واصل المجلس العسكري الحاكم في مصر توجيه رسائله الاستفزازية لشباب ثورة 25 يناير، ما ينذر بعودة التوتر إلى الشارع، بعد هدوء حذر شهدته القاهرة وبقية المدن المصرية، عشية التظاهرة المليونية الجديدة التي دعا إليها الثوار اليوم تحت عنوان «جمعة الفرصة الأخيرة».
وبالرغم من الاعتذار الذي وجهه المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن مقتل المتظاهرين، ومحاولته تهدئة المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي قرب مقر وزارة الداخلية، فإن ما تضمنه المؤتمر الصحافي الذي عقده في المجلس العسكري، سواء في تبريره جرائم القتل التي ارتكبتها قوات الأمن المركزي بحق الثوار، أو في إنكاره شرعية ميدان التحرير، قد أثار حالاً من الاحتقان في صفوف شباب الثورة، بلغت ذروته ليلاً بعدما ترددت أنباء عن تكليف رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري تشكيل الحكومة الجديدة، خلافاً لرغبة المتظاهرين الذين يفضلون تسليم السلطة الى مجلس رئاسي انتقالي او الى حكومة يرأسها محمد البرادعي.
ونجحت هدنة بين قوات الأمن المركزي المصرية وشباب الثورة في تهدئة العنف الذي أسفر عن سقوط 39 قتيلا خلال خمسة أيام. وقال متظاهرون في «التحرير»
إن الهدنة سرت منذ منتصف ليل أمس الأول، فيما لوحظ أن القوات المسلحة أقامت حاجزاً حديدياً في شارع محمد محمود، خط الدفاع الأخير عن ميدان التحرير، للفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزي قرب مقر وزارة الداخلية.
ولم يتراجع الآلاف الذين تدفقوا على ميدان التحرير عن إصرارهم على إنهاء الحكم العسكري. وكتب على لافتة «هو يمشي.. مش هنمشي» في إشارة إلى طنطاوي، وهو الشعار الذي استخدم من قبل ضد مبارك.
وكان لافتاً أن شباب «الإخوان المسلمين» تمرّدوا على قرار حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي للجماعة، إذ سجلت مشاركة كبيرة منهم في تظاهرات الأمس، فيما تحدثت تقارير إعلامية عن استقالات تقدم بها العشرات من شباب «الإخوان» احتجاجاً على موقف قيادتهم. كذلك، سجلت مشاركة لافتة من قبل شباب التيار السلفي في التظاهرات.
المجلس العسكري
وكان المجلس العسكري قدّم، خلال مؤتمر صحافي للحديث عن الانتخابات التشريعية، اعتذاره وتعازيه لاستشهاد المتظاهرين خلال الأيام الماضية، متعهداً بتعويض أسر القتلى، كما وعد بالتحقيق العاجل لمعرفة المسؤولين عن هذه الاضطرابات. وقال عضو المجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين إن «الانتخابات البرلمانية لن تتأجل».
لكن عضواً آخر في المجلس العسكري وجه انتقادات حادة لشباب الثورة. وقال اللواء مختار الملا إن «الموجودين في التحرير لا يمثلون الشعب المصري لكننا نحترم رأيهم»، مشيراً إلى أن الجيش يأمل في تشكيل حكومة جديدة قبل يوم الاثنين المقبل لتحل محل حكومة رئيس الوزراء عصام شرف التي استقالت خلال العنف الذي شهدته البلاد هذا الأسبوع.
ورفض الملا مطالب المتظاهرين بتسليم الحكم لسلطة مدنية في الوقت الحاضر، قائلاًَ «ليس هدفنا ترك السلطة أو الاستمرار في السلطة وإنما تنفيذ ما التزمنا به مع هذا الشعب... إذا تركت السلطة الآن فأكون خائنا للأمانة وتكون القوات المسلحة تخلت عن الأمانة».
وكرر الملا عرض المشير حسين طنطاوي اللجوء لاستفتاء شعبي ردا على الأصوات المطالبة برحيل المجلس عن السلطة، قائلاً «لقد تحملنا السلطة أمانة من الشعب المصري ولا يمكن التنازل عنها إلا بسؤال الشعب».
كما تبنى الملا مزاعم وزارة الداخلية بعدم استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين «برغم وجود ما يسمح للشرطة باستخدامها لحماية منشآتها».
وفي استفزاز آخر لشباب الثورة قال الملا إنه «لم يحاكَم ناشط على رأيه، ولا يحاكم القضاء العسكري أي شخص إلا على فعل».
من جهته، قال رئيس اللجنة الانتخابية عبد المعز إبراهيم في المؤتمر الصحافي «نحن مستعدون لإجراء الانتخابات تحت أي ظرف».
لكن الاستفزاز الأكبر أتى من قبل طنطاوي مساء أمس، بإعلانه تكليف رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري تشكيل الحكومة الجديدة، وفق ما ذكرت العديد من وسائل الإعلام المصرية. وكان التلفزيون الرسمي ذكر في وقت سابق ان طنطاوي استقبل في مكتبه رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري. لكن صحيفة «الاهرام» قالت ان الجنزوري لم يكلف رسميا بعد.
وكان موقع جريدة «الشروق» ذكر صباحاً أن المرشح الرئاسي عمرو موسى اعتذر عن قبول تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مؤكدًا أنه يرغب في تولي المسؤولية عبر صناديق الاقتراع. ونقل الموقع عن مصادر قولها إن «موسى أصبح على رأس المرشحين لتولي رئاسة الوزراء في حكومة الإنقاذ»، وأشارت الى أنه «يطلب صلاحيات واسعة قبل قبوله الترشيح».
من جهتها، ذكرت صحيفة «التحرير»، نقلاً عن مصادر، أن «المجلس العسكري رفض تشكيل البرادعي للحكومة الجديدة خوفاً على مشاعر حسني مبارك، حيث ان البرادعي يعتبر من أشد الأضلاع التي أقامت الثورة ضده وأطاحت به»، لكن مصادر أخرى أشارت إلى أن سبب هذا الرفض يعود إلى هواجس المجلس العسكري من النزعة الاستقلالية التي قد ينتهجها البرادعي في الحكم.
رد الميدان
وجاء رد ثوار ميدان التحرير على تكليف الجنزوري سريعاً، إذ ما كادت المحطات التلفزيونية تذيع الخبر، حتى علا من الميدان هتاف «لا موسى ولا جنزوري... يا مصر ثوري ثوري». وشدد المتظاهرون على أنهم لن يتراجعوا عن الميدان إلا عبر تكليف حكومة إنقاذ وطني لها كافة الصلاحيات، واستبعاد المجلس العسكري عن العمل السياسي نهائياً.
ودعا شباب الثورة إلى تنظيم تظاهرات مليونية حاشدة اليوم تحت عنوان «جمعة الفرصة الأخيرة».
وليلاً، تجددت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الامن أمام مديرية الأمن في الاسكندرية، كما تردد عن خروج الآلاف في تظاهرات في مدن مرسى مطروح والاسماعيلية والمحلة السويس والمنصورة.
في المقابل، دعا ما يسمى «ائتلاف شباب روكسي»، الذي يؤكد شباب الثورة أنه يضم مؤيدين للرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى تنظيم تظاهرة يوم غد لدعم المجلس العسكري بعد صلاة الجمعة اليوم.
وفي رسالة نشرها في صفحته على موقع «فيسبوك» طالب المجلس العسكري مؤيدين له بعدم تنظيم تظاهرات لمصلحته، مشيراً إلى أن ذلك نابع من حرصه على «وحدة الصف للشعب في هذه اللحظات الحرجة في تاريخ البلاد».
