دعا اتحاد الشباب الديمقراطي الى تظاهرة أمام المجلس النيابي في الخامس من شهر آذار المقبل، تضامنا مع الوزير الاسبق شربل نحاس.
وأشار المتحدث باسم الاتحاد خلال الندوة الحوارية مع نحاس في قصر الاونيسكو إلى أن الجالية اللبنانية في فرنسا ستقوم بوقفة تضامنية مع الوزير أمام السفارة اللبنانية في باريس في الثاني من الشهر المقبل.
ملاك عقيل
تعوض حيطان «الفايسبوك» الالكترونية، انسداد شرايين الحوار والتواصل. يأتي حدث استقالة شربل نحاس، ليفتح الباب أمام نقاش تنتفي فيه المسافات وتتغير المواقع في معادلة الـ«مع» والـ«ضد».
يبين رصد مواقع التواصل الاجتماعي، أن «قضية نحاس» أصبحت بشكل أو بآخر، همّاً مشتركاً بين «القواتي»، «الكتائبي»، الوسطي، الحيادي، «المستقبلي»، «الأملي»، «الحزبللاوي»، اليساري، الناقم وغير الناقم على حكومة نجيب ميقاتي، المسحور بالزلزال السوري والمراقب غليانه، الحاقد على مي سكاف و«المطبطب لها»...
من حيث لا يدري يقرّ طوني ابي نجم، احد مسؤولي «القوات اللبنانية» بخطأ ازاحة ميشال عون لنحاس «الذي سيأتي من هو أنحــس منه». يكتب على حيطه «نشالله نرتاح من الاسلوب العــوني. تنظير بالعفة وممارسة أبشع انواع...» يبصم قواتي آخر على المكــتوب «انه تكتّل الفساد والتعتير». يتحدث آخر عن «عهر سياسي». بالمحصلة، أخذ «المعرابيون» طرفاً مع وزير تجرأ على «جنراله». ليس عادياً ان ينجح من يكره الاضواء في حشد اضواء الحلفاء والخصوم عليه دفعة واحدة، تأييداً وليس هجوماً. ويفتح الباب على هواجس بحجم نظام بأكمله. «كيف يمكن للإصلاح ان يولد على يديّ طبقة سياسية لا تفهم الا بلغة التسويات؟» يسأل أحدهم.
عبدالله الخير أحد الناشطين على «الفايسبوك» يقتطع تصريحاً للوزير فادي عبود عن «حجم الافادة من الثروة التي يقدمها موسم التزلج». الشاب المتحرّر في تعليقاته من هوس التبعية يعقّب «أكيد رح يظلّ الثلج من فوق بلا مرج. لما يكون امثال الوزير شربل ناس برا وغيروا جوا». «ستايتوسات» بالمئات ناقمة غاضبة لاسعة بسمّها. موالون للاكثرية لم يعد يهمّهم كشف عورة فريقهم السياسي الحاكم. ومعارضون حوّلوا «خطيئة عون» الى وسام على صدر «مناضل» في زمن تسويات الـ«فاسد فود». هؤلاء تحديداً قد تلمح وجوههم ايضاً في التجمّع التضامني مع «الرفيق» امام منزله في الاشرفية عند السابعة من مساء أمس. لا لشئ، سوى لان اللاهثين وراء أوكسجين «النظافة» ونبذ الاستزلام الأعمى، وجدوا فجأة ضالتهم أو «شهيدهم المنشود»... لكن بعد فوات الاوان.
مفارقة، ان تصدر احكام الاعدام «السياسي» من محبي «الجنرال» والسيّد» و«الاستاذ». «أول إنجاز في مسيرة الإصلاح والتغيير»... «تغيير نحاس». تضع إحدى الناشطات «فايسبوكياً» الاصبع على الجرح «اجمل ما فيك يا معالي الوزير انك ساويت بين الزعماء المدّعين العفة والنزاهة والتغيير والاصلاح». المفارقة الاكبر ان يزداد رصيد اليساري من الاصدقاء من «المعسكر المعادي». ضيوف جدد على صفحة المستقيل من الشأن العام، بكل «وسخه» وحبكات كواليسه المعتمة، تتملكهم الحشرية المفاجئة للتعرف على الوجه الآخر لمن صارع دولة بأمها وابيها. لرجل خارج السياق. يجلس على «الكرسيّ» ليدشّن «ربيع الإصلاح» لا ليمشي في جنازته...
على حيطان الموقع الالكتروني تتسلّل الكثير من الصور المؤذية في واقعيتها. «اسقاط حكومات او استقالة وزير اسهل بكثير من اصلاح البلد». «لا مكان لك بينهم.. خيراً فعلت». لـ«العنيد» أيضا نقاط لدى خصومه السياسيين ايضا. يرفع النائب السابق جواد بولس على صفحته «القبعة» لشربل نحاس ويكتب له بالفرنسية «انا مختلف معك بالسياسة. لكن على الاقل انت صاحب مبادئ. انت مختلف عنهم». وفي صفوف الرابع عشر من آذار من يعزّي بـ «الضحية» «ميشال عون باع شربل نحاس. الثمن تسهيلات، تعيينات، وتمويل».
اكثر ما يستفز «الفايسبوكيين» تلك المصالحة التي طال انتظارها بين زعيم اصلاحي وآخر عرف بحساسيته الزائدة طوال عهود الطائف على كل ما يشتمّ منه «إصلاح وتغيير». اللعبة كانت تقتضي، وفق مفهومهم، ان يأتي الثاني عند الاول وليس العكس! الفجيعة وجدت مكاناً لها على حيطان «المولولين». «ماذا يعني ان يتصالح ميشال عون ونبيه بري، ويكون الثمن رأس شربل نحاس؟». «كان من المفترض ان تطير الحكومة اذا طار وزير العمل. لكن «بنزين» استقالة «النزيه» أشعل محركاتها مجدداً». «ماذا يعني ان تجتمع الجمهورية كلها، برؤوسها الفاسدة والنظيفة، للتخلص من وزير يرفض مخالفة القانون»...
«في وقت بات فيه الرجال قلّة، شربل نحاس بطل». تكتب السي مفرّج الإعلامية الملتزمة في «التيار الوطني الحر». على صفحتها يتّسع المجال لجرعات زائدة من حرية التعبير «لا مكان للشريف في المافيا السياسية اللبنانية». الزميل جان عزيز نفسه يطلق العنان لانفعالاته «حق الفقراء والمقهورين والجائعين عليك أن تظل تمثلهم على تلك الطاولة بالذات (اجتماعات التكتل). يكفيهم اميل بيطار واحد في تاريخهم. بعد 40 عاماً يريدون منك حقه وحقهم وحق الوطن عليك. نحن نحتاج اليك. نحن نحبك...».
هنا، على «الفايسبوك»، حيث لا رقابة ولا خوف من مرجعية تكشّر عن أنيابها، يعتقد كثيرون أن «شربل يشبه كثيراً ميشال». الاثنان جمعهما قدر «رفض التوقيع ودفع الثمن». لكن عندما يشاء القدر أن «يسخر»، يعيد التاريخ نفسه... لكن مشوهاً.
نصري الصايغ
كان إقليدس، مؤسس علم الهندسة، يرسم على لوح غباري خطوطاً مستقيمة ومنكسرة ودائرية. مر به الملك وسأله: «لمَ كل هذه الخطوط يا إقليدس، خط واحد يكفي؟» أجابه إقليدس: «ليس في الهندسة خط ملكي.. وأقرب خط بين نقطتين، هو الخط المستقيم».
وسار شربل نحاس على خطى إقليدس. لا خطوط ملكية. لا خطوط وفق أهواء السلطة. الخط المستقيم دليله في بلوغ الصح.
ليت شربل نحاس قرأ مسرحية برتولت بريشت، «غاليليو غاليلي»، لعله كان قد استفاد من فعل الندامة الذي تلاه غاليلي أمام محفل الكرادلة، في زمن كانت السلطة فيه مدعومة بمحاكم التفتيش.
