».ودرست الشركة نحو تسعة مواقع ممكنة لإنشاء المعامل في دير عمار، سلعاتا، الزهراني، الدامور، شكا، شبريحا، كسارة، صور، الحريشة، وتبيّن أن أفضل ثلاثة مواقع بالترتيب هي: الزهراني وسلعاتا، والدامور، «وتقرر المضي بأول موقعين مباشرة».تقول الخطّة إن هذه الإجراءات لم تنفّذ بعد رغم أن وزارة الطاقة طلبت من وزارة المال تأمين الأموال اللازمة لشراء خدمات الـTransaction Advisor، إذ أن وزارة المال طلبت مراجعة شروط الكفالة والكلفة الفعلية للتعاقد مع مؤسسة التمويل الدولية «ولم يتم بعد التوافق على تكليف مؤسسة التمويل الدولية للقيام بالمهام المطلوبة».
المحور الثالث: محطات الغاز الطبيعي
تنطلق خطّة وزير الطاقة من نقطة أساسية وهي أن اللجنة الوزارية التي شكلت لدراسة نتائج استدراج العروض لإنشاء محطة استيراد الغاز الطبيعي المسال، في موقع البداوي، لم تتوصل إلى قرار نهائي، وأن الوزارة استكملت دراساتها على مواقع محتملة كان الاستشاري لحظها في دراسته وهي الزهراني وسلعاتا. وبحسب دراسات الوزارة، فقد تبيّن أن هناك حسنات عدّة لموقعي سلعاتا والزهراني منها عمق المياه، والموقع الجغرافي، والمساحات الكافية التي يمكن استغلالها لإنشاء معامل توليد طاقة وفق IPP بقدرة 1000 ميغاوات تعتمد على الغاز الطبيعي في معظمها بكلفة صفر على الدولة اللبنانية كون الدولة تستأجر خدمات المحطات عبر إضافة رسم يحدّد حسب الكمية المنوي تغويزها (إنتاج غاز قابل للاحتراق من مواد تحتوي في تركيبها على عنصر الكربون).لكن هناك خاصية لكل من المعملين على الشكل الآتي:ــ بالنسبة إلى سلعاتا هناك فضلاً عن إمكانية لتزويد معمل الذوق بالغاز عبر خط ساحلي بين المنطقتين بكلفة 70 مليون دولار، ما يتيح للمعمل تحقيق وفر في فاتورته النفطية بأكثر من 50 مليون دولار استناداً إلى سعر برميل النفط بقيمة 50 دولاراً. كذلك تشير الدراسة إلى أن موقع سلعاتا حيث هناك محطة تغويز عائمة، يتيح للمرافق الصناعية في المنطقة الاستفادة من وجود طاقة متدنية الكلفة.ــ بالنسبة إلى الزهراني، هناك إمكانية لاستفادة معمل الزهراني بتشغيله على الغاز الطبيعي، وربط معمل الجيّة الجديد بقدرة 72 ميغاوات، عبر إنشاء خطّ ساحلي بين الزهراني والجية بقيمة 67 مليون دولار ما يحقق وفراً بأكثر من 20 مليون دولار في فاتورته النفطية بناء على سعر برميل النفط بقيمة 50 دولاراً.وتقترح الخطّة، في ظل تأخر إقرار برنامج لقانون لإنشاء خط الغاز الساحلي منذ عام 2012، تجزئة المشروع إلى قسمين: شمالاً وجنوباً، وبالتالي الاستغناء عن الوصلة التي كانت ستنشأ حول مدينة بيروت بكلفة تقديرية تبلغ 157 مليون دولار.
يتوقع أن تجنيكهرباء لبنان 726 مليار ليرة من زيادة التعرفة خلال عام 2018هذا يعني أنه يمكن إنشاء محطة تغويز عائمة في البداوي لتغذية معمل دير عمار 1 ودير عمار 2 (قيد الإنشاء)، ومحطات تغويز في الزهراني لتغذية معملي الزهراني والجية وصور. ومحطة في سلعاتا تتوسط المسافة بين دير عمار والذوق وتستغل لتغذية معامل تولي الطاقة بنظام IPP، بالإضافة إلى ربط معمل الذوق بها عبر خط الغاز الساحلي.وبحسب الخطّة، فإن طول الخط الساحلي يبلغ 177 كيلومتراً بقطر 36 بوصة بكلفة 398 مليون دولار.
المحور الرابع: معامل طاقة متجدّدة
تقول وزارة الطاقة إنها تلقت عرضاً من شركة Growth Holdings من أجل تصميم وتركيب وتشغيل معامل طاقة فوتوفولتية بقدرة 1000 ميغاوات من أجل إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية. الشركة العارضة شكّلت تحالفاً من شركات عالمية في هذا المجال هي: Grupo GRS, EnerTech, Tesla ما يتيح لها تركيب المشروع كاملاً بفترة تتراوح بين 18 و24 شهراً وبأسعار تنافسية. تتوقع الوزارة توليد طاقة توازي 40% من العجز الكهربائي السنوي، بسعر 0.085 دولار لكل كيلوات ساعة، من دون تخزين، أو 0.125 دولاراً مع التخزين. وتشير إلى أن تنفيذ هذا المشروع في مناطق ريفية يسهم في الإنماء المتوازن، ويخلق فرص عمل ويحظى بقبول من الجمعيات البيئية، ويسهم بزيادة ثقة القطاع الخاص بالتزام الدولة بأهدافها المعلنة للطاقة، ويسهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو مشروع يرتكز إلى استثمارات للقطاع الخاص من دون أي كلفة تتكبدها مؤسسة كهرباء لبنان.
المحور الخامس: زيادة التعرفة ورفع الدعم
تقول الوزارة إن التعرفة الحالية للكهرباء تعود لسنة 1994 يوم كان سعر برميل النفط بحدود 20 دولاراً، لكن في ضوء ارتفاع أسعار المحروقات التي تمثّل عنصراً أساسياً في كلفة إنتاج الكهرباء إلى 147 دولاراً في 2008، فإن كهرباء لبنان تتحمل أعباء مالية جراء عدم تغيير التعرفة بسبب ارتفاع معدل كلفة إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء إلى مستوى أعلى من معدل سعر مبيع الكيلووات ساعة. وبالتالي إن كل ما نسب من خسائر مالية لكهرباء لبنان كانت فعلياً دعماً حكومياً للمواطن وليس للمؤسسة.وبالتالي فإن زيادة الإنتاج، بحسب الخطّة، تتطلب كلفة إضافية بسبب تدنّي التعرفة الحالية. ولذا «تبين أنه يجب زيادة التعرفة ابتداء من 1/7/2017 بنسبة 42.6% كمعدل وسطي على أساس سعر برميل النفط بـ 60 دولاراً حتى لا تتكبد الخزينة العامة أي أكلاف إضافية. وبذلك يرفع معدل سعر مبيع الطاقة من 132.1 ليرة إلى 188 ليرة لكل كيلووات ساعة، وتكون التعرفة الجديدة أقل من معدل سعر المولدات الخاصة والمقدّر بنحو 350 ليرة لكل كيلووات ساعة».وتلفت الوزارة إلى أنها درست الأثر المترتب على كل فئة من المشتركين على أساس الفاتورة الإجمالية (كهرباء لبنان والمولدات الخاصة) وتبيّن أن المشترك سيحقق وفراً مالياً بسبب الاستغناء الجزئي عن المولدات الخاصة أكبر من كلفة زيادة التعرفة المقترحة لأن السعر الوسطي لهذه التعرفة أقل بكثير من سعر المولدات الخاصة. فعلى سبيل المثال، هناك 375690 مشتركاً بـ 10 أمبيرات فقط لدى مؤسسة كهرباء لبنان ممن يستهلكون نحو 300 كيلووات ساعة شهرياً، ولديهم اشتراك بـ 5 أمبيرات من المولدات الخاصة، ولذا فإن فاتورتهم الشهرية تبلغ 96900 ليرة منها 21900 ليرة لحساب كهرباء لبنان و75000 ليرة للمولدات الخاصة في حال وجود 12 ساعة تغذية فقط. أما إذا ارتفعت ساعات التغذية إلى 22 ساعة في اليوم، يرتفع معها منسوب الاستهلاك من كهرباء لبنان، وينخفض الاستهلاك من المولدات الخاصة وتصبح عندها الفاتورة الشهرية 64500 ليرة منها 52000 ليرة لكهرباء لبنان و12500 ليرة للمولد الخاص، وبالتالي يكون الوفر الإجمالي للمواطن نحو 32400 ليرة، أي ما يعادل 33.4% شهرياً جراء تحسين التغذية من 12 ساعة إلى 22 ساعة وتنطبق هذه المقارنة على شرائح المشتركين كافة.