لكن جريدة «التحرير» نقلت عن «مصدر مسؤول» قوله إن «تعليمات صدرت لمحافظ كفر الشيخ أحمد زكي عابدين، وللمسؤولين في المحافظة، لتجهيز حافلات لنقل موظفي الوحدات المحلية في قرى ومدن المحافظة لتتجه للقاهرة من أجل تأييد المجلس العسكري»، مشيرة إلى أن هذه التعليمات «»صدرت لجميع المحافظين علي مستوى الجمهورية». («السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ش أ، د ب أ)
بقيت الأوساط الاستخبارية والإعلامية الإسرائيلية مشغولة بما أعلن عن انكشاف شبكات تجسّس أميركية في لبنان. وقدم المسؤول السابق عن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في لبنان قراءة للحدث، فيما تلقّفت إسرائيل الانفجار الذي وقع في خراج بلدة صديقين الجنوبية، مذكّرة بـ«حقها» في استهداف حزب الله أينما كان
يحيى دبوققال المسؤول السابق للساحة اللبنانية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، العقيد شلومو موفاز، في حديث خاص إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي أمس، إن تفكيك شبكة عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، سي آي إيه، ليس الأول من نوعه في لبنان «إذ أشارت التقارير عام 2008 و2009 و2010 إلى تفكيك سلسلة من الشبكات في لبنان، لكن ما نشر أخيراً حظي بتصديق أميركي، ويبدو موثوقاً جداً، الأمر الذي يعني ضربة قاسية لسي آي إيه».وعن الأسباب التي أدت إلى الفشل الأميركي، أكد موفاز أن «حزب الله يُظهر، بل وأيضا أظهر في الماضي، أن لديه مهارات استخبارية محترفة جداً، وفي الوقت نفسه لديه قدرات تكنولوجية متطورة جداً، ويجب القول إن حزب الله قام بالفعل بترميم كبير لأوضاعه وقدراته في الفترة التي أعقبت حرب لبنان الثانية عام 2006»، مشيراً إلى أن «حزب الله يملك منظومة أمنية شديدة الانضباطية والتماسك، ما يعني أنه لا يمكن أن ينضم أحد إلى صفوفه من دون إجراء تحقيقات وعمليات كشف ومتابعة دقيقة وعميقة جداً جداً، وعلى مراحل ومستويات متعددة. وهذه الإجراءات والتدابير غير موجودة حتى لدى دول. هذه هي قدرات حزب الله، إضافة إلى قدراته التكنولوجية المتطورة».وألقى موفاز بلائمة الفشل الاستخباري الاميركي أيضاً على الاميركيين أنفسهم، إذ أشار الى أن «واشنطن زوّدت حكومة (رئيس الوزراء الأسبق فؤاد) السنيورة بمعدات تنصّت وتعقّب متطورة، والبعض يعتقد أن منها ما وقع (مباشرة) في أيدي حزب الله، أو أنها انتقلت إليه بطريقة أو بأخرى، ما ساعد هذا التنظيم على كشف قدرة الأميركيين الاستخبارية في لبنان».وعن حجم الخسارة الاميركية الاستخبارية في الساحة اللبنانية، أكد موفاز أن «القلق الاساسي يتعلق تحديداً بسقوط عملاء لبنانيين أو أشخاص مقيمين في لبنان. ورغم أنه لم يجر القبض على أي من عملاء السي آي إيه من الاميركيين، لكن المشكلة هي في أن الاستخبارات عملت على بناء شبكة تسمى بالمصطلحات المهنية شبكة مصادر بشرية. ويستلزم ذلك جهداً وعملاً طويلي الأمد لبناء الثقة مع العملاء وتمكينهم من وسائل الاتصال والربط، أي ما يسمّى المعلومات الحيوية، بما يشمل نقل خبرات ومهارات إليهم. وهذا كله يتطلب وقتاً وجهداً، ما يعني أن سقوط المصادر البشرية هو ضربة قاسية جداً، لأن جهاز الاستخبارات سيضطر إلى تغيير أساليبه المتّبعة، وأيضاً البدء من جديد».صديقين و«حق إسرائيل»من جهة أخرى، جهدت إسرائيل لاستغلال ما قيل إنه «انفجار في مستودع ذخائر ووسائل قتالية» في خراج بلدة صديقين الجنوبية، الاثنين الماضي، رغم البيان الصادر عن الجيش اللبناني الذي أكد قيامه بعمليات مسح وتفتيش، وترجيحه أن يكون الانفجار ناتجاً عن لغم أو قنبلة عنقودية من مخلفات الاعتداءات الإسرائيلية. ونقلت الإذاعة العبرية أمس عمّا سمّته مصادر إسرائيلية أن «الانفجار الذي وقع في مستودع الأسلحة والذخيرة التابع لحزب الله في قرية صديقين يعدّ حلقة أخرى وجديدة في سلسلة حوادث مماثلة شهدتها قرى الجنوب اللبناني، مثل قرى خربة سلم وطيرفلسيه والشهابية، خلال العامين الأخيرين». وبحسب المصادر، فإن «عناصر من حزب الله، في جميع هذه الحوادث، منعوا الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل من الوصول إلى مكان الحادث لتقصّي الأسباب التي أدت إلى وقوعه».وأضافت المصادر الإسرائيلية أن «قرى المتفجرات» في جنوب لبنان، تماماً كما هي حال قرية صديقين، «تمثّل دليلاً على مدى استغلال منظمة حزب الله على نطاق واسع للقرى الواقعة جنوبي نهر الليطاني كمعاقل ومستودعات لتخزين الوسائل القتالية، الأمر الذي يعدّ انتهاكاً سافراً للقرارات الدولية»، مشيرة إلى أن «هذا الوضع يمثّل خطراً واقعياً ويومياً على حياة السكان في العديد من قرى الجنوب اللبناني، كذلك فإنه يؤكد تجاهل حزب الله للخطر الذي يتعرض له هؤلاء السكان الذين أصبحوا رهائن بيد هذا الحزب».وأشارت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن مسؤولين إسرائيليين كانوا قد أكدوا في الماضي أن «إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق القيام بأي عملية عسكرية تراها مناسبة ضد كل هدف تابع لحزب الله في لبنان، مع اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لتجنّب إصابة السكان المدنيين». وبحسب المسؤولين الإسرائيليين «سيجري إبلاغ المدنيين مسبقاً، وبالوسائل المختلفة، وأيضاً في الوقت المناسب، بضرورة إخلاء المناطق التي ستستهدفها إسرائيل».وكان مراسلو الشؤون العسكرية والأمنية في وسائل الإعلام الإسرائيلية قد بذلوا جهداً خاصاً أمس وأول من أمس كي يوحوا للإسرائيليين بإمكان أن يكون الجيش الاسرائيلي مسؤولاً عن «تفجير مستودع الذخيرة» في صديقين. وقال معلق الشؤون العسكرية في القناة الثانية الإسرائيلية، روني دانيئيل، إنه لا يمكن تحديد من فجّر مستودع الذخيرة في جنوب لبنان، «لكن يجب القول إن إسرائيل قد لا تكون هي من تقوم بمثل هذه الأمور في كل مرة، إلا أن الحرب السرية قائمة ومستمرة بينها وبين حزب الله»،. وبحسب المراسل، يجب على المتابعين أن يلاحظوا أن من فجّر مستودع الذخيرة أقدم على ذلك في ساعة متأخرة من الليل، أي إن «الجهة المنفذة حرصت على التوقيت، وأرادت أن يكون الانفجار في وقت تخلو فيه الشوارع من المارة، بحيث لا يسقط إلا عدد محدود من الأشخاص». مع ذلك، يُحدّث المراسل الإسرائيليين بأن «التفجير» وقع في مكان بعيد عن البلدة، وفي واد لا يصل إليه المارة.في سياق آخر، أعلنت إسرائيل سلسلة مناورات ستجريها الجبهة الداخلية في محاكاة لحرب تندلع على عدة جبهات واحتمال سقوط صواريخ غير تقليدية على المستوطنات والمدن الإسرائيلية. وأعلنت الجبهة الداخلية أن المناورة الأولى ضمن هذه السلسلة ستجري في مدن رئيسية شمالاً، منها العفولة والناصرة والناصرة العليا. ومن ضمن سيناريو المناورة سقوط 500 إصابة يومياً جرّاء أسلحة بيولوجية على التجمعات الإسرائيلية.
بعد الاعتراف الأميركي الإعلامي الذي لم تنفه سلطات واشنطن السياسية والاستخبارية، جاء دور الأجهزة الأمنية اللبنانية لتؤكد انقطاع محطة «سي آي إيه» في بيروت عن التواصل معها منذ نحو ثلاثة أشهر، على خلفية كشف جهاز أمن المقاومة لجواسيس أميركيين في لبنان
حسن عليق
للمرة الأولى في لبنان، تقرر الحكومة استدعاء سفير دولة «صديقة»، للاستفسار منه عن عمل جهاز الاستخبارات التابع لبلاده في لبنان. فالأراضي اللبنانية مشهورة بكونها ساحة عمل لمعظم أجهزة الاستخبارات الأميركية. لكن ما هو غير مسبوق في هذا المجال، بدأ في حزيران الماضي، عندما أعلن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، توقيف عدد من عملاء الاستخبارات الأميركية في لبنان. وبناءً على ذلك، ستمثل السفيرة مورا كونيللي أمام وزير الخارجية عدنان منصور، لتقديم إيضاحات بشأن ما تفعله الـ«سي آي إيه في لبنان».
قصة انكشاف خلايا التجسس الأميركي الأخيرة في لبنان لم تبدأ منذ إعلان نصر الله في حزيران الماضي. ولا هي بدأت عندما أوقف جهاز أمن المقاومة قبل كلام الأمين العام لحزب الله بأسابيع قليلة اثنين من المشتبه في تعاملهما مع الاستخبارات الأميركية، عبر السفارة الأميركية في عوكر.
فقبل ذلك بأشهر، وبالتحديد في الأيام الأخيرة من عام 2010، كشف جهاز أمن المقاومة خلية تعمل لحساب الاستخبارات المركزية الأميركية، من خلال محطتها في السفارة في عوكر تحديداً. لكن اكتشاف الخلية حينذاك لم يغير شيئاً في واقع عمل المحطة في بيروت. استمر ضباط الاستخبارات الأميركية بعملهم كالمعتاد. ويرى متابعون لشؤون مكافحة التجسس، أن الاستخبارات الأميركية، كحليفتها الإسرائيلية، تتعامل غالباً مع خصومها باستخفاف، وترى أن كل إخفاق تواجهه هو نتيجة سوء أداء مخبريها، أو خطأ ارتكبته واستغله الأعداء، من دون أن تكلف نفسها عناء التوقف أمام تطور أسلوب عمل عدوها وقدراته. لكن ما جرى في نيسان وحزيران الماضيين، سواء في إيران أو سوريا أو لبنان، كان له وقع آخر على عمل الـ«سي آي إيه» في لبنان.
