Ihsan Masri

Ihsan Masri

تضامنا مع غزة وتأييدا للمقاومة الفلسطينية وتحت شعار فتح المعابر امام الشعب الفلسطيني يدعوكم اتحاد الشباب الديمقراطي اللبنانيللمشاركة في اعتصام امام السفارة المصرية في بئر حسننهار الثلاثاء ٢٢ تموز ٢٠١٤ الساعة السادسة مساء

=تأكيدا على وحدة المسار والمصيروتأكيدا على وحدة المقاومة والدم واﻷرضوتأكيدا على دعم المقاومة التي محت الحدود الوهمية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني يتشرف إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني - فرع بيروتبدعوكتم للقاء مع الرفيق مروان عبدالعالعضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحت عنوان " فلسطين تقاوم "المكان : مركز اﻹتحاد - مار الياس الزمان : اﻹثنين 21/7/2014 الساعة الخامسة والنصف

في رحلتها للبحث عن إبرة في كومة قش، حرقت إسرائيل القش كله لتعثر على الإبرة. هذا ما جرى في حرب 2008 حين أعلنت أن أحد أهدافها العثور على الجندي جلعاد شاليط، لكنه لم يسلّم إلا ضمن عملية تبادل. اليوم «أهدت» المقاومة للإسرائيلي هدفاً واقعياً يمكن أن يضيفه على قائمة أهدافه غير الواضحة بعدما أعلنت أسْرها الجندي شاؤول آرون

أحمد هادي, قاسم س. قاسم - الاخبار

بينما استيقظ الفلسطينيون على جرح كبير جراء مجزرة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أخذت في رحاها 72 شهيداً ونحو 400 جريح، أبت المقاومة إلا أن تجعلهم يباتون على خبر سعيد بإعلانها أسر جندي إسرائيلي اسمه شاؤول آرون ورقمه العسكري هو 6092065. ورغم وصول عدد ضحايا الحرب الجارية حتى منتصف الليل إلى 469 شهيداً ونحو 3100 جريح، فإن المواطنين بدءاً من غزة، وصولاً إلى مدن الضفة والقدس المحتلة انتفضوا في مسيرات فرح عارمة بما حققته المقاومة، مشددين على ألّا تتنازل الفصائل عن شروطها المعلنة.

فجر أمس، منحت إسرائيل نفسها الحق في الإمعان بقتل المدنيين الفلسطينيين بعدما تلقت صفعة قوية من المقاومة بسلسلة عمليات نوعية أعلنت عنها كتائب القسام (الذراع العسكرية لحماس) في بيان متلفز للمتحدث باسمها أبو عبيدة، وقالت إنها اختتمت بقتل 14 جندياً في كمين نصب لهم شرق غزة، وهو الكمين نفسه الذي أسر فيه الجندي آرون. ويتوقع بعد هذا الإعلان أن تتغير المعادلة السياسية، وخاصة لدى الأطراف الدولية التي ساندت إسرائيل منذ بداية العملية تحت عنوان «حقها في الدفاع عن نفسها»، ولا سيما أن تل أبيب اعترفت أمس بمقتل 18 وإصابة 400 من جنودها ومستوطنيها منذ بداية الحرب.

وحتى تأكيد الإسرائيليين فقدانهم الجندي، يبقى احتمال توسيع عمليتهم البرية قائماً بالتوازي مع احتمالات سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، وهو ما لمح إليه معلق الشؤون العسكرية الإسرائيلية، آلون بن ديفيد، الذي قال في ساعة متأخرة إنهم يفحصون إعلان «حماس» عن أسر الجندي، لكنهم لا يملكون جواباً نهائياً. مع ذلك، حجب الدخان المتصاعد من الحدود رؤية بوادر وقف إطلاق النار، لكن مصادر فلسطينية أكدت لـ«الأخبار» أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة على صعيد ملف التهدئة، مشيرة إلى أن كلاً من قطر وتركيا تقودان مساعي حثيثة لإلزام الاحتلال بالقبول باشتراطات المقاومة. وقالت المصادر: «حتى ساعات متأخرة من الليل، لم ينجم عن الاجتماعات المكوكية التي يشارك فيها بان كي مون أي نتيجة، وذلك بالتوازي مع جهد كويتي ومصري كبير». وأكدت في الوقت نفسه أن ما يزيد الأمور تعقيداً إصرار الاحتلال على الورقة المصرية للتهدئة التي لم تقبلها المقاومة، وسلمت بدورها أنقرة والدوحة شروطها لوقف النار، مع أن الأخيرة قالت على لسان وزير خارجيتها إنها ليست وسيطاً بقدر ما أنها تنقل الاشتراطات إلى الأطراف المعنية. وصرح قيادي في حركة «الجهاد الإسلامي»، تحفظ على ذكر اسمه، بأنه بعد مجزرة الشجاعية (أمس) «تكثفت الاتصالات الدبلوماسية لوقف الحرب». وعن المبادرات المطروحة، قال إنه توجد المبادرة القطرية ــــ التركية والمبادرة المصرية، ملمحاً إلى أن المقاومة تميل إلى «القطرية» التي تتضمن وجهة نظرها. وتابع: «القاهرة تحاول عرقلة المبادرة القطرية، لكننا نقول إن أي مبادرة لا ترفع الحصار فوراً مع وقف لإطلاق النار مرفوضة». أما عن تحركات رئيس السلطة محمود عباس فأسهب: «عباس يعلم أنه ضعيف ولا يمكنه فعل شيء، لكنه يحاول التوفيق بين المبادرتين». في السياق، يعترف مسؤول الإعلام في حركة الجهاد، داود شهاب، بأن الفارق كبير بين شروط المقاومة ومدى استجابة الاحتلال لها، مشيراً إلى أن المسألة لا تقتصر على وقف إطلاق النار، «فالموضوع أكبر من ذلك بكثير ويتعلق بمطالب للشعب وحياته». وأكد شهاب أن المقاومة المستبسلة في مواجهة الاحتلال على الحدود «لا تلتفت كثيراً إلى مباحثات التهدئة على ضوء المجازر الإسرائيلية المستمرة»، مضيفاً: «ليس المطلوب من المقاومة التوصل إلى نقطة وسط في المباحثات، بل تنتظر ما يقدم من إسناد سياسي يدعمها في تحقيق شروطها». ولفت الى وجود اتصالات مستمرة على مدار الساعة مع حركة «حماس» والجانب المصري في سبيل التوصل إلى اتفاق. انطلاقاً من هذه النقطة، أكد مسؤول في «حماس»، في حديث مع «الأخبار»، أن شروط المقاومة لم تتغير، وهي أن تفرج إسرائيل فوراً عن كل الأسرى المعاد اعتقالهم أخيراً في الضفة، وأن تسمح إسرائيل بإقامة ميناء بحري في غزة مع فتح معبر رفح يومياً، إضافة إلى فتح جميع المعابر بين غزة والاحتلال كاملاً وأن تسمح إسرائيل بالصيد 12 ميلاً (19 كلم) من شواطئ غزة. أما عما أشيع عن رفضهم الوسيط المصري بحد ذاته، فقال المصدر: «نرفض أن يكون الوسيط والضامن للاتفاق الولايات المتحدة، لكننا نقبل الوسيط المصري إذا قبل هذه البنود». وبالإشارة إلى تغير هذه الشروط مع التطور الجديد المتعلق بالإعلان عن أسر الجندي، قال مسؤول العلاقات الخارجية في «حماس» أسامة حمدان عبر فضائية الجزيرة أمس، إن موضوع الجندي آرون سيبحث بعد إنهاء الحرب وتوقيع اتفاق يضمن الشروط الفلسطينية. وليست المقاومة وحدها التي تتوقع أن تبقى الحرب مستمرة، وإن رجحت مصادر ألا يجري التوغل براً أكثر من ذلك خوفاً من أسر جنود آخرين، فإسرائيل عبرت عن هذا التوقع في جملة من تصريحات قادتها طوال أمس. كما ذكر رئيس معهد الأبحاث الأمني القومي الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء عاموس يادلين الذي قال إن قوة «حماس» الصاروخية أكثر شبهاً بقوة حزب الله عام 2006، في إشارة إلى أن زمن المعركة لا يزال مستمراً. وعزا الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله تأخر التوصل إلى اتفاق تهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى «التنافس على الدور الإقليمي والخلاف المتصاعد بين مصر من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية أخرى». وأكد عطا الله لـ«الأخبار» أن هذه الدول وجدت في النزاع القائم فرصة للدخول على خط التهدئة، «لكن جراء تمسك كل طرف بموقفه، فإن أمد التهدئة ليس قريباً»، واعتبر أن المقاومة يساندها أداء تسجيل النقاط على الأرض والمتمثل في إيقاع خسائر في صفوف الاحتلال، «لكن إسرائيل لا تزال تتصرف بعنجهية القوة وتضرب المدنيين وليست مستعدة للتراجع، وخصوصاً أن قواتها غرقت في وحل العملية البرية».