الأولويات: خفض الدعم اعتباراً من تموز
تتضمن خطّة وزير الطاقة الإنقاذية للكهرباء خريطة طريقة توضح الأولويات على النحو الآتي:ــ إقرار الخطة الإنقاذية بكل بنودها، وخاصة التعديلات التي تقدمت بها شركة Karpowership على العقد الحالي قبل نهاية شهر آذار 2017، والسماح للشركة المذكورة بتنفيذ الأشغال والأعمال المطلوبة، على أن تستكمل الإجراءات اللازمة للاستحصال على التراخيص والمراسيم المتوجبة بشكل لاحق، وعلى سبيل التسوية، بغية إنجاز الأعمال البحرية والكهربائية المطلوبة وإتمامها في الموعد المحدد.ــ مساعدة كهرباء لبنان لدفع المستحقات التي ستترتب عليها في عام 2017، والبالغة 726.75 مليار ليرة لبنانية: 585.3 مليار ليرة لبنانية لتشغيل الباخرتين الجديدتين اللتين ستوضعان بالخدمة تباعاً، بدءاً من شهر حزيران 2017 و141.45 مليار ليرة لبنانية للدفعة الأولى. يتوقع أن تجني كهرباء لبنان هذا المبلغ من زيادة التعرفة خلال عام 2018، وحينها تستطيع إرجاع المبلغ.ــ تكليف الاستشاري Poten & Partners إجراء الأعمال المتوقع تنفيذها لإنجاز مشروع الـ FSRU (محطات الغاز المسال).ــ الطلب من شركة Imeg/ACE إعادة التحقق من الدراسة التي أعدتها لإنشاء خطّ غاز ساحلي بقطر 36 بوصة وبطول إجمالي 177 كلم لجهة الكلفة التقديرية لكل قسم (طرابلس، سلعاتا، الذوق، الجيّة، الزهراني وصور).ــ الموافقة على العرض المقدم من شركة Growth Holding وتفويض وزارة الطاقة والمياه بالتفاوض مع التحالف العارض على الكلفة المقترحة ودراسة عدد المشاريع المقترحة مع أو بدون تخزين للطاقة.ــ الموافقة على اقتراح تعديل التعرفة كما ورد في هذا التقرير وذلك بدءاً من 1/7/2017.ـــ اتخاذ إجراءات سريعة لتعيين استشاري عالمي للقيام بمهمات الـ"Transaction Advisor".
غسان ديبة - الأخبار«التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة»
كارل ماركس
خلال الأسبوع الماضي، في خضم معركة سلسلة الرتب والرواتب، لم يكتف اليمين الاقتصادي المتمثل بالهيئات الاقتصادية، وممثليهم في السلطة السياسية بنسف السلسلة، بل ذهبت الموازنة والضرائب الموجودة فيها كلّها كأضرار جانبية لهذه المعركة.
وهكذا حافظ الرأسمال على مواقعه الاقتصادية وسلطته السياسية مرة أخرى. فعند انقشاع الغيوم تبين للبنانيين أن النظام الرأسمالي-الطائفي قد أنقذ نفسه مرة أخرى، في معركة أديرت بشكل ذكي جداً، بحيث خلقت "شعبوية" يمينية ويسارية في آن ضد "الضرائب"، مترافقة بالإشاعات والأكاذيب والتهديدات بانهيار الاقتصاد في حال وضع ضرائب على الأرباح والريوع والمصارف والتجارة، فكانت أنها جميعها تتجه إلى الإلغاء سلة واحدة.ظن الجميع أن الجميع خرجوا رابحين. لكن هل هذه هي الحقيقة؟ كلا، ففي حساب سريع ربحت القلة وخسرت الأكثرية. ربحت القلة التي تراكمت ثروتها وسلطتها الاقتصادية والسياسية منذ 1992، لأنها استطاعت أن تمنع أمرين كانا سيهدّدان مصالحها: الأول، السلسلة ليس لأنها ستزيد أجور موظفي القطاع العام والعسكريين والأساتذة. فعلى الرغم من وجود حقد طبقي ضد الموظفين من قبل بعض الرأسماليين الذين راكموا أموالهم من الخمول الريعي وامتصاص أموال الخزينة اللبنانية عبر أدوات الدين العام، وهذا الحقد يظهر يين الفينة والأخرى ويصل إلى دركه الأسفل إلى التهجم على "معاشات التقاعد"، إلا أنهم يخافون من السلسلة لأنها ستؤدي إلى كرة ثلج مطلبية عمالية ستجتاح القطاع الخاص المبنية أرباحه و"كفاءته" على الأجور المتدنيّة؛ وأيّ خلل في هذا الإطار سيكسر أحد أهم أعمدة النموذج الاقتصادي القديم، ألا وهو الأرباح العالية مقابل الأجور المتدنية. الأمر الثاني، رفع الضرائب على الأرباح والفوائد واستحداث ضريبة الربح العقاري. على الرغم من أن هذه الضرائب لو أُقرت بالكاد كانت ستحدث "صدمة خفيفة" في توزع الثروة والدخل في لبنان الذي يميل بشكل فاقع إلى صالح الرأسمال (حصة عوائد الرأسمال حوالى 60% من الناتج، مؤشر جيني للثروة 0.86، من أعلى معدلات تركز الثروة في العالم في أيدي القلة؛ لائحة مليارديريي مجلة فوربز ثروتهم تبلغ حوالى 20 بالمئة من الناتج وهذا معدل عالٍ جداً). لكن هذه الضرائب كانت ستشكل "سابقة" وليست أية سابقة بالمطلق. أي أن اليوم يختلف عن الأمس. اليوم وصل لبنان إلى مفترق طرق أسميتها "ساعة الحقيقة"، فعند بدء التفكير بالموازنة بعد 12 عاماً والذي ظن البعض بعقله المحاسباتي والمركنتيلي السخيف أنها ستكون "الحل" اكتشف اللبنانيون العكس تماماً؛ "فاكتشفوا" أن الدولة غارقة في الدين وخدمته وأن عجز الخزينة مزمن، وليس فقط ناتج عن عدم إقرار موازنة، وأن البنى التحتية تهترئ وأن الكهرباء عاجزة في دولة دخلها الفردي حوالى 13 ألف دولار، وتتشارك في انقطاع الكهرباء مع الكونغو التي يبلغ دخلها الفردي حوالى 500 دولاا (زيمبابوي أفضل من لبنان بالمناسبة)!أمام كل هذا، ما الذي كان متاحاً لمهندسي الموازنة؟ في وجود خزان الثّروة والمداخيل التي تراكمت في أيدي القلة من الرأسماليين الماليين والمصرفيين والعقاريين، فكان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى هناك، ليس فقط من قبل "اليسار" بل من قبل أي عاقل رأسمالي، ولهذا رأينا اقتراحات الاقتطاع الضريبي من هذه المصادر. ولهذ كان الرفض مدوياً!في المقابل خسر العمال والموظفون والطبقة الوسطى وخسرت الدولة اللبنانية، لأن "الضرائب" التي أُلغيت ومن ضمنها الـ 11% على tva كانت ثمناً ضئيلاً نسبياً إلى ما كانت هذه الفئات والدولة ستجني من خسارة الرأسمال لبعض من مواقعه. إن الفرصة، ولربما كانت لا تزال سانحة، لتشكيل تحالف واسع يشكل قوة مضادة للرأسمال ومحاولة استفراده وتسلطه. فهذه القوة المضادة، أو ما أسماها روبرت رايش وزير العمل الأميركي في عهد كلينتون "the countervailing power" كانت أساسية في الولايات المتحدة الأميركية في تحقيق المكاسب للعمال الأميركيين وللطبقة المتوسطة منذ أيام "الثورة الديمقراطية الجاكسونية" في 1830s، مروراً بتفكيك الاحتكارات إلى الاتفاق الجديد (new deal) في عهد روزفلت، وصولا إلى حرب "المجتمع الكبير" على الفقر أيام ليندون جونسون في الستينيات. هكذا وحتى في أميركا انقلبت موازين القوى تاريخياً، ويجب الآن بحسب رايش أن تنقلب ضد "تمركز السلطة في أيدي النخب الشركاتية والمالية".
