ويحظر المرسوم تزويد إيران بمنظومات الدفاع الجوي الصاروخية الروسية «إس ـ 300» والطائرات والمروحيات والسفن الحربية والمدفعية الثقيلة، وكذلك دخول المواطنين الإيرانيين ممن لهم علاقة بالنشاط النووي الإيراني إلى الأراضي الروسية. ولا يرى الخبراء في ذلك انتصاراً لجماعة مدفيديف على جماعة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، إذ هناك في الجماعتين على حدّ سواء من يؤيّد ومن يعارض التعاون مع إيران. لكنّ القضية تتلخص في أن مدفيديف حزم أمره، ووضع بين أولى أولياته تحسين العلاقات مع الغرب، كما أكدت رئيسة القسم الدولي في صحيفة «فريميا نوفوسته» الروسية، يلينا سوبونينا لـ«الأخبار». من ناحيته، رأى رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، ميخائيل مارغيلوف، المعروف بمواقفه العدائية تجاه طهران، أن القيادة الإيرانية تجبر روسيا على الانضمام إلى العقوبات وتجميد تنفيذ العقود الموقّعة، وذلك برأيه لأن إيران لا تسعى إلى التعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكداً أن «لدى طهران من المواد المشعة ما يكفي لصنع ثلاث قنابل نووية على الأقل».
وعلى أي حال، فقد وصلت الرسالة إلى هدفها، حيث أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي مايكل هامر، أن «الرئيس مدفيديف أظهر مزاياه القيادية بحمله طهران على الإيفاء بالتزاماتها الدولية من البداية حتى النهاية». يجب القول إن طهران سدّدت جزءاً من ثمن الصفقة البالغ 800 مليون دولار لشراء خمس منظومات من الصواريخ، والموقّعة مطلع عام 2005. ومن الممكن أن تضطر روسيا، إضافة إلى خسارة هذا المبلغ، إلى دفع غرامات لعدم تنفيذ العقد، وفقدان سوق السلاح الإيرانية وسيطرة الصين عليها، ولا سيما أن موسكو تخذل طهران من جديد. ففي عام 1995، وقّع رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنوميردين، ونائب الرئيس الأميركي آل غور، مذكرة تفاهم التزمت موسكو بموجبها بإنهاء التعاون العسكري الفني مع طهران بحلول عام 1999. وبالفعل، فقد فُسخ عدد من العقود الموقّعة سابقاً مع الجمهورية الإسلامية. لكنّ روسيا مع مجيء بوتين إلى سدة الرئاسة عام 2000 تخلّت عن تنفيذ المذكرة، فيما طهران من ناحيتها أصبحت تتخوّف من عقد صفقات تسلّح كبرى مع موسكو، مفضّلة التركيز على الصين. غير أن التعاون العسكري الفني بين البلدين عاد تدريجاً إلى طبيعته، وكان من أبرز نتائجه تزويد طهران عام 2007 بمنظومات الدفاع الجوي المتوسطة المدى «تور ـ 1» بموجب عقد وُقّع عام 2005 وبلغت قيمته 700 مليون دولار.
المعنيون في روسيا يتخوّفون الآن من أن يتضرر التعاون بين البلدين في مجالات أخرى غير التعاون العسكري الفني، مثل بناء سكك الحديد، وسوق الطائرات المدنية، حيث كان من المتوقع أن تتسلّم الخطوط الجوية الإيرانية خمس طائرات جديدة من طراز «تو ـ 204» مطلع العام المقبل، وكذلك الطاقة النووية، فيما يُتوقع أن تعلن طهران بعد شهرين مناقصة لبناء مفاعل نووي جديد، وأن يتعزز في المقابل موقع الصين كشريك اقتصادي وسياسي مستقل ومضمون لإيران. من ناحية أخرى، تخشى سوبونينا أن تفقد روسيا صدقيّتها على الصعيد الدولي ووزنها المطلوب في تسويات أزمات المنطقة، ومن بينها الملف النووي الإيراني. وتتساءل المحللة الروسية «إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة قد اعترفتا بأن هذه المنظومات دفاعية، ومع ذلك وافقت موسكو على أنها تهدد الاستقرار في المنطقة، فما هو مصير صواريخ «ياخونت» الروسية المضادة للسفن والمنوي توريدها إلى سوريا؟ فهي تهدّد أيضاً برأي تل أبيب وواشنطن الاستقرار في الشرق الأوسط». وبالنسبة إلى العقوبات، ترى سوبونينا أن قرار الأمم المتحدة لم يحظر الأسلحة الدفاعية إلى طهران، مشيرة إلى ازدواجية في الموقف الروسي وإلى أن القرار سياسي بامتياز. لكنّ مراقبين يعتقدون بأن إقدام موسكو على هذه التضحية الجسيمة مرتبط بوعود من إسرائيل، المستفيدة الكبرى من هذه الخطوة، باستثمارات غير عادية وآفاق واعدة لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا، في إطار اتفاقية التعاون العسكري الأخيرة الموقعة بين البلدين. ومن المحتمل أن يشارك الأميركيون في ذلك، بينما لا تُستبعد مشاركة استثمارية ضخمة من الرياض، التي اقترحت وفقاً لصحيفة «كوميرسانت» الروسية خلال زيارة الأمير عبد الله بن عبد العزيز إلى موسكو عام 2003، ضخّ استثمارات تصل إلى 200 مليار دولار في الاقتصاد الروسي، شريطة التخلّي الكامل عن الشريك الإيراني، وذلك فضلاً عن أن تطور الأحداث بهذه الطريقة يستجيب لمصالح الرئيس الليبرالي الروسي الشاب، الذي جعل من موضوع التحديث التقني الشامل لروسيا هوايته المفضّلة وعنواناً لفترة حكمه.
موسكو ـ حبيب فوعاني
جريدة الاخبار