في المسرحية، مشهد أول، يبيع فيه التلميذ اندريا معطفه، ويشتري به لبنا لأستاذه غاليلي كي يستمر في بحثه الدؤوب عن الحقيقة. ويكتشف غاليلي الحقيقة وتنتشر. تهتز أركان الإجماع الكنسي. يهتز النظام. يعتقل غاليلي.
المشهد الثاني: يصلي تلامذة غاليلي كي يصمد أستاذهم، ولا ينهار تحت التعذيب. لكن غاليلي، عندما رأى نهايته قريبة، قرر أن يخدع الجميع، ويعترف بأن الأرض ثابتة لا تدور.
المشهد الثالث: اندريا يزور غاليلي في سجنه، ويسأل أستاذه باكيا: «غاليليو، غاليليو، لماذا أنكرت الحقيقة؟» ويجيبه غاليلي بصوت ساخر: «هل تعرف يا أندريا، لقد كان إقليدس على خطأ. فأقرب خط بين نقطتين، هو الخط المتعرج؟».
لكن شربل نحاس، قلّد إقليدس، ولم يقبل بفتوى غاليلي. فضل خط القانون المستقيم، على التسوية المتعرجة، التي أبدعتها العبقرية اللبنانية، الموازية لعبقرية السلطات الدينية في القرون الوسطى. عبقرية تقول: التسوية أولا، والقانون أخيراً. غاليلي دائما، إقليدس، ولا مرة.
وسقط شربل نحاس، كما سقط آخرون، توهموا أنهم قادرون على طواحين النظام الفولاذية. خروا صرعى، الواحد تلو الآخر. والغريب ان نحاس الذي صمد في وجه خصومه ومن خاصمهم، وفي وجه أعدائه ومن عاداهم، سقط بيد أصدقائه وحلفائه وتياره... ولم يشفق عليه أحد. هذه المرة كان بروتوس مرتبكاً، ولكنه كان حاسماً، إذ، «لا صوت يعلو فوق صوت الملك»، المتوّج جنرالاً، وله وحده الحق في ان يسير وفق الخط المستقيم إذا شاء، ووفق الخط المتعرج إذا اقتضى ذلك.
ولقد ارتاح الأرباب اللبنانيون جميعاً من نحاس. كان كابوسهم المندس في كل السياسات: له في كل مقام مقال خاص وموقف حاسم. في المالية، له حسابات لا تخطئ، في الاقتصاد نظريات وآليات يدافع عنها، في الطاقة برامج تكهرب الجميع، (بلا ضوء طبعاً) وله في الصحة صورة رنينية لعللِ التلاعب والدواء والاستشفاء، وله في الانتاج نظريات مكتوبة غير قابلة للقراءة، في مجالس السلطة، وله في مسار الدولة خط مستقيم يقوم على ركيزتين اقليديتين: الدستور والقوانين.
توهم نحاس، انه يستطيع، عبر تمسكه بالقوانين، إلزام الآخرين بتبني المرجعية الدستورية في إقرار السياسات العامة والخاصة. ولقد كان ضحية أوهامه. لبنان غير قابل للصرف، قانونيا.
ولهذا، ارتاح منه الجميع، الجميع بلا استثناء، من معه قبل من هم ضده. سعد الحريري لم يعد محتاجاً إلى تهديده مرة أخرى: «بفرجيك». وليد جنبلاط، يعيّد الأضحى، بعدما ضحّى الجنرال بكبشه المفضل. حزب الله انصرف إلى تأدية صلاة الشكر، لأنه أخرجه من جحيم الاختيار، بين الحكومة وبقائها وشربل وانسحابه. ونجيب ميقاتي لم يبخل، كعادته، إذ أنفق وقتاً للسخرية الصامتة، ووقتاً آخر لأخذ العبرة، وتهديد من لا يعتبر. فهو صاحب الشعار الجديد: «الأمر لي»، وإلا فإن السنّة خلفي ومعي، ولو كانوا ضده ومع خصمه الحريري. أما رئيس الجمهورية، فحدّث ولا حرج، فهو يتصرف كأنه الباب العالي. فيما حاشية الجنرال تنفست الصعداء، وعاد كل واحد منهم إلى أصوله الطبقية وثقافته الطائفية وحصته المرتقبة. وأكبر الشامتين، الاتحاد العمالي العام، صاحب الحق الحصري في عقد التسويات.
ماذا فعلت يا شربل حتى صاروا كلهم ملكيين أكثر من الملك؟ أنت تتمسك بالنص، وهم يتمسكون بالميثاق. النص دستور وقوانين، والميثاق تسويات طوائفية. النص مجهز ليكون في خدمة التسوية.
هذا بلد يسير عكس القوانين. هذه دولة ضد دستورها. هذه سلطة ضد الدولة والدستور والقوانين والناس. والسلطات التي سبقتها، لم تشذّ عن القاعدة. ولهذا، يرتع لبنان بفساده وفسقه ونفاقه. ولهذا تعتبر كل تسوية صفقة. وإذا أجريت عملية حسابية لمعرفة مردود استقالة شربل نحاس، فإن الصفقة كانت مربحة جداً. لم يخرج أحد خاسراً من الطبقة السياسة.
لم يحسب نحاس الحساب السياسي الدقيق وفق منهج غاليلي. اللحظة ليست مؤاتية لإطاحة الحكومة. فدونها معادلة إقليمية تتزعزع. النأي بالنفس، وسيلة الخلاص اللبناني من ارتدادات العنف السوري، الذي يتقن فريق 14 آذار توظيفه ولو أطاح الاستقرار اللبناني الهش. والنأي حياد معلن، وانعطاف مبطن.
بين النأي بالنفس، والنأي عن نحاس، اختار فريقه بقاء الحكومة. وكان قد سبق ذلك، أن أقدم حزب الله على النأي بنفسه عن تمويل المحكمة، ثم نأى بنفسه أكثر مع تجديد البروتوكول. أما نحاس، فقد حشر نفسه بشعار واحد: لا أوقع... فَوَقَع وحيداً، وعادت العجلة إلى الدوران، وفق سياسة الخطوط المتعرجة والسياسات المتقاطعة.
مراراً وتكراراً، قدّمت نصائح لأهل الثقافة والخبرة والالتزام، بعد الاقتراب من هذه السلطة في هذا النظام. لكن زياد بارود فعلها... برغم تهذيبه وتورياته وتأففه ومداراته لمن حوله ولمن فوقه، أخرج من السلطة بمكافأة النسيان. قبله كثيرون. أخرجوا ولم يبق لهم أثر... الحي الباقي في لبنان، هم هؤلاء الستة الكبار. لا يحولون ولا يزولون... ومع كل مرحلة أو عهد أو سلطة يتجددون، بتأييد حاسم من أتباعهم الميامين.
ومع ذلك، يختلف شربل نحاس عمن سبقه. لا يتورع عن نقد. يعاند بحق، يتصلّب بمنطق. يحسب بدقة. يتابع ولا يكل. ومن ثم، يتصرف وفق قناعته ويسلك وفق علمية مفحمة ومبادئ عريقة وقيم لا غبار عليها.
انه شربل الرهيب...
غداً، يوم آخر. غدا، حكومة أخرى، لأنها من دون شربل نحاس. دخلت قفص الطاعة الطوائفي. حيث تبيض السلطة بيضا ذهبياً يوزع محاصصة على ديوك المزرعة اللبنانية. لقد فقدت الحكومة ثقة كبيرة. والتيار الذي اختاره ثم تخلى عنه، سيفقد أكثر. علماً ان الثقة المتبادلة بين أركان الحكومة ستصبح أكثر متانة... خصوصاً أنهم لا يسألون عن ثقة الناس الطيبين.
ماذا بعد؟
لا شيء أبداً. خسر شربل نحاس وفاز. ولو أنه نجح، لكان فشل فشلاً ذريعاً. خسارته شهادة عليهم وشهادة له. ظل وفياً لذاته وقيمه وانتمائه. لذلك نقول له: شكراً، مع عظيم يأسنا من هذا النظام ومن طبقته السياسية الرثة.