شهدت مناطق لبنانية مختلفة اعتصامات ومسيرات ولقاءات وتحركات تضامنية مع الشعب الفلسطيني. وكانت أيضا جملة مواقف منددة بالعدوان وبالصمت العربي داعية المقاومة الفلسطينية إلى الثبات والصمود. على صعيد التحركات، نظم اليسار اللبناني والفلسطيني والعربي مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، انطلقت من منطقة ضبيه، يتقدمها قادة «الأحزاب» اليسارية وعلم كبير لفلسطين وحملة الأعلام الفلسطينية واللبنانية وصور الشهداء، وسط هتاف المتظاهرين المنددين بالولايات المتحدة الأميركية والعدوان الإسرائيلي والصمت الرسمي العربي، مؤكدين دعمهم الشعب الفلسطيني ومقاومته. وانتهت المسيرة باعتصام شعبي حاشد أمام السفارة الأميركية في عوكر وسط إجراءات أمنية مشددة. وحمل الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي» خالد حدادة في كلمة له للمناسبة الكيان الصهيوني تبعات جرائمه ومجازره بحق الشعب الفلسطيني وآخرها مجزرة الشجاعية، وندد «بالسياسة الأميركية التي تحمي إسرائيل وتغطي عدوانها بالدعم العسكري والمالي والضغط على المؤسسات الدولية لتغطية العدوان الفاشي». كما ندد «بالصمت العربي الرسمي»، مؤكدا أن»المقاومة الفلسطينية ستحقق نصرها في تموز كما حققت المقاومة اللبنانية نصرها في تموز عام 2006 وستسقط كل المشاريع الصهيونية والاميركية على صخرة صمود شعب فلسطين وشعوب المنطقة». وفي نهاية الاعتصام، أحرق المتظاهرون العلم الإسرائيلي وعلم الولايات المتحدة الأميركية.

بكل بساطة، قال وزير الجيش الإسرائيلي، أمس، إنهم أطلقوا «مئات القذائف» على «حي سكني» للتغطية على نقل جرحاهم. بكل بساطة أيضاً، هذه القذائف حفرت في الذاكرة الفلسطينية مجزرة جديدة راح ضحيتها 70 شهيداً و250 جريحاً؛ منهم عائلات بأكلمها

 

سناء كمال - الاخبار

 

غزة | هنا الموت في غزة يمشي بين الطرقات ويعانق جدران البيوت. تصعد أرواح الفقراء إلى السماوات في فجر أحد دامٍ. هنا الموت في غزة يمشي رويداً رويداً لا يستعجل رحيل العائلات فرداً فرداً. في غزة لا يشبه الموت أي مكان آخر، فهو رفيق الناس والشجر والحجر. بعبارة واحدة: الموت في غزة مختلف.

حلت غيمة سوداء من دخان القنابل فجر أمس على حي الشجاعية شرق غزة. ذلك الحي الذي أخذ اسمه من جدّ عائلة فلسطينية قطنها واسمه شجاع. قضى أهل الحي الشهداء ليلة قصف عنيفة جاوزت 400 قذيفة وصاروخ في ساعات معدودة. ما إن انبلج الصبح حتى أفاق أهالي قطاع غزة على مجزرة إسرائيلية جديدة، أكثر من سبعين شهيداً و400 جريحاً في مشهد يحاكي المجازر التاريخية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين منذ ما قبل عام 1948. عاد الأحد الأسود ليلقي ظلاله من جديد على كل من حي الشجاعية وأجزاء من حي التفاح. ليلة جنون إسرائيلية لم تسلم منها طواقم الدفاع المدني وسيارات الإسعاف. عشر ساعات متواصلة من القصف والدمار حملت في طياتها قصصاً لمدنيين نجوا بأعجوبة من الموت، لكنهم حملوا معهم صوراً لجثث وأشلاء واستغاثات جرحى من أبنائهم وآبائهم قضوا نحبهم لعدم تمكن أحد عن مساعدتهم. ما إن بزغ الفجر حتى حمل المواطن منصور عياد (35 عاماً) طفلتيه حلا وهيام بين ذراعيه، وراح يركض حافياً تحت القذائف المدفعية، لعله يجد مكاناً آمناً يخبئ الطفلتين المرتعشتين فيه، لكن إسرائيل أبت أن يجد الرجل سبيل أمانه، فباغتته بقذيفة باتجاه أحد المنازل ليسقط أرضاً ويسبح بدمائه، كما تطايرت طفلتاه من ذراعيه لتسقط إحداهما على الأرض مقطوعة الرأس وجسدها ممدّد بجانب والدها العاجز أمام هذا المشهد، والأخرى تناثرت أشلاؤها على جدران المنازل المدمرة. هذه تكاد تكون أصغر قصة من بين الحكايات التي تحكيها المواطنة أم محمد شلدان (50 عاماً) وهي تبكي حرقة من هول ما رأت في «الليلة الغبراء»، فباتت صورة جسد الطفلة المرتعش وهو يتطاير في الهواء يشعرها بخنقة شديدة في صدرها. لا تستطيع سوى أن تقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل». أما هي فكانت بداية نزوحها من القصف مع عائلتها من بيتهم الواقع في شارع المنصورة في الحي، وهو من أكثر الشوارع الذي شهد القصف العنيف. تروي أنها راحت تجري مع بقية جيرانها وأقدامهم ترتعد خوفاً من أن يكون مصيرهم كالعائلات التي أبيدت تحت الأنقاض، أو التي لحقتها قذائف المدفعيات تحت درج المنازل، حيث كانوا يعتقدون أنه أكثر مكان آمن، فصار قبراً جماعياً وبئراً تمتلئ بدماء النساء والأطفال. كانت النساء يتمسكن بأيدي رجالهن، لعلهن يشعرون بشيء من الأمن المفقود. وتقول أم محمد الحية (40 عاماً) إنها نزحت مع عائلتها المكونة من 15 فرداً، تارة تركض، وطوراً تسير ببطء مقتربة من الجدران لتقي نفسها وأطفالها رصاص الطائرات الحربية التي تطلق في كل صوب، إلى أن وصلت إلى مستشفى الشفاء الذي يبعد عشرة كيلومترات عن بيتها. هي مسيرة رعب حقيقية عاشها من نجا من الموت. ما إن وصلوا إلى المستشفى حتى ارتموا على الأرض. تقول: «هذا إجرام حقيقي، ما بعرف كيف أوصفه.. هادا كفر حقيقي»، وبطريقة هستيرية راحت تصرخ: «أولادي وين ولادي راحوا، دخيلكم شوفيلي ولادي وين». في زاوية ليست بعيدة، جلس الطفل كمال العمارين يتوسط شابين من أقربائه ويذرف الدموع على عائلته التي فارقت الحياة بعدما قتلت بدم بارد. بدا خائفاً يتوشح غطاءً شتوياً برغم شدة الحرارة، لكن جسده يرتجف حينما ينظر حوله ويرى الشهداء والجرحى من دون أن ينطق بحرف، ووجهه مغطى بالدماء التي تغطي ملامحه. على مقربة أيضاً، سيدة أخرى تنزف دماً من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها. يهز صراخها جدران المستشفى وهي تغوص بين الجرحى تبحث عن أبنائها الذين افترقت عنهم في عمليات الإجلاء. لا تعلم من منهم بقي حياً، ومن منهم لقي ربه شهيداً. لم يدم بحثها طويلاً لأن عينيها وقعتا على جثة طفلتها دون رأسها. لم تكن تلك الفتاة تتجاوز عشرة أعوام. حملها المسعفون على نقالة الموتى، لكنهم التفتوا إلى زميل لهم ينادي عليهم ويقول: «يبدو أن هذا هو رأسها». كسرعة البرق، ركضت المرأة نحو ابنتها تحتضن جسدها وتبكيها بحرقة تلتها صرخة قوية أوقعتها مغشياً عليها فوق الجثة. لم يمض وقت طويل حتى أعلن عن وفاة السيدة بسكتة قلبية!