يجب ألا يكون هناك عودة للخطاب الاقتصادي الأحادي الاحتكاري من زمن التسعينيات
بالعودة إلى لبنان، فعلى الرغم من انتصار الرأسمال لمرة أخرى، إلا أنه لا ينام على أمجاده لأنه يعلم أن الأمور لا تزال في دائرة عدم اليقين، وأننا أمام مرحلة يمكن وصفها بالصراعية، ربما لأول مرة منذ 1992. وبالتالي انتقل الرأسمال إلى الهجوم المضاد ولم يكتف بالنصر المؤقت لأنه يريده "نصراً رأسمالياً" وليس فقط "شعبوياً"؛ فالشعبوية أداة قد تنقلب ضده في أيّ لحظة. ومن أفضل من ممثلي الرأسمال الأوائل في الحكومة والنظام، رئيس الحكومة سعد الحريري وقائد حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لقيادة هذا الهجوم المضاد؟الرئيس الحريري يريد أن يعيدنا إلى التسعينيات ليعطي للرأسمالية اللبنانية مشروعاً و"مشروعية" فقدتها. ففي خطاب أمام مؤتمر مجلة الاقتصاد والأعمال قال إن الحكومة بصدد الإعلان عن برنامج استثماري لمدة سبع سنوات "بروحية مرحلة التسعينيات"! أي العودة إلى الفترة التي أنتجت ما نحن عليه الآن من أزمات. ولم يقل الرئيس الحريري من أين سوف تُموّل هذه الاستثمارات؛ إلا إذا كان كلامه عن ضغط الـ 2 مليون سوري وفلسطيني على البنى التحتية وتحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته مقدمة لإطلاق حملة "تبرعات" دولية. في هذا الإطار، لا بدّ من القول: أمام لبنان طريقتان لتمويل خطة كهذه: الضرائب أو الاستدانة (التمويل التضخمي صعب جداً في لبنان في المرحلة الحالية) فليختاروا واحدة. أما استغلال وجود السوريين والفلسطينيين للبحث عن وطلب الهبات من هنا وهناك وتحويل البرنامج إلى مباراة في طلب التمويل من الخارج، فإنه عندئذ سيكون عرضة أن يصبح، على الرغم من تذكيرنا بمآسي التسعينيات، فعلاً مهزلة.أما جعجع، من جهته، فقد أفصح عن "عبقرية اقتصادية"، إذ اعتبر أن "التقشّف" هو الحل واضعاً حلولاً للموازنة أولها عصر النفقات. وبطريقة استسهالية للأمور قال إن الموازنة يجب أن ينخفض إنفاقها من 25 ألف مليار ليرة إلى 22 الف مليار ليرة أي 2 مليار دولار: إنها فكرة شعبوية ممتازة، وأيضاً ستنطلي على الكثيرين. لكن يجب السؤال هنا: من أين سيأتي الخفض هذا الذي يشكّل 12 بالمئة من الموازنة أو 4 بالمئة من الناتج المحلي؟ من خدمة الدين العام؟ أو من نفقات الوزارات العادية؟ أو من نفقات قطاع الكهرباء؟ فكل هذه الأبواب غير خاضعة للخفض، على الأقل في المدى القصير، الذي يتطلّبه إقرار موازنة، إلا إذا كنا نريد موازنة في عام 2022 مثلا! بالتالي يبقى أمران في الموازنة: الأجور والاستثمار العام. هنا طبعاً قد لا يكون المقصود من البند الخامس في "خطة" القوات اللبنانية (وأشدّد على قد) خفض الأجور أو طرد موظفي الدولة على الرغم من الإيحاء بهذا، حين قال إنه يجب "وقف التوظيف قطعاً في الإدارات العامة تحت أيّ تسمية من المسميات، فالمعاشات ومعاشات التقاعد تبلغ 35% من قيمة الموازنة الأمر الذي لم تعد تتحمله الدولة، إذ لديها 310 آلاف موظف بين ملاك ومتعاقدين، ولكن إنتاجيتهم لا تتلاءم وعددهم". هنا لا بد من الإشارة إلى أنه لم يشرح لنا أحد حتى الآن من "جيش المحاربين ضد القطاع العام" المفهوم الذي استُخدم لحساب إنتاجية الموظفين في القطاع العام، وكيف تم قياسها في لبنان بحيث وجد أنها "لا تتلاءم مع عددهم".إذاً تسلسلياً وحسب منطق الخطة، فإن إلغاء السلسلة وخفض الاستثمار العام هما الملاذان الأخيران لخفض الـ 2 مليار دولار من الموازنة. وبهذا يتحقق هدفان: فإلغاء السلسلة يحلّ معضلة الرأسمال كما ذكرت سابقاً، وخفض الاستثمار يخدم فكرة عدم مقدرة الدولة على إعادة بناء البنى التحتية فيفتح المجال لخصخصة الكهرباء كما تريد القوات اللبنانية! بهذا تكون خطة جعجع أصابت عصفورين بحجر واحد، أصابت الاقتصاد اللبناني مقتلاً.إن الفكر الاقتصادي اليميني الذي أنشأ النموذج الاقتصادي القديم إذاً يحاول العودة بأشكال جديدة ويريد أن يأخذ زمام المبادرة الأيديولوجية. صحيح أن القديم لم ينهَر وبالتالي لا نستطيع أن ننتظر الجديد الذي لم يولد بعد. ولكن القديم يهتزّ ويترنّح، فأزمة الرأسمالية اللبنانية وأزمة نظام الطائف، هذه الأزمة المزدوجة للنظام اللبناني لم تُحل. في الوقت نفسه إن "القوة المضادة" يجب أن تنشأ وتنشأ معها أيديولوجيا مضادة، لأنه بالنسبة لنا يجب ألا يكون هناك عودة للخطاب الاقتصادي الأحادي الاحتكاري من زمن التسعينيات، لأنه انتهى ونموذجه أصبح ليس فقط قديما بل أضحى نظاماً عتيقاً (Ancien Regime)، فكما أسقطت هذه الأنظمة في التاريخ، علينا إسقاطها في لبنان اليوم، لأن شباب لبنان وأجيال مستقبل لبنان والمجتمع كله يعتمدون على ذلك: لا أكثر ولا أقل.
فيفيان عقيقي - الأخبار
كما في صيف عام 2015، فشلت الأحزاب والمجموعات المشاركة في التحركات ضد «الضرائب التي تصيب الطبقات الفقيرة والمتوسطة» في بناء «توافق» الحد الأدنى؛ فلا إطار تنسيقياً موحداً، ولا مطالب مشتركة، ولا مفاوضات مع السلطة، ولا مواعيد لاستكمال التحركات المقبلة... هذه هي حصيلة الاجتماعات الماراتونية التي انتهت أول من أمس.
عقدت الأحزاب والمجموعات التي شاركت في تظاهرة الأحد "ضد الضرائب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة" سلسلة اجتماعات، انتهت أول من أمس. تمحورت المداولات حول:
1- تقييم المظاهرة.
2- المطالب.
3- التفاوض مع الحكومة والردّ على دعوة تلفزيون الجديد لإجراء مناظرة علنيّة مع رئيس الحكومة سعد الحريري.
4- التحركات المقبلة. جرت نقاشات مطوّلة لهذه البنود الأربعة، وظهرت تباينات وتناقضات واسعة بين المشاركين، فانتهى الأمر إلى لا شيء: يبقى الأمر على ما هو عليه. كل حزب أو مجموعة تصدر مواقفها ومطالبها الخاصّة وتنظّم تحرّكاتها ونشاطاتها باستقلاليّة... ولا تنخرط في عمل جامع إلا في سياق ردّ الفعل على حدث ما أو قرار ما في مواجهة الحكومة ومجلس النواب.