انه يأس بنّاء. يأس يدعو إلى ممارسة القطيعة مع نظام غير جدير بأن يخدم، إلا من أشباهه...
شربل نحاس بات خارج السلطة أمس. استعاد لغته اليسارية كاملة، من دون قفازات ولا أقنعة. بات بإمكانه الحديث عن «الفاشستية» بكل راحة ضمير، وهجومه على التكتلات السياسية لن يتحدّد بخطوط حمراء. يريد أن ينزل الناس إلى الشارع للنفخ على «التكتلات الكرتونية»
نادر فوز
ليس على أجندة شربل نحاس موعد مع الإحباط أو فترة للتأمّل. وقعت «مأساة» استقالته، لكنه يُشعر جميع من حوله بأنه واعٍ لتفاصيل الأمور ومدرك لما يدور حوله. بحث بعض من في محيطه عن وقت ضائع لاستيعاب الأمور، وبعض آخر سقط في صدمة استقالته. أما هو فلا يريد أن ينأى بنفسه أو الابتعاد.
ابتسامته كانت عريضة وساخرة. نكاته وتعليقاته «تنفّس» عن الأشهر الستة الماضية. بدا مرتاحاً مع الواقع الجديد: باستطاعته اليوم وصف النظام بـ«الفاشي» وانتقاد «شراطيطه». أصبح قادراً على استعادة تاريخ نضال العمال في لبنان والتذكير به. يمكنه الدعوة إلى مسيرات احتجاج. بات بإمكانه الحديث عن سياسيين يشترون ونقابيين يُباعون. فكّ شربل نحاس قيوده.
لا خطوط حمراء بعد اليوم، و«أملنا كبير بأن نخرق كل التكتلات السياسية ونفرض بأن لا تحكم البلد عصابات». أي عصابات؟ «القصة تتخطى الاصطفافات السياسية وأعمق من كل شيء»، أي هي أعمق من جهة تبنّته وأخرى عادته، الجميع في دائرة الاتّهام والخطر.
في مكتبه في منزله، وضع على الطاولة كتاب «الحركة النقابية في لبنان، 1919 ــ 1946» لجاك كولان. استعان بهذا الكتاب قبل لحظات من وصول الكاميرات. استعاد بعض الأسماء والتواريخ للحديث عن إضراب عمال الريجي عام 1946 والشهداء والجرحى الذين سقطوا في فرن الشباك. قال ما معناه إن اتهامه بالتسبب بانقسام طبقي يعدّ شرفاً له. وأنه لا خوف بعد اليوم: «ساعة يخيفوننا بشارع سُني شيعي، وساعة بأن المصارف ستفلس. هؤلاء الأشخاص لن يخيفونا، كلهم كرتون بنفخة بيطيروا».
بدا نحاس بعيداً جداً عن الإحباط أو اليأس، وقد تسلّح بوجود عشرات الشبان المؤيدين له. يؤكد أنه ليس في عزلة ولا يشعر بالوحدة، ما دفعه إلى دعوة الشباب إلى الاعتصام: «من بكرا انزلوا على مجلس النواب».
يريد نحاس تفسير الأمور بوضوح. قرار بدل النقل ليس إلا سبباً شكلياً للاستقالة، وما دفعه إلى هذه الخطوة مفهوم تعامل الحكم مع هذه القضايا. فـ«قصة بدل النقل هي قصة إما يهاجر الشباب أو يتم ترويضهم إذا قبلوا باللعبة». وإن لم يوافقوا على الأمرين، فالخيار الوحيد هو الاحتجاج.
إلى الشارع منعاً لمحاولة إعادة «الفاشستية» إلى البلاد عبر توحيد «ما يسمونه هيئات اقتصادية وما يسمونه قيادة اتحاد عمالي». يسخر نحاس بشدة من ظاهرة تحالف أرباب العمل ومدّعي تمثيل العمال: «قدّم الطرفان الشكوى نفسها ضد وزارة العمل، هل حصل في تاريخ البشرية أن من يدافع عن العمال وعن أرباب العمل يقدم شكوى ضد جهة واحدة؟».
كلامه يؤكد أنه لا يريد الانكفاء. يحتفظ شربل نحاس في مكتبه بلوحة تعريف له في مجلس الوزراء. «شربل نحاس، وزير العمل». أضاف الوزير وائل بو فاعور، بخط يده، على تلك اللوحة «العامل عمايل»، بعد أن عارض بشراسة وزير العمل المستقيل اقتراحه إصدار قرار لدعم الفقراء. يعتزّ نحاس بهذه الصفة الجديدة، فمن هذه «العمايل» رفضه «تحويل الظلم قانوناً». يعطي مثلاً «منذ 60 سنة احتلت إسرائيل فلسطين، فهل أصبح الاحتلال قانوناً»! يضيف: «لا 16 سنة ولا ستين سنة، طويلة على رقابهم كلهم».
يشارك نحاس عشرات من زاروه في منزله مساءً للتضامن معه. قلّة حضروا أمس بعدما جمع بعضهم بعضاً بعد ظهر أمس. صفقوا له، التقطوا صوراً معه، عبّروا له عن استيائهم مما يحصل. معظمهم حضروا محصّنين بالكوفيات الفلسطينية. هم شيوعيون ويساريون أتوا إلى الأشرفية على وقع «نشيد الثورة». غاب البرتقاليون. زيارة خاطفة للنائب غسان مخيبر الذي جلس يهزّ رأسه موافقاً على كل ما يقوله نحاس.
في صالون «آل نحاس» دخل شاب عشريني وحده. انتظر دوره بصمت للاقتراب من الوزير. وما إن سنحت له الفرصة، عرّف عن نفسه: «أنا X، من التيار الوطني الحر، وأنا أحتجّ على تخلّي الجميع عنك». حضر الشاب من الشمال، من قرية ساحلية في البترون للتعبير عن رفضه تخلّي تكتل التغيير والإصلاح عن نحاس.
يُفاجأ الشاب حين يسمع أن أياً من «العونيين» لم يحضر. «ما في حدا من التيار؟»، يسأل. يلتف على نفسه ويسأل من جديد: «كل هؤلاء شيوعيون؟»، نعم. يعلّق: «خسارة». يتحدث بكل وضوح عن حالة عونية تعارض قرار تكتل التغيير والإصلاح التخلي عن نحاس. يقول إنّ الفايسبوك يعجّ بالعونيين المستائين والمؤيدين للوزير حتى بعد استقالته. أين هم هؤلاء؟ هم يعلّقون بإيجابية على دعوة نحاس إلى التظاهر على أبواب مجلس النواب ويكتفون بالدعم الإلكتروني.
مساء أمس قُبلت استقالة نحاس، فرفعت كؤوس الانتصار في القصر الجمهوري. كلام الوزير ناظم الخوري يوحي بذلك؛ إذ علّق على الاستقالة بكونها «مهدت الطريق لحلحلة الأمور ومعاودة انعقاد جلسات مجلس الوزراء». إذاً، هي فرحة مزدوجة. الجلسات في طريقها إلى الانعقاد، ولم يعد ثمة «عامل عمايل» فيها.
لم يرَ ناظم الخوري ما رآه الوزير غازي العريضي الذي سجّل لنحاس «كل احترام وتقدير لحفاظه على الانسجام مع نفسه حتى آخر الطريق، وهذا يؤكد اقتناعاته وموقفه وتصرفه ويتطلب شجاعة». إلا أنّ العريضي لم يسأل ما إذا كان ثمة شجعان قد يلبّون دعوة نحاس للنزول إلى الشارع والاحتجاج على مجلس النواب والحكومة معاً.
