الشارع يهتف للخبز والمدنيّة.. "فلتسقط العروش الوهمية"!

البلد: في توقيت حفل بالرمزية، أطلق الشارع أمس صرخته من أجل الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية. رمزية تتأتى من الزمن الذي ينبري فيه "الكبار" الى شحن الشارع بالهواجس والمخاوف الزائفة لجعله وقوداً للمعركة القادمة ولثنيه عن المطالبة بحقوقه. أمس، نظم "اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني" اعتصاما جديدا امام تمثال رياض الصلح تحت عنوان "نريدرغيف خبزنا أيها السارقون" في ظل تواجد كثيف لقوى الامن الداخلي والتي فاق عددها وعديدها عدد المتظاهرين الذين توجّه البعض منهم في نهاية الاعتصام نحو كورنيش عين المريسة حيث نظم "تيار المجتمع المدني" نشاطاً هدف إلى الإضاﺀة على ماهية الزواج المدني وتوضيح مفاهيمه، ناصباً خيمة ال زواج المدني التي شهدت بدورها نشاطات متنوعة.

هما مــوضــوعــان، احدهما "غائب وحاضر" في نفوس اللبنانيين "نسف" في "الماضي" بحجة ان الظرف غير مـــؤات، ولا يـــزال عــدم تطبيقه في "الحاضر" حجر عثرة أمام كل من يحلم بأن يرى لبنان دولة مدنية علمانية بعيداً مــن التقسيمات الطائفية والمحاصصة المذهبية. اما الموضوع الآخر، فـ "حاضر" على موائد "" الزعماﺀ ولكنه غائب عــن مــوائــد "الشعب".

الموضوع الاول هو "الــزواج المدني"، ذاك العقد الــذي يربط بين فردين ويــجــرى فــي مــقــر رســمــي مــن دون الحاجة إلى وسيط ديني كالشيخ أو الكاهن، وذاك المشروع الذي ألبس رداﺀ "الفتنة" علماً أنه لا يهدف بحال اقراره لإلغاﺀ الزواج الديني وإنما لحل مشكلة اجتماعية وإنسانية كبرى يعيشها لبنان منذ القدم. والموضوع الثاني، هو "الرغيف" الذي قضمته المافيات الطحينية.

البداية، كانت من ساحة رياض الــصــلــح حــيــث نــفــذ اتــحــاد الشباب الديمقراطي اللبناني اعتصاماً تحت عنوان "نريد رغيفنا المسلوب"، وذلك وسط اجراﺀات أمنية مشددة، بعد ان تمت ازالة السواتر الحديدة التي كانت توضع عادة، واستبدلت بالعشرات من عناصر فوج الفهود واطفائيتين وعدد من الآليات العسكرية. وقد شارك في الاعتصام، كل من الحزب الشيوعي الــلــبــنــانــي، والــمــرابــطــون، وعـــدد من النقابيين. وحمل المعتصمون لافتات جاﺀ فيها "أمموا رغيف الخبز"، "صوت رغيفك بيرعب عروشهم"، "لا للغلاﺀ يا حكومة الحرامية"، "نريد، كهرباﺀ نريد مياه، نريد رغيفنا، كيف يعيش الفقراﺀ وسط الغلاﺀ الفاحش"؟ . وقد تلا احسان دبوق كلمة اتحاد الشباب الديمقراطي دعا فيها وزير الاقتصاد والتجارة، صاحب المليارات، والسيارات الفخمة، والمنازل الضخمة، التحديد لــلأفــران والمطاحن حجم الطحين المستخدم في صناعة الخبز العربي، والزامها بالقرار. متسائلاً: "لماذا لم يخفّض الوزير سعر الخبز حين تراجع سعر القمح عالمياً الــى أكــثــر من النصف، ولماذا يريد ان يرفع السعر مع انه لم يصل الى المستوى الذي على اساسه خفض وزن الربطة من 1300 الى 1120 غراماً في السابق".

أما كلمة الحزب الشيوعي اللبناني فقد تلاها ربــاح شحرور توجه فيها إلـــى كــافــة الــمــواطــنــيــن بمختلف انتماﺀاتهم قائلاً: "لا تسمحوا لأي طرف بمصادرة لقمة عيشكم فكل هذه الطبقة السياسية الحاكمة التي تناوبت على السلطة منذ عشرات السنين مسؤولة عن تدهور الوضع الاقــتــصــادي وعـــن إفــقــاركــم، حتى وصــل بهم الأمــر إلــى سرقة رغيف الخبز من أمام المواطن الذي يعاني الويلات نتيجة سياساتهم الفاسدة واستغلال السلطة لملﺀ جيوبهم وتــشــيــيــد قــصــورهــم عــلــى حساب المواطن اللبناني". واضاف: "بعد كل الذي يجري من وضع اقتصادي صعب يطال كافة شرائح المجتمع لم يحركوا ساكناً بل وأكثر، يلهون الرأي العام بتمويل المحكمة الدولية وشهود الزور". متسائلاً في ختام كلمته عن موقف الاتحاد العمالي العام من كل ما يجري بحق الطبقات الفقيرة؟ .