حُسمت كل البنود في الاجتماع الأخير في مقر الجمعيّة اللبنانيّة لديمقراطية الانتخابات، والذي استغرق أكثر من ساعتين، وضمّ نحو 50 شخصاً يمثلون طيفاً واسعاً من الاحزاب والحركات والمجموعات. بحسب مشاركين في الاجتماع، كان هناك نيّة مُسبقة لدى الغالبية لرفض أي إطار موحّد للتنسيق والعمل، وجرى الاتفاق على أن تستكمل كلّ جهة نشاطاتها الخاصّة. في هذا السياق، بدا أن هناك شبه إجماع على أن تظاهرة الأحد حقّقت الهدف المرجوّ منها، وقد تبلور ذلك بردود الفعل عليها من قبل رموز السلطة.تقول مصادر الاجتماع أن الحيّز الأكبر من النقاش كان حول التفاوض مع الحريري. اقترح "المرصد اللبناني لحقوق العمال والعاملات" وحركة "مواطنون ومواطنات في دولة" وضع لائحة بالحلول المُمكنة لتمويل السلسلة، وتشمل فرض ضرائب على المضاربات العقاريّة والمصارف، إلّا أن الجوّ العام كان ضدّ التفاوض مع السلطة؛ ويقول أمين عام حزب الكتائب باتريك ريشا إن "المطالب واضحة، وعلى السلطة القيام بمبادرة حلّ، مش شغلتنا نقدّم حلول، نحن حدّدنا مكامن الهدر والفساد وعليها أن تتحرّك". لا يبدو موقف الكتائب لناحية رفض التفاوض مختلفاً عن رأي المجموعات الأخرى. يقول مروان معلوف (من أجل الجمهوريّة) إن "تجربة الحوار مع السلطة غير مشجّعة، فنحن قدّمنا حلولاً في عام 2015 واتفقنا معها على خطط بيئيّة، لكن لم ينفّذ أيّ منها، وتالياً لن نكرّر أخطاء الحراك نفسها"، فيما يشير أحمد الحلاني (بدنا نحاسب) إلى أن "الدولة مُلزمة بتقديم البدائل، وأن تحدّد الموارد الضريبيّة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب". في المقابل، يرى وديع الأسمر (طلعت ريحتكم) أن المبادرة المطروحة غير مكتملة المعالم وغير محدّدة الشروط، لكون المطالب معروفة، و"طوشناهم فيها"، ويضيف الأسمر: "التفاوض يجب أن يكون على حلول بديلة ومع الحكومة كلّها".
تقول المجموعات إنها حقّقت مطلبها الأساسي بمنع السلطة من فرض ضرائب على الفقراء والطبقة الوسطىشبه الإجماع الذي ناله طرح التفاوض مع السلطة، لم ينسحب على الخروج بمذكرة مطالب محدّدة وموحّدة. في مناقشات هذا المحور ظهر التباين الأكبر في المواقف، فعلى ماذا نتفاوض مع السلطة؟ المواقف الوحيدة الواضحة حيال فرض الضرائب على أرباح المصارف والمضاربات العقارية، تبنّاها كلّ من الحزب الشيوعي، واتحاد الشباب الديمقراطي، وبدنا نحاسب، ومواطنون ومواطنات في دولة، وطلعت ريحتكم، ومن أجل الجمهوريّة، في حين حصر حزب الكتائب مطالبته بفرض ضريبة على "الأرباح الخياليّة التي حقّقتها المصارف من الهندسات الماليّة"، بحسب ما يشير باتريك ريشا، فيما رفض حزب الأحرار تحويلها إلى مطلب كامل المجموعات، باعتبار أن "هناك خلافاً على السياسة الضريبيّة الواجب اتباعها، ومن المفضّل حصر المواجهة بالضرائب المُتفق على رفضها، أي التي تطال الفقراء". أمّا حزب سبعة، وبيروت مدينتي، وحركة 14 آذار مستمرون، فلم يعلنوا أي موقف منها. يقول جاد داغر، أحد مؤسّسي حزب "سبعة"، إن "السلطة فقدت صدقيّتها، ونحن لا نثق بها، حتى ولو كانت الضرائب التي تقترحها محقّة، إضافة إلى أننا كحزب ننبذ الخطاب الطبقي، ولا نطالب بفرض ضريبة على المصارف باعتبار أنهم يملكون الأموال، نحن مع الضريبة التصاعديّة التي تحقّق العدالة الاجتماعيّة"، فيما عبّرت حركة 14 آذار مستمرون عن موقفها في بيان، صدر أمس، ولم تلحظ فيه هذه الضرائب، بل شدّدت على "الحدّ من الهدر والفساد لتمويل السلسلة". من جهته، حاول الحزب الشيوعي واتحاد الشباب الديمقراطي صياغة موقف من المسألة الضريبيّة يقبله الجميع، فتخلى ممثلوه عن طرحهم الأساسي بدعوة المجموعات والأحزاب الأخرى الى تبنّي "البيان الوزاري البديل" الذي أعلنه الحزب قبل مدّة، وصاغوا بياناً سقفه أخفض لتسويقه، يتضمّن رفضاً لأي ضريبة غير مباشرة وتبنّي للضريبة المباشرة التصاعديّة، ولا سيما على أرباح المصارف وشركات الأموال والقطاع العقاري، فضلاً عن مكافحة التهرب الضريبي والفساد، وتحصيل حقوق الدولة المسلوبة من استغلال الملك العام، ولا سيما الأملاك العامة البحريّة. لم تنجح هذه المحاولة، كما لم تنجح محاولات أخرى في السياق نفسه.ماذا بعد 19 آذار؟ ترى المجموعات أنها حقّقت مطلبها الأساسي، أي "منع السلطة من فرض ضرائب على الفقراء والطبقة الوسطى"، وتالياً حقّقت "انتصاراً". تتوجّه كلّ مجموعة لتنفيذ أجندتها باستقلاليّة. يقول وديع الأسمر من "طلعت ريحتكم" إنه "ليس هناك أي ضرورة للدعوة إلى تظاهرات دائمة، واستهلاك الناس بتظاهرات من دون أفق. التظاهر هو وسيلة وليس غاية، والآن هناك خطوات أخرى سنقوم بها، مثل شرح الضرائب والسلسلة"، فيما يشير مروان معلوف (من أجل الجمهوريّة) إلى أن "الهدف اليوم هو إبراز ما حقّقته المطالبة الشعبيّة بتعليق الضرائب، على أن يتمّ تنسيق الخطوات التاليّة مع المجموعات والناس". ويشير أحمد الحلاني (بدنا نحاسب) إلى وجود "توجّه لخلق إطار تنسيقي مشترك بين المجموعات الأساسيّة المتقاربة لتنسيق الخطوات اللاحقة". أمّا التصوّر الأكثر وضوحاً فيبقى لدى الحزب الشيوعي واتحاد الشباب الديمقراطي؛ يقول حسن يونس، نائب رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي، إن "التحرّكات مستمرّة في مناطق مختلفة للضغط باتجاه إقرار الضرائب على المصارف والريوع العقاريّة وإقرار السلسلة، على أن يترافق ذلك مع مناقشات مع المجموعات الأخرى على العناوين الأساسيّة لتحديد أطر التلاقي".
محمد زبيب - الأخبار
أرباح المصارف كالمنشار ورياض سلامة يحمّل الخزينة العامة الكلفة
الوقاحة لا حدود لها، ففي الوقت الذي نجحت فيه المصارف بشيطنة الضرائب لمنع إلغاء الإعفاءات الممنوحة لها، تكشّفت فصول جديدة من "الهندسة المالية" التي منح حاكم مصرف لبنان المصارف عبرها أكثر من 5.5 مليارات دولار كأرباح استثنائية فوق أرباحها السنوية المتكررة، المقدرة بنحو 2.1 مليار دولار. فقد أعلنت وزارة المال أمس أنها تلقت طلبات بقيمة 17.8 مليار دولار للاكتتاب في سندات «اليوروبوندز» بعائد 7%، وأنها قبلت 3 مليارات دولار منها، 600 مليون دولار مصدرها خارجي، فيما 2.4 مليار دولار مصدرها المصارف المحلية، حصلت عليها من مصرف لبنان!