الخميس ٢٣ شباط ٢٠١٢
مشروع قانون حماية الأجر وصونه في عهدة الحكومة
تسلمت رئاسة مجلس الوزراء امس مشروع قانون وقعه وزير العمل شربل نحاس وأحاله الى الحكومة. عنوان المشروع: «تحديد مفهوم الأجر وشروط حمايته وصونه، وبنظام التقديمات التي يجوز استثناؤها منه». هدف المشروع: تحقيق اصلاح جذري في تحديد مفهوم الاجر وتحصينه. اما مصير المشروع، فلا يمكن أن يكون مشرّفاً. لكن صاحب المشروع، حاول أن يترك خلفه حصى في مستنقع الصفقات العائمة
قبل مغادرته الوزارة، أحال وزير العمل المستقيل شربل نحاس الى رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون «تحديد مفهوم الأجر وشروط حمايته وصونه، وبنظام التقديمات التي يجوز استثناؤها منه». هكذا، وبدلاً من توقيع مرسوم بدل النقل، وقّع نحاس على مشروع يدخل اصلاحات جذرية الى مفهوم الأجر. حدد نحاس الأسباب الموجبة للقانون بحيث لفت الى ان الأجور تمثل مصدر دخل الغالبية العظمى من العاملين في الدول المتقدمة، وقد انعكس تراجع حصتها في الناتج المحلي في لبنان خلال العقدين الماضيين ازدياداً في هجرة اللبنانيين وتراجعاً في إنتاجية الاقتصاد.
كما ان الأجر هو حجر الزاوية في الاقتصاد الرأسمالي إذ إنه يحدد العلاقة بين الملكية الخاصة لرأس المال المصونة في الدستور وحقوق الإنسان العامل وشروط كرامته وعيشه المصونة أيضا في الدستور وفي المواثيق الدولية، وهذا ما يحتم تدخل المشترع للتوفيق بين هذين الاعتبارين المرجعيين. وتترتب أيضاً على وضوح حدود الأجر نتائج بالغة الأهمية على صعيد صدقية حسابات المؤسسات وعلى صعيد حقوق الدولة المالية من الضرائب، سواء على الأرباح أو على الأجور، وعلى صعيد واجباتها في مجالات الرعاية والعدالة الاجتماعيتين. لذا يجب، وفق نحاس، تحديد مفهوم الأجر ومعناه القانوني بدقة لتوفير شروط حمايته وصونه.
شرح نحاس ان القانون اللبناني يتناول الأجر من خلال عدة تسميات وردت خصوصاً في قوانين العمل والضمان الاجتماعي والموظفين، إضافة إلى معاهدات منظمتي العمل الدولية والعربية، منها الأجر والكسب والراتب، في غياب تحديد جامع. وقد زاد الالتباس إصدار عدد من المراسيم خلال السنوات الماضية تفتقر إلى السند القانوني إضافة إلى عدد من القوانين والأنظمة التي وضعت في ظروف استثنائية لا سيما في مراحل التضخم المنفلت والتي أسست لأعراف بقي بعضها قائماً إلى الآن وهي تنشئ عند حدود الأجر حقوقاً وموجبات باتت تأكل من مفهوم الأجر الأساسي تحت تسميات شتى مهددة بتبديده كلياً. ورأى أن الأجر في الأساس هو كل دخل يجنيه العامل من صاحب العمل لقاء العمل الذي يقدمه له. وقياساً على ملكية صاحب العمل للمؤسسة وما يترتب على هذه الملكية من حقوق، يحوز الأجر على ضمانات وحصانات أساسية أرستها القوانين والمعاهدات، لكن هذه الضمانات والحصانات تفقد من قيمتها كلما كان مفهوم الأجر مبهماً وحدوده ملتبسة.
أما أبرز هذه الضمانات والحصانات فهي: أن الأجر يمثل ديناً ممتازاً للأجير على المؤسسة، أنه واجب السداد بطريقة منتظمة وخاضعة للتحقق والمراجعة، أنه يستتبع اشتراكات ملزمة في الضمان الاجتماعي وتقديمات مقابلة تتحدد قيمة بعضها وفقاً لقيمته بينما يتوقف التوازن المالي للضمان على قيمتها حكماً، أنه يستفيد من آليات تصحيح دورية وفقاً لاعتبارات مرجعية تحددها القوانين (المحافظة على القدرة الشرائية للحد الأدنى كاملة ولسائر الأجور وفق الشطور، تأمين حاجات الأجير وعائلته في تعيين الحد الأدنى، تأمين استفادة الأجير من مكاسب الإنتاجية، تأمين استقرار حصة مداخيل العمل من الناتج المحلي القائم...) بحسب الدول وفي لبنان، وفق فلسفة العقد الاجتماعي للبلد ووفق تقدير المشترع للقدرة التفاوضية الفعلية للهيئات الممثلة لأصحاب العمل وللأجراء.
وفي المقابل تترتب على تحديد الأجر نتائج بالغة على صعيد الفاعلية والعدالة الضريبيتين سواء لترسيم حدود ربح المؤسسات لإخضاعه بكامله للضريبة أو لترسيم حدود الأجر الفعلي وإخضاعه أيضاً بكامله للضريبة، فلا تدخل في أعباء المؤسسات إلا المبالغ المتصلة فعلاً بنشاطها.
تعتمد الدول على أحد نهجين لتحديد مفهوم الأجر: إما إيجابياً بتوصيف مكوناته وتحديد الشروط التي تنطبق على كل منها، وإما سلبياً بتحديد حصري للتقديمات التي يجوز استثناؤها من الأجر وبالتالي من الشروط الحمائية والضريبية التي يخضع لها. والنهج الثاني هو الغالب لا سيما في الدول المتقدمة وهو الذي ينسجم مع الانتظام العام للقانون اللبناني، وهو بالتالي الذي اعتمده هذا القانون.
وقام نحاس بتبويب التقديمات القابلة للاستثناء من نطاق الأجر تحت أربعة عناوين: الاشتراكات الإلزامية المترتبة على المؤسسة وعلى الأجير والتقديمات الاجتماعية النظامية التي يستفيد منها الأجير وأفراد عائلته، الأعباء المقابلة لمواجهة المفاعيل الخارجية السلبية التي تؤثر على انسيابية سوق العمل وعلى التوازن الاقتصادي بين المناطق والتي تفرض الدولة إلزامياً تحييدها وتوزيعها بين مداخيل الرأسمال ومداخيل العمل والتكليف الضريبي. التقديمات الاجتماعية الاضافية أو المكملة لتقديمات الضمان الاجتماعي أو المتصلة بتحسين بيئة العمل والتي توفرها المؤسسة طوعيا بحدود ما ينتج منها من مفاعيل خارجية إيجابية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية العامة، الكلف الفعلية لأعمال أو تقديمات تستلزمها تأدية الأجير للمهام الموكلة إليه في المؤسسة دون أن يكون له منفعة شخصية منها، أو بالقدر الذي يتخطى منفعته الشخصية منها.
يستفيد الأجر من جميع وسائل الحماية المنصوص عليها في القانون وفي الاتفاقات الدولية المصدقة من قبل الدولة اللبنانية، ومنها أنه يعتمد أساساً لحساب اشتراكات الضمان الاجتماعي، وتطبق عليه زيادة غلاء المعيشة، ويعتبر ديناً ممتازاً للأجير على صاحب العمل، وهو يخضع لضريبة الدخل. تعتبر بمثابة أجر جميع التقديمات التي يتلقاها الأجير. وتستثنى التقديمات الاضافية المعددة حصرياً في المواد اللاحقة من كل أو من بعض وسائل الحماية والمترتبات المنصوص عليها في المادة الاولى، وذلك وفقاً للشروط المنصوص عليها في هذا القانون. كذلك تقسم التقديمات الاضافية التي يتلقاها الأجير الى أربع فئات: التقديمات الالزامية، التقديمات الاجتماعية الاضافية، التقديمات المرتبطة بتحسين بيئة العمل، التقديمات المرتبطة بالمصاريف الفعلية التي يتكبدها الأجير في معرض ممارسته لمهنته.