داخل غرف الموتى حكايات أخرى لن تكون أقل قساوة من غيرها، فهذا محمد العرقان يجلس أمام جثة والده الممددة على الأرض، يبكيه ويحدثه كأنه يستمع له: «يابا ماقدرناش نحميك يابا، ايش ذنبنا احنا، ايش عملنا، يابا ارجع وأنا راح ابعدك عن الطخ والقتل، ايش راح نعمل من غيرك». أما جثث الأطفال فكانت ملقاة على الأرض فوق بعضها بعضاً تنتظر ذويها كي يحضروا ليتعرفوا عليها. الثلاجات أيضاً ممتلئة بأشلاء جثث تعود إلى عائلات بأكملها، وحتى كتابة النص لم يجر التعرف عليها. كل هذا الإجرام حتى تتشفى إسرائيل بالفلسطينيين جراء سبتها الأسود الذي عاشته على أيدي المقاومة الفلسطينية حين أوقعت 14 جندياً إسرائيلياً قتلى في كمين نصبته لهم على الحدود الشرقية لحي الشجاعية. العملية أعلنت عنها كتائب الشهيد عز الدين القسام التي أضافت على المشهد أمس إنها أسرت أحد الجنود ويدعى شاؤول آرون. ولأن الحاضنة الشعبية هي سر قوة فصائل المقاومة، أراد جيش الاحتلال أن يهدم تلك الحاضنة، فصب جام غضبه على الأبرياء المدنيين، ولا يختلف على ذلك اثنان من الناس الذين شردوا من منازلهم، وأهالي الشهداء. يقول أحدهم ويدعى إبراهيم الجرو: «احنا بدنا المقاومة... بدنا اياهم يقتلوهم كلهم، يحرقوهم زي ما حرقوا قلوبنا على اولادنا وأهلنا وأحبابنا»، بصوته العالي الجهوري راح يتابع: «احنا مع المقاومة وكلنا وولادنا ونساؤنا فدا فلسطين والمقاومة... سنبقى نقبل أيدي وأقدام رجال المقاومة، ويا إسرائيل ضلك هيك هزمناكِ بدماء أطفالنا، هزمناكِ برجالنا بمقاومتنا، لن تنتصري يا إسرائيل لن تنتصر يا نتنياهو».

استهداف صحافي وعائلته

تأخر تأكيد خبر استشهاد وإصابة أفراد عائلة ضاهر في حي الشجاعية أمس، حتى جرى التأكد من الجثث والمصابين، في ظل الأعداد الكبيرة من الضحايا داخل المستشفيات. تبين أن الزميل الصحافي محمد ضاهر مصاب إصابة خطيرة بعدما استشهدت ابنته الصغيرة «دانا» التي لم يتعدّ عمرها السنة والنصف مع استشهاد والده ووالدته وعدد من إخوته بعد استهداف بيتهم خلال القصف المكثف فجر أمس. محمد يرقد الآن في العناية المركزة في مستشفى الشفاء وهو بحالة حرجة، إضافة إلى زوجته المصابة. وكان ضاهر يعمل في صحيفة وموقع الرسالة محرراً صحافياً. هذا ليس الاستهداف الأول للصحافيين وإن كان غير مباشر، فهم أهداف مرغوبة لدى الإسرائيليين في ساعات عملهم، وأيضاً هم مستهدفون كالمواطنين المدنيين خلال عودتهم إلى بيوتهم. لا يعلم إلى أين ستؤول الحالة الطبية لمحمد في ظل الوضع الإنساني المأزوم داخل المستشفيات، لكن مستقبله كما باقي العائلات الفلسطينية سيكون قاتماً بعد استشهاد جل العائلة.