بعيداً عن "الاحتفالية" التي ترافق إصدارات سندات الدين بالدولار "يوروبوندز"، التي تحتفي بتجديد ديون الدولة وزيادتها وزيادة حصة الدين الخارجي عبرها، والتي تصوّرها كـ"قصة نجاح" من "قصص" النموذج الاقتصادي اللبناني المرهون بالكامل للتدفقات الخارجية وربحية المصارف وكبار المودعين... بعيداً عن كل ذلك، على أهميته، حمل الإعلان الصادر عن وزارة المال، أمس، في شأن إنجاز إصدار جديد من سندات الدين بالدولار بقيمة 3 مليارات دولار، دلالات إضافية تفضح زيف الادعاءات الكثيرة، التي سيقت في معرض تبرير تحويل مصرف لبنان أكثر من 5.5 مليارات دولار من المال العام إلى أرباح المصارف وكبار المودعين، في إطار ما سمّي "الهندسة المالية"، الجارية منذ حزيران الماضي.
ماذا جاء في إعلان وزارة المال؟
بحسب بيانها، "قامت وزارة المال بإصدار سندات خزينة بالدولار، بقيمة 3 مليارات دولار (...) بهدف تمويل استحقاقات أصل الدين بالعملات الأجنبية لعام 2017". هذا المبلغ يمثل ضعف المبلغ الذي طلبته عند فتح باب الاكتتاب قبل أسابيع قليلة، وهذا دليل على وجود "الوفرة" في عرض "الدولارات" في السوق المحلية والسعي الحثيث إلى توظيفها في أدوات الدين العام والاستفادة من الفوائد المجزية ومراكمة المزيد من الأرباح على حساب المال العام. ولكن، ليس هذا الدليل الوحيد، بل إنّ بيان وزارة المال تضمن ما هو أشد فجاجة منه، إذ "تباهى" بأنّ هذا الإصدار تميّز بـ"نسبة عالية من مشاركة المصارف والمؤسسات المالية المحلية والأجنبية، حيث بلغ حجم الطلب على الاكتتاب نحو ستة أضعاف المبلغ الذي أُصدِر، أي ما يعادل 17.8 مليار دولار، منها نحو 1.250 مليار دولار من مصارف ومؤسسات مالية أجنبية". وأضاف البيان أنّ "نسبة المبالغ المكتتب بها من المصارف والمؤسسات المالية الأجنبية في السندات هي بحدود 20% من المبالغ التي أُصدِرَت، أي نحو 600 مليون دولار، ما يدل على استمرار الثقة والطلب الدولي على السندات اللبنانية". وتابع: "التباهي" بالقول إنَّ "العوائد على السندات الجديدة التي تمّ إصدارها هي بمعدلات جيدة مقارنةً بمعدلات العوائد الرائجة في الأسواق الثانوية"!يوضح بيان وزارة المال أنَّ الـ"3 مليارات دولار"، التي قبلتها من أصل الطلب البالغ 17.8 مليار دولار، توزعت على ثلاثة آجال:- الشريحة الاولى بقيمة 1.250 مليار دولار، بعائد 6.85%، يسدد كل 6 أشهر، ويستحق الأصل في آذار 2027، أي بعد 10 سنوات.- الشريحة الثانية بقيمة مليار دولار، بعائد 7%، يسدد كل 6 أشهر، ويستحق الأصل في آذار 2032، أي بعد 15 سنة.الشريحة الثالثة بقيمة 750 مليون دولار، بعائد 7.25%، يسدد كل 6 أشهر، ويستحق الأصل في آذار 2037، أي بعد 20 سنة.أي دلالات من هذه التفاصيل؟ باختصار شديد، يقول بيان وزارة المال إنَّ هناك "وفرة" في "الدولارات"، وهناك استماتة لتوظيفها، بما في ذلك الطلب الآتي من خارج لبنان، وبالتالي لا أساس لكل خطاب "التهويل" الجاري عن وجود "ضغوط نقدية" و"أزمة تمويلية" بالعملة الصعبة. هذه "الوفرة"، بحسب مصادر مطلعة، أسهمت بخفض العائد على سندات العشر سنوات (الشريحة الثانية) من 7.12% إلى 7%، نظراً إلى الطلب الكثيف عليها، إذ إنَّ هذا العائد لا يزال مغرياً جداً مقارنةً بمعدّلات الفائدة المنخفضة في الأسواق العالمية.شكّل هذا "الضربة القاضية" لمعظم التبريرات التي أعلنها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في سياق دفاعه عمّا سمّاه "الهندسة المالية"، ولا سيما تهويله المتكرر بـ"شحّ السيولة بالعملات الأجنبية" واضطراره إلى تسديد كلفة باهظة من المال العام لمواجهة هذا "الشح". ففيما تتهافت المصارف اليوم لتوظيف "دولاراتها" بعائد متوسطه 7% في سندات الدين، تعمّد سلامة، منذ حزيران الماضي، منحها عائداً سخياً جداً بلغ متوسطه 39.5%، بحجّة وجود "مخاطر" ناتجة من ضعف التدفقات النقدية بالعملة الأجنبية وصعوبة تأمين حاجات تمويل الدولة والاقتصاد بهذه العملات.
لماذا منح سلامة المصارف عائداً بنسبة 40% وأعاد لها الدولارات لتكتتب بسندات الخزينة؟
فقد قام مصرف لبنان، اعتباراً من حزيران الماضي، بشراء ما قيمته 21 ألف مليار ليرة من سندات الخزينة بالليرة وشهادات الإيداع بالليرة التي تحملها المصارف، وسدد للمصارف نحو 8300 مليار ليرة (5.5 مليارات دولار) أرباحاً فورية على هذه العملية. في المقابل، اشترت المصارف من مصرف لبنان سندات دين بالدولار وشهادات إيداع بالدولار بقيمة 14 مليار دولار. لم تقتصر أرباح هذه العملية على الـ5.5 مليارات دولار، فالمصارف تجني عائداً على السندات والشهادات بالدولار يتجاوز حالياً 6.5%، أي نحو 900 مليون دولار سنوياً، كذلك اضطر مصرف لبنان ووزارة المال إلى امتصاص الجزء المهم من السيولة بالليرة الإضافية (29 ألفاً و300 مليار ليرة) التي تراكمت لدى المصارف نتيجة هذه العملية، وتفيد المعلومات بأن عملية الامتصاص الجارية للسيولة بالليرة وفّرت للمصارف أرباحاً سنوية إضافية بقيمة 1400 مليار ليرة، أي إن المصارف لم تجنِ فقط 5.5 مليارات دولار من "الهندسة" في العام الماضي، بل ستجني عليها سنوياً أكثر من مليار و800 مليون دولار سنوياً حتى تاريخ استحقاقها (متوسط 12 سنة).السؤال الذي يُطرح الآن: إذا كانت المصارف تعرض على وزارة المال 17.8 مليار دولار لتوظيفها في سندات "اليوروبوندز" بعائد 7%، فلماذا أجرى حاكم مصرف لبنان هندسته المالية ومنح المصارف عائداً يلامس 40%؟لا تنتهي القصّة هنا! إذ إنَّ التتمة تحمل دلالات "فضائحية" أكثر مما ورد.جزء مهم من "الدولارات" التي عرضتها المصارف لتوظيفها في الإصدار الأخير مصدرها مصرف لبنان نفسه، فقد عمد رياض سلامة، مرّة جديدة، إلى استكمال هندسته، ولكن بالعكس، إذ حسم للمصارف شهادات إيداع بالدولارات، التي سبق أن وظّفت "دولاراتها" فيها عبر "الهندسة المالية"، بما يوازي اكتتاباتها في إصدار وزارة المال! ماذا يعني ذلك؟ بتبسيط شديد، فبعد أن جنت المصارف عائداً بمتوسط يلامس 40% على "الدولارات" نفسها، أعادها سلامة إليها لتوظيفها مجدداً بسندات الدين الحكومية بالدولار، أي إنه نقل جزءاً من عبء خدمة "الدولارات" من ميزانية مصرف لبنان إلى الموازنة العامّة! طبعاً، ما انفك سلامة يردد أنه لم يحمّل كلفة "الهندسة المالية" إلى أحد، فالنقد لديه يولّد النقد من لا شيء. ما جرى في الإصدار الأخير (وما سبقه بالتأكيد) يجسد الدليل على أنَّ النقد يولّد النقد من خلال نهب مقدرات المجتمع وثروته.بحسب مصادر مصرفية، جاء إصدار وزارة المال متأخراً لمدة أسبوع عن موعد استحقاق جزء من الدين. أما أسباب التأخير، فكانت متصلة بهذه الآلية تحديداً، أي استبدال جزء من محفظة شهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان، التي ارتفعت قيمتها بعد "الهندسة المالية" إلى 24 مليار دولار، وتخفيف "حمولتها الزائدة" التي تضعف ميزانيته، وإعادة تحميلها للخزينة العامة، التي ستظهر عجزاً إضافياً وديناً أكبر.في الحصيلة، زادت المصارف أرباحها، وخفّف مصرف لبنان حمولته قليلاً، ولم يخرج من عنده أي دولار، بل بالعكس ستزيد موجوداته 600 مليون دولار المكتتب بها من الخارج. في حين أنَّ دافعي الضرائب سيتحملون المزيد من الأكلاف نتيجة كل ذلك.