يجزم مسؤولون أمنيون لبنانيون، ممن هم على تواصل دائم مع الـ«سي آي إيه»، بأن الاستخبارات الأميركية خفضت وتيرة تواصلها مع الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى الحدود الدنيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ فمنذ سنوات، اعتادت سلطات الأمن اللبنانية الحصول على تقارير شبه أسبوعية من الـ«السي آي إيه»، يتضمن معظمها معلومات عن المنظمات والشخصيات التي تصنفها الولايات المتحدة «إرهابية»، وبالتحديد، تلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة». فعلى سبيل المثال لا الحصر، بدأت العملية التي أدت إلى قتل أمير فتح الإسلام عبد الرحمن عوض في ساحة شتورة صيف عام 2010، بمعلومة وصلت إلى الاجهزة اللبنانية من نظيرتها الأميركية، تتعلق برقم هاتف مشبوه. كذلك كان توقيف الشاب اللبناني ط. ب. (من بلدة مجدل عنجر، في حزيران 2010) مرتكزاً على معلومات أميركية مستقاة من محادثة إلكترونية بين الموقوف وأشخاص في مخيم عين الحلوة، ينتمون إلى ما يُعرف بـ«كتائب عبد الله عزام». وكان البريد الإلكتروني بين الطرفين يتضمن تعليمات عن تصنيع عبوات ناسفة اعترف الموقوف بأنه كان يعدها لتفجير حافلات للجيش اللبناني. لكن الرسائل بين الاستخبارات الأميركية والأجهزة الأمنية اللبنانية لا تقتصر على تقديم معلومات للطرف الثاني، بل تتعداها إلى طلب معلومات عن الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية. وأيضاً على سبيل المثال لا الحصر، طلب العاملون في محطة «سي آي إيه» في بيروت الحصول على معلومات تفصيلية من الموقوفين ضمن ما يُعرَف بـ«مجموعة الـ13» (بداية عام 2006)، طالبة تحصيل أكبر قدر ممكن من المعطيات التي يملكونها عن تنظيم القاعدة في العراق وأميره أبي مصعب الزرقاوي. وعلى ذمة أكثر من مسؤول أمني لبناني، فإن التجاوب مع الطلبات الأميركية رهن بكل جهاز لبناني، واحياناً، يرتبط بخلفيات ضباط محددين؛ إذ يمتنع كثر عن تلبية الطلبات الأميركية أو يتجنبون الرد عليها.
ويؤكد مسؤولون أمنيون لبنانيون أن «سي آي إيه» تحصر طلباتها «بالقاعدة وأخواتها» ممن تضعهم على لائحة الإرهاب، «متجنبة طلب معلومات عن حزب الله والجهات المقاومة»؛ فتلك المعلومات، على حد وصف مسؤول أمني رسمي، تحصّلها الاستخبارات المركزية الأميركية بوسائلها الخاصة.
لكن هذه التقارير والطلبات اختفت من بريد الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ نحو ثلاثة أشهر. وفيما يؤكد مسؤولون أمنيون بارزون أن الـ«سي آي إيه» علقت عملها في لبنان إلى أجل غير مسمى، يشير آخرون إلى أن بعض ضباط محطة بيروت لم يعودوا يردون على اتصالات نظرائهم اللبنانيين، وبعضهم الآخر، «نجد هواتفه مقفلة دائماً ولا نسمع سوى صوت المجيب الآلي للشركة قائلاً: إن الرقم المطلوب غير متوافر حالياً».
وفي المرحلة الأولى من غياب الأميركيين عن السمع، ربط بعض الضباط اللبنانيين بين هذا الأمر والوضع في سوريا وانكفاء جيش الاحتلال الأميركي إلى ثكنه في العراق. وفي الأيام التالية لإعلان الأمين العام لحزب الله توقيف عملاء للاستخبارات الأميركية، سأل مسؤولون لبنانيون رئيس محطة «سي آي إيه» في بيروت (الرجل الذي يقول أمنيون لبنانيون إنه يتفوه بعبارات تُصنَّف بالمقاييس الغربية في خانة «المعاداة للسامية» ــ سبقته في رئاسة المحطة سيدة تسلمت مهماتها خلال حرب تموز 2006) عن صحة ما ذكره نصر الله، فرد الأمني الأميركي بالقول: «لا نعرف شيئاً عما قاله نصر الله. وبالتأكيد، لا صلة لنا، في محطة بيروت، بما ذكره».
لكن ما ذكرته وسائل الإعلام الأميركية خلال الأيام الماضية أوضح الصورة أكثر لرجال الأمن اللبنانيين. وفسر بعضهم «تعليق السي آي إيه لنشاطاتها» في لبنان بأنه مرتبط بأمرين: الأول هو درس الأخطاء والثغر التي أدت إلى انكشاف جواسيسهم. والثاني هو خشيتهم على أمن بعض ضباطهم الذين يشغّلون جواسيس لهم في لبنان، مع ما يبقى في أذهانهم من تجربة مريرة عاشوها في ثمانينيات القرن الماضي، شهدت إحدى صفحاتها عملية اختطاف رئيس محطة الوكالة في بيروت وليام باكلي، «من قبل مجهولين»، وإعدامه بعد نحو 15 شهراً على اختطافه.
حزب الله والمستقبل والحكومة
عقد النائب حسن فضل الله مؤتمراً صحافياً في المجلس النيابي أمس، رأى فيه أن «الإقرار الرسمي الأميركي بوجود محطة لوكالة الاستخبارات «سي آي إيه» في بيروت تمارس أعمال التجسس على لبنان، هو اعتراف واضح وخطير بالاعتداء على السيادة اللبنانية والأمن القومي». وطالب فضل الله الحكومة بـ«التحرك فوراً» لإعداد ملف ورفعه إلى الأمم المتحدة. بدورها، استغربت كتلة المستقبل بعد اجتماعها أمس «ما نشرته بعض وسائل الإعلام الأميركية عن موضوع انكشاف خلايا تعمل في التجسس في لبنان لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ورأت أن هناك أطرافاً رسمية مطالبة بالتحرك لتوضيح الأمور للرأي العام والشعب اللبناني، أولها الحكومة اللبنانية».
صنعاء | عاد علي عبد الله صالح من المملكة العربية السعودية في شهر أيلول الماضي بعد الانتهاء من رحلته العلاجية ليلاً وبنحو مفاجئ، ورجع إليها أمس بالطريقة نفسها، حيث استيقظ اليمنيون من نومهم ليكتشفوا أن صالح لم يعد في البلد، وقد وصل إلى الرياض لتوقيع المبادرة الخليجية، التي تعني عملياً الشروع في إنهاء فترة حكمه التي استمرت نحو ثلاثة وثلاثين عاماً.وبالفعل لم تمض ساعات نهار أمس حتى ظهر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على شاشات التلفزة إلى جانب الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز وكبار المسؤولين في العائلة المالكة السعودية ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ينتظرون وصول وفدي الحزب الحاكم والمعارضة وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في اليمن للشروع في توقيع المبادرة، ما جعل اليمنيين يدركون أن صالح لم يعد له من مفر سوى التوقيع، وإن كان التزامه بالتنفيذ رهناً بتطورات القادم من الأيام. وما إن وصل الوفد، حتى انطلقت المراسم بكلمة للملك السعودي توجه فيها إلى اليمنيين بالقول: «اليوم تبدأ صفحة جديدة من تاريخكم تحتاج منكم إلى اليقظة وإدراك المصالح وتحقيق أهداف الحرية بكل أشكالها». وحذر الملك اليمنيين من الخلافات، داعياً إياهم إلى نسيان الماضي والتسامح، قبل أن يوقع الرئيس اليمني المبادرة، ويليه توقيع ممثلي المعارضة والحزب الحاكم على آلياتها التنفيذية، لتعقبها كلمة لصالح أبدى خلالها استعداده للشراكة والتعاون لإنجاح تطبيق المبادرة الخليجية، لكنه لم يغفل أن يهاجم معارضيه.وقال الرئيس اليمني: «ليس المهم هو التوقيع على المبادرة، بل حسن النيات والبدء بعمل جاد ومخلص لشراكة حقيقية في إعادة بناء ما خلفته الأزمة خلال عشرة أشهر». وندد بالحركة الاحتجاجية، قائلاً إن «الانقلاب منذ عشرة أشهر زهقت فيه أرواح أكثر من 1150 من العسكريين والقوات المسلحة والمدنيين، ولا حرج بسبب الوصول إلى السلطة».وفي محاولة لتبرئة نفسه من عمليات التعطيل المتواصلة التي أسهمت في طول أمد الأزمة، تساءل صالح: «لماذا لم نبدأ منذ وقت مبكر قبل زهق الأرواح ونبحث الشراكة؟»، قبل أن يستكمل الهجوم على معارضيه من باب محاولة الاغتيال التي تعرض لها في حزيران الماضي، مقارناً بين «المؤامرة الكبيرة وأستطيع القول الفضيحة التي حدثت في جامع دار الرئاسة بصنعاء»، وبين اغتيال مؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين بقوله: «لقد كان الصهاينة أهون منا»، في محاولة بائسة منه لحرف الأنظار عن حقيقة توقيعه المبادرة، وعجزه عن الاستمرار في سياسة التسويف.سياسة كان آخرها أول من أمس عندما أصر على على إجراء مراسم بروتوكولية مرافقة للتوقيع وحضور الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني. لكن هذا الأخير رفض الحضور، مشترطاً حصوله على ضمانات مؤكدة تشير إلى أن صالح سيوقّع هذه المرة.وفي الوقت الذي لم يكن فيه هناك ما يوحي، حتى منتصف ليل أول أمس الثلاثاء، أن انفراجاً ما سيحدث، وحده مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر كان واثقاً من أن توقيع المبادرة بات وشيكاً «بعدما اتُّفق مع جميع الأطراف على كل نقاط الاختلاف في بنود المبادرة الخليجية».