ايلي الفرزلي - السفير

عندما بدأت «أم حسين» بشك الدخان مع قريباتها، لم تكن رائحة الموت قد غادرت أنفها. صباحاً، وجرياً على عادتها اليومية، ذهبت لتطلق الدجاجات من القن، إلا أن ذلك اليوم بدا مختلفاً. اخترقت رائحة حرب تموز رئتيها. التفتت حولها مستعيدة رعب اللحظات الأولى. الرائحة لا تغادر أنفها. مزيج من روائح الموت والصواريخ والبيوت المدمرة وشتل الدخان والبارود والتراب ولهيب تموز. لم تدرك «أم حسين» أن صباحها كان استعادة لثماني سنوات قضتها بلا أخيها الذي استشهد إلى جانب ابن خالها وابن عمها وصهرها و5 من جيرانها في مجزرة واحدة استهدفت ثلاثة منازل في قرية صريفا وأدت إلى استشهاد 21 مقاوماً. في 19 تموز كان موعد البلدة مع الموت. تضيع الحكاية بين أبنائها. منهم من يعتبر أن الطائرة الحربية الإسرائيلية دمرت الحي بكامله، فكانت الشهادة من نصيب ثلاث مجموعات من المقاومين الذين اتخذوا من بيوت الحي منطلقاً لهم. تلك رواية لا يتبناها كثر. معظمهم يؤكد أن استهداف المقاومين كان نتيجة رصد جوي (طائرة MK) ورصد أرضي (عميل). النتيجة كانت واحدة: استشهاد 9 مقاومين من «أمل» و7 من «الشيوعي» و5 من «حزب الله» اختلطت دماؤهم لتشكل عنواناً لقرية لا بوصلة لأهلها سوى المقاومة.. مهما باعدتهم العقائد. لم يفارق الشهداء بعضهم منذ ذلك الحين. عندما تمكن أهالي القرية من انتشال الجثث من بين الأنقاض، في نهاية الحرب، اتفقوا على استحداث مقبرة مشتركة للشهداء تخليداً لذكراهم. اختلطت الأعلام الحزبية بالعلم اللبناني في التشييع، كما اختلطت أجساد المقاومين بتراب البلدة.. التي تواظب على تقديم الشهداء منذ سبعينيات القرن الماضي. آخر كلمة قالها الشهيد أحمد نجدي لقريبه صبحي نجدي الذي كان مرابضاً في مكان آخر، عبر جهاز اللاسلكي: «شو ما متت بعد»؟ وما أن انتهت الغارة، حتى أيقن صبحي أن قريبه أحمد استشهد إلى جانب أخيه. حصار اجتماعي ـ خدماتي منذ ثماني سنوات، لا تزال المجزرة حاضرة في يوميات هذه البلدة الجنوبية. الوضع الاجتماعي الصعب لأهلها الذين يعتاش 70 في المئة منهم من زراعة التبغ، لم يمنع «أم أدهم» من القول: «يا ليتنا استشهدنا حينها»، قبل أن تستدرك، مستدعية عزيمتها مجددا: «سنبقى نشك الدخان ونزرع التبغ ولن يقوى علينا أي محتل». «أم أدهم» لها نصيبها من الظلم. بعد أن مات شقيقها في المجزرة مع عدد من أقربائها، أصيب ابنها بصاعق كهربائي أثناء سعيه لرفع علم على عامود كهربائي. ابنها مقعد، ولديها جرحان غائران منذ العام 2006، لا تزال ترفض استعادتهما: لحظة استشهاد أخيها ولحظة سقوط ابنها. غابت مشاهد الدمار عن القرية. البيوت الحديثة مسحت آثار الحرب عن كاهل القرية لا عن كاهل أبنائها. 300 منزلاً دمرت بشكل كامل، ٤٧٠ تضررت بشكل كبير، فيما نحو ألف تعرضت لأضرار متفرقة. أنجز ملف الإعمار، مع ذلك، ثمة نحو 250 منزلاً من الفئة الأخيرة ما تزال تعويضات اصحابها عالقة. بعضهم وصله شيك بـ100 دولار فقط. شعر كثر بالمهانة من تصرف الدولة، فلم يقبلوا «الحسنة» التي أعطيت لهم، مفضلين تقديم اعتراضات.. لم يبت بها بعد. للمناسبة، لم يكن «حزب الله» قد رفع سلاحه وذخائره من الأرض، في 14 آب 2006، حتى كانت وفود العائدين تملأ أزقة القرية. اضطر حينها إلى الاستعانة بأهل القرية لمساعدته بنقلها إلى المخازن. أيام قليلة وبدأت مرحلة إعادة الإعمـار أسوة بـكل قـرى الجنوب. هؤلاء يبنون غير خائفين من أي حرب جديدة. «لا خيار الا أن نبني بيوتنا ليعـيش فيـها أبناؤنا»، يقول «أبو محمد» الستيني، مشـيرا الى أن نحو 90 في المئة، من أهالي البلدة يقيمون فيها بصورة دائمة. يتوقف «الصريفيون» عند «الظلم» اللاحق بهم. يهمهم التذكير أن بلدتهم ليست فقط بلدة ملكة جمال أميركا ريما فقيه أو البلدة التي تقع على خط الزلازل. يشكون التعامل الرسمي مع قريتهم بوصفها «بلدة درجة ثانية». ينظرون بعين الحسد إلى هذه القرية أو تلك، بسبب ما تحصل عليه من اهتمام رسمي، يعود في الغالب، إلى أنها قرية محظوظة بنائب أو وزير من أبنائها أو أنها محسوبة سياسيا بالكامل على هذا أو ذاك من «الثنائي الشيعي». هذه الميزة تفتح أبواب الجنة بالنسبة لبعض القرى، التي لن تجد صعوبة في الحصول على خدمات ووظائف عامة بعكس القرى غير المحظية. مسألة الوظائف تؤرق أهل صريفا أيضاَ. بلدة لم تتردد في تقديم الغالي والنفيس فداءً للوطن تشعر بالأسى من غياب أبنائها عن الوظائف العليا، بالرغم من ارتفاع نسبة المتعلمين فيها، ونسبة الموظفين الجيدة من أصحاب الوظائف الدنيا. هنا «موسكو» كل ذلك لا يغير قناعة القرية برسالتها. ليس مبالغة القول إن هواء صريفا مقاوم. أهلها يروون عن بطولات سطرت على أرضها منذ السبعينيات، وصولاً إلى إطلاق «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» حيث كان «الشيوعي» و«القومي» يتقاسمان النفوذ السياسي والعسكري في القرية، قبل أن ينضم إليهما «حزب الله» و«أمل» في النصف الأول من الثمانينيات. ونظراً للموقع الاستراتيجي للقرية، مر مقاومون بالمئات عبر وديانها وتلالها وهم في طريقهم الى تنفيذ عمليات في قرى الجنوب المحتلة، خصوصا أن تلك البلدة تجاور قرى الشريط الحدودي. منذ مطلع التسعينيات، تغيرت أهواء أبناء القرية، صار لـ«أمل» و«حزب الله» النفوذ الأكبر فيـها. غاب القوميون، لكن الشيوعيين ظلوا فاعلين. أشهر أحياء القرية هو «حي موسكو». تسمية ليست اصطلاحاً، بل تسمية رسمية. لاحقا، وبعد صعود نجم «حزب الله»، وُجد «حي طهران» في القرية، لكن تسميته بقيت غير رسمية. في «موسكو»، حيث أغلبية الأهالي ينتمون إلى «الشيوعي»، لا مكان لشهر رمضان. «الفراكة» الجنوبية حاضرة على الترويقة. المضافات مفتوحة ليل نهار. مشهد لا يستفز الصائمين من «أمل» و«حزب الله». على العكس، الكل مقتنع بأن احترام المعتقدات أولوية.. يلتقون ويتجادلون ويتبادلون «النكايات» و«التزريكات» التي تنتهي دائماً بالضحك. بديهية احترام معتقدات الآخرين تجعل الإيمان متآلفا مع الإلحاد وتجعل السائل عن الأمر مجرد أضحوكة. في حرب تموز توحدت البندقية. المقاومون الشيوعيون تركوا القيادة لـ«حزب الله»، لكنهم أبدوا الاستعداد للدعم والمؤازرة. كذلك فعلت «أمل». انتشرت مجموعات الأحزاب الثلاثة في القرية، بحسب خطة محكمة أرادوا من خلالها تأمين مداخل القرية وتلالها. كان الهدف منع أي إنزال عسكري للعدو. أمّن المقاتلون الشيوعيون أطراف البلدة الشمالية، فيما تكفل «حزب الله» و«أمل» بتأمين الأطراف الجنوبية والشرقية. فتح الشيوعيون مخازنهم أمام «حزب الله»، وقبل فترة وجيزة عرض عناصر الحزب اعادة ما أخذوه من «الشيوعي» إلا أن «أبو جورج» الذي يشكل صلة الوصل مع «حزب الله»، أبلغهم أن لا فرق بين وجود السلاح في مخازن أي من الحزبين طالما أن المعركة مفتوحة والشراكة مستمرة. صريفا الهدف اشتدت المعركة في تموز وآب 2006 على جبهات الجنوب كافة. انكشفت الخطة الإسرائيلية بالنسبة الى «حزب الله». المطلوب إنجاز عسكري يبرر الانسحاب لاحقاً. لا يتحقق ذلك إلا بالوصول إلى شمال ضفة الليطاني. وعليه، فقد صارت صريفا الهدف مع جاراتها القريبة من النهر. القرية الاستراتيجية في موقعها تطل على مجموعة وديان متصلة بالبحر عبر جسر القاسمية غربا وتشكل مدخلا نحو وادي السلوقي ومنه الى عمق الشريط الحدودي جنوباً وباتجاه وادي الحجير حيث قرى القطاع الاوسط، وشمالاً نحو مجرى نهر الليطاني عبر وادي يحمر الشقيف ومن ثم جسر الخردلي. كانت المجزرة، هي البداية الفعلية للحرب. تكثفت الغارات على كروم الزيتون المنتشرة غرب القرية، وسقط هناك عدد من المقاومين المنتشرين في الوديان. هل هناك من يدل على أماكن تواجدهم، فتقوم الطائرات باستهدافهم، أم أن الأمر حيلة من العدو، إذ يقوم بإطلاق صاروخ مجبراً المقاومين على التحرك من مواقعهم نحو مواقع أكثر أمنا، فتتولى طائرة الاستطلاع رصدهم عبر «تقنية كشف حرارة الجسد»، قبل أن يقصفهم الطيران الحربي؟.. نقاشات لا تزال حاضرة إلى اليوم بين شباب صريفا. رتل من الدبابات يحاول التقدم من ناحية وادي الحجير نحو قرى المواجهة: فرون، الغندورية، برج قلاويه وصريفا، لكن صواريخ «الكورنيت» كانت بالمرصاد، فاصطادت 23 دبابة. أفلتت دبابتان وأكملتا تقدمهما ناحية الغندورية فتولت تدميرهما عبوتان كبيرتان. سرعان ما فقد العدو عنصري القيادة والسيطرة، بعكس المقاومة التي ظلت نقطة قوتها تتمثل في ثبات عمليات القيادة والسيطرة طيلة 33 يوماً. برز ذلك جلياً عندما أعلن عن هدنة في اليوم الـ21 للحرب. في اللحظة نفسها، توقفت كل مجموعات الحزب عن إطلاق النار في كل قرى الجنوب، فيما بعض الفرق الإسرائيلية لم تسمع بوقف إطلاق النار. يتحدث أبناء صريفا بفخر عن تعرض فرقة عسكرية إسرائيلية لنيران صديقة حينها. أعادت المقاومة توزيع المهمات وتعديل الانتشار. كل الجلول والأراضي كان جاهزة للمعركة. المقاومون يدركون أنهم إذا اضطروا إلى ترك سلاحهم هرباً من طائرة الاستطلاع، سيعرفون أين يجدون غيره. شجيرات البلان كانت صديقة وفية للمقاومين أيضاً. كلما لجأوا إليها شكّلت عازلاً طبيعياً للحرارة، وعرقلت عمل طائرات الرصد. «الليطاني» بعيد المنال حاول العدو التقدم من ثلاثة محاور أساسية لا يمكن الاستغناء عنها نظرا لصعوبة تضاريس منطقة الجنوب: - قوة كبيرة تقدمت من هونين نحو الطيبة ورب ثلاثين في محاولة للوصول الى جسر القعقعية، مروراً بوادي الحجير. - هجوم آخر من خط ياطر كفرا نحو صديقين فمحرونة بهدف التقدم نحو وادي جيلو، وبالتالي السيطرة على جسر القاسمية. - هجوم عبر طريق البياضة ـ شمع وصولا الى صور. فشل الهجوم عبر المحورين الأخيرين، فكبر الرهان على المحور الأول. توقف التقدم في الحجير بعد «مجزرة الدبابات»، فاستعاض عنه العدو بإنزال ضخم، يعد الاكبر في تاريخه. أكثر من 800 جندي اسرائيلي حطت بهم طائرات مروحية، وسط قصف شديد وتحليق مكثف للطيران الحربي للتمويه، في مزرعة الطويري الواقعة بين صريفا والغندورية وديركيفا. استخدم المقاومون صواريخ مضادة للطائرات. سقطت طائرة اسرائيلية لنقل الجنود في القطاع الغربي ووقعت مجموعة اسرائيلية أخرى في شرك من العبوات أوقع بها خسائر كبيرة. حصل ذلك بفارق ساعات، فكان قرار وقف الحرب. 23 غارة و45 شهيداً كانت الحصـيلة في صريفا. لكأن الاسرائيلي قد قـرر الانتـقام من قـرية كـونها أذلته، وهل ينسى الإسرائيليون الكمين الذي نفذته المقاومة في «عين الشقفان» في العام 1986 وأسفر عن مقتل 8 إسرائيليين وإصابة 13 آخرين بجروح؟