أرباح المصارف أكبر من رواتب 430 ألف موظف
يقول الوزير السابق شربل نحاس، إنَّ أرباح المصارف الصافية لعام 2016 توازي 14.3% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 54.54 مليار دولار، وهي أعلى بنسبة 30% من كتلة الرواتب والأجور المصرّح عنها للضمان الاجتماعي والبالغة 6 مليارات دولار سنوياً، علماً بأنَّ هذه الكتلة تعود إلى نحو 430 ألف أجير في لبنان. فضيحة بهذا الحجم هي محاولة للتغطية على حجم ومستوى «الغرف» من المال العام.ووفق تحليل الأرقام التي أعلنتها جمعية المصارف، فإن أرباح المصارف الناتجة من «الهندسة المالية» بلغت 5.693 مليارات دولار، إذ أعلنت الجمعية في بيان لها أنَّ الضريبة (15%) التي ستسددها المصارف على هذه الأرباح تبلغ 1291 مليار ليرة، أو ما يعادل 856 مليون دولار، وقالت إنَّ الأرباح السنوية المتكررة بلغت 2.156 مليار دولار (أعلنت الجمعية أنَّ الضريبة التي ستسددها المصارف على أرباحها السنوية غير أرباح الهندسة الاستثنائية تبلغ 485 مليار ليرة أو ما يعادل 321 مليون دولار)، أي أنَّ مجمل الأرباح المحققة في 2016 للمصارف بلغت 7.849 مليارات دولار.
محمد وهبة - الأخبار
حسم المكتب العمالي لحركة أمل خياره بترشيح رئيس نقابة عمال المرفأ بشارة الأسمر لرئاسة الاتحاد العمالي العام، فيما تركّز اللقاءات والاتصالات على التوزيع الطائفي والعددي لأعضاء هيئة مكتب الاتحاد العمالي العام، تمهيداً لسلّة أخرى من المغانم تتعلق بإعادة تشكيل مجلس إدارة الضمان الاجتماعي وتعزيز حضور أصحاب العمل فيه.
أفرج المكتب العمالي لحركة أمل عن الاسم الذي اختاره لخلافة غسان غصن في رئاسة الاتحاد العمالي العام، وهو رئيس نقابة عمّال المرفأ بشارة الأسمر. ما قيل عن وجود «توافق» بين القوى السياسية على الأسمر ليس دقيقاً، إذ إن موقع رئيس الاتحاد العمالي العام لم يكن مطروحاً للتفاوض عليه من قبل الجهة المسيطرة على معظم أصوات المنتسبين إلى المجلس التنفيذي للاتحاد، أي حركة أمل. يستدلّ بعض النقابيين على هذا الأمر بالإشارة إلى أن بعض الأحزاب لم تكن راضية عن الاختيار، إلا أنها رضخت سريعاً وبلا نقاش لخيار المكتب العمالي في حركة أمل.
أما التوافق الذي يحكى عنه، فهو يتعلق بعملية توسيع المشاركة في هيئة مكتب الاتحاد العمالي لجهة إعادة بعض النقابيين الذين خرجوا من الاتحاد خلال السنوات الماضية احتجاجاً على "سيطرة" بعض الأحزاب.هذا التوافق هو الذي دفع تيار المستقبل والنقابات المحسوبة على التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وأطراف مسيحية أخرى إلى تزخيم النقاش مع المكتب العمالي لحركة أمل، أملاً بالحصول على حصّة من كعكة قيادة الاتحاد. ولهذا السبب أيضاً، اختارت أمل بشارة الأسمر تحديداً، فهو يمثّل اتحاداً لصيقاً بالنقابات المحسوبة على «أمل»، وهو لا يستفز الأحزاب المسيحية، وهو أيضاً يمتلك حدّاً أدنى من التمثيل النقابي في نقابة المرفأ المنضوية من اتحاد المصالح المستقلّة.جاء ترشيح الأسمر قبل أكثر من 10 أيام على موعد الانتخابات المقرّرة في 15 آذار، ما ترك هامشاً زمنياً، ولو محدوداً، للنقاش بين المكاتب العمالية للأحزاب حول الحصص والتوزيعات وفق قواعد طائفية وقطاعية وجغرافية.
بحسب بعض النقابيين، فإنه لم يتم الاتفاق على كل الأسماء حتى الآن، إلا أنه بات شبه محسوم اختيار الأسماء التالية عن الحصّة المسيحية: بشارة الأسمر، أنطون أنطون (مردة)، شربل صالح، بطرس سعادة (قومي)، أديب برادعي (اختارته حركة أمل نظراً إلى كونه من مدينة صور). ولا يزال النقاش دائراً حول حصّة المسيحيين وفق المناصفة، أي 6 أعضاء من أصل 12 عضواً، وهو ما يحتّم على المعنيين اختيار اسم إضافي يتردد أنه من بين ثلاثة أسماء: جورج علم، مارون الخولي وموسى فغالي.وسيعود الحزب الاشتراكي من خلال ممثل اتحاد نقابات موظفي المصارف أكرم عرابي، فيما ستعود حصّة تيار المستقبل من خلال عبد اللطيف ترياقي وشعبان بدرة (الشمال)، فيما سيبقى سعد الدين حميدي صقر، وحصّة حزب الله ستكون مقعداً واحد، ويرجح أنه لن يعمد الى تغيير ممثله الحالي علي ياسين، أما حركة أمل، فقد رشحت حسن فقيه ليبقى نائباً للرئيس، ولم تحسم أمرها بشأن عضو المجلس علي الموسوي (وهو رئيس دائرة في مجلس النواب).إذاً، بقيت الأحزاب نفسها مسيطرة على الاتحاد العمالي العام. ولو أنها، هذه المرّة، تحاول إحكام قبضتها تحت عنوان "استعادة دور الحركة النقابية وتنشيط دور الاتحاد في الحياة الاقتصادية"... لكن ذلك كلّه لا يعدو تمويهاً لحقيقة أن من يقبض على الاتحاد العمالي هم أنفسهم القابضون على السلطة.الاتفاق على هيئة مكتب الاتحاد العمالي العام، بحسب المطلعين، مجرّد «بروفة» أو مقدّمة، للاتفاق على سلّة أخرى من المغانم؛ أبرزها إعادة تشكيل مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فمن المعروف أن مجلس الضمان انتهت مدّة ولايته منذ أكثر من 10 سنوات، وهو يستمر في الانعقاد تحت راية «تسيير المرفق العام». وقد حاول أكثر من وزير للعمل أن يعيد تشكيل مجلس الإدارة، إلا أن المحاولات كانت تتراجع بحجة الانقسام السياسي. أما اليوم، فمع عودة «الوئام» بين قوى السلطة، هناك نيّة لتقسيم مجلس الضمان وفق الآلية نفسها، أي الآلية الحزبية الطائفية، وهذا الأمر لا يعني فقط الاتحاد العمالي العام الذي يسمّي مندوبي العمّال لمجلس الضمان على أساس أنه الهيئة الأكثر تمثيلاً لهم! بل هو يشمل الهيئات الاقتصادية، أي هيئات أصحاب العمل الذين يسعون، بالتعاون مع وزير العمل محمد كبارة، إلى تعديل مرسوم الهيئات الأكثر تمثيلاً. فبحسب المرسوم الحالي، إن ممثلي أصحاب العمل في مجلس الضمان محدّدون عددياً لكل جمعية، سواء لغرفة بيروت أو جمعية الصناعيين أو الحرفيين أو المصارف أو غيرهم، لكن التعديلات المطلوبة تهدف الى إلغاء هذا التخصيص ليحل محله اتفاق أصحاب العمل على ممثلين من جمعيات مختارة بهدف «تعزيز حضور أصحاب العمل في مجلس الضمان»، على ما يقول أحد المطلعين.