ولم تمر ساعات قليلة حتى تلقى علي عبد الله صالح اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأم المتحدة بان كي مون، وضعته السلطات في خانة شكر «الرئيس على روحه الفذة وحرصه المسؤول على تعاطيه مع المستجدات في اليمن»، فيما أكد مصدر مطلع في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار» أن الاتصال «حمل رسالة واضحة للرئيس علي عبد الله صالح مفادها أن الوقت قد نفد وأن عليه أن يقوم بالتوقيع فوراً». ولا يعني هذا غير أمر واحد بالنسبة إلى صالح، هو أن مجلس الأمن عندما قرر تأجيل جلسته الخاصة بشأن الملف اليمني نهار الاثنين الماضي، قد فعل هذا لتحقيق شيء ملموس على الأرض، لا للسير مجدداً في ألعاب المراوغة والتطويل، فيما ظهر لاحقاً أن الاتصال تضمن أيضاً إبلاغ صالح للأمين العام نيته التوجه إلى نيويورك للعلاج.وهكذا ظهر أنه لم يكن أمام صالح غير اتخاذ قرار السفر إلى الرياض وتوقيع المبادرة الخليجية إنقاذاً لنفسه ولأقاربه من مصير مفتوح على احتمالات كثيرة، ليس أقلها إحالة ملف الانتهاكات التي قامت بها قواته بأوامر مباشرة منه ومن نجله وأقاربه الممسكين بزمام الأجهزة الأمنية في البلد، خلال «الثورة الشبابية الشعبية»، إلى المحكمة الجنائية الدولية.ولم تقتصر مكاسب صالح في توقيع المبادرة على إنقاذ نفسه والحصول على خروج مشرف من السلطة بعدما استطاع أن يفرض أحد شروطه المتمثلة ببقائه على رأس السلطة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية التوافقية؛ إذ نجح من خلال الآلية التنفيذية للمبادرة في حفظ موقع رئيسي لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في الحياة السياسية المقبلة.وتتضمن الآلية التنفيذية، مرحلتين: الأولى انطلقت أمس، وتتضمن تسليم الرئيس اليمني فور توقيعه المبادرة صلاحياته الدستورية لنائبه عبد ربه منصور هادي، لكن مع بقائه رئيساً شرفياً من دون القدرة على نقض قرارات نائب الرئيس، وذلك لمدة تسعين يوماً، تتخللها الدعوة إلى انتخابات واختيار هادي رئيساً توافقياً لمدة عامين، لتبدأ المرحلة الثانية وتنتهي بإجراء انتخابات رئاسية والاستفتاء على دستور.وبحسب الاتفاقية، فإن على المعارضة تسمية مرشحها لرئاسة الحكومة التي ستكون مهمتها إزالة أسباب التوتر الأمني وسحب القوات من الشوارع وإعادتها إلى ثكنها والشروع في إعادة هيكلة الجيش والأمن والتحاور مع الشباب في الساحات، وذلك للخروج بآلية لتنفيذ مطالبهم وتحقيق أهداف الثورة الشبابية الشعبية.هذا فيما لم يتضح بصورة كبيرة موقع كل من اللواء المنشق علي محسن الأحمر والمعارض القبلي حميد الأحمر من هذا الاتفاق، وأين سيكون موقعهما في يمن ما بعد صالح، ولكن بالنظر إلى عدم وجودهما في مراسيم التوقيع، يمكن اعتبار هذا بمثابة عدم شمول الاتفاق لكليهما، ما يعني بقاء دوريهما على الساحة مثلما كان في السابق مع اخذ الاعتبار بالتطورات التي أحدثها أمر توقيع الاتفاقية وآليتها التنفيذية.ورغم توقيع صالح المبادرة الخليجية وتوقيع ممثلي الحزب الحاكم والمعارضة الآلية التنفيذية، لا يبدو أن انفراجاً ظهر في الأفق بشأن ما يحدث في اليمن، وعلى وجه الخصوص في ساحات التغيير التي كانت سبباً مباشراً في إزاحة علي عبد الله صالح عن الحياة السياسية في اليمن. فمن جهة، ظهر موقف معارض لتوقيع المبادرة من أعضاء المجلس الوطني لقوى الثورة اليمنية، الذين ذهب عدد منهم إلى حد إعلان براءته مما توصلت إليه المعارضة من اتفاق مع صالح، مؤكدين أن الاتفاق لم ينل في أي وقت موافقة أعضاء المجلس الوطني لقوى الثورة.ومن جهة أخرى ظهر الانشقاق واضحاً بين صفوف شباب المعارضة الموجودين بكثرة وأغلبية في داخل تلك الساحات وبين قياداتهم الحزبية، انعكس بخروج مسيرات احتجاجية سابقة لحفل توقيع المبادرة وبعدها مباشرة، رافعين شعارات منددة بتوقيع المبادرة الخليجية ومتهمين قادة المعارضة بمشاركتها في «مؤامرة» تسهيل خروج صالح ونجاته من أمر المحاسبة. وقال الشاب أحمد العبدلي من ساحة التغيير في صنعاء، وهو من شباب الحزب الاشتراكي اليمني: «إن توقيع المبادرة هو خيانة لدم رفاقنا الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم لإحداث تغيير جذري في بنية الحياة السياسية اليمنية، لا برحيل صالح وعائلته، وهذا لم يتحقق». وأكد لـ«الأخبار» استحالة ترك الشباب للساحات التي يتمركزون فيها منذ نحو تسعة أشهر وتعرضوا فيها لكل أنواع التنكيل ومواجهات الرصاص الحي، متسائلاً: «لا أدري كيف يجرؤون على القول إنهم سيأتون للتفاوض معنا لإخلاء الساحات، لا يمكن أن نخون دماء رفاقنا».بدوره، قال الشاب محمد الداعري من التنظيم الناصري إن أحزاب المعارضة اليمنية بهذا التوقيع الذي فعلته على المبادرة إنما منحت صالح طوق النجاة قافزة على دماء الشهداء. وأضاف: «نحن لا نعلم شيئاً عن بنود هذا الاتفاق الذي ظهر سرياً، وكأنهم يخافون أن يعرف ما يحتويه بخصوص الضمانات التي قدِّمت لقاتل إخوتنا»، خاتماً حديثه بالقول: «لقد ساعدت أحزاب المعارضة اليمنية علي عبد الله صالح في الإفلات من العقاب».
ترحيب أميركي
رحبت الولايات المتحدة أمس بتوقيع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح المبادرة الخليجية وتسليم السلطة التي يتولاها منذ 33 عاماً. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر إن «الولايات المتحدة ترحب باتفاق الحكومة اليمنية والمعارضة على الانتقال السلمي والمنظم للسلطة»، مضيفاً أن الاتفاق «خطوة مهمة للشعب اليمني»، مشيداً بمجلس التعاون الخليجي ودوره في المساعدة على التوسط في الاتفاق. كذلك دعا جميع الأطراف إلى الهدوء. وقال: «ندعو جميع الأطراف في اليمن إلى الامتناع عن العنف والتحرك بسرعة نحو تطبيق بنود الاتفاق بنيّة حسنة وبشفافية»، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تتطلع إلى تعزيز شراكتها» مع القيادة اليمنية الجديدة.(أ ف ب)
القاهرة | لم يغيّر «التلفزيون المصري» سياسته المعارضة للمحتجين في ميدان التحرير. لكن شباب الثورة غيّروا طريقتهم في السخرية من التغطية الإعلامية للشاشة الرسمية: خلال الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك، ابتكر الثوار شعاراً هو «الكذب حصري على التلفزيون المصري». وبعد مذبحة «ماسبيرو» الشهيرة، انتشرت صورة لرجل ذي رأس يشبه رأس الحمار لأنه يشاهد القنوات الحكومية. لكن في اليومَين الأخيرَين، ومع التغطية المنحازة للأحداث في ميدان التحرير، انتشرت نكتة جديدة هي «وجدنا أخيراً تفسير كلمة «ماسبيرو»... إنه اسم إله الكذب عند الفراعنة».لم يحتج المصريون إلى وقت كثير ليعرفوا السياسة التي اختار وزير الإعلام أسامة هيكل وإدارة التلفزيون اتباعها في تغطية الاشتباكات في «التحرير». بعد أقل من ساعتَين على اندلاع المواجهات بين المحتجين والشرطة، اختفت عن الشاشة الحكومية الأصوات التي كانت تهاجم «تهوّر» الأمن منذ مساء الجمعة، وتنتقد ترك بعض مصابي الثورة من دون رعاية، وحلّت مكانها قائمة مُعدّة سلفاً من الضيوف. وهي القائمة التي تضمّ أسماء متحدِّثين مكروهين من الشعب، ومقربين من النظام ــ أي نظام ــ ليتحول المعتصمون في النشرات الإخبارية إلى «مثيري شغب». وتناول مراسلو «ماسبيرو» ما يحدث بوصفه «أعمال عنف قام بها المتواجدون في ميدان التحرير وتصدى لها الأمن ومعه تجار، وسكان الأحياء المجاورة». فيما أطل مرتضى منصور، المحامي الشهير وأحد المتهمين في «موقعة الجمل»، ليهاجم ثوار التحرير. وفي غضون دقائق، عادت النغمة نفسها التي انتشرت خلال الثورة، فشُن الهجوم بعنف على الثوّار من دون أي إشارة إلى الضحايا الذين فقدوا عيونهم في مواجهات السبت.ورغم أن مراسلي التلفزيون يقولون دائماً إنهم موجودون داخل الميدان، يبدو أنهم لم يلمحوا سقوط عدد من زملائهم جرحى خلال المعركة التي دُفِع إليها الثوّار بعد استفزازات وزارة الداخلية. ولم تهتم نشرات «ماسبيرو» بالبيان الصادر عن نقابة الصحافيين التي أكدت نيتها التحرك القانوني ضد وزارة الداخلية بعد إصابة عدد من الصحافيين والمدونين في مواجهات السبت الماضي. وأبرز المصابين المدون مالك مصطفى الذي فقد عينه، وهو ما حدث مع المصور في جريدة «المصري اليوم» أحمد عبد الفتاح. كذلك أصيب عمر زهيري مصور جريدة «التحرير» في قدمه، والصحافية في جريدة «الفجر» رشا عزب في وجهها. لكن سقوط كل هؤلاء الجرحى لم يؤثّر في الإعلام الرسمي الذي لم يفرّق بين المتظاهرين والصحافيين.