حلمي موسى - السفير

وفي اليوم التاسع لحرب «الجرف الصامد» وجدت إسرائيل نفسها وجهاً لوجه أمام نفسها، تقتل أطفالاً يلهون على الشاطئ على مرأى العالم وسمعه، مستخدمة أشد الأسلحة فتكاً وأكثرها تقنية. وفي اليوم التاسع لهذه الحرب تجد نفسها بعد يوم أكثر من أيام «عمود السحاب» قبل أقل من عامين، التي انتهت خلال ثمانية أيام، في نقطة البداية، عاجزة عن السير، لا في اتجاه وقف إطلاق نار مضمون ولا معركة برية معروفة النتائج. وفشلت مساعي إسرائيل الجديدة بالضغط على المقاومة عبر منهج ترحيل السكان جماعياً من أحياء ومناطق إلى أماكن أخرى، كما فشلت في إضعاف حدة نيران المقاومة، ووصلت الصواريخ إلى تل أبيب وديمونا. وقد أقدمت القوات الإسرائيلية على اغتيال خمسة أطفال من عائلة بكر على شاطئ مدينة غزة، وطفل سادس في خان يونس من عائلة الأسطل، لترفع عديد الشهداء من الأطفال إلى حوالي خمسين ليشكلوا ربع شهداء غزة في هذه الحرب، الذين بلغ عددهم أكثر من 220 شهيداً. وأمام أنظار مراسلي الصحافة الأجنبية المقيمين في فندق قريب على الشاطئ، أطلقت البحرية الإسرائيلية على الأطفال الخمسة قذيفتين على الأقل، إحداهما بهدف التحقق من القتل. واعترف عسكريون إسرائيليون بأن قتل الأطفال على الشاطئ يعادل أثره في نظر العالم أثر مجزرة قانا في حرب لبنان الثانية. وربما أن هذا كان بين الأسباب المركزية التي حدت بالحكومة الإسرائيلية إلى الاستجابة فوراً لمطلب الأمم المتحدة بعقد هدنة إنسانية لإيصال المعونات للسكان تبدأ من الصباح وتنتهي ظهر اليوم. وقد ادَّعت إسرائيل أنها تحقق في كل أحداث استهداف للمدنيين الفلسطينيين، لقطع الطريق على أية لجان تحقيق دولية مستقبلا. ومع ذلك أقرت لجنة مكلفة من الجيش الإسرائيلي أن ما لا يقل عن نصف عدد الشهداء في غزة هم من «غير الضالعين» في المعارك، لكن ذلك لا يغير من المنطق الذي يحكم السلوك الإسرائيلي الذي يواصل التهديد بشن عملية عسكرية برية وشاملة في كل قطاع غزة. إذ قدَّم ضابط إسرائيلي رفيع المستوى إيجازاً لمراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في تل أبيب يشدد على جاهزية الجيش لتنفيذ عملية برية واسعة في القطاع، وصولاً إلى احتلاله كاملاً. وأكد هذا الضابط، في نوع من الرسالة التهديدية، لحركة «حماس» عبر الصحافة الأجنبية، أن العملية البرية ليست صعبة على الجيش الإسرائيلي، وهي أيضاً ليست مكلفة. والأهم أنه ادَّعى أن بالوسع تحقيقها خلال وقت قصير نسبياً، يمتد من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع. غير أن الانطباع السائد في إسرائيل هو أن الجيش ليس مستعداً الآن لعملية برية واسعة في غزة، وأن الحديث عن إعادة احتلال القطاع بأسره لا يخرج عن كونه تهديداً، فالقيادة السياسية، بغالبيتها، وكذلك غالبية الجمهور الإسرائيلي لا تريد هذه المعركة، ليس خشية على غزة وإنما جراء الإدراك لأثمانها الباهظة، سياسياً واقتصادياً وبشرياً. كما أن قيادة الجيش الإسرائيلي لا تفكر حالياً إلا في عملية برية محدودة إذا اقتضت الضرورة، ولمعالجة مسألة الأنفاق خصوصاً القريبة من الحدود مع إسرائيل. ولا يخرج التهديد بالمعركة البرية عن التهديد الأوسع الذي توجهه إسرائيل لسكان القطاع لإخلاء بيوتهم. وبعد أن كان المنهج المتبع هو سياسة «نقر السطح» لإجبار أهل بيت بعينه على إخلائه تمهيداً لتدميره، تحاول إسرائيل الإيحاء بالانتقال إلى عقيدة «الضاحية» من خلال القول بتحويل «الشجاعية إلى الضاحية». وقد وزعت منشورات تطالب سكان كل من الشجاعية والزيتون، وهما من أكبر أحياء مدينة غزة، إلى ترك بيوتهم والانتقال إلى وسط المدينة تمهيداً لدخول الجيش الإسرائيلي إليها. ورغم مرور يومين على هذا التهديد فإن الغالبية الساحقة من أهالي الحيين بقيت في بيوتها، ما أفشل التهديد الإسرائيلي. ومع ذلك هناك من يعتقد أن صمود أهالي الشجاعية والزيتون، وقبلها أحياء في مناطق رفح وجباليا في بيوتها، وفر لإسرائيل ذريعة لادَّعاء أن هذا الفشل أحبط العملية البرية. ومع ذلك قرر المجلس الوزاري المصغر يوم أمس السماح بتجنيد 8 آلاف جندي احتياط آخر. ويشير معظم المراقبين العسكريين إلى أن هذه الحشود حول غزة لا تعني أن العملية البرية ممكنة خلال يومين أو ثلاثة أيام. ويوضحون أن الجيش الإسرائيلي حالياً ليس في وضع كالذي كان عليه عند شن حرب «عمود السحاب»، حينما كانت مخازنه مملوءة إثر توصيات «حرب لبنان الثانية» وكان جنوده مدربين. واليوم لأسباب اقتصادية فإن المخازن غير ممتلئة، والجنود أقل تدريباً، لذلك فإن الحماس للعملية البرية أقل لدى القيادات منه لدى الجنود الشبان. وهكذا، وبسبب ضعف الخيارات الميدانية، أو مخاطر تكلفتها السياسية والاقتصادية، تراهن رئاسة الحكومة وقيادة الجيش الإسرائيلي على التحركات الدولية من أجل إبرام اتفاق لوقف إطلاق نار. ورغم الإيحاءات المتكررة هنا وهناك بأن مصر لم توفر البضاعة المطلوبة حتى الآن، لأنها تجاهلت عنصراً بالغ الأهمية في معادلة وقف إطلاق النار، فإن إسرائيل تصر على بقاء القناة المصرية قناة الوساطة الرئيسية. وحثت القاهرة على بذل المزيد من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل أسرع. وتقف الإدارة الأميركية خلف هذا الحث بشكل غير مباشر، فوزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل بوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي يدعو صبح مساء لعملية برية في غزة، مبلغاً إياه، وفق الصحافة الإسرائيلية، بمعارضة واشنطن لمثل هذه العملية. وحث كيري إسرائيل على التواصل مع مصر بشكل أكبر لتسهيل التوصل إلى اتفاق. ويشارك في هذه الجهود أيضاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تواجد في تركيا والقاهرة وتواصل مع قطر. وكانت قطر أيضاً موضع اتصال أميركي لحثها على دفع «حماس» نحو القبول بوقف إطلاق النار. وحالياً، وبعد أن أعلنت «حماس» و«الجهاد الإسلامي» رسمياً رفضهما المبادرة المصرية، يتكاثر الحديث عن تفسير متجدد للمبادرة يقوم على أساس أن هدفها الأولي هو وقف إطلاق النار، وبعد ذلك تتاح للطرفين عرض مطالبهما لترسيخ هذا الاتفاق. وفي هذا السياق بدأت تتضح معالم مشروع أولي لدى «حماس» يتحدث عن هدنة لعشر سنوات في القطاع، على أساس الاتفاق على إزالة الحصار كلياً وفتح الميناء والمطار تحت رعاية دولية ومطالب أخرى. ولكن من الواضح أن النقاش الآن يدور عن أمر أكثر أولية من ذلك، وهو يتعلق أساساً بإعادة فتح معبر رفح عبر عودة الإشراف الأوروبي عليه بالتعاون مع الرئاسة الفلسطينية. ويتواجد الآن في القاهرة، عدا مبعوث الرباعية الأوروبية طوني بلير، الذي يؤدي دوراً مركزياً في الجهود الحالية، كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق ووفد إسرائيلي كبير يضم رئيس «الشاباك» يورام كوهين ورئيس القسم السياسي في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد ومبعوث نتنياهو السياسي المحامي اسحق مولخو. وتدير مصر مفاوضات غير مباشرة بين هذه الوفود بأمل تحريك الموقف نحو اتفاق أولي لوقف إطلاق النار وفتح معبر رفح، وحل مشكلة موظفي قطاع غزة، على أن تتبعه مفاوضات من أجل مناقشة القضايا الأخرى. ومعروف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أصبح يرفع مطلب «تجريد غزة من الصواريخ والأنفاق»، وبالمقابل تطرح «حماس» مسائل كعدم التدخل في الشأن الفلسطيني والممر الآمن إلى الضفة الغربية وفك الحصار وإنشاء مطار وميناء دولي.