هديل فرفور -الأخبار
إقرار مجلس النواب اللبناني قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، استغرق نحو ثماني سنوات، منذ اقتراحه عام 2009. وفيما يحتفي بعض الناشطين والناشطات بإصدار القانون، تُحذّر جهات قانونية من بعض البنود التي طدُسّت» فيه. هذه البنود قد تُلغي بطبيعتها «روحية» القانون القائمة على تعزيز الشفافية وتفعيل مبادئ المحاسبة. ولعلّ «المفارقة» الكبرى التي يحويها القانون هي ربط مسألة أساسية في تنفيذه بهيئة غير موجودة، أو بمعنى أوضح، هيئة ينص عليها اقتراح قانون لم يبتّه مجلس النواب بعد، فضلاً عن تعزيز «حصانة» المحاكم الطائفية عبر استثنائها من القانون، من دون أي تبرير معلن!"
في توجّه غير مسبوق، أناط القانون مهمة أساسية في سياق تنفيذه بهيئة غير موجودة". يختصر هذا التعليق الذي نشرته "المُفكرة القانونية" تعقيباً على إصدار مجلس النواب اللبناني في 19/1/2017، "العلّة" الأبرز التي تكمن في خفايا القانون المُندرج ضمن قوانين "مكافحة الفساد".
حينها، أرادت "المُفكّرة" أن تقول إن القانون الذي يترافق مع آليات تنفيذية "غير فعالة"، يحتوي على الكثير من "الفخاخ" الواجب التحذير منها، مُفرملةً بذلك احتفاء الكثير من الناشطين الذين هللوا لإقرار القانون الذي طال انتظاره.
وكان خمسة نواب قد تقدّموا باقتراح القانون، هم: إسماعيل سكريّة، ياسين جابر، عبدالله حنا، غسان مخيبر وجواد بولس، وذلك في نيسان 2009، ووضع على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل عام 2012 ليتم إقراره في نيسان عام 2013. تم طرح القانون للنقاش في الهيئة العامة لمجلس النواب للمصادقة عليه في 2/4/2014، وأُمهل رئيس الحكومة السابق تمام سلام مدة شهر لدراسته، لكنه تم "تنويمه" في الأدراج ولم يعد الى جدول أعمال المجلس إلا في جلسته التشريعية الثانية التي عُقدت في الشهر الماضي.
تحذير البعض من تصوير القانون كـ"إنجاز" على طريق مكافحة الفساد، ينطلق من اعتبار هؤلاء أن بعض البنود التي دُسّت تُلغي بطبيعتها "روحية" القانون القائمة على الاعتراف للأفراد بحقهم في الاطلاع على معلومات الإدارة ومستنداتها، وبالتالي تعزيز الشفافية وتفعيل مبادئ المحاسبة وغيرها. أبرز هذه البنود، وأكثرها "مُفارقةً"، تلك المتعلقة بربط تنفيذ القانون بهيئة إدارية غير موجودة، نص اقتراح قانون على إيجادها وهو لم يقرّ في المجلس النيابي وقد لا يقر.
لمُقاضاة أمام هيئة غير موجودة: القانون يبقى مُعلقاً؟
تشير المادة 19 من القانون، والمتعلّقة بـ"رفض الوصول الى المعلومات"، الى أنه يجب على صاحب العلاقة الذي رُفض طلب وصوله الى المعلومات، مراجعة "الهيئة الإدارية المُستقلّة المحدّدة في قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد". وبحسب المادة 22 من القانون، تتولى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مهمات تسلّم الشكاوى المتعلّقة بتطبيق أحكام القانون والتحقيق فيها وإصدار قرارات بشأنها (..)، إبداء المشورة للسلطات المختصة بشأن كل مسألة تتعلّق بتطبيق أحكام القانون وغيرها من المهمات الأخرى. المُفارقة تكمن في أن المقصود بالهيئة الإدارية المذكورة تلك التي نص عليها اقتراح قانون مكافحة الفساد في القطاع العام. هذا الاقتراح لم يُقرّ بعد! بمعنى آخر، لا وجود لهذه الهيئة ما لم يقرّ مجلس النواب هذا الاقتراح.
ترى "المُفكرة القانونية" في هذا الأمر "عيباً يُخشى من أن يُستخدم كذريعة لتعطيله"، وتتساءل حول الجهة المُختصة بتلقي الشكاوى، في ظل غياب هذه الهيئة، وعمّا إذا كان مجلس شورى الدولة سيقبل الشكوى المباشرة للمتضرّر، أم سيعتبر لجوءه إلى الهيئة الإداريّة غير الموجودة شرطاً وجوبيّاً قبل اللجوء إلى المجلس؟ اللافت هو ما تخلص إليه "المُفكرة القانونية" وهو أن هذا التفسير (اعتبار لجوء المتضرر الى الهيئة الإدارية ضرورياً قبل اللجوء الى مجلس شورى الدولة) "يؤدّي إلى نتيجة عبثيّة قوامها اعتبار القانون معلّقاً جزئيّاً على صدور قانون آخر هو قانون إنشاء الهيئة المستقلة".
من جهة أُخرى، ثمة خلل يُرسيه غياب هذه الهيئة؛ يتمثّل بغياب "الضمانات" لتنفيذه، عبر تغييب مبدأ "الردع" وإمكانية محاسبة المؤسسات الرافضة لتطبيق القانون. بمعنى آخر، لا يمكن فرض عقوبات على الإدارات إذا أخلّت الأخيرة بالنص القانوني، طالما أن آلية المُقاضاة غير مُكتملة.
في حين يرى الوزير السابق زياد بارود أن الربط بين إنشاء الهيئة والقانون ليس حُكمياً، بمعنى لا يمكن اعتبار القانون غير نافذ نتيجة عدم إقرار الهيئة، مُقرّاً بأن عدم إقرار الأخيرة من شأنه أن يجعل القانون "أقل فعالية". ويُضيف بارود إن الإدارات التي ستمتنع عن إعطاء المعلومات هي حكماً "تُعدّ مخالفة للقانون، ولا يمكن التذرع بعدم إقرارها لعدم تنفيذه". ويشير مصدر قضائي في هذا الصدد الى صلاحية مجلس الشورى كمرجع للشكوى من القرارات الإدارية، في إشارة الى عدم اتخاذ تعليق إنشاء الهيئة ذريعة تحول دون تنفيذ القانون. هذا الكلام يتوافق وما يقوله نائب رئيس "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية" مصباح مجذوب الذي يُشير الى أن القانون "نافذ حكماً، ولا ربط بالهيئة الإدارية بمسألة نفاذ القانون". برأيه، أن المؤسسات باتت مُلزمة بالتقيّد بالقانون من تاريخ إقراره في مجلس النواب. ماذا لو رفضت المؤسسات التقيّد به؟ يقول مجذوب إن المتضرر يستطيع اللجوء الى قاضي الأمور المُستعجلة أو إلى مجلس شورى الدولة لمقاضاة المؤسسة. يقول مجذوب إن الصيغ التي أُقر فيها القانون ليست "الأمثل"، لكن "لا بأس بها، إذ تُمهّد لخطوات لتعزيز الشفافية. يتخوّف مصدر قانوني في هذا الصدد من "البلبلة" التي سيخلقها تنفيذ القانون عبر "اختلاف الاجتهادات التي ستصدر في هذا الصدد بين القضاة الذين سيختلفون في تفسير الحكم في ظل غياب الهيئة الإدارية".