وألــقــى رئــيــس الاتــحــاد الوطني لــنــقــابــات الــعــمــال والمستخدمين كاسترو عبد الله كلمة، دعــا فيها الى وقف السياسات الافقارية التي تقوم بها الحكومة، وخفض اسعار السلع والحاجيات الأساسية، داعياً الــى المشاركة فــي التظاهرة التي يقيمها الاتحاد الوطني في 17 الجاري التي ستنطلق من امام مركز الاتحاد الوطني للنقابات في، الــكــولا تحت عنوان "رفضاً للسياسات الإفقارية بــحــق الــمــواطــن". كــمــا كــانــت كلمة للنقابي علي محي الدين، الذي أشار الــى تراجع الدولة عن مسؤولياتها الاجـــتـــمـــاعـــيـــة، وتــــدهــــور الــحــالــة الاقتصادية والمعيشية للمواطنين بفعل سياسات تهدف الى افقاره وتجويعه، وما رفع سعر الخبز سوى جزﺀ من هذه السياسات.

بعدها انتقل الــمــشــاركــون في الاعتصام "المعيشي" الى كورنيش عين المريسة لملاقاة النشاط الذي نظمه تــيــار المجتمع المدني بين الــســاعــة الخامسة مــن بعد الظهر ولغاية الساعة الثامنة مساﺀً، حول الزواج المدني، في إطار الحملة التي يطلقها بهدف إقــرار قانون للزواج المدني الإختياري.

وقد تخلل النشاط نصب خيمة على الرصيف المقابل لتمثال الرئيس جــمــال عــبــدالــنــاصــر، وتــوزيــع أوراق تعريفية حول الــزواج المدني وحول الأسباب الموجبة له. كما ألقى منسّق لجنة النشاطات في التيار جاد لزّيق باسم تيار المجتمع المدني كلمة قال فيها: "غير مقبول ان مواطِنَين لبنانيﱠين، بسبب إختلاف طائفتيهما أو بسبب قناعتهما بــأن المواطنية هــي الــتــي تجمعهما، الــســفــر الــى قبرص للزواج مدنياً. معتبراً انه على الدولة اللبنانية واجب تجاه مواطنيها يتمثل في ايجاد قانون مدني للأحوال الشخصية أو مرحلياً قانون للزواج المدني الإختياري. واضــاف: " تيار المجتمع المدني، حضّر مشروع قانون لــلــزواج المدني الإخــتــيــاري وانطلق بحملته لإقــرار زواج مدني إختياري في لبنان".

كما عُــرض فيلم قصير فــي هذا الــنــشــاط عــن الــــزواج الــمــدنــي مثله مجموعة من شباب التيار، وأخرجته المخرجة العضو فــي الــتــيــار غنى ضــو. كما عرضت أغنيتان، إحداها () Rap لأحد أعضاﺀ التيار فادي حيدر، وأخرى لجمال الأعور، تناولتا الموضوع المطروح. وعُرض أيضاً فيلم دعائي للنشاط من إخراج الأخوين أنور وعمر مكاوي. وفي حديث لصحيفة "صدى البلد" كشف باسل عبد الله، المنسق العام لـتيار المجتمع المدني ان "تيار المجتمع المدني، يقوم عبر مجموعة من المحامين في التيار بإتمام مشروع قــانــون لــلــزواج الــمــدنــي الإخــتــيــاري، بغية طرحه على الــرأي العام وعلى المسؤولين السياسيين في مطلع السنة المقبلة". وأضاف: "كما ينظم التيار ورشة عمل حول إطلاق حملة الزواج المدني في نهاية هذا العام".

يرى ايلي (مواطن لبناني) ان الزواج المدني احدى وسائل تحرير المجتمع اللبناني والدولة من العصبية الطائفية والمذهبية ويعتقد انه "طالما يرفض اللبنانيون الــزواج المدني، ستبقى شــؤون حياتهم بايدي تجار الدين الساعين لتحقيق منافع ومصالح شخصية ضيقة".

من جهتها، تعارض فداﺀ هذا الرأي معتبرة ان رجال الدين على حق في رفضهم الــزواج المدني الذي لا يندرج فقط في اطار العلمانية لا بل ايضا في مخطط يهدف الى الغاﺀ الدين.

اما جهاد مرحبا فيرى ان الــزواج المدني هو الحل الشافي للطائفية والجسر الذي من خلاله تعبر الدولة نحو العلمانية والانصهار الوطني".

من المفارقات التي اعتاد اللبناني عــلــى وجــودهــا فــي "بــلــد العجائب والغرائب" ان الدولة اللبنانية تعترف في البند التاسع من قانونها بحريّة الإعتقاد والــزواج المدني الإختياري يندرج تحت هذه الحريّة. وتسجله فــي دوائــرهــا الرسمية منذ العام 1936 من دون إقرارها بإمكان إنجازه داخل أراضيها، ما يضطر الراغب في الزواج مدنياً إلى السفر خارج الأراضي اللبنانية وعقد قرانه وفق قانون الدولة المعنية. لذا يبدو الزواج المدني حلاً يوحّد اللبنانين ويساويهم بالقانون.

كما انه يضمن حق المرأة وينقذها من التمييز الواقع بحقها. لذا يجوز لنا التساؤل لماذا رفض مشروع الزواج المدني؟

جوسلين واكيم

آخر تعديل على Thursday, 09 February 2012 09:04

الأكثر قراءة