«الدولة اللبنانية تُمعن في ضرب التعليم في لبنان. تضرب الأستاذ براتبه، والتلميذ بشهادته». هذا ما تقوم بترجمته فعلياً القوى السياسية المسيطرة على قرار الدولة. آلاف الطلاب ينتظرون شهاداتهم الرسمية لاستكمال مسيرة تخصصهم، يقولون إن أحلامهم تتهاوى، ولا يجدون من يسأل عنهم. قلّة منهم قررت التعبير عن الغضب

 

حسين مهدي - الاخبار

 

استطاع أحمد الحصول على منحة لدراسة الهندسة البترولية في إحدى الجامعات في الخارج، إلا أن الدولة قتلت حلمه، فالجهة المانحة اشترطت عليه خلال مهلة محددة أن يقدم لها شهادته الرسمية التي لم تصدر بعد بسبب عدم إقرار المجلس النيابي لسلسلة الرتب والرواتب. حال أحمد تشبه حال الكثير من زملائه الذين حُرموا فرص السفر إلى الخارج بهدف التحصيل الدراسي، والباقون هنا مهددون اليوم بحرمانهم بدء العام الدراسي الجامعي.

باكورة التحرك الطلابي على الأرض

أمس، اعتصم العشرات من طلاب الشهادة الرسمية من ثانويات مختلفة في بيروت وضواحيها لمطالبة المسؤولين السياسيين بإيجاد حل في القريب العاجل لمشكلتهم العالقة في التجاذبات السياسية. ألقت الطالبة أروى شميطلي كلمة باسم الطلاب، اتسمت بالعفوية والبساطة، فتحدثت عن «السارقين والمرتشين» الذين يحرمون الأساتذة حقهم في سلسلة تنصفهم، وحق التلامذة في شهادة يحتاجون إليها لاستكمال مسيرتهم. «شو ذنبنا نحن نضل ناطرين لتطلع النتيجة؟ انتو عم تجبرونا نهاجر». دلّت شميطلي النواب المسؤولين على أحلام الطلاب، يريدون أن يصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين وحتى نواب ووزراء، «بس انتو عم تهدّولنا أحلامنا». وشرحت بعض الهواجس المتعلقة بالراسبين الذين قد لا يتاح لهم الوقت اللازم لكي يدرسوا للدورة الثانية غير المقررة حتى إصدار نتائج الدورة الأولى من الامتحانات. «بدنا تطلع نتايجنا، ما بدنا السنة تروح علفاضي»، صرخة أطلقها الطلاب بوجه المعنيين من النواب والوزراء والفرقاء السياسيين. ولدى سؤال أحدهم عن سبب توجه الطلاب بخطابهم إلى السياسيين بدل دعوتهم الأساتذة إلى تصحيح المسابقات وإعلان النتائج، يجيب أحد الطلاب: «ابحثوا عن السبب، لا عن النتيجة». يعرف هؤلاء الطلاب أن النواب هم من أهملوا ملفهم وتقاعسوا في إقرار حقوق أساتذتهم المشروعة. «نحن جاهزين لبدكن ياه»، قالها الطلاب لأعضاء هيئة التنسيق النقابية الذين حضروا إلى الاعتصام، ورأى الطلاب أن تحركهم هو الأول، لكن «ليس الأخير حكماً»، على أن يكون التحرك المقبل باتجاه ساحة رياض الصلح.

أُعلن عن الهيئة التأسيسية لرابطة لجان الأهل في الثانويات شارك الأهالي في الاعتصام أيضاً، وأعلن سعيد اللحام تأسيس الهيئة التأسيسية لرابطة لجان الأهل في الثانويات الرسمية كبداية لإنشاء هذه الرابطة، وصولاً إلى بناء قوة نقابية فاعلة تدافع عن الثانوية الرسمية والتعليم الرسمي، وحقوق الأهل والطلاب «في تحسين نوعية التعليم الرسمي»، والرابطة يفترض بها أن تجمع أهل الطلاب في كل لبنان، على قاعدة وحدة الموقف بين الأهل والأساتذة تجاه مطالب هيئة التنسيق النقابية. «لكي يأخذ الطالب حقه، يجب أن ينال الأستاذ حقه»، يقول اللحام، فالتعليم كي يصبح محترماً في لبنان، على الدولة أن تحترم الأساتذة. الهيئة التأسيسية أعلنت نيتها الدعوة إلى اجتماع لمجالس الأهل في ثانويات بيروت، للإعداد لتحركات مقبلة، على أن يُشرَك لاحقاًَ الأهل والتلامذة من المناطق كافة. ودعت لجان الأهل في ثانويات بيروت إلى الاجتماع نهار الأربعاء في 6/8/2014 الساعة الخامسة مساءً في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي الذي اتخذته مقراً مؤقتاً لها.

بو صعب: الإفادات ضربة للتعليم

بو صعب أعرب عن سعادته لرؤية هيئة التنسيق والأهل والطلاب موحدين ويشكون الوضع المؤسف الذي وصل إليه قطاع التربية. صرّح بأنه إذا استمر الوضع كما هو خلال الأيام الأربعة المقبلة، يدخل العام الدراسي في المحظور «إذا لم نبدأ بتصحيح المسابقات، فلن يكون بمقدور الطلاب الالتحاق بالجامعات في الخارج، ولن نتمكن من بدء عام دراسي جديد». القرار ليس عند وزارة التربية، والمعرقل «معروف»، بحسب بو صعب، والطرف السياسي الذي يقاطع نوابه الجلسات المخصصة لإقرار السلسلة «مش سألان عن مستقبل الطلاب ولا عن التعليم في لبنان». لفت بو صعب أيضاً إلى ملفات الجامعة اللبنانية، فلا نتائج ستصدر في ظل مقاطعة الأساتذة المتعاقدين للتصحيح، ولا دورة ثانية للامتحانات، وبالتالي لا بداية للعام الدراسي الجديد إن لم يُقَرّ ملفا التفرغ وتعيين العمداء. وطالِب الجامعة اللبنانية متجه إلى خسارة جميع الفرص المتاحة أمامه لاستكمال دراسته في الخارج إن لم تصدر النتائج قريباً. «العالم مش ناطرينا»، يقول بو صعب خلال الاعتصام، مشيراً إلى أن الملفات التربوية من الجامعة اللبنانية وسلسلة الرتب والرواتب «لا مفر منها»، وإن لم تنجح السلطة السياسية في إقرارها «فلن يقر أي ملف آخر في البلد». عضو هيئة التنسيق النقابية حنا غريب، حضر مع وفد لمشاركة الأهل والطلاب صرختهم، موجهاً رسالة للمعنيين حول «إفشال المشروع المراهن على وضع الأهل والطلاب في مواجهة الأساتذة»، مشدداً على قدرة هيئة التنسيق على استكمال معركتها في مواجهة كل من يقوم بعرقلة الملفات. دخول الطلاب والأهل على خط العمل النقابي المطلبي، ستساعد به هيئة التنسيق ورابطة التعليم الثانوي، حيث أعلن غريب إمكانية التواصل مع 40 ألف طالب من الشهادة الثانوية، لإشراكهم في أوسع حشد نقابي تربوي شعبي في الشارع، إذا ما تلكأت السلطة السياسية في إقرار سلسلة الرتب والرواتب خلال الأيام المقبلة.