كما أن على كل من الأجراء غير المياومين أن يفتح حساباً مصرفياً لدى أحد المصارف العاملة في لبنان يختاره بالاتفاق مع صاحب العمل واذا تعذر الاتفاق وفق خيار الاجير، ويبلغ رقم الحساب الى صاحب العمل والى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. على صاحب العمل أن يدفع الجزء النقدي من الأجر وأية مبالغ أخرى عائدة للأجير في حسابه المصرفي وفق حوالات مفصلة تميز بين الأجر والمبالغ الأخرى. على صاحب العمل أن يصدر لكل من أجرائه بياناً شهرياً بالأجر يتضمن تفصيلاً يبين الأجر بما فيه قيمة التقديمات العينية الداخلة فيه، على الا تتخطى قيمة هذه التقديمات العينية 20% من الاجر النقدي (باستثناء الحالات المنصوص عليها في هذا القانون)، وكلاً من المبالغ الأخرى العائدة للأجير والتي لا تدخل في أجره، مع ذكر كل من الاقتطاعات القانونية لاشتراكات الضمان الاجتماعي ولضريبة الدخل. وعليه أن يبلغ الأجير عند كل دفع للأجر في حسابه المصرفي نسخة عن بيان الأجر وأن يحفظ لديه كل بيانات الأجر لفترة لا تقل عن خمس سنوات. على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن يدفع في حساب الاجير المصرفي كل مبالغ التقديمات العائدة له. للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولمفتشي وزارة العمل أن يطلعوا على بيانات وحوالات الاجر (…) ويعتبر الأجر المستحق للأجراء عن السنة الاخيرة من الديون الممتازة ويصنف بعد دين الخزينة والمصارفات القضائية والتأمينات الجبرية. ويطبق هذا المبدأ في حالات الافلاس ايضاً (...).
على صاحب العمل أن يعطي الاجير بدل نقل يومي عن كل يوم حضور فعلي الى مركز العمل تحدد قيمته وفقاً لأحكام هذا القانون.
تبلغ قيمة بدل النقل المستحقة على صاحب العمل نصف الكلفة التي يتكبدها الأجير للتنقل من والى مكان عمله، وتحتسب هذه الكلفة وفقاً للمعايير التالية: يعتمد التقسيم الاداري للأقضية أساساً لاحتساب المسافة بين مكان الاقامة المعتاد للأجير ومكان عمله الرئيسي، وتحدد المسافات. يتم تحديد كلفة النقل ضمن كل من الاقضية وبين كل قضاء وقضاء بتطبيق (1) معدل استهلاك المحروقات للكلم الواحد و(2) سعر صفيحة البنزين، على أن تحدد وزارة الطاقة والمياه بقرار من الوزير في أول كل سنة هذين المؤشرين.
يمكن مجلس الوزراء، متى أنشئ نظام عام للنقل المشترك، سواء على صعيد مدينة وضواحيها او بين المدن الرئيسة، ان يعين، للأجراء الذين تقع أماكن سكنهم وعملهم في المناطق التي يشملها هذا النظام، قيمة الكلفة الفعلية وفق تعرفة النظام العام للنقل المشترك، على أن يستحق على صاحب العمل نصف هذه الكلفة الفعلية التي يتكبدها الأجير للتنقل من والى مكان عمله، بوصفه بدل نقل. يستثنى كلياً من الأجر ويحتسب ضمن أعباء المؤسسة بدل النقل الذي يعطيه صاحب العمل للأجير. يمكن صاحب العمل الذي يؤمن وسائل النقل أو المنامة لأجرائه في مكان العمل أن يعفى من موجب دفع بدل النقل اذا اختار الأجير استعمال الوسائل المذكورة عوضاً عن تقاضي بدل النقل.
تعتبر من التقديمات الاضافية التي ينطبق عليها الاستثناء التقديمات الاجتماعية الاضافية التي يؤمنها صاحب العمل للأجير، وهي: التغطية الصحية الاضافية، المنح التعليمية الاضافية، التقديمات في ظروف استثنائية. ويستثنى كلياً من الأجر ويحتسب ضمن أعباء المؤسسة التأمين ضد طوارئ العمل الذي يوفره صاحب العمل لأجرائه، وتعتبر من التقديمات الاضافية التي ينطبق عليها الاستثناء التقديمات التي يقدمها صاحب العمل للأجراء بهدف تحسين بيئة العمل، وهي: المأكل والمشرب، دورات التدريب المهني، أنشطة ومرافق اجتماعية والمكافآت (...)
تبقى المفاعيل التي نتجت من المادة 4 من المرسوم رقم 6263 تاريخ 18/1/1995 وتعديلاتها قائمة، وتسقط جميع حقوق المراجعة سواء للمطالبة بتحصيل بدلات نقل غير مدفوعة أو للمطالبة باسترداد بدلات نقل سبق أن تم تسديدها، وذلك عن كامل الفترة السابقة لتاريخ صدور هذا القانون.
(الأخبار)
125 ألف ليرة
هذا المبلع يضاف الى كل الاجور بشكل مقطوع ابتداءً من تاريخ صدور القانون، وتحتسب المبالغ التي كانت تدفع على أساس وصفها بدل نقل والتي تقل عن مبلغ الزيادة جزءاً من هذه الزيادة، وفق ما جاء في المادة رقم 70 وهي الأخيرة في مشروع قانون نحاس
تعديل قانون العمل
يلغى نص المادة 7 من قانون العمل ويستعاض عنه بالنص التالي: «يستثنى من أحكام هذا القانون الموظفون في الادارات الحكومية والهيئات البلدية. يلغى نص الفقرة «و» من المادة 50 من قانون العمل ويستعاض عنه بالنص التالي: «يجوز لصاحب العمل انهاء بعض او كل عقود العمل الجارية في المؤسسة اذا اقتضت قوة قاهرة او ظروف اقتصادية او فنية هذا الإنهاء. على صاحب العمل ان يبلغ وزارة العمل رغبته في انهاء تلك العقود قبل ثلاثة أشهر من تنفيذه وان يقدم الاثباتات المحاسبية،تعاد تسمية الفصل الرابع من الباب الأول («في الاجرة») الى («في الحد الادنى للأجر»).
الخميس ٢٣ شباط ٢٠١٢
ابتداءً من 22 شباط 2012 صار بإمكان الفلسطينيين الحصول على إجازة عمل في لبنان بسهولة فائقة. فمع إصدار وزير العمل شربل نحاس القرار رقم 26 الذي يتعلق بالمستندات المطلوبة من اللاجئين الفلسطينيين للحصول على تراخيص عمل، صار بإمكان الفلسطينيين الحصول على إجازة عمل من دون عقد عمل، ولمدّة 3 سنوات.
وصار بإمكانهم العمل في كل الأعمال التي تعدّ محصورة باللبنانيين فقط (باستثناء الأعمال والمهن المنظّمة بقوانين، فإعفاؤهم منها يتطلب صدور قوانين بذلك. ووفق قرار نحاس، فإن الشروط والمستندات الواجب تقديمها لحصول الفلسطيني على إجازة عمل، صارت شكلية ولم تعد جوهرية، فالمادة الأولى من القرار تشير إلى أنه «يقصد بالفلسطيني في كل مرّة ترد في هذا القرار اللاجئ الفلسطيني المسجّل رسمياً في سجلات وزارة الداخلية والبلديات ــ مديرية الشؤون السياسية واللاجئين».
وحدّد القرار المستندات الواجب تقديمها مع طلب إجازة عمل لكافة الفئات على النحو الآتي:
ــ استدعاء موقّع من صاحب العلاقة أو من وكيله الرسمي، يذكر فيه الاسم ومحل الإقامة.
ــ صورة عن بطاقة لاجئ صادرة عن وزارة الداخلية والبلديات ــ مديرية الشؤون السياسية واللاجئين.
ــ صورتان شمسيتان.
ويشير القرار إلى انه يدوّن على إجازة عنمل الفلسطيني الآتي حصراً:
ـــ الاسم.
ـــ محل الإقامة.
ــ مدّة صلاحيتها.