إلا أن تجاهل بيان النقابة لم ينسحب على باقي البيانات الصادرة. بل بثّ «التلفزيون المصري» مراراً وتكراراً بياناً لوزارة الداخلية تنفي فيه استخدام أي أسلحة ضد المتظاهرين. واستمعنا مراراً وتكراراً إلى أخبار غير صحيحة وبعيدة كل البعد عما يجري على أرض الواقع، إلى جانب تحليلات الضيوف المتحيزين الذين لم يترددوا في إدانة المتظاهرين في الميدان. أما القنوات الخاصة فتفادت إلى درجة كبيرة أخطاء تغطية «ثورة يناير»، لكنها طبعاً لم تنحز إلى «التحرير» خوفاً من غضب المجلس العسكري. فضّلت تقديم النصائح للنظام الحالي لتخطّي الأزمة، أبرزها تشكيل حكومة إنقاذ وطني. ثم انتقلت لتصوير الأحداث في الميدان في محاولة لمتابعة التطورات لحظة بلحظة، وهي الخطوة التي كانت تقوم بها قناة «الجزيرة مباشر مصر» قبل منعها من العمل في الشوارع المصرية. وقد حظيت قناة «25» بمساحة متابعة واسعة نتيجة تواجد عدد كبير من مراسليها في الميدان، غير أن الحدث الإعلامي الأبرز بدأ بعد منتصف ليل الأحد حين اتّصل نائب رئيس «صندوق شهداء ومصابي يناير» اللواء محسن الفنجري بقناة «الحياة» ثم «سي. بي. سي». وقال إن الموجودين في الميدان «لا يمثلون الشعب المصري» وغيرها من الاتهامات غير المبرّرة. وقد حاولت ياسمين سعيد مقدمة برنامج «الحياة الآن»، ومذيع «سي. بي. سي» خيري رمضان عدم الانجراف إلى الحديث الفنجري وطالباه أكثر من مرة بالإفصاح عن الجهات «التي تخطط لإثارة الفوضى» كما يقول. لكنه تمسك بتصريحاته حتى النهاية لتفشل محاولة الوصول بالرأي العام إلى أي تهدئة إعلامية.مرة جديدة، عادت ذكريات الأيام الأولى لـ«ثورة 25 يناير» لتخيّم على المشهد المصري حين غابت البيانات الرسمية لأيام عدة، وهو ما جعل الناشطين على فايسبوك يسخرون ويقولون إنّهم يتوقعون ظهور عمر سليمان من جديد ليعلن تنحي المشير طنطاوي عن الحكم وتكليف الرئيس مبارك بالعودة لإدارة شؤون البلاد!
لم يُقطع الإرسال
مساء السبت، انتشرت شائعة تقول إن العاملين في «ماسبيرو» حاولوا قطع الإرسال احتجاجاً على التغطية المنحازة ضد الثورة. وكان العاملون في «التلفزيون المصري» قد هددوا أكثر من مرة بقطع الارسال بسبب السياسات الإعلامية السلبية بعد «25 يناير». لكن قوات الأمن كانت تسارع إلى تشديد الحراسة على المبنى. من جهة أخرى، تعرّض الموقع الرسمي للتلفزيون الرسمي أمس إلى الاختراق وتعطّل عن العمل لساعات عدة. وكتب مَن نفذ المهمة أن القرصنة مجرد رد بسيط على ما يبثه «التلفزيون المصري» ضد الثورة.
كرة نار متنقلة بين الأزقة، هكذا يمكن وصف أحوال الانتفاضة في البحرين. تظاهرات يومية واشتباكات وجرحى وقتلى، آخرها مقتل فتى لا يتجاوز 16 عاماً؛ توتر متصاعد في ظل عدم وجود أي بوادر للتهدئة، بل مؤشرات نحو مزيد من التصعيد مع قرب صدور تقرير لجنة بسيوني
تستقبل البحرين خلال هذه الأيام عدداً كبيراً من الإعلاميين والمراقبين الدوليين، لتغطية صدور تقرير لجنة بسيوني لتقصي الحقائق التي عينها الملك، والمتوقع يوم الأربعاء المقبل، وعلى الأرجح سيشهدون على التوتر المتصاعد الذي تعيشه يومياً شوارع وقرى البحرين، نتيجة الاشتباكات التي لا تهدأ بين المتظاهرين، الذين باتوا يبتكرون أساليب جديدة للمواجهة، في ظل صمت دولي مدوّ حول معاناتهم، والقوى الأمنية، المتمسكة، بدورها، بحملة القمع الشاملة.وخلال الأيام الماضية، سُجّلت مجموعة من الاشتباكات التي أدت إلى مقتل فتى لا يتجاوز الـ 16 عاماً، إضافة الى إصابة آخرين بجروح. وبحسب المعارضة، فإن «الطفل علي يوسف علي حسن إبراهيم بداح (16 عاماً) من سترة ـــــ واديان ويسكن قرية الغريفة استشهد بعد دهسه بسيارة قوات الأمن فجر السبت أثناء قمع احتجاجات في قرية الجفير، وتُوفي متأثراً بجراح بالغة أصيب بها، وتقطّع جسمه إلى أشلاء نتيجة للحادث، كما أصيب اثنان آخران في الحادث».وأكد بيان لجمعية «الوفاق» أن عملية الدهس «تؤكد أن استخدام سيارات الشرطة في دهس المتظاهرين أسلوب معتمد، وعليه الكثير من الشواهد الموثقة بالصور والفيديوهات». وقالت إن المبررات التي أعطتها الداخلية لعملية الدهس «باطلة، إذ لا يوجد زيت في الشارع، وليس هناك أي مبرر يعطي لقوات الأمن للسير بهذه السرعة، ودهس الطفل على جانب الطريق بالسرعة الجنونية».ونقل شهود عيان أن «الحادثة وقعت بعد منتصف الليل، حيث جاءت سيارة قوات الأمن مسرعة ومصابيح السيارة مطفأة وصدمت ٤ شبان على نحو مباشر ومتعمد، اثنان أصابتهما طفيفة، والثالث انكسرت رجله، والرابع هو الشهيد الذي صدمته سيارة الأمن».وعند تشييعه في منطقة سترة عصر اليوم نفسه «رغم الحصار الأمني وإغلاق كل المنافذ المؤدية إلى جزيرة سترة»، ردّد آلاف المشيعين «هتافات ضدّ النظامين البحريني والسعودي». لكن لم يمرّ التشييع بسلام، ووقعت اشتباكات بين المشيعين والقوات الأمنية التي أغرقت المكان بالغاز المسيل.أما رواية الداخلية عن الأحداث الأخيرة، فعرضها المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد طارق الحسن، قائلاً إن «عدداً من الأشخاص تجمعوا في منطقة الجفير وأغلقوا الطريق بالحواجز والحاويات وسكب الزيت على الطريق، وكانوا يقومون بأعمال شغب وتخريب على شارع الشباب في منطقة الجفير، وبحوزتهم أسياخ حديدية وزجاجات حارقة «مولوتوف»، وأن سائق الدورية الذي دهس الفتى «فقد السيطرة على سيارته» بعد «إلقاء المتجمهرين الحجارة والأسياخ الحديدية على الدورية، وبسبب وجود زيت محركات على الشارع كان المخربون قد سكبوه»، فاصطدم بجدار «وانحشر أحد المتجمهرين بين المركبة والجدار فمات».كذلك أشار المتحدث الى حادثة إصابة مواطنة بسيخ حديدي في رأسها، نتيجة مرورها في منطقة اشتباك بين متظاهرين والقوات الأمنية في منطقة الديه أول من أمس. وقال المتحدث باسم الداخلية إن «الداخلية تتبنى استراتيجية للتعاون الأمني الدولي ولديها تعاون وثيق بين الدول الشقيقة لضبط المحرضين على أعمال الشغب والتخريب».وفي بيان آخر، أعلنت مديرية شرطة المحافظة الوسطى «إصابة شخصين وتعرض 4 سيارات لتلفيات إثر قيام حوالى 25 شخصاً من مثيري الشغب بإلقاء الأسياخ الحديدية والحجارة عليهم في منطقة مدينة عيسى».في ظل هذه التطورات، كان لافتاً صدور موقف لحركة «النهضة» التونسية إزاء ما يجري من البحرين، تناقلته وسائل الإعلام البحرينية بقوة أمس، ويشير الى أنّ المكتب السياسي لـ«النهضة» رأى أن «ما حدث في البحرين عبارة عن حركة طائفية وأعمال تخريب، لا تمت إلى الربيع العربي بصلة، بل هو تشويه للثورات العربية»، وذلك عقب لقائه وفد جمعية «مبادئ» لحقوق الإنسان، أثناء زيارتها لتونس، وفقاً لما أوردت وكالة أنباء البحرين «بنا»، كما رفض المكتب «التدخلات الإيرانية في شؤون البحرين والمساس بعروبتها كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية».في هذه الأثناء، بدأت أمس مناورات بحرية (التمرين البحري الثنائي جسر «13») بين قوة دفاع البحرين ممثلة بسلاح البحرية الملكي، والقوات البحرية الملكية السعودية. وتستمر المناورة أربعة أيام، ويشارك فيها عدد من القطع البحرية الحربية، وقوارب الإسناد، وسفن الإنزال ومجموعة من الطائرات العمودية، وعدد من المجموعات المقاتلة. ويهدف التمرين إلى تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل في مجال التمارين البحرية، وتبادل التجارب العسكرية، والخبرات القتالية، وفقاً لـ«بنا».(الأخبار)