ما هو مصير العام الدراسي الجامعي؟

ضاعت فرصة السفر إلى الخارج بالنسبة إلى العديد من طلاب الشهادة الثانوية وطلاب الجامعة اللبنانية، لكن هل من الممكن أن يضيع العام الدراسي بأكمله؟ وما هي الإجراءات التي قد تتبعها الجامعات في لبنان؟ بدأ معظم الجامعات الخاصة باستقبال طلبات التسجيل للطلاب الجدد، وبعضها بدأ أيضاً بإجراء مباريات الدخول لعدد من الاختصاصات لديها، لكن تأخر انطلاق العام الدراسي يفتح الباب أمام تساؤل عن إمكانية أن تستعيض الجامعات عن الشهادة الرسمية بإفادات مدرسية لتنطلق بعامها الدراسي، وهي مسألة حذّر منها عدد من المعنيين بالشأن التربوي لما فيه من ضرب للشهادة الرسمية ومستوى التعليم، فرأى وزير التربية الياس بو صعب أن الإفادة «ضربة للتربية». الجامعة الأميركية وافقت في فترات سابقة (الحرب الأهلية) على تسجيل الطلاب بإفاداتهم المدرسية، شرط أن يكون مصدَّقاً عليها من الجهات المعنية، وبالتالي هناك سابقة قد سجّلت يمكن الاستناد إليها، وإذا بدأ الفصل الدراسي وتبيّن لاحقاً أن الطالب راسب تعاد له أمواله. إلا أن مها العزار، مديرة الإعلام في الجامعة، أفادت «الأخبار» بأن البحث عن خيارات أخرى ممكن، وليس هناك شيء جاهز «وأكيد لن نعطّل الطلاب». أما الجامعة اللبنانية الأميركية، فبدأت بقبول طلبات الطلاب، لكن مشروطة بإرفاق الشهادة الرسمية لاحقاً لدى صدورها. وبحسب مدير الإعلام في الجامعة، كريستيان أوسي، لا حلول لدى الجامعة، «ما فينا نبلش العام الدراسي إذا ما في نتائج». جامعة القديس يوسف أنجزت كل مباريات الدخول إلى الكليات التي تحتاج إلى مباريات دخول، لكن إصدار النتائج مشروط بنيل الشهادة الرسمية كما ينص القانون، ويعتبر هنري عويط، نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، «لا نملك إلاّ أن نتمنى إيجاد حل عادل ومرضٍ للرواتب من جهة، وأن يجري تفهم مصالح الطلاب من جهة ثانية. أعتقد أنّ مشكلة الطلاب الذين ينوون الالتحاق بجامعات في لبنان هي أسهل من مشكلة من يريدون الدراسة في جامعات خارج لبنان، إذ بإمكاننا في الداخل أن نتفهم وضع الطلاب». عدد من الجامعات مثل الجامعة اللبنانية الدولية تقوم «بحجز مقاعد» للطلاب الجدد، بعد تقديمهم المستندات اللازمة، على أن تقوم بتثبيت تسجيلهم فور صدور النتائج، واسترجاع الأموال أو الرسوم التي دفعت في حال رسوب الطالب في الامتحانات الرسمية. ويتخوف العديد من الجهات المعنية أن يقوم لاحقاً عدد من الجامعات بخطوات تمهّد لفرض «أمر واقع» يجبر الوزارة على اعتماد الإفادة المدرسية المصدَّق عليها كمستند رسمي للبدء بعام جامعي جديد، والتخوف من ذلك ينبع من مستوى بعض المدارس «الضعيف»، ومن سهولة حصول البعض على إفادات نجاح بطرق ملتوية «غير قانونية» من بعض المدارس الخاصة. فبعض الجامعات (الدكاكين الجامعية) تقبل الطالب دون دراسة ملفه أو تقويمه عبر امتحان تقويمي، وبالتالي يكمن التخوف في التجاوزات التي قد ترتكبها هذه الجامعات بحق التعليم العالي في لبنان.

ليس حدثاً عادياً أن يعود «الابن الضال» إلى مدينته التي طرد منها عشية الحرب. مرسيل في جبيل مع أمية وعبير نعمة ومحمد محسن، وأوركسترا يقودها هاروت فازليان. لنضع إذاً الجدل السياسي جانباً، ونستمتع بهذا العمل المفاجئ

جوانا عازار

عام 1971، قدّم أوبريت «مرق الصيف» في قلعة جبيل، وها هو «وبعد ما مرق كذا صيف» يعود الى جبيل، «المدينة الأولى التي تشبه الحبّ الأوّل، القبلة الأولى والقربانة الأولى». مرسيل خليفة يقدّم في مدينته مساء غد الخميس حفلة تشبه بالنسبة اليه... الوطن.

يعبر خليفة الجسر من العالم الذي جابه الى جبيل، كمن غنّى لهم «يعبرون الجسر في الصبح خفافا». سيغنّيها أيضاً ويعزفها في الأمسية. هو يعود الى جبيل بعد عواصف أبعدته منها، يعود لتفي له مدينته وعودها له بالنبيذ، بالأنخاب الجديدة وأقواس القزح. هو كلّما نظر الى جبيل رأى فيها قوس قزح «أرى قوس القزح، أتخيّله، أتصوّره لو لم يكن موجوداً، أراه بين الغيم» يقول خليفة لـ«الأخبار». جبيل مدينته، يعود اليها وهو يشعر بقلق، القلق عينه الذي يرافقه قبل كلّ حفلة له. يعود أيضاً بكثير من الحنين، فهو كلّما نظر الى بحر جبيل، تذكّر جدّه الصيّاد، تذكّر كم من المسافات قطعها في جبيل سيراً على الأقدام، مسافات تكاد توازي كما يقول تلك التي قطعها عبر العالم. «في جبيل تعرّفت إلى الوطن» يقول، شارحاً: «تعرّفت إلى الآخر، في جبيل تكوّن عندي لبنان، تعرّفت إلى التاريخ وكيف يكتب عبر العصور». هو يتذكّر كيف كان ينشد في صغره مع زملائه طلاب المدرسة النشيد الوطني اللبناني أمام سرايا جبيل. رغم أصوات النشاز حينها، لا يزال يحفظ صورة هذا المشهد ولحنه. وبعد مرور السنوات، يعود ابن عمشيت الى جبيل، الى منزله الأوّل في «حفلة تشبه الوطن بأطيافها، تجمع الجنوب، بالشمال، بالبقاع، بالساحل، بالجبل». يرفض خليفة التحدّث في السياسة، كما التعليق على «خطأ» عمان حين قدّم أمسية في العاصمة الأردنية ضمن «ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام» الذي موّلته ورعته «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» والسفارة الأميركية في العراق (الأخبار 12/6/2014). يقول إنّه يقدّم فنّاً «خارج إطار الإيديولوجيا»، يقدّم «مشروعاً جماليّاً فنّياً». ويضيف: «بعضهم ينسى أننّا نقدّم فنّا وأنّنا لسنا منظّرين في السياسة». مع ذلك، يصرّ على أنّه يساري وسيبقى كذلك. اليسار بالنسبة اليه هو «يسار الكون، يسار العالم، اليسار الذي يتطلّع دوماً الى الأمام». وهو يتطلّع الى الأمام، يرفض مصطلح الاطمئنان لأنّه يعتبره «أبلهاً». لا يريد أن يطمئن الشباب اللبناني، لا يريد أن يقول بأنّ هناك أملاً قريباً، لكنّه في الوقت عينه يقول إنّ أمسيته هي «تحدّ، صرخة ضدّ المدّ الطافح بالقذارة». فنّياً، ستعزف في الأمسية الاوركسترا الوطنية اللبنانيّة (مديرها المايسترو هاروت فازليان) مع 80 عازفاً، اضافة الى كورال مؤلّف من 60 شخصاً من «جامعة سيدة اللويزة» بقيادة الأب خليل رحمة، وكورال «الجامعة الأنطونيّة» بقيادة الأب توفيق معتوق. يشارك أيضاً كلّ من بشار خليفة (بيانو) ورامي خليفة (Percussion)، فضلاً عن عازف الاكورديون جوليان لابرو، والسوبرانو الالمانيّة Felicitas Fuchs، والفنّانون أميمة الخليل وعبير نعمة والمصري محمّد محسن. ستكون الأمسية مزيجاً من الأغاني القديمة والجديدة. وستغنّي عبير نعمة «غنّي يا عصافير» (كلمات جوزف حرب). أمّا أميمة الخليل التي رافقت خليفة منذ سنوات، فتقول: «هذا مكاني، هذا المكان الذي أنتمي اليه»، وتضيف: «الجديد بالنسبة اليّ في هذه الحفلة هو الغناء مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية، وسيكون اللقاء خلاصة لتجربة سنوات طويلة تكوّنت عبر العالم». وتهدي الخليل مشاركتها الى كلّ من يتعذّب عبر العالم، الى الذين تشرّدوا وجاعوا وتألّموا. المايسترو هاروت فازليان اعترف أمام خليفة «ما بعرف أيّ أغنية بالحفلة عم حبّها أكتر من التانية». بالنسبة اليه، فـ«الموسيقى الحقيقيّة يفهمها الجميع». أما رأي الفنان المصري محمد محسن، فلا يختلف كثيراً عن زملائه، سيعطي احساسه بشكل صادق في الحفلة، وسيقدّم أغنيات لمرسيل خليفة تربّى على سماعها. بدوره، سيقدّم جوليان لابرو مقطوعة تانغو لخليفة بعنوان «تانغو لعيون حبيبتي». هو تانغو غير تقليديّ، بطعم الثورة الموسيقيّة، تانغو سيعزفه كما قال «بنوتات تلامس الروح». أمّا السوبرانو Felicitas Fuchs فهي تعيش الرابط بين الموسيقى الشرقيّة والغربيّة، تغوص في الاحساس، على أمل أن تتاح لها الفرصة بنقل هذا المزيج الى الجمهور في المانيا. انتاج الحفلة سيكون مشتركاً بينه وبين لجنة «مهرجانات بيبلوس الدوليّة». «سنسكت مراراً لنستمع الى الجمهور يغنّي لنا في الحفلة» يقول خليفة. وإذا كانت أغنية «تصبحون على وطن» ستغيب لأنّ البرنامج أصبح مكتظّاً بالأغاني، الا أنّ خليفة يقول: «سنصبح على وطن الحبّ والجمال والفرح رغم كلّ ما يحدث لبلدنا».