أما المادة الرابعة من القرار فهي تشير إلى منح الفلسطيني إجازة عمل لمدّة 3 سنوات تجدد وفقاً للآلية ذاتها التي منحت على أساسها.
وتشير المادة السادسة إلى أنه يستثنى اللاجئون الفلسطينيون من القرارات الخاصة بالمهن المحصورة باللبنانيين وتطبق عليهم القوانين والأنظمة الخاصة بكل مهنة.
إن مضمون هذا القرار يعني أن الفلسطيني يمكنه أن يعمل من دون عقد عمل، ولم يعد عليه أن يستحصل على موافقة مسبقة، وبالتالي فهو يحصل عملياً على إجازة عمل حتى لو لم يكن لديه عمل فعلي، لا بل إن الوعد بالعمل يتيح له الاستحصال على إجازة عمل مقابل التصريح عن مكان عمله مثل ما يفعل أي لبناني.
كما بات بإمكانه أن يعمل في أي من الأعمال المحصورة باللبنانيين، علماً بأن القرار الصادر في أيام الوزير طراد حمادة كان يعطي العامل الفلسطيني حق العمل في بعض الأعمال التي كانت محصورة باللبنانيين، إلا أن قرار نحاس يمنحه الحق بكل الأعمال باستثناء تلك الممنوعة بموجب قوانين وتعديلها يتطلب قوانين لا قرارات.
(الأخبار)
العدد ١٦٤٢ الخميس ٢٣ شباط ٢٠١٢
خريستو المر
عندما وجّه رئيس الوزراء السابق سليم الحصّ وغيره، انتقادات للحكومة اللبنانيّة، التي ترأّسها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 2000، بسبب عدم وجود خطّة للإصلاح الماليّ والاقتصاديّ، ردّ رئيس الحكومة يومذاك بأنّ وضع الخطط هو من مخلّفات الدول الاشتراكيّة (والمقصود الدول الشيوعيّة التي سقطت في أوروبا الشرقيّة)، ما يعني ضمناً أنّ التخطيط هو أمرٌ غير متوافق مع الزمن الحاضر، وبخاصة في اقتصاد «حرّ» كلبنان! وهكذا، تهرّب الرئيس الحريري من النقاش العقلانيّ، مهاجماً في الوقت عينه مُسائليه. أمّا الوزير السابق جورج قرم، فإلى اليوم له حصّته من الهجوم على أساس أنّ «الخطّة الخمسيّة» التي شارك في صياغتها تذكّر بأمور اشتراكيّة «بائدة» و«مفلسة». وحاليّاً، يتلقّى الوزير الرصين شربل نحّاس الهجوم تلو الهجوم، من زعماء في 8 و14 آذار، بأنّه يُدخِل إلى الدولة أفكاراً اشتراكيّة وشيوعيّة!
طبعاً القائمون بحملات الدعاية الإعلاميّة ضدّ الوزير نحّاس، وقبله الوزير قرم والرئيس الحصّ، يسعون إلى التهرّب من النقد والمساءلة، ومن المواجهة لسياسات المشاريع المطروحة بالحجّة والمنطق. ووسيلة الدعاية التي يعتمدونها، ترتكز على التمويه الإعلاميّ عن المشاكل الحقيقيّة المطروحة. إنّ حجر الزاوية لهذه الاتّهامات هو المخيّلة الشعبيّة العربيّة التي عملت الدعاية الأميركيّة والعربيّة على غرسها في الوعي الجماعيّ، فصوّرت أنّ كلّ ما هو اشتراكيّ أو شيوعيّ هو متخلّف، و/أو ملحد، وبالتالي مرفوض قطعاً، بل تجب محاربته. بالطبع تتعامى هذه الدعاية عن واقع أنّ الأحزاب الاشتراكيّة حكمت عشرات السنوات، ولا تزال تحكم، في أوروبّا الغربيّة، وما تزال حاضرة بقوّة في المجتمعات، ولم تنتج هناك تخلّفاً ولا إفلاساً. على العكس، إنّ السياسات الرأسماليّة اليمينيّة الحاليّة هي التي تنتج ما نراه من إفلاسات تتوالى، ولصوصيّة تتعمّم في الطبقات السياسيّة والمصرفيّة.
هذا الوضع ليس حكراً على لبنان، فقد بيّن الكاتبان نوام تشومسكي وإدوارد هيرمان، في كتابهما عن صناعة الرأي العام، «صناعة الإذعان»، كيف أنّ الشيوعية صُوِّرتْ، في الولايات المتّحدة، على أنّها الشرّ الأسوأ، واعتمدت حكومات الولايات المتّحدة على هذه الصورة لتوحيد الشعب الأميركيّ ضدّ ذاك العدوّ المطلق، المتمثّل بالاتّحاد السوفياتيّ، وبرّرت لمواجهته كلّ سياساتها على أساس أنّها تواجه الشرّ الأعظم. وهكذا، استُعملت الشيوعيّة كتهمة للوقوف ضدّ حكومات انتُخِبَت ديموقراطيّاً وقامت بإصلاحات ديموقراطيّة اقتصاديّة واجتماعيّة، مهدّدة بذلك المصالح الماليّة للشركات الأميركيّة.
إنّ إقبال تيّارات سياسيّة لبنانيّة مختلفة ومتعارضة، وفي أزمنة مختلفة، على كيل «الاتّهامات» بالاشتراكيّة والشيوعيّة لأشخاص مختلفين في الانتماء السياسيّ، ومتّفقين في ضرورة إصلاح النظام الاقتصاديّ اللبنانيّ، هو سعي واضح لتجنّب مطلق أيّ نقاش عقلانيّ لسياسات الحكومات، وجعلنا نستنتج بأنّ هذه التيّارات تجمعها مصلحة واحدة ألا وهي عدم القيام بتنفيذ (وليس فقط بتشريع) سياسات تساهم في توزيع الثروة الوطنيّة توزيعاً عادلاً على المواطنين جميعاً. إنّ حملات كهذه قد تكون فعّالة عند من تنازل عن عقله لمصلحة انفعالاته الطائفيّة أو لمصلحة استزلامه المطلق لزعيم أو ولاء أعمى لقائد، لكنّها لا تنطلي على من احتفظ بوعيه بأدنى درجات معنى السياسة والوطن. درجات تعني أن يتساوى المواطنون في الكرامة، وأن تعمل الحكومات على السهر على توزيع الثروة الوطنيّة توزيعاً عادلاً، وأن ترسم سياسات اقتصاديّة عادلة متوسّطة وبعيدة المدى تقتضي التخطيط للحاضر والمستقبل، وعدم مخالفة القوانين، وكذلك دعم الطبقات الفقيرة من الأموال المجنيّة من ضرائب تطاول الأغنياء أكثر من الفقراء، وتنويعاً في الاقتصاد (في لبنان الصناعة والزراعة مهملتان). هذا كلّه معمول به في الدول الرأسماليّة، ككندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وكلّها دول رأسماليّة متقدّمة اقتصاديّاً ومعظمها مرّت بحروب طاحنة قتلت الملايين من البشر، لكنها قرّرت أن تكون دولاً لجميع مواطنيها، لا لفئة صغيرة من أغنياء تلك الدول فقط.
هناك مشاريع (يمثّلها نحّاس اليوم ومثّلها قرم والحصّ في السابق) تبدأ بالسير بلبنان في خطّ الاستقرار الاجتماعيّ، في خطّ جعل لبنان وطناً لجميع أبنائه، لا للفئة التي تنهب فقط. فالذي يريد أن يواجه مشاريع كهذه يستطيع أن يستخدم الوسائل الدعائيّة التي تحاول أن تسلب المواطنين حسّهم النقديّ، ليسيطر ماليّاً وسياسيّاً على الدولة، ويزيد من ثروته الخاصّة. أمّا نحن المواطنين، فلنا أن نواجه هذه المحاولات بمزيد من الوعي وبسعي كي ندفع هذه الدولة كي تصير بالفعل وطناً للجميع، لا دولة مفرّغة من معناها، مجرّد ملكيّة لمتموّلين وإقطاعيّين. هذا ليس شيكّاً على بياض أو دعماً أعمى لفريق سياسيّ، إنّه دعوة كي نستعيد عقولنا.