لافتة جداً طريقة ممارسة تكتل التغيير والإصلاح للعمل الحكومي. ويستدل من تلك الطريقة أنّ ميشال عون قد حزم أمره، منذ أن قرر توزير شربل نحاس، على تبني مشروع إصلاحي حقيقي لمفاصل معينة من النظام اللبناني، وجعل هذا المشروع مشروعاً لزعامته المسيحية. يأخذ هذا الكلام طبعاً في الحساب أن ميشال عون، ومنذ أن بدأ العمل السياسي، لم يعمل إلاّ من ضمن «الحقائق» الطائفية في لبنان، ولم يسع بالتالي إلاّ إلى بناء زعامة مسيحية صرفة. لكن بالرغم من عدم اختلاف عون من هذه الناحية عن أي زعيم طائفي آخر، فإنّه يختلف اختلافاً جوهرياً عن باقي هؤلاء من ناحية إيجاد مشروع لتلك الزعامة، يقوم على محاولة إصلاحية (داخل حدود معينة) للنظام، بدلاً من العمل على بناء الزعامة من أجل الزعامة فقط. وقد ازداد ذلك الاختلاف أهمية بعد التطور الإيجابي الكبير الذي حدث في مشروع عون ما بين نسخته الأولى (الشديدة اليمينية) التي خاض الانتخابات النيابية في 2005 على أساسها، ونسخته الحالية التي تبلورت مع دخول شربل نحاس في الفريق الحكومي العوني. والمشروع يمثل الخطوة الاولى في رحلة الالف ميل بالنسبة إلى ما يحتاج إليه النظام اللبناني من نسف للأسس الطائفية التي يقوم عليها، لكنّه يبقى مشروعاً شديد الأهمية أولاً، لأنّه المشروع الإصلاحي الوحيد المطروح من أيّ من مكونات الائتلاف الطائفي الحاكم في البلد، وثانياً لأنّه يحاول تصويب نظام الدولة الاقتصادي، فتستعيد ممارسة وظائفها «الطبيعية» تجاه مواطنيها.فمشروع شربل نحاس الذي صدر عن «لجنة المؤشر» لتصحيح أجور العمال هو مشروع متكامل لا يصحح الأجور فقط، بل يشتمل أيضاً على تأمين التغطية الصحية لجميع المواطنين المقيمين، والانتقال إلى نظام للتقاعد بدلاً من نظام تعويض نهاية الخدمة، إلى جانب برنامج للاستثمارات العامة للنهوض بالتعليم العام، ولتوفير الخدمات الأساسية من كهرباء وماء واتصالات، ولإقامة نظام نقل عام حقيقي يؤدي إلى ربط أوصال السوق الداخلية.أما تمويل المشروع فيأتي من إصلاحات ضريبة شديدة الأهمية، فتفرض الضرائب على الأرباح الريعية بدل الضرائب على الاستهلاك التي تصيب الفقراء أو الضرائب على المؤسسات التي تصيب الإنتاج. ويدعو المشروع أيضاً، في ما يدعو إليه، إلى حوافز ضريبية للمؤسسات التي تشغل الباحثين عن العمل لأول مرة. أي إنّ المشروع يدعو إلى انخراط الدولة من خلال النظام الضريبي في توسيع سوق العمل لمتخرجي التعليم العالي والحد من هجرة هؤلاء المتخرجين، علماً بأنّ النزف من هذه الفئة هو الأعلى بين مختلف الفئات المهاجرة.إنّ استعادة الدولة لممارسة وظائفها، الممارسة حالياً من قبل «أنظمة الحكم» المذهبية التي توطدت وترسخت بعد اتفاق الطائف، والطريقة التي أنهى بها الحرب الأهلية، هي من الخطوات الأساسية المطلوبة لبدء أي إصلاح للنظام الطائفي المقيت الذي يطبق على أنفاس البلد منذ الاستقلال. فمع أنّ المشروع لم يتطرق إلى ممارسة الدولة لدورها على صعيد التوظيف في القطاع العام (وهو السلاح الامضى في أيدي زعماء الطوائف)، فإنّ تطرقه إلى لعب الدولة لدورها الطبيعي في تأمين الخدمات الأساسية لمواطنيها في المجالات الواردة أعلاه، يمثل خطوة أولى لسلب أباطرة الطوائف والمذاهب بعض الأسلحة الموجودة في أيديهم التي يستخدمونها للهيمنة على الأتباع من أبناء هذه الطوائف والمذاهب، وضمان خضوعهم للزعامة الطائفية وتمسكهم بالهوية الطائفية بدل هوية المواطنة الجامعة. ويفسر هذا الأمر العداء الشديد الذي قوبل به مشروع شربل نحاس أخيراً، ومحاولة تخريب المشروع من قبل جميع أباطرة الطوائف في البلد، سواء من حلفاء ميشال عون أو من أخصامه. فما قام به أقطاب 8 آذار من محاولة وأد ذلك المشروع، لا يختلف كثيراً عما قام به أقطاب 14 آذار، أو ما قام به أقطاب الوسطية الجدد على هذا الصعيد.فقد جاءت الضربة الأولى للمشروع من نبيه بري الذي استشعر بالخطر المحدق «بإقطاعتيه» في الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة، فرد بتدبيج مشروع «ضمان صحي» خاص به على عجل، وبتحريض الاتحاد العمالي العام (وهو هيكل خاو لا يمت للعمال بصلة، معقودة رئاسته لقوى 8 آذار منذ سنوات)، على الوقوف ضد شربل نحاس ومشروعه ومقاطعة «لجنة المؤشر» من أساسها. أما وليد جنبلاط فقد رد على المشروع بتحويل ميشال عون إلى عدوه الأول، وتدل الشراسة التي تكلم بها جنبلاط أخيراً، خلال مقابلته على قناة المنار عن شربل نحاس على شدّة تخوفه من الخطر الذي يمثله مشروع نحاس على النظام الطائفي في لبنان. ومن المؤكد أنّ جنبلاط وبري ليسا وحيدين في استنفارهما تجاه هذا الخطر، فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي حاول التخلص من نحاس بإشهاره الفيتو على توزيره أثناء تأليف الحكومة، ثم عاقبه بإقصائه عن وزارة الاتصالات «ونفيه» إلى وزارة العمل، عندما لم يتمكن من إقصائه عن الحكومة بمجملها. ومعروفة جداً المصالح الهائلة في قطاع الاتصالات. لكن «رب ضارة نافعة» كما يقول المثل، فهذا النفي إلى وزارة العمل هو بالضبط ما جعل شربل نحاس يتمكن من انتهاز فرصة تفعيل «لجنة المؤشر» تحت رعايته، من أجل التقدم بمشروعه.لكن إذا كان الخطر الواضح على مصالح الزعامات الطائفية، القديمة منها والمستحدثة، يعطي تفسيراً للحرب التي اندلعت بين جميع هذه الزعامات من جهة، وشربل نحاس ومشروعه وميشال عون من خلفهما من جهة أخرى، فإن المرء لا يجد تفسيراً لوقوف حزب الله موقف المتفرج من كل ما يجري. فالحزب صاحب مصلحة أكيدة في إصلاح النظام الطائفي في لبنان، لأنّ النظام الطائفي هذا هو العامل الأساسي الذي يوفر الأرضية الصلبة للانقسام المذهبي ويذكي الصراع المذهبي القائم في البلد. وإسرائيل وأميركا، بعدما جربتا القضاء على حزب الله عسكرياً، وفشلتا في حرب تموز 2006، لم يعد في أيديهما من سلاح ضد الحزب سوى محاولة عزله عن محيطه بواسطة الصراع المذهبي. ويجري العمل ليل نهار على تسعير الصراع المذهبي السني ــ الشيعي، سواء في لبنان أو في باقي أرجاء المنطقة العربية، والعمل على أبلسة الحزب في عيون السواد الأعظم من الرأي العام العربي، بواسطة هذا الصراع.والخطوة الأولى التي يمكن أن يخطوها حزب الله في مواجهة هذه الحرب هي العمل على تخفيف الحدّة المذهبية في المنطقة انطلاقاً من تخفيفها في لبنان. ويجب الاعتراف هنا بأنّ الحزب حاول تخفيف الحدّة المذهبية في لبنان بواسطة محاولة استرضاء زعماء الطوائف تارة ومحاولة اختراق تلك الطوائف تارة أخرى. لكن الحزب فشل حتى الآن، للأسف، في تخفيف الحدّة المذهبية في البلد بواسطة أي من تلك الطرق. فالطريقة الوحيدة لتخفيف تلك الحدة هي في إضعاف مراكز القوى و«أنظمة الحكم» الطائفية والمذهبية في البلد. وقد جاءت الفرصة الآن إلى الحزب لإضعاف هذه القوى على طبق من فضة، وليس هناك من حجة يمكن أن تبرر عدم التقاط الحزب لتلك الفرصة. والحقيقة أنّ الحجة التي أوردها السيد حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة في المنار، والمتمحورة حول قلة التنسيق مع حلفاء الحزب في الحكومة، ومن بينهم تكتل التغيير والإصلاح، وضيق الوقت للاطلاع على تفاصيل المشاريع المقدمة إلى الحكومة، تدل بكلّ صراحة على قلّة اهتمام وقلّة كفاءة من قبل الحزب بإدارة الملفات الداخلية. فالحزب لم يتقاعس فقط عن مساندة مشروع شربل نحاس الاقتصادي، بل اتخذ حتى الآن موقف غريباً جداً من اللامبالاة تجاه مشروع اعتماد النسبية في الانتخابات النيابية، وهو مشروع آخر يمكن أن يؤسس لبداية إصلاح النظام الطائفي اللبناني ويساهم بالتالي بإبعاد خطر العزلة عن الحزب.إن ما قاله عون خلال خلوة تكتله الأخيرة من أنّه «ليس هناك إصلاح من دون مقاومة، وليست هناك مقاومة من دون إصلاح» هو كلام دقيق جداً، يستحق آذاناً صاغية من حزب الله. فمشروع الإصلاح المطروح من قبل عون لا يمكن أن يمر، من خلال ميزان القوى المذهبي المتحكم بالبلد حالياً، من دون مساندة المقاومة. أما المقاومة فلا يمكن أن تنجح على المدى البعيد، ولا يمكن أن تنجو من العزلة من دون إضعاف النظام الطائفي في لبنان بواسطة الإصلاح.إنّ العمل على إضعاف أباطرة الطوائف بخطة طويلة المدى للإصلاح مبنية على مشروع شربل نحاس، إلى جانب اعتماد النسبية في قانون الانتخابات النيابية، هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى تخفيف الاحتقان المذهبي، وبالتالي ضمان عدم تعرض المقاومة إلى عزلة قاتلة على المدى الطويل. ومن غير الجائز لحزب الله بعد اليوم أن لا يقدم على استغلال هذه الفرصة، بدلاً من محاولاته البائسة والعقيمة لاختراق الطوائف بواسطة «سرايا مقاومة» من هنا و«لجان عمل مقاوم» من هناك. فاستحداث خلايا استخبارية جاهزة للتحرك عند الطلب لن يستحدث جماهير مؤيدة للمقاومة في أي من الطوائف المستهدفة، بل العكس هو الصحيح. لكن إصلاحاً يخلص الناس من قيود الطائفية على المدى الطويل لا بد من أن يحمي المقاومة من العزلة لأنّه الطريق الوحيد لبناء رأي عام معاد لإسرائيل على المستوى الوطني بدلاً من «الآراء العامة» المذهبية الموجودة حالياً التي يعميها الاستنفار المذهبي القائم عن رؤية إسرائيل العدو الدائم.