حفلة مرسيل خليفة: 21:30 مساء غد الخميس ــ «مهرجانات بيبلوس» ـ للاستعلام: 09/542020

ر

هاني عضاضة 15/07/2014 في مفهوم المقاومة، إن مجرّد وجود إسرائيل على الأرض العربية المحتلّة يعتبر اعتداءً، إذ أنّ الاعتداء ليس فقط في حالة القصف أو الحرب، على قطاع غزّة أو الأراضي اللبنانية، بل بوجود هذا الكيان، الذي فرضته الحركة الصهيونية بدعم الحكومة البريطانية ومن ثم الأميركية، من الأصل. الاحتلال اعتداء، وطالما أن الاحتلال موجود، فإنّ التلازم بين كافة القوى الإسلامية واليسارية التي تواجه إسرائيل موجود، رجعيةً كانت أم تقدمية في طرحها السياسي والفكري. لكن التقاطع بين هذه القوى هو تقاطع مرحلي، مؤقّت، تكتيكي وليس استراتيجي. إن ضرورة خوض النضالات الموحّدة يفرض على تلك القوى تفادي العداوات، غير المجدية مع بعضها البعض، ولو اختلفت إيديولوجياً واستراتيجياً. لا ينكر أحد بأن إسرائيل نجحت في فرض شروطها على عدد كبير من الدول العربية، بغية كسر الحصار الاقتصادي الذي المفروض عليها من الستينات، أيّام حركات التحرر العربية. نجحت إسرائيل في تدجين الأسواق العربية والإقليمية لمصلحتها، ممّا كان له الأثر المباشر في فرض الاستسلام على تلك الدول، التي سقطت في فخّ التطبيع والمعاهدات المذلّة غير المتكافئة، وذلك بسبب سقوط حركات التحرر العربية وغياب المقاومة، بمختلف أشكالها، أي غياب قوة التصدي للهيمنة الصهيونية. ولكن على شعبنا، وبخاصة الشّباب الذي يعاني الأمرّين مع تفاقم البطالة والهجرة وازدياد الأوضاع المعيشية سوءاً، تحديد موقعه من هذا الصراع. إذ ليست المقاومة العسكرية سوى شكلٍ واحدٍ من أشكال المقاومة. إنّ تحرير الأرض شرطٌ من شروط تحرير الإنسان، اقتصادياً وفكرياً وثقافياً، لكنه ليس الشرط الوحيد، وإن كان أساسياً. وهذا هو الفخّ الذي وقعت فيه الأنظمة العربية، وهذا هو محور الاختلاف الاستراتيجي بين القوى اليسارية والإسلامية في لبنان وفلسطين. إن محور التوافق بين كافة قوى المقاومة في لبنان، باختلاف إيديولوجياتها، هو نتائج الحروب الإسرائيلية وآثارها المدمّرة على الاقتصاد اللبناني، ومن أهمها التخريب المستمرّ للبنى التحتية المدنيّة، والمرافق الحيوية من الطرقات، الجسور، الأنفاق، شبكات المياه ومعامل الكهرباء، إضافةً لتهجير آلاف العائلات من القرى إلى ضواحي بيروت، بعد تدمير المنازل والمصانع والمؤسسات. أسهم ذلك في تشكّيل أحزمة الفقر وارتفاع معدّلات البطالة. يضاف إلى ذلك سرقة مياه نهريّ الوزّاني والليطاني، لتنمية المستوطنات وتوسيعها، ومحاولة فرض التطبيع من خلال اتفاقية 17 أيار. الاتّفاقية التي كانت ستؤسّس لعلاقة تبعيةٍ تجاريةٍ واقتصاديةٍ مباشرة للاقتصاد الإسرائيلي "المُنتِج"، لتحويل لبنان إلى سوق لتصريف المنتجات الإسرائيلية. وصولاً لاكتشاف "نوبل إنرجي" الأميركية لحقل "كاريش" المشترك، الذي يمكّن إسرائيل من سحب الغاز اللبناني في البحر، لتكتمل عملية سرقة الثروات النفطية والمائية، مع عملية التدمير الممنهج للبنى التحتية الأساسية، ومحاولات فرض التطبيع. أما محور الخلاف، فهو ما يستدعي النقاش، فمفهوم المقاومة لدى الحركات اليسارية شامل لكلّ أوجه الصراع. يعتبر اليسار في لبنان كل حركةٍ ضد السلطة، التي تحرم شعبها أدنى حقوقه، حركةً مقاومة، ولا ترى إلّا فرقاً بسيطاً بين نتائج السياسات المتّبعة من قبل السلطة الحاكمة، ونتائج الحروب الإسرائيلية المدمّرة. "هيئة التنسيق النقابية" حركةً مقاوِمَة، ضد تسلّط حيتان المال واستئثارهم بالثروات المنتَجة، وتلاعب الهيئات الاقتصادية بلقمة عيش الملايين من الناس. "مشاع" حركةٌ مقاوِمَة، ضد احتلال الأملاك العامة البرية والبحرية والنهرية، وضد فساد السياسيين، وخاصة الوزراء، الذين يستغلّون مواقعهم لتمرير صفقات تملّك مشبوهة. تمرّد المياومين في القطاع العام فعلُ مقاومة ضد ظاهرة العمل المياوم، وهي من مخلّفات العبودية، التي تحرم العمال من كافة حقوقهم، وضد الخصخصة، وسياسات التفليس الممنهج للمؤسسات العامة بهدف بيعها، أو مشاركتها مع الشركات الخاصة. تحرّك عمال "سبينيس" ضد ظروف العمل القاسية والأجور المتدنّية، ونضالهم بهدف تنظيم نقابة تتخطى "سبينيس" لتجمع عمّال متاجر التجزئة لحمايتهم من الاستغلال الذي يتعرّضون له، فعلُ مقاومةٍ واضح. إضراب الدكتور علي برّو عن الطعام لمدة 20 يوماً، رغم سنّه الذي يصل إلى 63 عاماً، فعلُ مقاومة ضد الظلم الطبقي اللاحق به كمواطن، وضدّ الفساد الإداري والنهب، الذي شهده كرئيس مصلحة في وزارة الزراعة. نزول آلاف الشبّان والشابات إلى الشارع عام 2011، للمطالبة بتغيير النظام السياسي الطائفي، رافعين شعارات العلمانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فعلُ مقاومة وكسرٌ لجدار الخوف والصمت. دفاع المزارعين في البقاع عن محاصيلهم الزراعية وأراضيهم من بطش أجهزة الدولة، فعلُ مقاومةٍ لنهج التفقير، وغياب سياسات التنمية، التي تنتج حرقاً للموارد الطبيعية بدل استثمارها. انخراط الطلاب في سوق العمل في وقتٍ باكرٍ، وتوفيقهم بين ساعات العمل الشاقة وساعات الدراسة الطويلة، مقاومة للفقر والجهل في آن واحد. تحدّي التفجيرات الإرهابية بمزيد من التماسك والتعاضد، مقاومة لا تقلّ قيمةً عن تماسكنا وإيماننا بالنصر تحت صواريخ وقذائف العدو الصهيوني. انتحار العاملات الأجنبيات، تارةً شنقاً وطوراً قفزاً من الشرفات، مقاومة للظلم والظروف الوحشية، والسجن المنزلي، ونظام الكفالة الذي يضمن تعرّضهن للعبودية من قبل "أصحابهنّ"، ليست المقاومة تحريراً للأرض فحسب، بل هي كل فعلٍ نضالي ضدّ كل ظلمٍ يتعرّض له أيّ إنسان. كما قال تشي غيفارا: "إن مقاومة الظلم لا يحدّدها الانتماء لدين أو عرق أو مذهب، بل تحدّدها طبيعة النفس البشرية، التي تأبى الاستعباد وتسعى للحرية."

الأكثر قراءة