* أستاذ جامعيّ وكاتب
الاربعاء ٢٢ شباط ٢٠١٢
صدمة سلبية في «التيار».. وسؤال الإدارة السياسية بلا أجوبة
كلير شكر
لن يكون دخول شربل نحاس إلى «الجنة الحكومية» كما خروجه منها. بدا هذا اليساري لحظة نيله لقب «المعالي» غريباً في «البيئة البرتقالية». أفكاره الاجتماعية لا تجد حتماً من يهلل لها في بيئة ليبرالية تشبه معظم بيئات «السوق السياسي اللبناني». سمعته النظيفة، هدّأت من منسوب «النقزة» التي أثارتها «سيرته التاريخية»، ولكن.
كان يكفي شربل نحاس اختباراً واحداً على طاولة مجلس الوزراء، كي يتأكد للجميع، من الخـصوم والرفاق، أن عناد هذا الرجل غير قابل للعلاج أو للتســويات. قــناعاته ومبادئه فوق كل اعتبار و«معاركه» لا تخضع للعرض والطلب في بازار المساومــات والدعوات إلى التواضع والواقعية، ولكن.
تلك المبدئية جعلت منه «قيمة مضافة» في «البيت البرتقالي». كانوا يأخذون على «التيار» أنه مبدئي أكثر من اللزوم وعليه أن يتصالح مع الواقع السياسي اللبناني. المفارقة أنه بعد استقالة شربل نحاس، ينبري من يردد في «التيار» أنه كان من الخطأ أن يسير نحاس عكس التيار. «فقد كان مطلوباً من شربل أن يكون أكثر واقعية وأقل مبدئية»!
لم يحسب شربل نحاس، أن أعظم «إنجازاته» سيكون بانضمامه إلى نادي الوزراء السابقين، بعدما تمكّن من جمع «الخطوط المتوازية» كلها ضده. وأن بعض الجالسين بقربه على طاولة مجلس الورزاء، لن يكونوا أكثر رحمة، من هؤلاء الذين يكنون لهم الخصومة بالعلن. وأن بعض «بيئته الحاضنة»، بمستوياتها الفوقية، لم يبلع «تطرّفه الإصلاحي».
لم يعد خافياً على أحد أن دفاع وزير العمل عن حقوق «البروليتاريا»، لدرجة وصفه «عمّالياً أكثر من العمال»، لم يكن مقبولاً من بعض رفاقه العونيين من الوزراء والنواب والكوادر. بعض هؤلاء بدوا، بعد الاستقالة، وكأن حملاً ثقيلاً أزيح عن أكتافهم، ولكن.
شربل نحاس، ومن حيث يدري أو لا يدري، نجح في كشف مستور «التيار الوطني الحر». الحالة الشبابية العابرة للمناطق والطوائف. تلك التي كان «مناضلوها» يبيعون «الليمون» على الطرقات تشجــيعاً لليد العــاملة اللبنانية. تلك التي تمتهن التظاهرات والنوم في العراء تعبيراً عن حرية الرأي. تلك التي تتخذ من زوايا منازل «العونيين» مقرات للاجتماعات السرية... باختصار، تلك التي خاضت حروباً من أجل «الإصلاح والتغيير»، باللحم الحي، بدت في اليومين الماضيين، متعاطفة مع الوزير المشاكس، بدليل ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي. من اتصلوا بنحاس، من تضامنوا معه من بيوتهم بصمت، وهم الأغلبية.
في المرحلة الأخيرة، بدت بعض «القيادات البرتقالية» جزءاً لا يتجزأ من النادي السياسي التقليدي اللبناني، بمنظومة مصالحه الاقتصادية المتطابقة. شبهها البعض بأداء بعض مكونات «الحزب الجمهوري» في الولايات المتحدة الأميركية الذي يدافع عن مصالح الأغنياء وعن الضرائب المفروضة عليهم، ويتغنّى بمظاهر «البهرجة».
ولكن شربل نحاس لم يُقطع من شجرة. بكل بساطة، يمكن القول إنه صار الأول بين «نظرائه». في أوساط الشباب «العونيين». مثلهم الأعلى. لم يعد ذلك «البعبع اليساري» الذي يأكل «الليبراليين»، وإنما صار مناضلاً يشبههم، يعيدهم إلى جذورهم، إلى عنادهم في الدفاع عن معتقداتهم، «إلى زمن الأبيض والأسود، حيث لا مكان للرمادي وتسوياته»، كما يقول أحد الناشطين «البرتقاليين».
بدت القاعدة «العونية» بالأمس منسجمة مع ذاتها، أكثر من قيادتها. صادقة مع مبادئها ومعتقداتها. لم تتنّكر لـ«ألف باء» دخولها الحياة السياسية. قبل أن تصبح معجونة بخميرة التسويات التي تُفسد.
لم يهضم ناشطون عونيون كثر السيناريو الغامض الذي دفع وزير العمل إلى تقديم استقالته. بدوا مصدومين. بنظرهم ثمة حلقة مفقودة ينتظرون من يفُك شيفرتها، ليبنى على الشيء مقتضاه. إذاً «ليس مقبولاً أن تعترف الدولة اللبنانية بأمها وأبيها لنحاس بصوابية موقفه، ثم يتخلى عنه أهل بيته».
تحويل «أزمة نحاس» إلى أزمة داخل «البيت البرتقالي»، زاد من غموض «السر الكبير» الذي أدى الى تطيير وزير العمل. نواب عونيون جاهروا بموقفهم في التكتل وخارجه الى جانب نحاس. في المقابل، ثمة طبقة «برتقالية» تعتبر نفسها أكثر انغماساً في مطبخ قيادتها، وضعت أمام سائليها سلّة متكاملة من المقومات التي تعتبر أن استقالة نحاس «ليست آخر الدنيا». هؤلاء صاروا يجيدون لغة التسويات، ولذلك بدوا متفهمين أكثر من اللزوم لتلك النهاية التراجيدية للمغامر شربل نحاس.
في جعبة هؤلاء، الكثير من الأسباب التي دفعت بـ«وزير العمال» إلى تقديم نفسه ضحية على مذبح التفاهمات الكبرى، والتي تلقي المســؤولية بالتساوي، على نحاس، وعلى قيادته. تراكمات كثــيرة تعود لأشــهر خلت، معظمها يتصل بسوء الإدارة الســياسية هي التي أوصلت إلى الحائط المسدود، «واذا استمرت الإدارة نفسها، سنتعثر بمطبات كثيرة من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة».
إنها الإدارة السياسية، وهنا يكون الكلام في معرض تحميل المسؤولية لـ«الجنرال» من دون تسميته وللوزير جبران باسيل «على الطاير». يتقاسم المسؤولية معهما «عداً ونقداً» الحلفاء وخاصة «حزب الله»، الذي كان مطلوباً أكثر من مرة أن يضرب يده على الطاولة لمنع الانزلاق الى مطارح يصعب فيها إيجاد خطوط للرجعة الى الوراء.
حسب هؤلاء أيضا، دعوة الى نزع صفة «البطولة»: «لطالما طلبنا منه خدمات في زمن وزارة الاتصالات ثم وزارة العمل ولم يتجاوب معنا. كان يتصرف معنا على اساس أنه وحده (نحاس) على حق وغيره مخطئ دوماً، يرفض التنسيق مع شركائه وحتى مع وزراء في «التكتل». يختبئ وراء «البيروقراطية» لتكديس الملفات على طاولته»... وبالنتيجة «كان لا بدّ من قرار حاسم، بعدما أعطي هذا الرجل ما لم يعط لغيره».