نيكولاس بلانفورد
فيما تتصاعد التوترات حول برنامج إيران النووي، يبدو «حزب الله» على أهبة الاستعداد للأخذ بالثأر من إسرائيل.
عصر ذات يوم سبت في الآونة الأخيرة، التقط رادار تابع للقوات الفرنسية التابعة لـ«اليونيفيل»، في الجنوب اللبناني طائرة استطلاع إسرائيلية بلا طيار تعبر الحدود مخترقة الأجواء في جنوب لبنان. لم تحظَ باهتمام يذكر مثلها مثل عشرات طائرات المراقبة التي يطلقها الإسرائيليون في الأجواء اللبنانية شهرياً.
ولكن، عندما حلقت الطائرة فوق وادي الحجير، اختفت فجأة من شاشة الرادار. على الفور، اتصل جنود «اليونيفيل» مذهولين، بالجيش اللبناني، وبدأت عملية بحث عن الطائرة، في الوادي الغضّ... بلا جدوى.
لا أحد يتذكّر متى كانت المرة الأخيرة التي تعطّلت فيها طائرة استطلاع إسرائيلية فوق لبنان وتحطّمت، ولم يصدر أي بلاغ عن احتراق الطائرة. لم ينبس الإسرائيليون ببنت شفة. وكذلك فعل «حزب الله». أما قوات حفظ السلام فوقعت في حيرة، تتكهّن بأن يكون «حزب الله» قد وجد طريقة لتعطيل الطائرات إلكترونياً.
وادعى التقرير الأحدث للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران، التي وصفها بلانفورد بأنها «سيدة «حزب الله» الإيديولوجية»، متورطة في «أنشطة وثيقة الصلة بتطوير جهاز نووي متفجّر». هو «أقسى» تقارير الوكالة حتى الآن حول إيران، وقد سبقته موجة تقارير إسرائيلية تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية تدرس جدياً توجيه ضربة عسكرية جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وقد ردّت إيران بإطلاق التحذيرات، مهدّدة بوجود «خطط للرد» على «أصغر عمل تشنه إسرائيل (ضد ايران)، عندها سترى (إسرائيل) دمارها».
العديد من المحللين يعتقدون أن هذه الخطط «قد تشمل هجمات يشنها «حزب الله» ضد إسرائيل، عبر ضربها بآلاف الصواريخ طويلة المدى، ما يضع قلب الدولة العبرية على الجبهة الأمامية (للنزاع) للمرة الأولى منذ 1948».
منذ العام 2006، ساد هدوء على الحدود بين لبنان وإسرائيل، لكنه هدوء «لم يمنع الطرفين من القيام باستعدادات محمومة لمواجهة أخرى، لا تريدها إسرائيل ولا «حزب الله»، ولكن الطرفين يعتقدان أنها ربما تكون ضرورية».
ارتفع معدل التعبئة في صفوف «حزب الله» بشكل كبير، وكذلك عمليات التدريب في المعسكرات السرية في البقاع، حيث يتوغل العناصر سيراً على الأقدام في الجبال الوعرة، وحيث يتعلّمون كيفية حمل السلاح، فيما يتلقّى البعض تدريبات متطورة في إيران.
هناك يتلقون التدريب العسكري مقروناً بدروس دينية وثقافية. هناك يتم تعليمهم أهمية الجهاد والشهادة والطاعة لـ«القائد» (الخامنئي).
لا يبوح «حزب الله» قط بتفاصيل عن قدراته العسكرية التي لا تنفكّ تتطوّر، لكن التقارير تدّعي أن الحزب كدّس نحو 50 ألف صاروخ، بما فيها الصواريخ الموجّهة التي بإمكانها أن تصيب تل أبيب. ومراراً، ألمح مقاتلو «حزب الله» إلى أنهم تدربوا على اجتياز الحدود نحو إسرائيل، في الحرب المقبلة.
ووصف الكاتب «حزب الله» بأنه «أكثر قوة عسكرية غير حكومية مثيرة للذهول في العالم»، لكنه يواجه اليوم «مجموعة من التحديات هي الأخطر منذ صعوده في أوائل الثمانينيات»، أبرزها اتهام أربعة من عناصره بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. على القدر ذاته من الخطورة تكمن الثورة الدموية في سوريا.
سقوط نظام الأسد يشكل، بالنسبة لـ«حزب الله» وإيران، «تهديداً للتوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يتسبب في انقطاع التحالف بين دمشق وطهران»، فـ«سوريا تعتبر ممراً مهماً لأسلحة «حزب الله»، والأهم أنها الحليف الحيوي الوحيد لإيران في العالم العربي، ما يمنح طهران موطئ قدم على الحدود الشمالية لإسرائيل»(...).
وقال بلانفورد إن «شعبية الحزب في لبنان تراجعت، مقارنةً مع التسعينيات، عندما كان كل لبناني، أياً كانت طائفته، يؤيد «حزب الله» ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي».
أما «المأزق» الذي يواجه «حزب الله»، فيكمن في أن «شن حرب ضد إسرائيل في رد على هجوم (محتمل) على إيران، سيتسبب بتدمير ساحق للبنان وخاصة للمناطق الشيعية التي تشكل عصب الحزب»، كل ذلك «كرمى حماية الطموحات النووية لدولة تقبع على بعد 650 ميلاً الى الشرق».
لا يفصح المسؤولون في «حزب الله» بالكثير عن الرد المحتمل للحزب في حال هوجمت إيران. فذلك يعتمد على حجم الضربة وعلى الوضع السياسي في الشرق الأوسط، لكن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قال بأنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل يتمتعان بوضع يسمح لهما بشن حرب في الشرق الأوسط، واصفاً التكهنات الإعلامية بشأن ضربة محتملة ضد إيران بأنها مجرد «تهويل».
في هذه الأثناء، تركّز كوادر «حزب الله» على التدريبات العسكرية وتضع نصب أعينها النزاع المقبل مع إسرائيل، «فليهاجموا إيران. ذلك سيكون عظيماً. ذلك سيعني دمار إسرائيل»، أقله هذا ما يؤمن به خضر، وهو مقاتل شاب في «حزب الله».
(ترجمة جنان جمعاوي ـ عن «وول ستريت جورنال»)
[ صاحب كتاب «جنود الله: داخل صراع «حزب الله» الثلاثيني ضد إسرائيل».
أمس، كان لبنان مستنقع مياه كبيراً. الطرقات مقفلة بازدحام السيارات من الناقورة الى أقصى الشمال. المواطنون يناشدون المعنيين لتخليصهم. المناشدات لم تصل. العاصفة مستمرة. هل يتكرر المشهد اليوم؟
رشا أبو زكيإني أغرق أغرق أغرق، ردد آلاف المواطنين أمس قصيدة نزار قباني، أو على الأقل تذكروها. لبنان لم يكن غارقاً بالعشق، بل بمياه الأمطار. وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، الذي طار كسندباد من منطقة إلى أخرى خلال الأشهر الماضية، وأغرق اللبنانيين بوعوده، اختفى فجأة. طبعاً، لم تفلح جميع محاولات الاتصال به. أما مجلس الإنماء والإعمار (وهو الذراع التنفيذية لمشاريع معالجة مياه الأمطار)، فكان الغائب الثاني. لا بيان يوضح، ولا اعتذار. ليست سوى أمطار بضعة سنتمترات، سقطت هنا. ليست إعصاراً، ولا زلزالاً، ولا «تسونامي»، ولا هزة أرضية حتى. لبنان أصبح بفضل متعهدي الأشغال ووزارتهم غارقاً في «شبر» مياه بكل ما للكلمة من معنى ومدلول ومكيول.