استثناء المحاكم الطائفية و"المصالح المالية والاقتصادية" للدولة
تنص المادة 12 من القانون على إعفاء سبع حالات من موجب تعليل القرارات الإدارية غير التنظيمية؛ وهي: "أثناء قيام حالة الطوارئ، الظروف الاستثنائية المتمثلة في حالات الخطر الدائم التي تهدد عمل المؤسسات، أسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام، إدارة العلاقات الخارجية للدولة ذات الطابع السري، حياة الأفراد الخاصة وصحتهم العقلية والجسدية، الأسرار التي يحميها القانون كالسر المهني أو السر التجاري، وأخيراً "ما ينال من المصالح المالية والاقتصادية للدولة وسلامة العملة الوطنية". هذا الاستثناء يُعدّ "خطيراً" برأي "المُفكّرة" التي تُلمّح الى القول بأن المُشرّع اللبناني اعتمد موازنة مغلوطة بين المصالح الاجتماعية أو "استغل هذا القانون لمنع الوصول إلى معلوماتٍ تسمح المواثيق الدوليّة بالوصول إليها".يرى مجذوب أن الهدف من القانون ليس "زعزعة الاقتصاد بالتأكيد"، لافتاً الى أن الغاية منه تتمثّل بإقرار حق الرأي العام في الاطلاع على عقود الشركات الكبرى والمناقصات "الضخمة"، ومُشيراً الى "انتظار المراسيم التطبيقية التي تكون فاصلاً في هذا المجال من حيث تقديم شروحات مفصلة حول هذه الحالات".المُفارقة أن القانون "أعفى" المحاكم الطائفية واستثناها ومنع حق الوصول الى المُستندات المتعلّقة بها. وإذا كان الحفاظ على سرية "الأحوال الشخصية" هو الحجّة، فإن هذه الذريعة تسقط نظراً إلى أن المادة الرابعة من القانون لحظت الحفاظ على "الملفات الشخصية" والتي تندرج ضمنها قيود الأحوال الشخصية والملفات التي تتضمن أنواع المعلومات المتعلقة بالشخص الطبيعي، ما يعني أن القانون جاء ليُعزّز "حصانة" هذه المحاكم ووضع في المرتبة الأعلى من باقي الهيئات والمحاكم ذات الطابع القضائي أو التحكيمي، بما فيها المحاكم العدلية والإدارية والمالية.في هذا الوقت، تطرح "المُفكرة"، "معضلة" أخرى في القانون تتمثّل بتجنب القانون إشكاليّة سريّة عمل اللجان النيابيّة غير المبررة، ليبقي المحاضر السريّة ضمن المعلومات التي يمنع الوصول إليها؛ وأضافت "المُفكّرة" في هذا الصدد: "من المؤسف أيضاً أنه أعلن سريّة الآراء الاستشاريّة لمجلس شورى الدولة، وما يزيد الأمر قابليةً للانتقاد هو أنّ القانون اللبنانيّ اعتبر منع الوصول إلى المعلومات المستثناة مطلقاً".
أيّ معلومات؟ ومن أيّ إدارات؟
بحسب المادة الأولى، يحق لكل شخص، طبيعي أو معنوي، الوصول الى المعلومات والمُستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها، مع مراعاة عدم الإساءة في استعمال الحق. يُقصد بـ»الإدارة»: الدولة وإداراتها العامة، المؤسسات العامة، الهيئات الإدارية المُستقلة، المحاكم والهيئات والمجالس ذات الطابع التحكيمي أو القضائي العادية والاستثنائية، بما فيها المحاكم العدلية والإدارية والمالية دون المحاكم الطائفية، البلديات واتحادات البلديات، المؤسسات والشركات الخاصة المُكلفة بإدارة مرفق أو ملك عام، المؤسسات ذات المنفعة العامة، سائر أشخاص القانون العام، الهيئات الناظمة للقطاعات والامتيازات. أما المُستندات الإدارية، فهي تشمل المُستندات (الخطية والإلكترونية والصوتية والمرئية والبصرية والقابلة للقراءة بصورة آلية مهما كان شكلها) التي تحتفظ بها الإدارة، كالملفات والإحصائيات والمحاضر والأوامر والتعليمات والمذكرات والقرارات والعقود ووثائق المحفوظات الوطنية.في ما يتعلّق بالمستندات الإدارية المتعلقة بمعلومات ذات طابع شخصي، يحق لصاحب العلاقة دون سواه الوصول الى الملفات الشخصية وأي تقرير تقييمي يتعلّق بشخص طبيعي مُشار إليه بالاسم أو برقم ترفيعي أو برمز أو بصورة (..). ويحق لصاحب العلاقة الطلب لتصحيح أو إكمال أو تحديث أو محو المعلومات الشخصية المتعلقة به غير الصحيحة أو الناقصة أو الملتبسة أو القديمة والتي يكون من الممنوع جمعها أو استعمالها أو تبادلها أو حفظها. لا يمكن الوصول الى المعلومات المتعلقة بأسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام، إدارة العلاقات الخارجية للدولة ذات الطابع السري، ما ينال من المصالح المالية والاقتصادية وسلامة العملة الوطنية، حياة الأفراد الخاصة وصحتهم العقلية والجسدية، الأسرار التي يحميها القانون كالسر المهني أو السر التجاري. كذلك منع القانون الاطلاع على وقائع التحقيقات قبل تلاوتها في جلسة علنية والمحاكمات السرية والمحاكمات التي تتعلّق بالأحداث وبالأحوال الشخصية ومحاضر الجلسات السرية لمجلس النواب أو لجانه ما لم يُقرر خلاف ذلك ومداولات مجلس الوزراء ومقرراته التي يعطيها الطابع السري والآراء الصادرة عن مجلس شورى الدولة إلا من قبل أصحاب العلاقة في إطار مراجعة قضائية.يُقدّم طلب الحصول على المعلومات بشكل خطي إلى الإدارة التي تكون المعلومة في حوزتها؛ وعلى مُقدّم الطلب أن يتخذ مكان إقامة مختاراً يعلم به الإدارة فور تقديمه الطلب. وعلى الموظف المُكلّف أن يضع سجلاً بالطلبات المُقدمة وأن يعطي فور تسلمه الطلب إشعاراً لمن تقدم بالطلب يُبين فيه تاريخ تقديم الطلب ونوع المعلومة المطلوبة والفترة اللازمة للرد على الطلب. على الموظف أن يرد على الطلب خلال 15 يوماً من تاريخ تقديمه، ويجوز تمديد هذه الفترة لمرة واحدة ولا تزيد على 15 يوماً.الوصول الى المستندات الإدارية يتم مجاناً في مكان وجودها ما لم تحل دون ذلك أسباب المحافظة المادية على المستند. إن حصول صاحب العلاقة على صورة أو نسخة عن المستند المطلوب يتم على نفقته (لا تتجاوز هذه النفقة كلفة الاستنساخ أو التصوير أو تلك المحددة قانوناً). وإذا كان المستند إلكترونياً أو تسجيلاً صوتياً أو مرئياً يمكن لصاحب العلاقة أن يطلب على نفقته نسخة مطبوعة أو تسجيلاً صوتياً أو مرئياً أو إلكترونياً عنه. ويمكن أن يرسل المستند الإلكتروني مجاناً الى صاحب العلاقة عبر البريد الإلكتروني.
نشر تفاصيل صرف الأموال العمومية
تحت عنوان «المُستندات الواجب نشرها»، تنص المادة السابعة من القانون على وجوب نشر «جميع العمليات التي بموجبها يتم دفع أموال عمومية تزيد على خمسة ملايين ليرة لبنانية، وذلك خلال شهر من تاريخ إتمامها أو إتمام أحد أقساطها»، على أن يتضمّن النشر قيمة عملية الصرف وكيفية الدفع والغاية منه والجهة المُستفيدة والسند القانوني الذي بموجبه جرى الصرف (مناقصة أو تنفيذ حكم قضائي أو غيره)، على أن تستثنى من أحكام هذه المادة رواتب الموظفين وتعويضاتهم. ويقول مجذوب إن تحديد الحد الأدنى قد يدفع الإدارة الى «التحايل» عبر تقسيم العمليات المالية، لافتاً الى أنه كان من المفترض أن لا يتم تحديد سقف محدد لنشر هذه العمليات.