بالمحصلة، تلقى «التيار الوطني الحر» صدمة سلبية، باعتراف أهله. ولكنه هل سينجح في استثمارها والتعلم من درسها لمراجعة أدائه، مع مكوناته أولاً، مع حلفائه ثانياً، سواء على طاولة مجلس الوزراء، أو تحت قبة البرلمان، أو في بيته الداخلي؟
محمد وهبة
أحال وزير العمل، شربل نحاس، إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في 7 شباط الجاري، نسخة من مشروع مرسوم «انضمام لبنان إلى اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم»، المعروفة بـ«الاتفاقية 87» التي تكرّس حرية التنظيم النقابية، أي تسمح بإنشاء نقابات عمّالية في القطاع، وتفتح المجال أمام تأسيس النقابات بواسطة «علم وخبر» تقدّمه إلى السلطات المختصة، لا بواسطة «طلب الترخيص».
يأتي هذا المشروع ليكسر آخر القيود المفروضة على حرية العمل النقابي في لبنان. سابقاً لم يجرؤ أحد على كسر هذه القيود. فالوزراء المتعاقبون كانوا يردّدون الحكاية نفسها عن مناصرتهم لحرية العمل النقابي والتنظيم والإضراب، إلا أن معظمهم كان ينهار أمام سطوة السيطرة على النقابات وتسخيرها في مشاريع سياسية ولأهداف مصممة على قياس حلفائه. كان بعضهم يعمل على تفريخ النقابات والاتحادات ليزيد سيطرة الأحزاب على العمّال ولتحويلهم إلى أدوات تتحكّم بها القوى المهيمنة على السلطة. لاحقاً، تحوّل الترخيص للاتحادات والنقابات إلى امتياز يلوّح به حامله لممارسة أدوار غير نقابية في معظم الأحيان، حتى إنه لم يكن حافزاً لتعزيز قاعدة الانتساب إلى النقابات وتفعيلها في إطار مطالب العمّال ومصالحهم. ففي الواقع، إن عدد المنتسبين إلى النقابات العمالية في لبنان كان ضئيلاً جداً، وقد بلغ في عام 2001 نحو 8% فقط، ويُعتقد أن هذه النسبة تقلّصت أيضاً بفعل تدهور العمل النقابي منذ ذلك الحين الى اليوم، مع ارتفاع عدد الاتحادات العمالية إلى 52 اتحاداً منضوياً في الاتحاد العمالي العام، فيما ارتفع عدد النقابات الحائزة ترخيصاً من وزارة العمل إلى 600 نقابة.
رغم كل هذا التوسّع والتفريخ، فإن حق التنظيم النقابي في القطاع العام بقي ممنوعاً. ومن أجل استمرار هذا المنع، لم ينضمّ لبنان إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 87 التي تشير في مادتها الثانية الى أنه يحق «للعمال وأصحاب العمل، من دون أي تمييز، الحق، ومن دون ترخيص سابق، في تكوين منظمات يختارونها، وكذلك الحق في الانضمام إليها»، ثم تقول المادة الثالثة إنه «لمنظمات العمال ولمنظمات أصحاب العمل الحق في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية، وفي انتخاب ممثليها بحرية كاملة، وفي تنظيم إدارتها ونشاطها وفي إعداد برامج عملها»، وتضيف هذه المادة: «تمتنع السلطات العامة عن أي تدخل من شأنه أن يقيد هذا الحق أو أن يعوق ممارسته المشروعة».
لهذه الأسباب التي تمنح كل العمال حقوقهم النقابية، وتمنع السلطة عن التدخل في العمل النقابي وتقييده، أعدّ نحاس مشروع مرسوم وأحاله إلى مجلس الوزراء، من أجل إحالة مشروع قانون معجّل يجيز للحكومة توقيع اتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 87 وإبرامها. ثم أرسل نسخة من مشروع المرسوم إلى رئيس الجمهورية. وفي مراسلته للرئيس، يقول نحاس إن هذه الاتفاقية التي وافق عليها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في عام 1948، «تكرّس حرية التنظيم النقابية، علماً بأن الاجتهادات والدراسات أجمعت على وصف الاتفاقية بأنها ركن أساسي من أركان حقوق العمل التي يحرص المجتمع الدولي على صونها»، إلا أن لبنان «لا يزال على غير عادة ومن دون مبرر، متخلفاً منذ عام 1948 عن إبرام هذه الاتفاقية على خلاف 150 دولة سبق أن أقدمت على هذه الخطوة».
ويستند نحاس في توضيح مسوّغات إبرام هذه الاتفاقية، إلى «الشركة الدولية لحقوق الإنسان، وإلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكون حق التنظيم والإضراب من ركائز العمل النقابي، فقد أضحت هذه الحقوق جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي لا يجوز أن ترتّب ممارستها نتائج مجحفة بحق العمال كالصرف والتغريم وغيرها من الإجراءات الآيلة إلى الحدّ من الحريات النقابية».
الخميس ٢٣ شباط ٢٠١٢
نبيه عواضة
جلست سيدة «عونية» على أريكة في صالون منزل الوزير شربل نحاس وهي تلّف عنقها بشال برتقالي عليه شعار «التيار الوطني الحر».
بدت كما لو أنها تراقب الحاضرين، وفي غالبيتهم من الشابات والشبان اليساريين، إضافة الى عدد من النقابيين والصحافيين وموظفين من وزارتي الاتصالات والعمل.
لمحها نحاس جالسة فاقترب منها وصافحها بحرارة قبل أن يقترب منه شاب آخر ليقول له: معالي الوزير، «أنا من التيار الحر جئت للتضامن معك». ربت شربل على كتف الشاب وعانقه مبتسماً.
وبصوت واثق وعالٍ لم يخلُ من الانفعال، وعلى وقع الأناشيد الثورية، بدأ «الرفيق المستقيل» حديثه في إطلالته الأولى بعد أن وضع استقالته في عهدة النائب ميشال عون، وقبل أن تعلن السرايا الكبيرة قبولها مساء.
قال نحاس إن «بدل النقل المزيف أجرٌ سرق من الناس منذ 16 عاماً. لا يمكن أن يصبح قانوناً مهما امتدت السنوات. إسرائيل قد احتلت فلسطين منذ 60 عاما فهل نقبل بها؟».
وصف نحاس الاتــفاق الرضــائي بين الاتحاد العمالي وأرباب العمل في بعبدا بأنه «اتفاق بين مجموعة تجار يشترون ويبيــعون ومجمــوعة نقــابيين يُشترون ويُباعون». وطالب شباب لبنان بالنزول اليوم للمجلس النيابي لمنع إمرار قانون بدل النقل، موضحاً أن القانون يجيز لأرباب العمل أن «يتحكموا بنوعية وسائط النقل وظروف نوم العمال في عملهم».
استعاد نحاس أمام الحــاضرين الذين قاطــعوه أكثر من مرة مصفقين، محطات نــضالية في تاريخ الحركة النقابية للوصول الى إقرار قانون العمل. وقال: «يخيفوننا ساعة بشــارع ســني شيعي، وساعة بأن المصارف ستفلس وأننا نســبب انقساما طبقياً». استذكر حادثة استشهاد العــاملة الشيوعية وردة بطرس أيام حكومة صــائب سلام والتي أدت الى حالة من الغليان والاحتجاجات الشعبية مكنت من إقرار قانون العمل الذي أعطى الحق للعمال في ان يكون لهم نقابات مستقلة، عشية الحرب الأهلية، معتبرا أن ما يجري اليوم بين ما يسمى الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي يمثل انتهاكاً لقانون العمل والتضحيات التي قدمت وهم بذلك يقومون بإعادة إنتاج نظام فاشستي. وتابع: «لقد سقط شهداء من اجل استقلالية الحركة العمالية».
لدى سؤاله عن موقفه من «تكتل التغيير والاصلاح»، وهل يعتبر أن ما جرى هو تضحية به لصالح تسوية حصلت، اعتبر نحاس أن «الأمر يتعدى الاصطفاف السياسي والقصة لها علاقة ببناء الدولة»، معتبرا أن «أملنا كبير في أن يبقى «تكتل التغيير والاصلاح».. تغييراً وإصلاحاً».