غارق «من فوق ومن تحت»، على حد قول أحد الغارقين، إضافةً إلى الأمطار الهاطلة التي تجمعت على الطرقات ببرك ضخمة، خرجت المياه من الأرض. انفجرَت «الريغارات»، اختنقت السيارات بأصحابها. فلم يكن من منقذين سوى فوج الإطفاء! وهنا لا بد من السؤال: «أين الأموال التي أزهقت على مجاري وشبكات المياه في الطرقات؟ وكيف يمكن تبرير «البرك الوطنية» التي وحدت جميع المناطق، ولا سيما على الأوتوسترادات الساحلية؟ ومن المسؤول عن هذه الكارثة السنوية؟من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب زحمة السير كانت سيدة الموقف. موقف؟ فقد تحولت طرقات لبنان الى موقف، إلى برك يمكن من خلال عمقها قياس معدل تساقط الأمطار في لبنان طوال سنتين على الأقل! طريق الكرنتينا قطعت بالكامل. علق 9 مواطنين على الأقل في سياراتهم، غارقين في برك وصل منسوب المياه فيها إلى نحو 80 سنتمتراً. فاض سوق السمك الموجود في المنطقة أكثر من مترين، وغمرت المياه أكثر من 20 مستودعاً. كل الأسباب تجمعت لتتحول الكرنتينا إلى مرأب ضخم للسيارات. فرق الإطفاء كانت الوحيدة المستعدة لإنقاذ الناس، سحبت عدداً من السيارات الغارقة. أكثر من 4 ساعات من الانتظار عاشها اللبنانيون في هذه البقعة ومحيطها. وكان السير قد توقف ساعات طويلة من طبرجا حتى بيروت، واحتجزت آلاف السيارات في محلة «سليب كومفورت»، ما زاد حدّة الأزمة. توقف السير على طول الأوتوستراد الساحلي من نهر الموت وصولاً إلى الكازينو، ومن ضبيه باتجاه جونيه، والمواطنون ناشدوا المسؤولين التحرك، «لكن يبدو أن المسؤولين يستخدمون الهيليكوبتر»، يقول أحد «العالقين في الزحمة».عند مداخل العاصمة ازدحام كثيف: العدلية، بدارو وكورنيش المزرعة تربعت على عرش الطرقات الأكثر ازدحاماً. ارتفع منسوب المياه. الطرقات تحولت إلى مستنقعات كبيرة. غمرت المياه بعض المستودعات والمحال التجارية قبل أن تسهم القوى الأمنية، بالتعاون مع فوج الإطفاء في سحبها، ما سبّب زحمة سير خانقة. والازدحام كذلك حل على جسر الدكوانة ـــــ الأشرفية. وكذلك الحال في منطقة عين المريسة، حيث ارتفع منسوب المياه إلى نحو 80 سنتمتراً في أكثر من مكان، بعدما تساقط أكثر من 30 ميللمتراً تقريباً لمدة ساعة ونصف ساعة.من الشمال إلى بيروت، فلنتجه الآن جنوباً. الرياح أدت إلى سقوط عشرات اللوحات الإعلانية الضخمة والمتوسطة الموجودة أصلاً بطريقة غير قانونية. هكذا، أصبح أصحاب السيارات المارة على الأوتوستراد الساحلي من صيدا وصولاً الى الناقورة، مغامرين حقيقيين.هكذا كان المشهد أمس، وهكذا يمكن أن يكون اليوم، حتى انحسار العاصفة. مشهد «سوريالي»، لبلد متوقف عن العمل بسبب: هطول المطر!تحديد المسؤوليات في قضية كهذه كمن يدخل لعبة الدوامة. الكل يتقاذف المسؤوليات كالعادة، والحلول مفقودة، فالمصيبة حلت على لبنان، وستستمر. هاكم بعض الأرقام: وصلت ميزانية مجلس الإنماء والإعمار إلى نحو 630 مليار ليرة، والطرقات لا تزال على حالها. ميزانية المجلس بين عامي 2010 و2011 لمعالجة المشكلة 570 مليون دولار، ولا أحد يعوّل على حلول. وقد رصدت 50 مليون ليرة فقط لوزارة الطاقة والمياه لمشاريع «مياه السيلان»، و90 مليون ليرة للمياه المبتذلة. أما وزارة الأشغال العامة والنقل، فقد حصلت عام 2010 على 275 مليار ليرة لصيانة الطرق، وارتفع الرقم إلى 290 مليار ليرة عام 2011. لا الطرقات جرت صيانتها، ولا مياه الأمطار عرفت طريقها الطبيعي. الأكيد أنّ كل هذه الأموال التي أنفقت من جيب المواطن، راحت هدراً على مشاريع فاشلة.الموضوع ليس قضية أشغال فقط، بل بنية تحتية متكاملة لتصريف المياه وشبكات الصرف الصحي. المسؤولية الأساسية تقع على مجلس الإنماء والإعمار، الذي لا يراقب أعمال المتعهدين، فتُنفَق الأموال على مشاريع تثبت فشلها مع كل بداية شتاء، لكن الحكومة، بحسب رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان هي المسؤول المركزي عن هذه الأزمة. فمنذ عام 1993، تُرصد مليارات الليرات لإصلاح شبكات المياه، وبعد 18 عاماً من الميزانيات المحولة الى مجلس الإنماء والإعمار، لا تزال المشكلة ذاتها تتكرر من دون محاسبة المسؤول عن الخطأ ولا مراقبته. لا بل تؤدي قضية تداخل الصلاحيات دوراً أساسياً في دوامة تكرار مشكلة مياه الأمطار، إذ إن المسؤوليات تتوزع على: وزارة الأشغال العامة والنقل، وزارة الداخلية والبلديات، وزارة الطاقة والمياه، ومجلس الإنماء والإعمار... بصورة أعم مجلس الوزراء بأكمله. كيف يمكن حل مشكلة كهذه في ظل غياب استراتيجية عامة ورسمية؟ وكيف يمكن الوصول الى خطة موحدة في ظل غياب وزارة التخطيط لمصلحة استمرارية عمل مجلس الإنماء والإعمار غير الخاضع لأي نوع من الرقابة؟مفتاح الحل هو أن يكون في لبنان بنى تحتية ضمن المستوى والجودة المطلوبة والموجودة في جميع دول العالم، لاستيعاب مياه الأمطار. فالصيانة يجب أن تجري قبل بدء فصل الشتاء، وفق ما يقول رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية محمد قباني. تكرار أزمة تجمع مياه الأمطار في الطرقات يتخطى ما يحصل في الدول الأخرى، إذ أحياناً لا تستوعب الأقنية كمية المتساقطات الكبيرة، وعندئذ يمكن القيام بإجراءات سريعة لإعادة فتح الأقنية. وقوف هذه الظاهرة عند حدود وحالات قليلة يمكن أن يجري استيعابه، لكن التكرار يصبح أزمة.ماذا عن الأموال التي أُنفقت منذ انتهاء الحرب الأهلية لصيانة الطرقات وشبكات المياه؟ قباني لا يدخل في الأرقام، لكنه يرى أن الأزمة تتمحور حول ثقافة لبنانية سائدة بأن الصيانة غير ضرورية. المسؤولية تتحملها الحكومة، والوزراء المعنيون والبلديات، إنها مسؤولية مشتركة، والحلول يجب أن تكون جذرية.وإذا كانت السلطة التشريعية لا تزال في إطار «النق» وتوزيع المسؤوليات، فإن السلطة التنفيذية كانت صامتة أمس، حيث لم يبحث أي اجتماع أزمة الطرقات، ولم يتوجه أي مسؤول بكلمة الى المواطنين، فهذه الأزمة أمر واقع، واقع على المواطنين حصراً.
عمليات الإنقاذ: «سباحة»!
أعلنت مصلحة الأرصاد الجوية استمرار العاصفة اليوم. فالطقس سيكون ماطراً مع عواصف رعدية ورياح ناشطة، كما تتساقط الثلوج على ارتفاع 1500 متر. ويؤكد العقيد صافي سلطاني، القائد المعاون المكلف بالمهمات الميدانية في فوج الإطفاء لـ «الأخبار» إن الفوج على جهوزية دائمة. وقال إنّ 25 مستودعاً في بيروت غرقت أمس بالأمطار، بارتفاع وصل الى مترين من المياه، كما اقتلع الهواء 17 شجرة، وأغلقت الطرقات في البسطة، طريق الجديدة، الأشرفية، أرض جلول وعدد من المناطق الأخرى، فأزاحها الفوج. وكذلك حاصرت المياه 8 سيارات في الكرنتينا، ووصلت المياه الى نوافذ السيارات، وقد أُنقذ السائقون. فيما غرقت سيارة في مستنقع في منطقة الكرنتينا لجهة سوق السمك، فسبح شباب الفوج، وأنقذوا سيدة كانت محاصرة في سيارتها وبوضع يرثى له. وقد طلب سلطاني من جميع المواطنين الاتصال بفوج الإطفاء على الرقم 175 فور حصول أي مشكلة مشابهة، مؤكداً أن الفوج بانتظارهم، ومستعد 24/24 ساعة.
تلقى أمس عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل ومنسقه في طرابلس، النائب السابق مصطفى علوش، اتصالات كثيفة تهنّئه على ما قام به خلال حلقة «بموضوعية» يوم الاثنين على شاشة الـ«أم تي في». وأثنى المتّصلون على المواجهة التي قام بها علوش. وعُلم أنّ من بين المهنّئين الرئيس سعد الحريري والأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري.