uldy

uldy

كما في العمل على تحديد طبيعة الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري، كذلك في رحلة البحث عن مسار الشاحنة التي يعتقد أنها استخدمت للتفجير، كان التحقيق اللبناني هو الأساس، ولم تقم لجنة التحقيق الدولية بأكثر من استثمار المعطيات اللبنانية، مع ادّعاء التوصل إليها أحياناً بعد إخفائها مدة طويلة

حسن عليقيوم 14 شباط 2005، بدأت القوى الأمنية اللبنانية القائمة بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري تعثر على قطع عائدة لشاحنة ميتسوبيشي. سريعاً، بدأ المحققون يستنتجون أن هذه الشاحنة كانت مفخّخة، وقادها انتحاري فجّر نفسه بموكب الحريري. لكن الذين توصلوا إلى هذا الاستنتاج حوربوا، واتهموا بتضليل التحقيق، رغم كل الأدلة التي تدعم استنتاجاتهم. في مرحلة لاحقة، عادت لجنة التحقيق الدولية لتتبنّى هذه النظرية، مهملة العمل على معرفة كيفية دخول الشاحنة لبنان. مجدداً، أحدثت السلطات اللبنانية خرقاً في جدار التحقيق. لكن لجنة التحقيق الدولية أخفت المعلومات التي توصلت إليها السلطات اللبنانية، رغم أن هذه المعطيات تثبت كذب بعض الشهود الذين أدلوا بإفادات استخدمت لتبرير توقيف الضباط اللبنانيين الأربعة وتوجيه الاتهام السياسي إلى سوريا.

كيف بدأ التحقيق بمسار الميتسوبيشي؟

عقب الجريمة، أجرى خبراء المتفجرات وقسم المباحث العلمية في الشرطة القضائية مسحاً لمسرح الجريمة. داخل الحفرة التي خلفها الانفجار، عثروا على أربع قطع ميكانيكية مهشمة. أما في محيط الانفجار، فعثروا على 20 قطعة إضافية، بينها ما يحمل شعار شركة ميتسوبيشي. عُرِضت القطع الأولى على ميكانيكيين، فرجّحوا أن تكون عائدة إلى حافلة أو شاحنة من طراز ميتسوبيشي. اتصلت الشرطة القضائية، رسمياً، بوكيل ميتسوبيشي في لبنان، (شركة ديمتري ميشال عيد)، فرجّح الوكيل أن تكون القطع عائدة إلى حافلة ميتسوبيشي روزا. إلا أن أحد الميكانيكيين أصرّ على أن هذه القطع تعود إلى شاحنة لا إلى حافلة.وجود القطع المنغرزة داخل الحفرة، على عمق 30 سنتيمتراً في التراب، جعل المحققين يعتقدون أن المواد المتفجرة، التي كان بينها قذائف هاون من عيار 120 ملم، كانت محمّلة فوق شاحنة. وأن عصف الانفجار هو ما دفع هذه القطع من الأعلى إلى الأسفل، إذ إن وجود المتفجرات تحت الأرض سيجعل من شبه المستحيل أن تنغرز القطع الميكانيكية عميقاً في التراب بعد تهشيمها. ترجيح وجود سيارة مفخخة عززه شكل الحفرة، وتأثيرات عصف الانفجار على المباني والسيارات المحيطة بموقع الانفجار.

أعلنت اللجنة في أيلول 2006 إنجاز مقارنات كانت السلطات اللبنانية قد أنجزتها في آذار 2005

لاحقاً، بعد وصول لجنة تقصّي الحقائق، طلب رئيس قسم المباحث العلمية العميد هشام الأعور من رئيسها الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد أن يشارك خبراء من اللجنة في عملية البحث عن قطع السيارة في قعر البحر. وبحضور المحققين الدوليين، عثر غطاسون من الدفاع المدني بإشراف الشرطة القضائية على ثماني قطع ميكانيكية، قبالة منطقة الانفجار. والتقط الغطاسون صوراً للقطع (موجودة على الموقع الإلكتروني لـ«الأخبار») قبل رفعها من المكان. وبعد انتشالها، أعطيت كل واحدة منها رقماً خاصاً بالأدلة، قبل أن يعرضها محققون من مكتب المتفجرات، مع ثلاث قطع عثر عليها في مسرح الجريمة، على المهندس جوزف حداد، مسؤول فرع الصيانة في كاراج مؤسسة ديمتري ميشال عيد، الوكيل الحصري لسيارات ميتسوبيشي اليابانية في لبنان. وقد نظم حداد تقريراً يوم 17/3/2005، أكد فيه أن «جميع هذه القطع والأجزاء الميكانيكية التي دونتها وسميتها أنا شخصياً أؤكد أنها عائدة إلى بيك أب من نوع ميتسوبيشي، طراز كانتر، ديركسيون يمين، (يعمل على) المازوت». في فرع المعلومات الذي كان يرأسه العقيد فؤاد عثمان، كان ثمة مسار تحقيق آخر يتعلق بشاحنة الميتسوبيشي، منذ أن عثر على قطع السيارات العائدة لمركبة من هذا النوع. بدأ ضابط برتبة نقيب وأحد الرتباء بتحليل شريط الفيديو الذي التقطته كاميرا مصرف HSBC المقابل لمكان الانفجار، والذي يظهر تحركات السيارات على جزء من الطريق المؤدي إلى مركز الانفجار، يقدر طوله بنحو 60 متراً. ويبعد مركز الانفجار عن حدود الكاميرا نحو 50 متراً.أنقر هنا للمزيد من الصورأنقر هنا للمزيد من الصوركان التركيز في المرحلة الأولى على الساعتين السابقتين لوقوع الجريمة (الساعة 12:56:26، بحسب توقيت نظام كاميرات المصرف). حُدِّدت شاحنة من نوع ميتسوبيشي، توقفت قرب فندق سان جورج عند الساعة 11:37:04، وبقيت في المكان حتى الساعة 12:34:28. حاوية الشاحنة قصيرة، وحمولتها مغطاة بشادر رمادي اللون. وبالقرب منها، حصلت تحركات مريبة، لناحية نزول سائقها منها وتوقف سيارات بقربها واقتراب أشخاص منها قبل مغادرتها.استمر الضابط والرتيب بمراقبة الشريط، فتبين لهما مرور شاحنة ميتسوبيشي، شبيهة بالسابقة، لكن حاويتها أطول، وحمولتها مغطاة أيضاً بشادر رمادي. كانت الشاحنة تسير ببطء شديد، ودخلت منطقة تغطية الكاميرا عند الساعة 12:54:07. وقد استغرق مرور الشاحنة على الطريق التي تغطيها الكاميرا نحو 33 ثانية، بينما معدل مرور المركبات الصغيرة والمتوسطة (سيارات وشاحنات صغيرة) على المسافة ذاتها لا يتجاوز أربع ثوانٍ. وقد مرت شاحنة كبيرة محملة أطناناً من الحديد (بقيت أسابيع طويلة متوقفة في عين المريسة بعد وقوع الجريمة)، فلم يستغرق مرورها أكثر من خمس ثوانٍ. ورجح القائم بالتحقيق أن تكون الشاحنة قد انتظرت أمام فندق السان جورج نحو 40 ثانية، قبل أن يصل موكب الحريري.نتيجة لما تقدم، وضعت شاحنتا الميتسوبيشي في دائرة الشبهة. ودقق المحققون في إمكان أن تكون إحدى الشاحنتين قد استخدمت للتفجير، وأن الثانية أبقيت كاحتياط في مكان آخر كان يتوقع مرور موكب الحريري منه. وعند التحقيق في مسألة الشاحنة الأولى (القصيرة)، تبين أنها كانت محملة مواد نُقلت إلى مسبح سان جورج، وأن هذه المواد لا تثير أي شبهة، وليس لها صلة بالتفجير، وأقفل التحقيق بها عند هذا الحد. أما الشاحنة الثانية، فبقيت في دائرة الشبهة، قبل أن يصبح من شبه المؤكد لدى المحققين أنها هي التي كانت تحمل المتفجرات.في الخلاصة، كان المحققون اللبنانيون قد تمكنوا من جمع قطع ميكانيكية تعود إلى شاحنة ميتسوبيشي، مقودها على اليمين. وتقاطعت هذه المعطيات مع صور كاميرا المراقبة في المصرف. لكن هذه النتيجة كانت بحاجة إلى معطيات إضافية لتأكيدها، وخاصة أن هذه الخلاصات ووجهت بمقاومة عنيفة من قوى 14 آذار، التي كانت ترفض فكرة وجود انتحاري قاد سيارة مفخخة لتفجير نفسه بموكب الحريري، لأن هذه النظرية تضعف إمكان اتهام النظام السوري بقتل الحريري. وقد اتُّهم القائلون بهذ النظرية (السيارة المفخخة والانتحاري)، بمحاولة تضليل التحقيق.

أهملت البيانات الجمركية التي كشفت مسار شاحنة الميتسوبيشي لأكثر من عام

إلا أن هذه الاتهامات لم تثن هؤلاء المحققين عن متابعة عملهم في هذه القضية. ويومَي 24 و25 شباط 2005، طلب فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من مديرية الجمارك تزويده سجلات شاحنات الميتسوبيشي التي كانت قد أدخلت إلى لبنان في السنوات السابقة لتنفيذ الجريمة، إضافة إلى طلب سجلات هيئة إدارة السير، فضلاً عن طلب معلومات عن السيارات التي باعها وكيل ميتسوبيشي في لبنان. أضف إلى ذلك، أن رجال الأمن اللبناني كانوا قد تمكّنوا من تحديد أرقام تسلسلية عائدة إلى قطع هذه السيارة، تمهيداً لإرسالها إلى الشركة المصنعة في اليابان، لمعرفة أصل الشاحنة.وُضِع التحقيق اللبناني جانباً. وبعد تسليم شريط الميتسوبيشي إلى لجنة تقصي الحقائق، تمكنت إحدى المحطات الفضائية من الحصول عليه وعرضه، قبل أن تنشر اللجنة الخلاصات التي توصل إليها التحقيق اللبناني. وبناءً على ذلك، بدأ الشهود الزور ينسجون روايات عن مشاهدة الشاحنة داخل الأراضي السورية، وعن كيفية إدخالها من سوريا إلى لبنان.كل ما أنجزته لجنة التحقيق الدولية لاحقاً هو إرسال البيانات التي جُمعت عن قطع الشاحنة إلى اليابان، فأبلغتها السلطات اليابانية بأن الشاحنة مسروقة في كاناغاوا اليابانية في تشرين الأول 2004.أمام هذه المعطيات، بدأ التحقيق يجري بـ«المقلوب». «فبدلاً من البحث انطلاقاً من مسرح الجريمة، ركزت لجنة التحقيق الدولية على بدء العمل من اليابان»، يقول مسؤول أمني حالي، قريب من قوى 14 آذار، إذ ساد اقتناع لدى المحققين الدوليين بأن السيارة سرقت من اليابان، وأدخلت إلى لبنان بطريقة غير شرعية. وبناءً على هذا الاقتناع، أهمل المحققون الدوليون التدقيق في السجلات الرسمية اللبنانية، مفسحين في المجال أمام الاتهام السياسي، وخاصة أن الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية، الألماني ديتليف ميليس، نشر في تقريره الأول (20 تشرين الأول 2005) إفادة شاهد يقول إن الشاحنة نقلت من سوريا إلى لبنان عبر الخط العسكري يوم 21 كانون الثاني 2005، وإن ضابطاً سورياً كان يقودها.وعند هذه النقطة بالتحديد، عاد التحقيق اللبناني ليقوم بدور حاسم. ففيما كانت وسائل الإعلام اللبنانية تعلن، في بداية نيسان 2006، أن رئيس لجنة التحقيق الدولية، سيرج براميرتس زار العاصمة اليابانية، محاولاً الحصول على مساعدة من السلطات اليابانية بشأن البحث عن السيارة، بدأ ضابط برتبة ملازم أول في فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي البحث في سجلات الجمارك اللبنانية، التي كان الرئيس الأسبق لفرع المعلومات، العقيد فؤاد عثمان، قد طلب الحصول عليها يوم 24/2/2005 (بموجب كتاب يحمل الرقم 402/205 ش2). سريعاً، عثر المحقق اللبناني على سجلات الشاحنة. وفوجئ الضابط الذي اكتشف أن الشاحنة أدخلت إلى لبنان بطريقة شرعية، ومن خلال معبر رسمي في الشمال، في الشهر الأخير من عام 2004.

توصل فرع المعلومات إلى تحديد مسار الميتسوبيشي في نيسان 2006 ولم تعلنه لجنة التحقيق قبل أيلول 2007

وبناءً على إشارة المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، فتح الضابط محضراً للتحقيق في الأمر. فقد تبيّن له أن السيارة مشحونة باسم اثنين من تجار السيارات في الشمال، وأنها دخلت إلى لبنان، لتستقر في معرض للسيارات في منطقة البداوي، شمالي طرابلس. خضع أصحاب المعرض والعاملون فيه للتحقيق. وتوصل المحققون إلى تحديد هوية السائق اللبناني الذي قاد قاطرةً كانت تحمل أكثر من شاحنة صغيرة (بينها الشاحنة المشتبه فيها)، ونقلها من الإمارات العربية المتحدة إلى لبنان.حُدّد المسار. السيارة انتقلت من اليابان إلى الإمارات العربية المتحدة. ومن معرض يملكه شخص باكستاني، يدعى عبد الرحمن ك، شُحِنَت براً إلى لبنان عبر السعودية والأردن وسوريا. وهي لم تتوقف في أي من هذه الدول، باستثناء أن أحد إطارات القاطرة التي كانت تنقلها ثُقِب داخل الأراضي السورية، فتوقف السائق لإصلاحه لا أكثر.أما نقلها من اليابان إلى الإمارات، فتقوم به عصابات عالمية لسرقة السيارات، تتولى تزوير بيانات السيارات المسروقة وبيعها في الإمارات.وفي لبنان، ذكر أصحاب المعرض في محضر التحقيق معهم لدى فرع المعلومات أن السيارة بيعت في الفترة الفاصلة بين 17 كانون الثاني 2005 و26 كانون الثاني 2005 (كان الشاهد الذي ذكره ميليس في تقريره قد ادّعى أن الشاحنة عبرت منطقة المصنع يوم 21 كانون الثاني 2005)، وأن من اشتراها دفع ثمنها نقداً (نحو 12 ألف دولار أميركي)، وأنه أظهر وثائق ثبوتية باسم خالد المصري، وأن أصحاب السيارة وقّعوا له على صك بيع من دون المثول أمام الكاتب العدل. وكل ما كان يذكره أصحاب المعرض عن المشتري، بعد مضي أكثر من عام وثلاثة أشهر على حصول عملية البيع، هو أنه قصير القامة وممتلئ البنية، وأنه كان برفقة رجل آخر. ومما تذكّروه أيضاً أنه قاد الشاحنة من دون لوحات، متجهاً نحو طرابلس، بعدما أعطاهم رقم هاتفه الذي تبين لاحقاً أنه لم يكن صحيحاً، إذ إنه عائد إلى شخص لا صلة له بالعملية (حُقِّق معه طويلاً قبل التوصل إلى هذه النتيجة).وفي نهاية التحقيق، تبيّن للسلطات اللبنانية أن سائق المقطورة وأصحاب المعرض لا يتصلون بأي شكل من الأشكال بمن اشتروا الشاحنة، ولا بمن سرقوها من اليابان وتلاعبوا بمستنداتها قبل إدخالها إلى الإمارات.أنقر هنا للمزيد من الصورلاحقاً، وُضِعَت هذه المعطيات في عهدة لجنة التحقيق الدولية. وكان أداء اللجنة في الفترة اللاحقة لافتاً للنظر إلى أبعد الحدود. ففي التقرير الدوري الذي أصدرته اللجنة يوم 25 أيلول 2005، قالت اللجنة إنها حصلت على وثائق من شركة ميتسوبيشي في اليابان، ستمكنها «من تحديد أجزاء المركبة والشظايا المعدنية التي يزعم أن مصدرها شاحنة الميتسوبيشي التي وجدت في مسرح الجريمة. وعلى غرار ذلك، ينبغي أن تحدد بصورة قاطعة أجزاء المركبة التي عثر عليها في مسرح الجريمة، وذلك بمساعدة خبير خارجي، من طريق مطابقة الأجزاء مع الرسوم التقنية، ومع عناصر مماثلة وسليمة تماماً من مركبة سليمة تنتمي إلى مجموعة الإنتاج نفسها ومن ذات النوع والصنع والسنة».الأمر إذاً بحاجة إلى خبير خارجي، أي من خارج اللجنة، لمقارنة القطع الميكانيكية التي عثر عليها في مسرح الجريمة بقطع أصلية مطابقة لها. ومن يطّلع على التحقيقات الأولية التي أجرتها السلطات اللبنانية، لا يحتَج إلى كثير عناء لاكتشاف أن ما قالت اللجنة الدولية إنها ستنجزه ابتداءً من أيلول 2006، كانت القوى الأمنية اللبنانية قد أنجزته في شباط وآذار 2005.ففي ذلك الحين، حصلت القوى الأمنية اللبنانية على قطع جديدة من شركة ميتسوبيشي، مطابقة للقطع التي عثر عليها في مسرح الجريمة، وجرت المقارنة بينها للتثبت من صحة تقديرات الخبراء. وقد ثبّتت القوى الأمنية اللبنانية هذه المقارنات في محاضر رسمية قُدِّمت إلى القضاء اللبناني.الأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو ما قامت به اللجنة في تقريرها السادس. ففيما تمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في نيسان 2006 من تحديد مسار الميتسوبيشي، انتظرت لجنة التحقيق الدولية إلى حين صدور تقريرها السابع يوم 15 آذار 2007، لتعلن في الفقرة 31، أنها تلقت «مجموعة من المعلومات الجديدة» المتعلقة ﺑمسار الشاحنة. وفي الفقرة 24 من التقرير الثامن (يوم 12 تموز 2007)، أعلنت اللجنة أنها تمكنت خلال الأشهر الأربعة السابقة (آذار ونيسان وأيار وحزيران 2007) من التوصل إلى المعلومات التي كانت قد توصلت إليها السلطات اللبنانية قبل 15 شهراً، لناحية مسار الشاحنة والمكان الذي بيعت فيه!

يناقض التحقيق بشأن الشاحنة إفادات شهود الزور الذين استند إليهم ديتليف ميليس

وفسّر أمنيون لبنانيون أداء لجنة التحقيق الدولية بطريقتين: الأولى، أن اللجنة، «كعادتها منذ وصولها إلى لبنان، تتعامل بفوقية مع الأجهزة الأمنية اللبنانية. وهي لا تثق بأي معطيات كنا نقدمها إليها، رغم أن دورها هو مساعدة السلطات اللبنانية لا أكثر»، بحسب مسؤول أمني رفيع. أما التفسير الثاني، فهو أن لجنة التحقيق الدولية «كانت تريد أن تنسب أي إنجاز إلى نفسها. ومن غير المنطقي أن تعلن اللجنة أن ما توصلت إليه بعد أكثر من عامين ونصف على وقوع الجريمة، لم يكن سوى استكمال لما قام به المحققون اللبنانيون، سواء في الشهرين الأولين اللذين تليا الجريمة، أو في النصف الأول من عام 2006». ويلفت ضابط لبناني عمل في عدد من ملفات التحقيق باغتيال الحريري إلى أن المحققين الدوليين لن «يستيطعوا تبرير إهمال البيانات الجمركية التي يجب الانطلاق منها في أي تحقيق مرتبط بسيارة ما، تماماً كما الإجراء الروتيني الذي نقوم به عند دخول أي شخص إلى مخفر، إذ إن اول ما نقوم به هو طلب النشرة، للتأكد من أنه غير مطلوب للقضاء». ثم يختم الأمني اللبناني كلامه بالقول: «لكن يبدو أن ميليس فضّل الاستناد إلى إفادات الشهود، فيما فضّل براميرتس الذهاب إلى أقاصي الدنيا، اليابان، للبحث عن الشاحنة، فيما الوثائق العائدة إليها موجودة على مرمى حجر من مقر عمله».

لحظات حرجة

 

بعدما حدّد المحقّقون، من خلال شريط مصرف HSBC شاحنة الميتسوبيشي، قسموا المشاهد التي تظهر فيها الشاحنة إلى لقطات، الفارق بين كل واحدة منها ثانية واحدة. وبعد وضع تقرير تفصيلي بالمشاهدات، أحيل الملف على القضاء وعلى دوائر التحقيق الدولية. وكل ما ورد في التقارير التي أعدها محققو فرع المعلومات في آذار 2005، ورد حرفياً في التقرير الأول الذي أصدرته لجنة التحقيق الدولية في تشرين الأول 2005. وبحسب أحد المحققين، فإن الصورة التي رفعها الرئيس الأول للجنة، ديتليف ميليس، في مؤتمره الصحافي الأول، والتي تظهر فيها شاحنة من نوع ميتسوبيشي، لم تكن سوى نسخة عن الصورة التي وصلت إلى المحققين اللبنانيين من شركة ميتسوبيشي.وبخلاف السيارتين، لفتت أنظار المحققين في فرع المعلومات حركة جرت فجر يوم جريمة 14 شباط 2005. فشريط المصرف يظهر وصول شخص يرتدي زي الجيش اللبناني إلى المكان، قبل أن يضع حقيبة كان يحملها وسط الطريق، ثم يدخل إلى مبنى قيد الإنشاء مقابل فندق السان جورج، حيث قضى دقائق معدودة، ثم خرج وأخذ حقيبته ورحل باتجاه مركز الانفجار. وبعد خروجه، دخل شخص آخر إلى المبنى ذاته، وقضى دقائق معدودة، قبل أن يخرج مجدداً. المحققون شُغلوا بهذه الحركة، قبل أن يأتيهم الجواب من الجيش بأن من ظهر في الصورة هو جندي دخل لقضاء حاجته. أما الشخص الثاني، فلم يعرف أحد هويته ولا سبب دخوله إلى المبنى المذكور.

عمر نشّابة استلزم صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757 يوم 30 أيار 2007 في نيويورك اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فذلك الفصل يتيح للمجلس تخطّي السيادة اللبنانية وإلزام الجمهورية احترام مقتضيات اتفاق دولي لم يقرّه مجلس النواب اللبناني. الاتفاق الدولي الذي بني نظام المحكمة الدولية على أساسه، بقيت آخر صفحة منه من دون توقيع الى جانب عبارة «عن الجمهورية اللبنانية». رغم ذلك، أكّد القرار «دعوته إلى الاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية للحكومة اللبنانية». إحدى مغالطات نصّ القرار 1757 تكمن في المصطلحات المستخدمة، إذ إن السيادة لا تنحصر بسلطة الحكومة (دستورية كانت أو «بتراء»)، بل بالسلطات الثلاث المذكورة في الدستور. فبينما أغفل قرار مجلس الأمن موقع السلطتين التشريعية والقضائية، أشار «إلى الرسالة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة من رئيس وزراء لبنان، التي أشار فيها إلى أن الأغلبية البرلمانية أعربت عن تأييدها للمحكمة، والتمس عرض طلبه بإنشاء المحكمة الخاصة على اﻟﻤﺠلس على سبيل الاستعجال». وكأن رئيس مجلس الوزراء، وهو جزء من السلطة التنفيذية (أو الإجرائية)، مخوّل مخاطبة هيئة دولية نيابة عن «الأغلبية البرلمانية». وهنا التجاوز الفاضح لمبدأ ديموقراطي أساسي يقضي بفصل السلطات واستقلالية كلّ منها. قبل الدخول في مراجعة نقدية للنظام الأساسي للمحكمة، لا بدّ من التذكير بالربط بين قرار مجلس الأمن الرقم 1595 الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية والقرار 1757 الذي أنشأ المحكمة. إذ يرد في نصّ هذا الأخير «تبدأ المحكمة الخاصة عملها في تاريخ يحدده الأمين العام بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، مع مراعاة التقدم المحرز في أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة». يثير ذلك تساؤلات عن أسباب انطلاق عمل المحكمة في آذار 2009، بينما لا يزال المدعي العام دانيال بلمار عاجزاً عن إثبات أي تقدّم. فلقد مرّ على انطلاق المحكمة أكثر من 15 شهراً، ولم تصدر القرارات الاتهامية بعد. هل يدلّ ذلك التجاوز للقرار 1757 على تأجيل سياسي لصدور القرارات الاتهامية؟ أم أن المدعي العام الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة التحقيق ضلّل الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة عبر تأكيده إحراز تقدّم في التحقيقات، بينما مرّ عام وثلاثة أشهر وليس هناك حتى مشتبه فيهم قيد التحقيق؟ الخلل في المسار العدلي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري يذهب الى أبعد من ذلك. ويبدو أنه يتقاطع مع بعض المناورات السياسية. ننطلق من قراءة المادة الثالثة من نظام المحكمة التي تحدّد «المسؤولية الجنائية» لفهم المقصود من «تسريب» معلومات عن اتهام «أفراد غير منضبطين» من حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يُعدّ «رئيس» الحزب، و«في ما يتصل بالعلاقة بين الرئيس والمرؤوس، يتحمّل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أي من الجرائم، التي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين، نتيجة لعدم سيطرته سيطرة سليمة على هؤلاء المرؤوسين، حيث: أ) يكون الرئيس قد عرف أو تجاهل عن عمد أي معلومات تبيّن بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو هم على وشك أن يرتكبوا تلك الجرائم؛ ب) تتعلق الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس؛ ج) لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب مرؤوسيه لتلك الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والملاحقة القضائية» (المادة 3). يعني ذلك أن أي قرار يصدر عن المدعي العام، يتّهم «أفراداً غير منضبطين» من حزب الله، سيستدعي التحقيق مع الأمين العام لحزب الله وغيره من قادة الحزب. كما يمكن اعتبار ذلك الاتهام موجّهاً الى القائد الشهيد عماد مغنية، بحيث إنه كان يشغل، يوم وقوع الجريمة، مركز رئيس المجلس الجهادي في حزب الله، إذ إن نقل أكثر من طن من المتفجّرات وتوضيبها في شاحنة وتفجيرها، إضافة الى عمليات المراقبة والتنسيق والتخطيط، تحتاج الى جهود كبيرة يُستبعد أن تُبذل من دون علم «الرئيس». فهي «أنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس». (ب)، وبالتالي قد يُتّهم السيد نصر الله والشهيد الحاج عماد مغنية بعدم اتخاذهما «جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطتهما لمنع أو قمع ارتكاب مرؤوسيهما لتلك الجرائم»، بحسب المادة 3 من نظام المحكمة. المادة ١٦ تتناول «حقوق المتهم»، ومن بينها حقّ دراسة «جميع الأدلة التي تستخدم ضده خلال المحاكمة وفقاً لأحكام القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الخاصة». لكن قواعد الإجراءات والإثبات، التي أقرّت النسخة الأولى منها في 20 آذار 2009، أي بعد نحو عامين على صدور القرار 1757، تستثني حقوق المتّهم في بعض الحالات. فتذكر القاعدة 155: «تقرر غرفة الدرجة الأولى، بعد الاستماع إلى الفريقين، ما إذا كان يتعين أن تطلب من الشاهد المثول أمامها للاستجواب المضاد. ولها أن تقرر أن مصلحة العدالة ومقتضيات المحاكمة العادلة والسريعة تبرر استثنائياً قبول الإفادة أو النص المدون، كلياً أو جزئياً، بدون إجراء استجواب مضاد». وهنا كنّا قد سألنا («الأخبار»، 27/7/2010، ص 5) كيف يمكن أن تحرم غرفة الدرجة الأولى المتهم، عبر وكيله القانوني، حقّه في الاستجواب المضاد للشهود، وتكون الإجراءات عادلة؟ تنصّ الفقرة الرابعة من المادة ٢٠ على: «تكون الجلسات علنية ما لم تقرر الدائرة الابتدائية عقد الإجراءات في غرفة المذاكرة وفقاً للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات». لكن القاعدة 133 تشير الى إمكان «عقد جلسات سریة». أما القاعدة 137، فتتناول كذلك «الجلسات السرية»، فتنصّ على: «لأسباب تتعلق بالمصالح الأمنية الوطنية لدولة معينة»، يجوز لغرفة الدرجة الأولى أن تأمر «بإخراج الصحافة والجمهور من قاعة المحكمة خلال جميع الجلسات أو بعضها». إن الفوارق التي تُلحظ، بحسب ما أوردناه، بين مضمون نظام المحكمة من جهة، وقواعد الإجراءات والإثبات من جهة أخرى، تثير تساؤلات، لا بل شكوكاً في آلية العدالة الدولية في قضية اغتيال الحريري، إذ يبدو أن ما كان مطلوباً عام 2007 هو الموافقة على نظام أساسي، لكن أدخلت على ذلك النظام لاحقاً (عام 2009)، من باب قواعد الإجراءات والإثبات، استثناءات وتعديلات أقلّ ما يقال فيها أنها تستدعي المراجعة. إضافة الى ذلك، يتضمّن نظام المحكمة الأساسي أخطاءً وتناقضاً واضحاً بين الفقرة (ب) من المادة 2 والمادة 24. فجاء في نصّ الفقرة (ب) من المادة ٢ من النظام، المعنونة «القانون الجنائي الواجب التطبيق»: «المادتان ٦ و٧ من القانون اللبناني المؤرخ في ١١ كانون الثاني/ يناير ١٩٥٨ بشأن «تشديد العقوبات على العصيان والحرب الأهلية والتقاتل بين الأديان». أولاً، لا يذكر القانون اللبناني الصادر في 11-1-1958 الكلام الوارد بين مزدوجين في المادة 2 من نظام المحكمة (أي الكلام المفترض أن يكون منقولاً حرفياً من القانون). ويعدّ ذلك تلاعباً بنصّ القانون اللبناني. فالمادة 6 منه تنصّ على: «كل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة، وهو يستوجب الإعدام إذا أفضى الى موت إنسان أو هدم بنيان بعضه أو كلّه وفيه إنسان، أو إذا نتج من التخريب ولو جزئياً في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى أو التعطيل في سبل المخابرات والمواصلات والنقل». أما المادة 7، فتنصّ على: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة من أقدم على مؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة في المواد السابقة». يبدو أن المقصود في نصّ الفقرة (ب) من المادة ٢ من نظام المحكمة الدولية هو مضمون المادة الثانية من قانون 1958، التي تنصّ على «يعاقب بالإعدام على الاعتداء أو محاولة الاعتداء التي تستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلّح بعضهم ضدّ بعض، وإما بالحضّ على التقتيل والنهب والتخريب». ويكمن التناقض في عدم سماح المادة ٢٤ من نظام المحكمة الدولية بإنزال عقوبة الإعدام بالمدانين، إذ «تفرض الدائرة الابتدائية عقوبة السجن مدى الحياة أو لسنوات محددة على الشخص المدان».
يوم 12/12/2005، انفجرت سيارة مفخّخة مستهدفة موكب النائب جبران تويني، ما أدى إلى استشهاده وعدداً من مرافقيه. بدأت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تحقيقاتها في الجريمة (في المحضر الرقم 1160/302)، فتبين لها أن السيارة المفخخة هي من نوع رينو رابيد، وكان رقم هيكلها لا يزال واضحاً. طلب المحققون سجلات مديرية الجمارك، فوجدوا قيود السيارة التي تبين أنها كانت مستوردة عبر مرفأ طرابلس بداية عام 2005، ونقلت إلى معرض للسيارات في مدينة طرابلس. وفي منتصف العام نفسه (قبل نحو ستة أشهر على اغتيال تويني)، اشترى السيارة شخص مجهول لقاء مبلغ لا يزيد على 2300 دولار أميركي، طالباً نقلها بواسطة رافعة (بلاطة) إلى منطقة الدكوانة، لأنه لم يكن قد سجّلها بعد، وبالتالي، لم يكن يريد الانتقال بها من دون لوحات تسجيل. طريقة الشراء جرت وفقاً للمعتاد في لبنان، أي بواسطة صك بيع موقَّع على بياض. ويعني ذلك أن المشتري لم يكن مضطراً إلى إبراز بطاقة هوية أو أي مستندات ثبوتية أخرى.

أمّنت الرافعة (البلاطة) للمشتري، وقادها شاب يدعى بسام ش. وبحسب إفادة الأخير، فإن المشتري زوّده رقم هاتفه الخلوي، طالباً منه الاتصال به عندما يصل إلى منطقة نهر الموت. نفذ بسام المتفق عليه، فطلب منه المشتري التوجه إلى أمام فرع مصرف فرنسبنك، قرب كاليري خباز. وصل بسام إلى المكان المذكور، وانتظر دقائق عدة، قبل أن يعاود الاتصال بالمشتري الذي طلب منه ملاقاته قرب مستديرة الصالومي.وصل بسام إلى المنطقة المذكورة، فوجد المشتري منتظراً قبل المستديرة. طلب المشتري إنزال السيارة في هذا المكان، ونقد بسام أجرته. رحل بسام، وكان المشتري لا يزال واقفاً في مكانه يلوّح له بيده.كل من التقوا مشتري السيارة أفادوا بأنهم لا يعرفونه، وبأنهم لم يلتقوا به قبل ذلك اليوم أو بعده. بناءً على هذه الإفادات، بدأ فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تحقيقاته التقنية لمحاولة تحديد رقم هاتف المشتري. أجرى النقيب وسام عيد، رئيس المكتب التقني في الفرع، تحليلاً لحركة الاتصالات الهاتفية في طرابلس ونهر الموت والدكوانة وما بينهما. «خرب الدنيا» محاولاً تحديد الاتصالات التي تحدث عنها الشاهد بسام، إلا أن جهده لم يُكَلَّل بالنجاح. لم يجد عيد تفسيراً منطقياً لهذه الحادثة، وحتى اليوم لا تزال هذه الاتصالات لغزاً يصعب حله.ألغاز التحقيقات باغتيال تويني لا تقتصر على الاتصالات. ثمة ملف تحقيق مرتبط بالسيارة التي كان يملكها النائب الراحل، والتي كان يستقلها عند وقوع الجريمة. فيوم 20 كانون الأوّل 2008، نشر الزميل جان عزيز في «الأخبار» مقالاً عن سيارة تويني، قال فيه إنها كانت موضوعة بتصرف رجل أعمال لبناني مرتبط بنشاطات مافيوية في أوروبا الشرقية، وبالتحديد في بلغاريا. حينذاك، طلب ورثة تويني، عبر وكيلهم النائب بطرس حرب، من المحقق العدلي في الجريمة القاضي جورج كرم، الاستماع إلى إفادة عزيز من أجل الوقوف على ملابسات ما نشره. وترافق الطلب القضائي مع حملة إعلامية شنها عدد من كتّاب «النهار» على عزيز، اتهمه بعضهم فيها بخيانة جبران. وبعد استماع القاضي إلى إفادة عزيز، نشر الأخير في «الأخبار» مقالاً قال فيه إن الأمنيين المعنيين بالملف يعرفون ما كان قد نشره. لكن ما لم يقله عزيز في ذلك الحين هو أن ما نشره يعرفه قاضي التحقيق العدلي جيداً، وخاصة أنه مدوّن في محاضر التحقيق الرسمية التي نظمتها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وتعرفه عائلة تويني بدورها، إلا أن الأمر لا يُتداول مطلقاً، وخاصة أن السيارة لم تكن معارة، بل كانت مستأجرة!ففي تلك المحاضر التي نظمها محققو فرع المعلومات، قال عدد من الشهود (بينهم أشخاص شديدو القرب من عائلة تويني) إن سيارة النائب الراحل كانت موضوعة بتصرف شخص يدعى إميل ح، صاحب شركة معروفة لتأجير السيارات. فتويني، كان قد اشترى سيارة مصفّحة بأكثر من 300 ألف دولار أميركي، وكان كثير السفر إلى الخارج. وقد اتفق مع إميل على أن يؤجر الأخير سيارته لقاء ألف دولار أميركي يومياً، أثناء وجوده في الخارج.وخلال الأسابيع السابقة لاغتيال تويني، استأجر سيارته رجل الأعمال أ. س، الذي كان خلال الحرب الأهلية مرافقاً لرئيس حزب يميني، قبل أن ينتقل إلى أوروبا، ويتحول، بحسب أمنيين لبنانيين، إلى أحد أبرز المشاركين في حروب المافيا في بلغاريا.حينذاك، لم تستمع القوى الأمنية اللبنانية، ولا المحققون الدوليون، إلى إفادة مستأجِر سيارة تويني، لأنه «لم يكن في لبنان عندما كان التحقيق لا يزال مفتوحاً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي»، بحسب ما ذكر مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى لـ«الأخبار». لكن الرجل لم يبق خارج لبنان، إذ أكد عدد ممن يعرفونه جيداً أنهم شاهدوه في لبنان، مرة واحدة على الأقل، بعد أشهر من اغتيال تويني.تبقى إشارة لا بد منها. صاحب شركة تأجير السيارات، إميل ح، هو ذاته من كان يؤجر سيارات لـ«الشاهد» هسام هسام. وكان يكفل هسام في شركة إميل ح. موظف لبناني في لجنة التحقيق الدولية، يدعى هاني الغفري.

من المستحيل الجزم بالجهة التي كان أحمد مرعي يعمل لحسابها. من الاستخبارات الأميركية إلى نظيرتها الدنماركية فالبريطانية، قبل السورية وتنظيم القاعدة وفتح الإسلام. ومستنداً إلى هذه الخلفية، صار أحمد مرعي شاهداً في جريمة اغتيال الحريري. وما لم يدقق المحققون فيه إلى النهاية هو تحركاته يوم اغتيال الحريري، قبل الجريمة وبعدها

حسن عليق ما نشرته «الأخبار» أمس عن ملابسات اعتراف فيصل أكبر باغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم تراجعه، ليس سوى عيّنة من الأداء الأمني الذي حكم عمل أجهزة التحقيق اللبنانية والدولية في واحدة من أخطر القضايا الأمنية التي شهدها لبنان خلال العقود الماضية. ذلك الأداء مثّل الحاضنة التحقيقية للاتهام السياسي الذي رُفع يوم اغتيال الحريري، ثم وُجد له سند في إفادات شهود جاؤوا، أو جيء بهم، لإثبات التهمة المسبقة، التي أسهمت جهات سياسية وإعلامية وأمنية وقضائية في تحويلها إلى ما يشبه الحقيقة التي تنتظر بعض الأدلة لإثباتها. بعض هؤلاء الشهود سرعان ما ظهر إلى العلن، قبل أن يسلّم الرئيس الثاني للجنة التحقيق الدولية، سيرج براميرتس، القضاءَ اللبناني رأيه فيهم، يوم 8/12/2006. أضف إلى ذلك أن جهازاً أمنياً أوروبياً سلّم السلطات اللبنانية ولجنة التحقيق الدولية «دراسة صدقية» لهؤلاء الشهود، بيّنت أن أعلى معدل للصدقية حصل عليه أحدهم لم يتجاوز نسبة 2 من 10. أسماء عدد من هؤلاء باتت معروفة. من زهير الصديق إلى هسام هسام وعبد الباسط بني عودة وإبراهيم جرجورة وأكرم شكيب مراد. ورغم ثبوت عدم أهلية هؤلاء لتقديم شهادات يعتد بها، حظي معظمهم بما يشبه الحصانة التي تمنع مساءلتهم وكشف من يقف خلفهم. إلا أن سلسلة الشهود لم تقف عند هذا الحد. فبعد انكشاف من سبق ذكرهم، ظهر عدد من الشهود الجدد، كشف أمر أبرزهم، أحمد مرعي، الذي تورد «الأخبار» قصته اليوم. كما في تلك الروايات التي يصعب فيها فصل التأريخ عن الخيال، كذلك هي قصة أحمد مرعي. هو موقوف في لبنان منذ 29 أيار 2007 بتهمة الانتماء إلى تنظيم «فتح الإسلام»، قبل أن يبرز اسمه في العام التالي واحداً من «الشهود» في التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ابن منطقة وادي خالد اللبنانية في أقاصي الشمال الفقير، اعتقل للمرة الأولى ولم يكن قد تجاوز السادسة والعشرين من عمره. لكنه من الأهمية بمكان إلى حد أن قرار توقيفه صدر بعد اجتماع ضمّ اثنين من أرفع الضباط الأمنيين اللبنانيين إلى مسؤول استخباري أميركي وآخر دنماركي، بمواكبة من ضابط استخبارات بريطاني. حَصْرُ تهمة مرعي بالانتماء إلى «فتح الإسلام» فيه شيء من الظلم. فعلاقاته أوسع من أن تحصر في محضر تحقيق. من الاستخبارات الأميركية إلى السورية وبعض الأجهزة اللبنانية، وصولاً إلى الاستخبارات الدنماركية. وبين هذه وتلك، صلات وثيقة برجال أقوياء في تنظيم القاعدة. ومن أبرز ما يخطف اهتمام من يدقق في رواية مرعي، هو حركته يوم 14 شباط 2005، قبل اغتيال الحريري وبعده. المعلومات التي أدلى بها في العدد الكبير من المحاضر التي نظّمت معه لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، تبدأ من أعمال التهريب على الحدود اللبنانية السورية وسرقة السيارات، ولا تنتهي عند التواصل مع مقربين من القيادي السابق في القاعدة أبو مصعب الزرقاوي وآخرين على صلة بخلية هامبورغ المتهمة بتنفيذ عمليات 11 أيلول. له «في كل عرس قرص». ولا مبالغة في القول إن التدقيق في إفاداته التي أدلى بها لدى فرع المعلومات بحاجة إلى تخصيصه بجهاز أمني يحصر عمله في هذه المهمة. وما يصعّب فصل غثّ أقواله عن سمينها، هو تعرضه للتعذيب خلال التحقيق معه (بحسب ما يؤكد أمنيون وقضاة لبنانيون كانوا على صلة بالتحقيق، مع العلم بأن معنيين بالقضية يؤكدون أنه تعرض لضرب مبرّح لا يرقى إلى مستوى التعذيب!). تبدأ رواية أحمد مرعي من عام 2002، عندما بدأ يعمل لحساب جهاز استخبارات أميركي، من خلال السفارة الأميركية في بيروت. يقول إنه كان يزوّد الأميركيين معلومات تفصيلية عن نشاطات الإسلاميين والسلفيين والجهاديين في لبنان، وخاصة في الشمال. وقد افتتح، بأموال مشغليه الأميركيين، محلاً لبيع أجهزة الكمبيوتر وصيانتها، ليكون المحل واجهة تجارية لعمله الاستخباري. ويؤكد أن الأميركيين حافظوا على صلتهم به مخبراً مدفوع الأجر حتى يوم 7 تموز 2005 (قال إنه يذكر التاريخ لأنه يصادف عيد ميلاد ابنته). وأبرز ما زوّد الأميركيين به، هو معلومات عن شاب «برازيلي ـــــ ألماني من أصل لبناني يدعى سامر م.، يعمل في تجارة السيارات بين ألمانيا ولبنان والبرازيل». وقال مرعي للأميركيين إن سامر ناشط في تنظيم القاعدة، وإنه «كان على معرفة بمحمد عطا (المتهم بأنه الرأس التنفيذي لهجمات 11 أيلول)». ونقل مرعي عن سامر قوله إن «خالد المصري هو من وفّر منازل في هامبورغ لرمزي بن الشيبة (أوقف في باكستان في أيلول 2002، واتُّهِم بأنه صلة الوصل بين أسامة بن لادن ومجموعة 11 أيلول) بالاشتراك مع محمد عطا». (يذكر أن الاستخبارات الأميركية اختطفت في كانون الأول 2003 من مقدونيا مواطناً ألمانياً من أصل لبناني، يدعى خالد المصري، ونقلته إلى سجن سري في أفغانستان، قبل أن تعيد إطلاقه بعد نحو خمسة أشهر لعدم ثبوت أي صلات له بالمنظمات «الإرهابية». وتردد أن غيرهارد ليمان، مساعد ديتليف ميليس في لجنة التحقيق الدولية، كان بين المحققين الذين استجوبوه في أفغانستان، وهو ما نفاه ليمان).

مرعي الدنماركي

من إفادة أحمد مرعي، يبدو أنه كان يعطي كل جهاز أمني ما يهوى سماعه. ففي نيسان 2006، سافر إلى روسيا، وانتقل منها إلى أرمينيا. ومن هناك، تواصل عبر الإنترنت مع الاستخبارات الدنماركية عارضاً خدماته لتزويدها بمعلومات عن المنظمات الأصولية التي تريد مهاجمة المصالح الدنماركية، انتقاماً منها لنشر الرسوم المسيئة إلى الرسول.

مباشرة، استجابت الاستخبارات الدنماركية للعرض، وطلبت من مرعي الانتقال إلى دبي. وهناك، سهّلت له أمر الدخول ليلتقي ضابطاً دنماركياً. كانت ذاكرة الدنماركيين مثقلة بصور الهجوم الذي تعرّضت له قنصليتهم في بيروت في شباط 2006. طلبوا معلومات عن إسلاميي لبنان، وبالتحديد في الشمال. لم يبخل عليهم مرعي، فأعطاهم معلومات تفصيلية، ونفّذ لهم خدمات جعلتهم يطالبون لاحقاً الأجهزة الأمنية اللبنانية بإطلاق سراحه، بحسب ما يؤكد مسؤولون أمنيون لبنانيون. وبين من زوّد مرعي الدنماركيين بمعلومات عنهم، معظم الأسماء الرنانة، بدءاً من داعي الإسلام الشهال وكنعان ناجي وزكريا المصري، وصولاً إلى الشيخ رائد حليحل في الدنمارك، ومعظم البارزين من الذين أوقفتهم السلطات اللبنانية أو لاحقتهم ابتداءً من عام 2006، كالشيخ نبيل رحيم. وفي الأردن، تقرّب مرعي من ناشط مقرّب من أبي مصعب الزرقاوي، قبل أن يزوّد الدنماركيين، بحسب إفادته، معلومات عن أشخاص كانوا من الصف الأول في المقاومة العراقية، كأحد أعضاء مجلس شورى المجاهدين الذي تعرّف إليه في سوريا.

من الدنماركيين إلى فتح الإسلام

اعترف مرعي خلال التحقيق معه بأنه بايع أمير «فتح الإسلام» شاكر العبسي بداية عام 2007، بحضور عدد كبير من قادة التنظيم. وعقب المبايعة، تركز عمله على تهريب عدد كبير من الذين التحقوا بتنظيم العبسي، وبينهم أبرز اثنين من رجال القاعدة الذين اتصلوا بفتح الإسلام، السعودي عبد الرحمن بن عبد العزيز اليحيى (طلحة السعودي، الذي ورد في إفادة الموقوف محمد صالح الزواوي أنه رسول أيمن الظواهري إلى شاكر العبسي، وأنه دفع مبلغاً من المال للأخير وأنفق مبلغاً آخر على غير مجموعة مرتبطة بالقاعدة في لبنان) والأردني أبو الأفغان (لقبه أيضاً أبو عبد الرحمن الأفغاني). الأول، يصفه مرعي بأنه من المجاهدين الذين انتقلوا إلى أفغانستان منذ صغره، وأنه ممن بايعوا الشيخ أسامة بن لادن من دون وسيط. وبحسب مرعي، فإن طلحة هو المسؤول الأول عن جمع التبرعات في السعودية لمصلحة فتح الإسلام والقاعدة، وكان يرسل الأموال إلى أوروبا واليمن وإيران وتونس والجزائر. وقد نقله مرعي إلى سوريا في نيسان 2007، بعدما أوقف الجيش اللبناني شاباً يعرف مكان وجود السعودي. أما أبو الأفغان، فكان أميراً للقاعدة في محافظة الأنبار العراقية، قبل إصابته بجروح بالغة في معركة مع قوات الاحتلال الأميركي. وهو الذي وضع خطة لتنفيذ 30 عملية استشهادية، على حدّ قول مرعي، داخل الأراضي اللبنانية بهدف «إقامة إمارة إسلامية في الشمال، بالاشتراك بين فتح الإسلام والقاعدة وجماعة الشيخ نبيل رحيم». كذلك اقترح أبو الأفغان على بعض قيادات فتح الإسلام استقدام «قناص ماهر» من العراق، لقتل عدد من المعتصمين في وسط بيروت، بهدف خلق فتنة سُنّية ـــــ شيعية. ومن الشقة التي استأجرها أحمد مرعي في شارع المئتين في طرابلس، اندلعت شرارة المعارك بين الجيش وفتح الإسلام في مخيم نهر البارد ليل 19ـــــ20 أيار 2007. وقبل 5 أسابيع على ذلك، أراد الجيش اللبناني دهم الشقة بحثاً عن أحمد مرعي الذي كان يستخدم أكثر من اسم مستعار: طوني، عباس خليل، رامي الحسن، علي ديوب، عياش والطويل. كان أبو الأفغان موجوداً في الشقة. لكن أحمد مرعي، بحسب إفادته، اتصل بمشغله الدنماركي طالباً التوسط لدى المؤسسة العسكرية لوقف عملية الدهم. يضيف مرعي أن الدنماركيين اتصلوا بمسؤول أمني لبناني كبير، ووعدوه بأن يصبح مرعي عين الأجهزة اللبنانية داخل تنظيم «فتح الإسلام». وبناءً على ذلك، فُكَّ الطوق الأمني عن الشقة التي عادت لتشهد موت مجموعة بدأت معها معارك نهر البارد. أما أبو الأفغان، فغادر لبنان «الذي لا يشبه بلاد الرافدين».أرادت اجهزة استخبارات غربية توقيف منفذي تفجيرات فردان وعاليه والاشرفية (أرشيف) وفيما يؤكد مرعي أنه كان يفضّل القاعدة على الدنماركيين، فإنه يقرّ في مكان آخر من إفادته بأنه زوّد مشغّله الدنماركي صورتين شمسيتين لكل من طلحة وأبو الأفغان. إضافة إلى ذلك، كان مرعي قد أسهم في نقل كمية كبيرة من المتفجرات الشديدة العصف من سوريا إلى لبنان، قبل أن يبلغ الدنماركيين بمكان وجودها. الاتصالات الأمنيّة لمرعي نشطت يوم اندلاع معارك نهر البارد. فحينذاك، أجرى سلسلة من الاتصالات بالدنماركيين، وبالعميد في الاستخبارات السورية جودت الحسن. ولعلاقة مرعي بالعميد جودت الحسن قصة طويلة. يقول أحد الأمنيين إن مرعي زار العميد الحسن خلال حرب تموز 2006، معرّفاً نفسه باسم عباس خليل، وبأنه رجل أعمال من جنوب لبنان. استقبله الحسن، قبل أن تتوطد العلاقة بين مرعي وابنة الحسن، مبدياً رغبته في الزواج بها. وعندما اندلعت الاشتباكات بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام، كان مرعي داخل الأراضي السورية. وقد حاولت الاستخبارات السورية استدراجه عبر جودت الحسن، إلا أنه تمكّن من الفرار بعدما استشعر الخطر، بحسب ما يقول في إفادته. لم يقتصر تواصله على مشغّله الدنماركي والعميد السوري، إذ عرضت قناة الجديد قبل أكثر من عام تسجيلات لعدد من المكالمات الهاتفية التي جرت بين مرعي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، خلال الساعات الأولى لعملية الدهم في شارع المئتين. وكان مرعي يطلب من ريفي تخفيف الطوق عن مجموعة «فتح الإسلام» المحاصرة في شارع المئتين، إلا أن ريفي لم يستجب. لكنّ دور أحمد مرعي لم ينته عند هذا الحد. ففي الأيام الأولى لمعارك نهر البارد، اتصل بضباط من الاستخبارات الأميركية والدنماركية والبريطانية (وهذا ما يؤكد مسؤولون أمنيون لبنانيون صحته). وقد زوّده الأميركي والدنماركي بطاقات هاتف خلوي من أجل تسليمها إلى أمير فتح الإسلام في مخيم عين الحلوة، عبد الرحمن عوض، بهدف التنصّت على الأخير. وحاول هؤلاء الضباط استغلال مرعي لتمكين القوى الأمنية اللبنانية من القبض على المجموعة التابعة لعوض، التي تتهم بأنها نفذت تفجيرات في الأشرفية وفردان وعاليه. وقد استأجر الدنماركيون له غرفة في فندق بارك تاور في الأشرفية.جواز سفر مرعي وختم الامن العام يوم 14 شباط 2005 وفي اجتماع ضمّ ضباطاً لبنانيين ودنماركيين وأميركيين وبريطانيين، كان الضباط الأجانب ينصحون بترك أحمد مرعي طليقاً، لاستثمار معلوماته في المعركة ضد فتح الإسلام. لكنّ الجانب اللبناني أصرّ على توقيفه. وبعدما كانت مجموعة أمنية لبنانية قد رصدت اتصالاته في الفندق المذكور، حدد لهم الضابط الدنماركي رقم الغرفة التي ينزل فيها مرعي (307)، فأوقفته دورية من فرع المعلومات بمؤازرة دورية من فرع المكافحة في استخبارات الجيش اللبناني. وبعد توقيفه، أدلى مرعي بإفادة عن عملية اغتيال الوزير بيار الجميل، قال فيها إن مجموعة مؤلفة من ناشطين انضموا لاحقاً إلى تنظيم «فتح الإسلام» نفذوا عملية الاغتيال. روى مرعي تفاصيل دقيقة، أوحت لعدد من الأمنيين المشرفين على التحقيق بأنه كان أحد المشاركين في العملية. لكن اللافت في رواية مرعي أنها منقولة عن أبو ريتاج، الذي قتل في معارك نهر البارد. وجميع الذين قال مرعي إن أبو ريتاج أخبره بتفاصيل مشاركتهم في اغتيال الجميّل، قتلوا في المعارك أيضاً، وخاصة في اشتباكات اليوم الأول. ويقول مسؤولون أمنيون لبنانيون إن أي دليل حسي لم يؤكد رواية مرعي، رغم وجود بعض الأدلة الظرفية التي توجب التوقف عندها (قوله إن واحدة من سيارتَي مجموعة الاغتيال اصطدمت بسيارة في منطقة الحازمية بعد أقل من نصف ساعة على حصول الجريمة، وهو ما تطابق مع محضر لقوى الأمن الداخلي كان قد ادّعى فيه أحد المواطنين أن سيارة رباعية الدفع صدمت سيارته في المنطقة ذاتها وبالتاريخ ذاته، وفي توقيت مطابق تقريباً لما ذكره مرعي!). إفادات مرعي متنوّعة ولا تقف عند حدود الاغتيالات. ففي إحدى جلسات التحقيق، قال إن القناصين الذين كانوا يطلقون النار يوم أحداث الجامعة العربية (25 كانون الثاني 2007) ينتمون إلى فتح الإسلام، مسمّياً عدداً منهم، أبرزهم أبو يزن وأبو الشهيد. قبل ذلك، تحدّث مرعي عن اثنين من أفراد فتح الإسلام كانوا يتحركون في محيط مطار بيروت يوم وصول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت خلال حرب تموز 2006. وبحسب مرعي، فإنهما أرادا استهداف طائرة موسى بصاروخ!

مرعي واغتيال الحريري

في المحصلة، يصعب أن تجد أمنياً لبنانياً يجزم بالجهة التي كان مرعي مخلصاً لها. وفي ظل الصداع الذي تخلفه قراءة إفادته، خرج أحمد مرعي ليقول إنه يملك معلومات عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري. حصل ذلك في منتصف عام 2008. تحدّث مرعي أمام المحقق العدلي القاضي صقر صقر عن معلومات يملكها تثبت تورّط اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج في اغتيال الحريري. حاولت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي استغلال الأمر لنقل السيّد والحاج من سجن

رومية إلى قصر العدل في بيروت وهما مقيّدا الأيدي. لكنهما رفضا أن يكبّل رجال الأمن أيديهما، ولم يواجها أحمد مرعي أمام القاضي صقر، لأن من واجب قاضي التحقيق «التحقق من صدقية ما زوّده به الشاهد قبل الانتقال إلى إجراء مقابلة بينه وبين الموقوف». إفادة مرعي عن اغتيال الحريري كانت مبنية على علاقته بضباط من الاستخبارات السورية، إذ ذكر فيها أن اجتماعاً بين العماد آصف شوكت واللواءين جميل السيّد وعلي الحاج خُطِّط فيه لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأنه اطّلع على جزء من هذه الرواية من خلال صلاته بضباط من الاستخبارات السورية. وقال مرعي إن أحد هؤلاء الضباط كلّفه مراقبة منطقة السان جورج صبيحة اغتيال الحريري، يوم 14 شباط 2005. تلك الإفادة لم تكن بنت ساعتها. فبعد توقيفه (عام 2007، وقبل عام من تحوله إلى شاهد في قضية الحريري)، تبيّن لمحققي فرع المعلومات أن بيانات الهاتف الخلوي تشير إلى أن أحمد مرعي كان موجوداً في منطقة السان جورج صباح 14 شباط 2005، قبل ارتكاب الجريمة. كذلك سُجّل حضوره في المكان بعد ظهر اليوم ذاته. وعندما سئل مرعي عن هذا الأمر روى روايتين. في الأولى، قال إنه كان قد افتتح في بداية عام 2005 محلاً لبيع «السبحات» والأحجار الكريمة في منطقة الحمرا، وإنه كان يوم الجريمة آتياً من منطقة الشمال إلى المحل، فمرّ في منطقة عين المريسة. أما وجوده في مكان الجريمة بعد الاغتيال، فأعاده إلى أنه أحضر سيدتين من أفراد عائلته إلى مسرح الجريمة بهدف «الفرجة». أما الرواية الثانية التي أدلى بها، فيقول فيها إن ضابطاً من الاستخبارات السورية، يدعى فارس عصورة، كلفه بالذهاب إلى منطقة السان جورج صباح 14 شباط 2005 ورصد المنطقة. في المرحلة الأولى من التحقيق، لم يُدقَّق في أي من روايتيه. لكن المفاجأة الثانية في قصة أحمد مرعي، أتت من جواز سفره اللبناني (يحمل الرقم RL0030035، صادر يوم 6 آذار 2003). في الصفحة 44 منه، خَتْم للأمن العام اللبناني، أسود اللون. إنه ختم مغادرة مطار رفيق الحريري الدولي، ويحمل تاريخ 14 شباط 2005! أما العودة، فيوم 18 شباط 2005. وكانت وجهته مطار دبي الدولي. ليست الصدفة في تاريخ الرحلة وحسب، بل تتعداه إلى الرحلة نفسها. فقد غادر مرعي بيروت على متن الطائرة ذاتها التي استقلّها «الحجاج الأوستراليون». ولمن لا يذكر هؤلاء، فهم الذين غادروا بيروت من دون أمتعة بعد اغتيال الحريري، متوجهين إلى دبي، ومنها إلى أوستراليا. وحينذاك، وردت رسالة من الشرطة الأوسترالية تقول إن مقعد أحدهم (في الطائرة التي استقلوها من الإمارات إلى أوستراليا) يحمل آثار متفجرات. وبعدما طلبت السلطات اللبنانية التوسع في التحقيق، وردتها رسالة مناقضة من الشرطة الأوسترالية، فأُقفِل التحقيق في هذا المسار. أما أحمد مرعي، فعندما سأله محقّقو فرع المعلومات عن سبب سفره يوم الجريمة إلى الإمارات، أجاب بأن ثمة رجلاً إماراتياً أراد شراء «سبحة» ماسية بمئات آلاف الدولارات، فقصد الإمارات لإتمام عملية البيع. وبالنسبة إلى الحجاج الأوستراليين، فقد «كان اللقاء بهم على الطائرة ذاتها محض صدفة». غداً: الشاهد الملك

رعاية خاصة داخل مركز توقيف

يؤكد أحد المعنيين بالتحقيقات مع شهود الزور أن أحمد مرعي سجّل في مكان توقيفه داخل سجن رومية رسالةً صوتيةً يقول فيها إن اثنين من ضباط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أقنعاه بالإدلاء بشهادة زور لدى سلطات التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويقول المصدر إن مرعي، دون غيره من اللبنانيين الموقوفين بتهمة الانتماء إلى فتح الإسلام والقاعدة، كان موقوفاً داخل المبنى الخاضع لسلطة فرع المعلومات في سجن رومية. وفي المبنى ذاته، كانت السلطات اللبنانية قد اعتقلت الضباط الأربعة (اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج، والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان) والأخوين أحمد ومحمود عبد العال ومصطفى مستو وأيمن طربيه. والستة الأخيرون هم الذين أبقوا رهن التحقيق في قضية اغتيال الحريري، من دون تقديم أي دليل قانوني لاتهامهم، علماً بأن مستو وطربيه كانا قد باعا خطوطاً خلوية قبل أسابيع من وقوع الجريمة، وبالطريقة التي كان يتّبعها جزء كبير من تجار الهاتف الخلوي، أي من دون وثائق ثبوتية رسمية، وهي الطريقة التي لا يزال بعض التجار يعتمدونها حتى اليوم. تضيف مصادر متعددة أن أحمد مرعي كان يحظى بـ«رعاية خاصة داخل مركز توقيفه، إذ كان بإمكانه الخروج من زنزانته ساعة يشاء، وإجراء اتصالات هاتفية بعلم سجّانيه».

إنه نجم النجوم، زهير محمد الصديق، الشاهد الذي أدلى بإفادة مطابقة للاتهام السياسي الذي رفع في اللحظة التالية لاغتيال الحريري. حصانته أقوى من أن يُسمح لأي سلطة بالمسّ به، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمحاولة كشف من يرعاه ويقف خلفه ويحميه. وأبرز ما في قصته، هو مسار التحقيق الذي نُسِج حول إفادته، حيث التحقيق يخدم الشاهد لا العكس

من الاحتجاجات اللاحقة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري (أرشيف ــ هيثم الموسوي)

حسن عليق يوم 20 تشرين الأول 2005، صدر التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية التي كان يرأسها القاضي الألماني ديتليف ميليس. في ذلك التقرير، أوحى ميليس أنه اقترب من كشف المتورطين باغتيال الرئيس رفيق الحريري. بدا واثقاً من النتيجة التي توصل إليها. كيف لا، وهو الذي يحمل بين يديه ورقة يقرّ كاتبها بأنه أحد الذين شاركوا «في مرحلة التخطيط المباشر التي سبقت الاغتيال»، بحسب ما ورد حرفياً في الفقرة 112 من التقرير. صاحب هذه الإفادة هو زهير محمد الصدّيق، الشخص الذي حمل يوماً لقب الشاهد الملك، ويكاد يكون الشخص الأكثر إثارة للجدل في ملف التحقيق باغتيال الحريري. ورغم أن التحقيقين اللبناني والدولي أثبتا أن ما ذكره الصدّيق هو محض تلفيق، فإن الرجل لا يزال حتى اليوم يحظى بمظلة تقيه المساءلة القضائية، رغم أن إفادته سبّبت إضراراً بالتحقيق أولاً، وبأشخاص سجنوا لفترات طويلة ثانياً. في إفادته التي أدلى بها في إسبانيا، حيث كان يقيم في فندق بلازا سويتس في منطقة بورتو بانوس بمرابيا (كان الفندق مملوكاً من رفعت الأسد)، قال الصدّيق إن الضباط اللبنانيين الأربعة (اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار)، إضافة إلى العميدين السوريين عبد الكريم عباس وظافر يوسف، عقدوا اجتماعات في منزله بخلدة، ولاحقاً في شقة يملكها رجل أعمال لبناني اسمه مالك المحمد في شارع معوض في الضاحية الجنوبية لبيروت، من أجل الإعداد لتنفيذ الجريمة، وذلك بناءً على قرار اتخذته القيادة السورية كما أفاد الصدّيق، الذي أضاف أسماء آخرين، بينهم العماد آصف شوكت والنائب السابق ناصر قنديل. وحدد الصدّيق توقيت الاجتماعات بأنها جرت في الفترة ما بين تموز 2004 وبداية عام 2005. إفادة الصدّيق كانت شاملة، واستحق معها لقب الشاهد الملك. فإضافة إلى حضوره اجتماعات التخطيط للجريمة، قال إنه شاهد شاحنة الميتسوبيشي التي استخدمت لاغتيال الحريري في معسكر الزبداني داخل الأراضي السورية، عندما كان عسكريون سوريون يجهزونها بكمية كبيرة من المتفجرات. ولم تقتصر مشاهداته على ذلك، بل إنه ذكر في إفادته أنه رأى بأمّ عينيه، في المعسكر ذاته، أحمد أبو عدس. في الخلاصة، كانت الشهادة كافية لاتهام سوريا بتنفيذ الجريمة، ولإصدار قرار بتوقيف الضباط اللبنانيين الأربعة. ولإضفاء الصدقية على كلامه، وقّع الشاهد إفادة خطية يقول فيها إنه أحد المشاركين في التخطيط للجريمة. استندت إفادة الصدّيق إلى معرفته اللصيقة بالضابطين السوريين عبد الكريم عباس وظافر يوسف، وخاصة أنه ادعى أنه ضابط في الاستخبارات السورية. لكن عارفيه اللبنانيين، وبينهم ضباط من القيادة الحالية لفرع المعلومات، يؤكدون أنه كان يعمل سائقاً (بشكل غير رسمي) للعميد السوري عبد الكريم عباس، منذ أن تقرب من الأخير الذي ساعده على تخطي مشاكل قانونية في سوريا ناتجة من فراره من الخدمة العسكرية. هو مجنّد فارّ من الجيش السوري، وليس رائداً في الاستخبارات العسكرية. حتى تموز 2004 كان عباس ويوسف يتابعان دورة أركان في لبنان، مع عدد من زملائهم السوريين، وفقاً لما هو متبع بين الجيشين اللبناني والسوري. وقد سكن الضابطان، عباس ويوسف، في الشقة التي تحدث عنها الصدّيق، الكائنة في شارع معوض. وقد استفادا من كون صاحب الشقة على علاقة قوية وشخصية بالضابط السوري جامع جامع الذي كان يخدم في لبنان. وكان الصدّيق يتولى الخدمات العامة والخاصة بالضابط عباس، ومن بينها متابعة علاج ابنه من مرض في الكلى، في مستشفى الساحل الواقع في محلة الغبيري.

لكن الضابطين غادرا الشقة المذكورة في حزيران 2004، ولم يعودا إليها. وقد ثبت ذلك في التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات ولجنة التحقيق الدولية. فهذا ما أكده الشهود، وهو ما أثبتته سجلات وزارة الدفاع اللبنانية (تاريخ تخرج الضابطين من دورة الأركان وصوَر حفل التخرج)، وكذلك بينت سجلات مستشفى الساحل وإفادات العاملين فيها، إضافة إلى رسالة الشكر التي وجهها الضابطان إلى مالك المحمد وزوجته في تموز 2004، والتي كان المحمد لا يزال يحتفظ بها. وأبرز ما ظهر في التحقيقات أن الفحوص المخبرية المعمّقة التي أجرتها لجنة التحقيق الدولية لم تظهر أي أثر لوجود الضباط اللبنانيين الأربعة في شقة معوض. وفي نيسان 2006، كشف المحققون اللبنانيون في فرع المعلومات أن شاحنة الميتسوبيشي التي استخدمت لاغتيال الحريري بيعت في معرض للسيارات قرب طرابلس، ما تناقض مع التوقيت الذي كان الصدّيق قد قال إنه شاهدها فيه خلف أسوار معسكر الزبداني في سوريا. وفي فرع المعلومات في بيروت، كان غير محقق قد أكد لقيادة الفرع الذي كان يقوده المقدم سمير شحادة ويشرف على عمله المقدم وسام الحسن، أن الصدّيق غير صادق، وأن له سجلاً إجرامياً يضعف صدقيّته. وثمة من المحققين الذين تحدثوا لـ«الأخبار» من أكد أن شحادة والحسن كانا مقتنعين، على الأقل حتى نهاية عام 2005، بأن الصدّيق يقول الحقيقة. ووصل الأمر بشحادة إلى حد أنه طلب من أحد المحققين عدم تدوين إفادات شهود في محاضر رسمية، لأن إفاداتهم تدحض كلام الصدّيق. ففي إحدى المرات، أخذت إفادات عدد من الشهود في منطقة معوض. وأكد جميعهم أن العميدين السوريين لم يترددا إلى شقة مالك المحمد في النصف الثاني من عام 2004. وحده فتى صغير السن قال إنه يعتقد أنه رآهما قبل رأس السنة. فقال المقدم سمير شحادة لأحد المحققين: دَوِّن إفادة الفتى وأهمِل الإفادات الأخرى، إنهم يكذبون. لكن المحقق أصر على تدوين كل الإفادات. وفي السياق ذاته، استدعى فرع المعلومات أحد الموظفين في مستشفى الساحل. كان شحادة يريد الاستماع إلى إفادته. عندما وصل الموظف، تعمّد شحادة تركه ينتظر أكثر من خمس ساعات. وعندما استمع إلى إفادته، أكد الموظف أن ابن العميد عبد الكريم عباس لم يدخل المستشفى في النصف الثاني من عام 2004. لكن عدداً من العاملين في فرع المعلومات فوجئوا بالمقدم شحادة يقول لهم: إنه يكذب. ربما زوّر السجلات بناءً على طلب الاستخبارات السورية. أضف إلى ذلك أن مالك المحمد ووجه بإفادة الصدّيق خلال التحقيق معه في فرع المعلومات وأمام لجنة التحقيق الدولية. وعندما كان ينفي ما أورده الصدّيق، بالأدلة الحسية أحياناً (ككتاب الشكر مثلاً)، كان المحققون يصدّقون إفادة الصدّيق ويكذّبون المحمد، الى أن قيل له في إحدى الجلسات: «سنوفر لك ولعائلتك الحماية لقاء الشهادة ضد الضباط السوريين واللبنانيين». وقد أدى هذا السلوك التحقيقي إلى توقيف المحمد في عدد من السجون اللبنانية مدة تجاوزت ستة أشهر. وفي إحدى المرات استدعيت زوجته إلى التحقيق ضمن مسلسل الضغط عليه، وتعرّضت لترهيب يقول المحمد إنه أدى إلى وفاتها.

وجهة وحيدة للتحقيق

في الخلاصة، كان المسؤولون الأمنيون الذين يشرفون على التحقيق باغتيال الحريري، وخاصة في فرع المعلومات، مقتنعين بأن الصدّيق يقول الحقيقة، وأن سوريا هي التي نفذت جريمة اغتيال الحريري. والأمر لا يستند بالضرورة إلى نتائج تحقيقية. بل هي في معظمها اقتناعات مسبقة. ويروي أحد الأمنيين الذين كانوا قريبين من سمير شحادة حواراً جرى بينه وبين الأخير، مباشرة عقب محاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق. لم يكن المحققون قد تمكنوا بعد من جمع أي معلومات تفيد التحقيق. كانوا لا يزالون في بداية عملهم. في الحوار بينهما، كان الأمنيّان يضعان احتمالات عن الجهات التي قد تكون متورطة بالاغتيال. مباشرة، قال سمير شحادة إنها سوريا. ردّ الأمني الآخر بالقول: لماذا لا نفتح الاحتمالات؟ أليس من الأفضل أن نقول إن احتمال أن تكون الاستخبارات السورية قد نفذت الجريمة لا يزيد على 50 في المئة؟ أضاف الأمني: ما أقوله نابع من المعطيات الأولية المرتبطة بمكان حصول الجريمة وضرورة أن يكون منفذها عارفاً بالمنطقة، وأن يتمكن من التحرك فيها بحرية. ويختم الأمني روايته لـ«الأخبار»: عندما قلت ذلك، انتفض شحادة وقال لي: «ما في غيرهم إخوات (....) السوريين». في الواقع، لم يكن سمير شحادة وحده الذي يحمل هذا الاقتناع. فوسام الحسن ومن خلفه السواد الأعظم من فريقه السياسي كان يحمّل سوريا مسؤولية كل الشرور التي تقع في البلاد. ولم يكن أي من هؤلاء يقبل النقاش في هذا الأمر. وعندما كانوا يُسألون عن الدليل، كانوا يجيبون بأن لديهم معلومات لا يمكنهم الإفصاح عنها حالياً، لأن ذلك سيضر بسير التحقيقات. وفي أحسن الأحوال، كانوا يتحدثون عن وجود معلومات في عهدة لجنة التحقيق الدولية لا يعرفون مضمونها، لكنهم على يقين من أنها تثبت التورط السوري.

الصدّيق بين الحسن وسلمان

ويؤكد عدد من العاملين في فرع المعلومات أن العقيد وسام الحسن، الذي لم تكن لديه في ذلك الحين صفة رسمية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي (استقال عندما خرج الرئيس رفيق الحريري من الحكم نهاية عام 2004، وعاد عن استقالته بعد وصول اللواء أشرف ريفي إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي) كان يتابع، شخصياً، التحقيقات في المسار المبني على إفادة الصدّيق. وفي إحدى مراحل التحقيق مع مالك المحمد، كان الحسن يتصل هاتفياً بالصدّيق (الموجود في فرنسا) لطرح أسئلة عليه تتعلق بإفادة مالك المحمد، بحسب ما يؤكد محققون تحدثوا لـ«الأخبار». ففي إحدى المرات، طلب الحسن من المؤهل ع.ب. شراء بطاقة هاتف خلوي مسبقة الدفع، واستخدمها للتحدث مباشرة مع الصدّيق، وطرح أسئلة عليه مستقاة من إفادة مالك المحمد.

وللحسن صلة بقضية زهير محمد الصدّيق تعود إلى أيلول 2005. ففي السادس والعشرين من ذلك الشهر، استمعت لجنة التحقيق الدولية إلى إفادة الصدّيق. وكان الحسن حاضراً في جلسة الاستماع. وقد عقد المحققون الدوليون جلسات عدة مع الصدّيق ابتداءً من السادس والعشرين من أيلول. وفي اليوم التالي، كتب الصدّيق إقراراً بمشاركته في التحضيرات المباشرة لاغتيال الحريري. وقد وقّع الحسن على إفادة الصدّيق. ومنذ ذلك الحين، تُوجه إلى الحسن تهمة المشاركة في تلفيق الإفادة. ولا يقنِع مطلقي التهمة تأكيد اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن أن الأخير شارك كمترجم بين الصدّيق والمحققين الدوليين، بناءً على طلب من لجنة التحقيق الدولية التي كانت تعاني نقصاً في المترجمين، بعدما استغنت اللجنة عن خدمات عدد منهم بسبب الشك في تسريبهم مضمون التحقيق، فضلاً عن مغادرة بعضهم طوعاً. يضيف المسؤولون المعنيون في المديرية قائلين إن الصدّيق كان يعيش في فرنسا تحت رعاية مباشرة من لجنة التحقيق الدولية، «وكان يتولى هذه الرعاية بصورة مباشرة، معن سلمان»، المحقق اللبناني الأصل في لجنة التحقيق الدولية، الذي لا يزال يمارس وظيفته ضمن فريق التحقيق التابع لمكتب المدعي العام الدولي. عودة إلى الحلقة ذاتها. فمعن سلمان مقرب من سياسيين لبنانيين، حتى إن تقريراً ورد إلى زعيم إحدى الطوائف عن أن سلمان كان على صلة بالوزير مروان حمادة ويضعه في الأجواء أولاً بأول. وهو أمر ينفيه حمادة، من دون أن ينفي تماماً معرفته بالمحقق. كذلك كانت لسلمان علاقة ببعض من وردت أسماؤهم في قضايا شهود الزور التي ظهرت إلى العلن، كهسام هسام وإبراهيم جرجورة. ويؤكد المعنيون في القيادة الحالية لفرع المعلومات أنهم، في النصف الأول من عام 2006، رفعوا مذكرة خطية إلى المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وإلى لجنة التحقيق الدولية يؤكدون فيها أن الصدّيق شخص فاقد للصدقية. لكن بعض المتضررين من إفادة الصدّيق يؤكدون أن الأخير كان يحظى برعاية مباشرة من الفريق الأمني والمالي لآل الحريري. يتحدثون عن شخصيتين رئيسيتين في هذا المجال، العقيد وسام الحسن والموظف في فريق الحريري الإداري عدنان البابا، الذي ورد اسمه في العديد من التقارير والمواقف، لكنه لم يعلق على الأمر نهائياً، رغم أن مقربين منه ينفون ذلك قطعاً. ويسأل أحد المعنيين مباشرة بقضية الصدّيق: «ليفسروا لنا لماذا كان الصدّيق يستأجر السيارات من مكتب في الدائرة العاشرة في باريس، يملكه شخص مصري يدعى أ.ع. والأخير هو المزود الرئيسي لآل الحريري بالسيارات في فرنسا. والهاتف الذي استخدمه الصدّيق قدم من الشخص نفسه، حتى إن رقم الهاتف كان قد استخدمه موظف يعمل عند الحريري، وإن هذا الموظف هو مَن كان يدفع بدل إيجار سيارات الصدّيق». في النهاية، أثبتت الإفادات والفحوص المخبرية والتحليلات عدم صحة إفادة زهير الصدّيق. لكن الجميع ينفضون يدهم منه. في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يقول مسؤول معنيّ بالقضية إن التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات عام 2005 في ما أدلى به الصدّيق جرت «بناءً على طلب من لجنة التحقيق الدولية وبإشارة من النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وباستنابات قضائية صادرة عن المحقق العدلي القاضي الياس عيد. وبالتالي، اقتصر دورنا على الجانب التنفيذي». في المحصلة، يتقاذف المعنيون المسؤولية عن الأداء التحقيقي الذي أرسته إفادة زهير الصدّيق. وثمة محاولة اليوم للقول إن ما قام به الرجل لم يكن نابعاً إلا من قرار شخصي يقصد من خلاله الرجل الانتقام من القيادة السورية، إضافة إلى رغبته في تحقيق مجد شخصي زائف.

الحماية الدولية

لكن هذا القول يناقض واقع «الحماية الدولية» التي يحظى بها الصدّيق، والتي تحول دون مساءلته، إضافة إلى الرعاية المالية التي تُغدَق عليه حيث يصل ويقيم. وعند الحديث عن الحصانة، لا بد من العودة إلى عام 2005، وبالتحديد إلى يوم 13 تشرين الأول. ففي ذلك اليوم، بناءً على اقتراح لجنة التحقيق الدولية، ادعى المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا على الصدّيق بجرم المشاركة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأحال الادعاء على المحقق العدلي القاضي الياس عيد، الذي أصدر مذكرة توقيف غيابية، سرعان ما تحولت إلى مذكرة توقيف دولية. وإنفاذاً لها، أوقفت السلطات الفرنسية الصدّيق يوم 16 تشرين الأول 2005، بعدما تقدمت السلطات اللبنانية بطلب لاسترداده. لكن السلطات الفرنسية، وبالتحديد محكمة استئناف فرساي، رفضت الطلب يوم 24 شباط 2006، معللة قرارها بغياب الضمانات التي تحول دون تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الصدّيق. بعد ذلك، أطلقت السلطات الفرنسية سراح الصدّيق، ليبقى في عهدة لجنة التحقيق الدولية. لكن من كان يوفر الحماية له هو الجهاز ذاته الذي يوفر حماية كبار الشخصيات الفرنسية. ورغم أن رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وقّع يوم 27/7/2006، تعهداً بمنح الصدّيق عفواً خاصاً في حال الحكم عليه بالإعدام، إلا أن السلطات الفرنسية بقيت ترفض نقل المدعى عليه إلى لبنان. لكن ما تغير بعد خروج الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك من الحكم هو نقل الصدّيق من عهدة جهاز حماية كبار الشخصيات الفرنسية (RAID) إلى جهاز حماية تابع للشرطة الفرنسية (CRS). وفي آذار 2008، اختفى الصدّيق من فرنسا، ليظهر في ما بعد في الإمارات العربية المتحدة، حيث أوقفته السلطات في نيسان من العام نفسه، بتهمة حيازة جواز سفر تشيكي مزوّر استخدمه لدخول البلاد.

الصدّيق يتحول إلى سامي السيد

مرة جديدة، تظهر الحماية التي يتمتع بها الرجل. فبحسب المعلومات الموثقة التي حصلت عليها «الأخبار»، انتقل الرجل من فرنسا إلى المغرب يوم 11/3/2008، مستخدماً جواز سفر تشيكياً (رقمه 3664380) يحمل صورته الشمسية واسم «سامي السيد». بعد أربعة أيام، غادر المغرب قاصداً الإمارات. وصل إلى مطار أبو ظبي يوم 15 آذار (بحسب الختم الموجود على الصفحة العاشرة من جواز السفر). حينذاك، أكدت السلطات الفرنسية مغادرته الأراضي الفرنسية، من دون أن تكشف الوجهة. وما لم تكشفه أيضاً هو أن شخصين فرنسيين يعملان لحساب جهاز أمني رسمي في بلادهما كانا برفقة الصدّيق. والشابان يحملان جوازي سفر باسمي «سيدي محمد ماريف» و«طارق دريوش». وفي مصادفة لافتة، ظهر الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال يوم 18 آذار 2008 ليوجه انتقادات قاسية إلى خلفه سيرج براميرتس، معلناً أن الصدّيق لا يزال يمثّل ركيزة أساسية لأي تحقيق في اغتيال الحريري! من أبو ظبي، انتقل الصدّيق إلى إمارة الشارقة، ونزل في جناح أحد الفنادق، حيث كانت زوجته وأولاده بانتظاره. في اليوم ذاته، استأجر ثلاث سيارات، وضع اثنتين منها بتصرف مرافقيه الفرنسيين اللذين مكثا في الإمارات أسبوعاً واحداً فقط. وبعد رحيلهما، خصّته السفارة المصرية في الإمارات بمرافق يدعى إسماعيل ع.ي. وقال الصدّيق إنه تمكن من التوسط لدى السلطات المصرية لإحضار زوجة إسماعيل وأولاده من مصر إلى الإمارات. تبدلت ملامح الصدّيق بعض الشيء. غيّر تسريحة شعره الشهيرة، وأطلق «سكسوكة خفيفة»، وبدت على وجهه زيادة الوزن. في الإمارات، لم يلتزم الشاهد الملك الصمت طويلاً. في الفترة الأولى، ادّعى أمام مقربين منه أنه تاجر كبير، وأنه من عائلةٍ صادَرَ النظام السوري ممتلكاتها، مشيراً إلى قربه من رجال أعمال سوريين من آل العظم يعيشون في المملكة العربية السعودية. لاحقاً، قال الصدّيق لأحد أصدقائه إن شخصاً يدعى عدنان، يعمل في شركة «سعودي أوجيه»، هو من يتولّى تغطية نفقاته المالية. في الأيام الأولى التي تلت وصوله إلى الإمارات، دفع الصدّيق ثمانية آلاف دولار لقاء الحصول على إقامة عمل، قبل أن يؤسس شركة بكفالة وصلت إلى 100 ألف درهم (نحو 27 ألف دولار أميركي)، إضافة إلى الحصول على رخصة تجارة عامة درجة أولى. وقد كلفه الأمر نحو 350 ألف درهم (نحو 90 ألف دولار). وفي الأسابيع اللاحقة لدخوله الإمارات، حاول فتح حساب مصرفي بمبلغ 200 ألف درهم إماراتي، إلا أن إدارة المصرف طلبت توضيح مصدر الأموال قبل فتح الحساب، وخاصة أن المبلغ كان نقداً. لكن مدير المصرف (س.غ.) تلقى اتصالاً من مسؤول رسمي كبير في الدولة، فسوّي الأمر. سريعاً بدأ الصدّيق يكشف هويته الحقيقية. أسرّ لأحد المقربين منه بأنه أدلى أمام التحقيق الدولي بنحو 10 في المئة فقط مما في حوزته، وأن الباقي سيقوله في المحكمة. وفي بعض الأحيان، كان يقول إنه أدلى بإفادته لأن النظام السوري صادَرَ أملاكَ عائلته، و«الحرب خدعة، والنبي خدع الكفار في الحرب».

وفي إحدى المراحل، قال الصدّيق لأحد المقربين منه: «المحكمة في يد أبو متعب»، وعندما سئل عمّن يعني بكلامه، أجاب: «الملك عبد الله (بن عبد العزيز). هو الأب الروحي للمحكمة». لاحقاً، بعدما وصلت إلى السلطات الإماراتية معلومات مؤكدة عن أن من يحمل جواز السفر التشيكي باسم «سامي السيد» ليس إلا زهير محمد الصدّيق، أوقفته السلطات الإماراتية (منتصف نيسان 2009)، قبل أن تصدر يوم 5 تشرين الأول 2009 حكماً بسجنه ستة أشهر، وبإبعاده بعد انقضاء مدة الحكم. انتهت محكومية الصدّيق بعد نحو 10 أيام من صدور الحكم (لأنه كان قد سجن في نيسان). ومنذ ذلك الحين، لا يزال مكان وجوده لغزاً. قيل إنه لا يزال في الإمارات حياً. وقيل إنه قتل فيها، وقيل إنه يعيش في هولندا بحماية المحكمة الدولية، أو في بلجيكا. وفي تشرين الثاني من العام ذاته طلبت السلطات السورية استرداده لكونه ملاحقاً أمام القضاء السوري. ورغم أن الدولتين السورية والإماراتية ملزمتان بحسب معاهدة موقعة عام 1983 بتبادل المطلوبين، إلا أن السلطات الإماراتية لم تستجب للطلب السوري. وفي أيار الفائت، أعادت السلطات القضائية السورية مطالبة الإمارات بالكشف عن مصير الصدّيق، من دون أن يردها أي جواب. وبينما عادت صحيفة «السياسة» الكويتية إلى نشر أخبار عن التحقيقات، فقد تولت إعادة الاعتبار الى الرجل، ونشرت تصريحات للصديق رداً على ما جرى في المحكمة الدولية من جلسة بناءً على طلب اللواء جميل السيد، ثم للحديث عن دور لحزب الله في جريمة اغتيال الحريري. وترافقت التصريحات مع نشر معلومات عن أن الصدّيق سافر من الإمارات وهو موجود في مقر سري وفي عهدة المحكمة الدولية. لكن المفاجأة ظهرت من جديد؛ إذ ذكر شخص معنيّ بإفادة الصدّيق لـ«الأخبار» أن الشاهد الملك لا يزال موجوداً في الإمارات، وأنه شوهد خلال الأسبوع الماضي ساهراً في ملهى ليلي تابع لأحد الفنادق المعروفة في دبي. (غداً: ماذا قال الشاهد الإسرائيلي في التحقيق؟)

الصدّيق واتهام حزب الله

استناداً إلى رواية زهير محمد الصدّيق، كان ضباط لجنة التحقيق الدولية يركزون خلال استجوابهم للأشخاص الذين لهم صلة بشقة معوض على دور حزب الله. كانوا يسألون عما إذا كان الحزب هو من يحمي الضباط السوريين، مستفسرين عن عدد من الشخصيات المعروفة في الحزب، بينهم قادة بارزون في المقاومة. ولفت بعض الذين استجوبوا في هذه القضية إلى أن المحققين الدوليين، منذ آب 2005، كانوا يستفسرون عن عدد من قادة المقاومة الذين لا يظهرون إلى العلن، وعلى رأسهم القائد الجهادي عماد مغنية. كان ذلك قبل أن تخرج فرضية اتهام أفراد من حزب الله إلى النور، وقبل أن يكفّ التحقيق الدولي عن محاولة إثبات صلة الاستخبارات السورية بالجريمة. وكشف أحد الذين استجوبتهم اللجنة حينذاك عن أن المحققين الدوليين سألوه خلال استجوابه عمّا إذا كان يعرف مكان وجود مغنية، ومكان وجود أحد قادة المقاومة المقربين منه.

نيّوف والصدّيق

باريس ـــ الأخبار نزار نيّوف، المعارض السوري الذي رفض معظم معارضي النظام في الخارج التعامل معه، واتهموه بأنه لا يبتعد كثيراً عن النظام، تخصص موقعه الإلكتروني (الحقيقة) بنشر تقارير معادية للنظام في سوريا، مع أخبار يصعب التثبت منها. ومع الوقت، صار ينشر تقارير ضد معارضي سوريا في لبنان والمنطقة، ما جعل معارضي سوريا في لبنان يتهمونه بأنه على صلة بالاستخبارات السورية، علماً بأن نيّوف كان من أوائل الصحافيين الذين كشفوا النقاب عن تفاصيل تخص زهير محمد الصدّيق. تربط نيّوف بلجنة التحقيق الدولية في ملف الحريري علاقات غامضة. العاملون في اللجنة يقولون إنهم استمعوا إلى إفادته في باريس، بناءً على تقارير تشير إلى أنه نشر معلومات «قيّمة» تفيد التحقيق. ويقول نيّوف إنه كان قد أخبر الرئيس الثاني للجنة التحقيق، سيرج براميرتس، بمراسلاته مع سمير قصير وجبران تويني، التي جرت بعد اغتيال الحريري، وإنه سلم اللجنة الدولية نسخاً منها. كذلك نصحه بوجوب الاستماع إلى شهادة الصحافية الأميركية ـــــ الفرنسية لارا مارلو (الزوجة السابقة لروبرت فيسك)، التي كانت آخر من التقى الحريري قبل اغتياله، لأنها أخبرت نيوف ـــــ كما يزعم ـــــ بما قاله لها الحريري لجهة أنه غير مهدد. أما العلاقة مع جبران تويني، فيقول نيوف: «هذه قصة أخرى. وهي محض إنسانية. فحين كنت في السجن (في سوريا)، أدى جبران ووالده دوراً محورياً في مساعدتي. كان جبران مكلفاً من رئيس «الجمعية العالمية للصحف» تيموثي بالدنيغ متابعة ملفي. وقد بذل جهوداً كبيرة للضغط من أجل إطلاق سراحي، وقبل ذلك، لتأمين عقار العلاج (من مرض سرطان الدم) لي (من موازنة الجمعية) بعدما رفض النظام معالجتي. وبهذا المعنى، أنا مدين لجبران. كذلك تعرض لعتاب من جماعة 14 آذار لأنه كان أول من سلمني سر وجود شخص اسمه زهير محمد الصدّيق، وأنه في الطريق لتقديم شهادة كاذبة، وأنا فضحت الأمر. والواقع أن جبران، وقبله سمير قصير، قد طلبا مني استشارة بشأن هذا الشخص عما إذا كان فعلاً ضابط استخبارات وذا صدقية، وأبلغاني بحكايته كلها».

جوازات سفر الصديق ومرافقيه الفرنسيين ونسخة عن طلب إقامته في الإمارات

كان ديتليف ميليس يحيط عبد الباسط بني عودة بسرية مطلقة. لم يكشف لأحد مضمون إفادته، ومنحه تعهداً بحمايته ومساعدته للحصول على جنسية جديدة، وبتغيير ملامح وجهه! بكلام آخر، كان ميليس مقتنعاً برواية عميل الموساد الذي قال إن إقناعه بالإعداد لاغتيال الحريري بدأ منذ عام 2001، عندما أوقفته مديرية استخبارات الجيش بعد تسلله من فلسطين المحتلة

حسن عليقهي الرواية نفسها التي انطلقت في اللحظة التالية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. سوريا هي الفاعلة، ولنبحث عن الدليل. ثم أتى من «يتبرّع» لتقديم الأدلة. شهود الزور لم يستفيدوا حصراً من المناخ السياسي والإعلامي الذي أعقب الجريمة، بل إن أكثر ما ساعدهم هو فريق تحقيق «يتبنى نظرية وحيدة، يريد أن يثبتها بشتى الطرق»، بحسب ما يصف أحد العاملين السابقين في لجنة التحقيق الدولية أداء رئيسها الأول، ديتليف ميليس.تنوّعت «مصادر» هؤلاء الشهود. إلا أن هدفهم واحد. إثبات التورّط السوري باغتيال الرئيس رفيق الحريري. بعضهم أشرك «مجرمين» آخرين، كالجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة، أو الحزب السوري القومي الاجتماعي. وبعضهم الآخر لمّح إلى تورط حزب الله، أو أفراد منه. وحده «الشاهد» الإسرائيلي عبد الباسط بني عودة وضع رابطاً «واضحاً» بين الرئيس السوري بشار الأسد و«النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري المشترك» من جهة، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، من جهة أخرى.

من أين أتى بني عودة؟

يوم 6/7/2001، دخل عبد الباسط بني عودة الأراضي اللبنانية آتياً من فلسطين المحتلة. تجاوز الحدود البرية ليصل إلى منزلٍ في بلدة جنوبية يقطن فيه أقارب عميل فار منذ عام 2000. هناك، أوقفته مديرية استخبارات الجيش اللبناني. فبني عودة، الحامل للجنسية الإسرائيلية، يرتبط بصلة وثيقة بالاستخبارات الإسرائيلية. يقول إنه كان يعمل مع جهاز الموساد، وإنه كان متزوجاً لبنانية تعيش في فلسطين المحتلة، تتهمها السلطات اللبنانية بالتعامل مع إسرائيل. كذلك فإنه كان يتمتع بصلات قوية بين العملاء الذين فروا إلى فلسطين المحتلة عام 2000.يدّعي عبد الباسط أنه فرّ من فلسطين المحتلة بعدما كشفت الاستخبارات الإسرائيلية ارتباطه بجهاز استخبارات السلطة الفلسطينية. هو إذاً، باعترافه أمام المحققين اللبنانيين عام 2001، ولاحقاً أمام لجنة التحقيق الدولية، عميل مزدوج. في لبنان، أحيل على المحكمة العسكرية التي أصدرت حكماً بسجنه مدة 18 شهراً، بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية ودخول البلاد خلسة. وبما أنه أجنبي، أحيل على المديرية العامة للأمن العام بعد تنفيذه العقوبة، فاتصلت المديرية بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غير الفلسطينيين (UNHCR) لضمان استقباله في دولة ثالثة (غير لبنان والأراضي الفلسطينية)، وخاصة أن الحكم القضائي الصادر بحقه ينص على إبعاده من لبنان.في نيسان 2003، حصلت له مفوّضية اللاجئين على قبول إعادة توطين في السويد. وبعد استكمال الإجراءات القانونية والإدارية، غادر الأراضي اللبنانية يوم 22 تموز 2003، وصدر قرار بمنع دخوله إلى لبنان مجدداً.في السويد، حصل الرجل على جواز سفر سويدي باسم أنطونيوس بني عودة، من دون الحصول على الجنسية. لم يكلّ من المغامرات؛ فسريعاً، انتحل صفة سفير عربي في ألمانيا، متدخلاً، من خلال اتصالاته الهاتفية، في قضية مرفوعة أمام القضاء اللبناني نهاية عام 2004، ما أدى إلى صدور قرار جديد يمنع دخوله إلى لبنان بجواز سفره الجديد.

بني عودة شاهداً

خفت نجم بني عودة حتى ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكنه، بعد أشهر من الجريمة، بدأ اتصالاته بأمنيين وسياسيين وإعلاميين في لبنان، قبل أن يتمكن من التواصل عبر الهاتف مع النائبة بهية الحريري. وبحسب ما يقول بني عودة، فإنه قال للحريري إنه يملك معلومات عن عملية اغتيال شقيقها. يضيف إنها حدثته بلهجة «ناشفة»، وطلبت منه أن يقصد لجنة التحقيق الدولية للإدلاء بما لديه. وعندما شكا إليها عدم قدرته على الوصول إلى اللجنة، زوّدته رقم هاتف المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. والأخير، أخذ رقم هاتف بني عودة، حسب رواية الأخير، وسلّمه إلى لجنة التحقيق الدولية التي اتصلت به. أصرّ بني عودة على التحدث مع رئيس اللجنة، ديتليف ميليس. اهتم الأخير بالشاهد الجديد، وقال له في مكالمة هاتفية بينهما إنه سيرسل إليه أحد المحققين السويديين العاملين في اللجنة.في السويد، قابل بني عودة المحقق بو أستروم، وأخبره بما لديه من معطيات عن جريمة اغتيال الحريري، طالباً ضمانات للإدلاء بها رسمياً. وبدا الرجل كمن هبط من السماء إلى حضن ديتليف ميليس. فبني عودة أصر على الإدلاء بإفادته قبل أن تستمع لجنة التحقيق الدولية في فيينا، لاثنين من الضباط الأمنيين السوريين، بينهم اللواء رستم غزالي (كانون الأول 2005). وبالفعل، كان له ما أراد، فيوم 21 تشرين الثاني 2005، وقّع رئيس فريق التحقيق في اللجنة الدولية، الألماني غيرهارد ليمان، وثيقة يتعهد فيها لبني عودة بتلبية ثلاثة شروط، لقاء الإدلاء بإفادة رسمية. وهذه الشروط هي:لاحقاً، دوّنت الإفادة الكاملة للرجل الذي صار اسمه «مازم». وهي تكاد تكون الأغرب بين إفادات الشهود باغتيال الحريري. 1ـــــ أن تساعده لجنة التحقيق الدولية المستقلة في الحصول على جنسية ثانية، وأن تكون الأولوية للجنسية السويدية. 2ـــــ أن تساعده اللجنة، هو وأفراد عائلته، على الدخول ضمن برنامج حماية الشهود. 3ـــــ أن تساعده اللجنة على تغيير ملامحه، بالحد المناسب، للحد من القدرة على التعرف إليه.

ماذا قال بني عودة للجنة التحقيق؟

يقول بني عودة في إفادته إنه عندما هرب من فلسطين المحتلة إلى لبنان، وأوقفته الاستخبارات اللبنانية، نقل إلى وزارة الدفاع. هناك، أدخل إلى قاعة فيها نحو 50 ضابطاً من الجيش اللبناني، بحضور رئيس فرع الأمن والاستطلاع في القوات السورية في لبنان، اللواء غازي كنعان، ومدير استخبارات الجيش اللبناني العميد ريمون عازار. وكان هذا اللقاء، على حد زعمه، بداية مسيرة الضغوط النفسية التي تعرض لها على أيدي الاستخبارات اللبنانية والسورية، والهادفة إلى تجنيده للعمل معها، من دون تحديد مهمة واضحة.يقول بني عودة إنه كان مصراً على رفض العرض الأمني اللبناني ـــــ السوري، لكن إصرار الطرف الثاني كان أشد قوة. استمر تعذيبه النفسي، بحسب ادعائه، حتى عام 2003، عندما دخلت على خط الضغوط شخصيات جديدة: اللواءان جميل السيد وعلي الحاج، والعميدان مصطفى حمدان ورستم غزالي. وبحسب زعمه، كان ينقل إلى فيلا فخمة ليقابل الضباط المذكورين، الذين استمروا بعرض العمل الأمني عليه لحسابهم، من دون أن يوافق على ذلك.يفاجئ بني عودة من يستمعون إليه بإدخال عنصر جديد إلى روايته. يقول إن الضباط المذكورين سابقاً زوّدوه هواتف خلوية لتبقى في حوزته داخل مركز توقيفه في المديرية العامة للأمن العام. وبعدما مَنَح أحد هذه الهواتف لرتيب من الأمن العام، زوّده الأخير رقم هاتف خلوي لشخص «يظهر دائماً إلى جانب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله».محاولات تجنيده لم تقتصر على عامل الترهيب، بل تعدّتها إلى الترغيب، بحسب قوله. وعلى هذا الأساس، كان قادة الأمن في لبنان وسوريا يوفّرون له مكاناً ليتمكن من ممارسة الجنس فيه بحرية، مع فتيات كن يأتين إليه من خارج السجن.في الشهر الثالث من عام 2003، وصلت الأمور إلى ذروتها. عُقد اجتماع ضم الضباط اللبنانيين الأربعة، والعميد رستم غزالي، قيل فيه لعبد الباسط بني عودة إن المهمة التي سيكلَّف إياها هي مراقبة الرئيس رفيق الحريري. ويقول إن أركان النظام الأمني أوهموه بأنهم يريدون حماية الحريري، وأن تكون لهم «عيون عليه». رتبوا له خطة العمل، وزودوه معلومات عن ثلاث فتيات، طالبين منه التقرب من إحداهن. و«شاء القدر أن تقع في الفخ فتاة يعمل والدها حارساً عند شفيق الحريري، شقيق الرئيس الحريري». ولكي يتمكن من أداء الدور كاملاً، وضعوا تحت تصرفه سيارة دبلوماسية ومرافقين، على أساس أنه دبلوماسي في السفارة الأردنية.لاحقاً، يضيف الشاهد، طلب الأمنيون منه إحضار أجهزة للتشويش، تلغي عمل أجهزة الإنذار. أما سبب لجوئهم إليه في هذه الناحية، فيعود إلى أنّ أشقاءه يملكون في ألمانيا شركة مختصة بالتجهيز الأمني للسيارات.وفي الموعد المحدد لرحيله من لبنان (تموز 2003)، غادر عبد الباسط إلى السويد. وما هي إلا أشهر معدودة حتى اتصل به شخص «من طرف المعلم في لبنان»، طلب منه ملاقاته في مدينة أوميو السويدية. وعلى حد قوله، زوّده رسول «المعلم» أموالاً قبل أن يطلب منه في الشهر الأخير من عام 2003 السفر إلى اليونان. وفي أثينا، التقى شخصاً سورياً لم يكن يعرف هويته، تبيّن له لاحقاً أنه العماد آصف شوكت. عقد شوكت وبني عودة 8 اجتماعات طوال شهر كامل، قبل أن يطلب الضابط السوري من «الشاهد» السفر إلى الأردن، ومنه إلى سوريا.يضيف عبد الباسط أنه، بعد عودته إلى السويد، سافر إلى الأردن، حيث سهلت له الاستخبارات السورية الدخول إلى عمّان قبل نقله من دون المرور بالمعابر الرسمية إلى دمشق. وفي الشام، عقدت عدة اجتماعات بين بني عودة والضباط اللبنانيين الأربعة والعماد آصف شوكت، قبل أن تنتقل الاجتماعات إلى عنجر.

تنقل بين بيروت ودمشق، وأبرز ما قام به هو التجول برفقة مساعدي بعض الأمنيين في ساحة النجمة ومنطقة قريطم في العاصمة اللبنانية، لمراقبة موكب الحريري. في أحد الاجتماعات، قال العميد مصطفى حمدان إن الرئيس رفيق «الحريري هو عميل أميركي ويريد أن يقيم قاعدة أميركية في لبنان، وقد وقّع على اتفاق سري يعرفه المقربون منه مثل وزير المال السنيورة».تتكثف رواية بني عودة عندما يتحدث عن أن الضباط اللبنانيين والسوريين طلبوا منه اغتيال البطريرك الماروني نصر الله صفير، وأنهم زوّدوه كمية من المتفجرات لزرعها في بكركي، حيث كان عليه أن يوهم صفير بأنه متموّل كبير يريد أن يعترف له (الاعتراف الكنسي).تزداد روايته تشعباً. يقول إنه أثناء وجوده في دمشق، في مكتب ملاصق لمكتب الرئيس بشار الأسد، كان يتحادث مع الضباط اللبنانيين الأربعة والعماد آصف شوكت، فدخل إلى المكتب العميد ماهر الأسد غاضباً. وقف الأسد مع الضباط خلف حاجز خشبي مزخرف. كان بني عودة يستمع إليهم. قال لهم الأسد: «الرئيس يبلغكم بأن تنتهوا من الحريري،لأن راسو كبر. أنزلوا سقف بيروت على رأسه». يضيف بني عودة: رحل الأسد ولحق به آصف شوكت، فيما عاد الآخرون بوجوه شاحبة. وعندما رجع شوكت، قال حمدان لبني عودة إن عليه أن يذهب إلى باريس وأن يلصق عبوات مغناطيسية بسيارات الحريري، لتفجيرها به.لا تنتهي القصة عند هذا الحد؛ إذ يروي «حادثة جرت معه عام 2004» عندما اصطحبه الأمنيون السوريون إلى مكتب شاهده لاحقاً على التلفزيون، وبالتحديد في مقابلة أجرتها محطة تركية مع الرئيس السوري بشار الأسد نهاية عام 2005. يورد في إفادته تفاصيل عن ديكور المكتب وأثاثه. ويحاول إعطاء المحققين الدوليين تأكيداً لدخوله هذا المكان من خلال القول إن إصبعه كانت مجروحة عندما جلس على الكرسي في المكتب المذكور، وإنه مسح الدم بخشب الكرسي.لا تكمن فحوى القصة هنا. بل هي في أنه عندما كان داخلاً إلى المبنى المذكور، شاهد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خارجاً منه. وبرفقة السيد شخص يجهله بني عودة، كان يحضر الاجتماعات التي تحصل في بيروت بين بني عودة واللواء جميل السيد والعميد ريمون عازار.كان بني عودة يعطي أدلة على ما يدلي به للمحققين الدوليين، بهدف تمكينهم من تثبيت صحة أقواله. يقول إنه عندما عاد من دمشق إلى الأردن في شباط 2004، أوقفته الاستخبارات الأردنية وحققت معه لتحديد هويته، وخاصة أن جواز سفره يحدّد مكان ولادته في إسرائيل.في نهاية إفادته، يقول بني عودة إنه قطع صلته بالأمنيين اللبنانيين والسوريين منذ منتصف عام 2004، عندما خرجت من لبنان الشابة اللبنانية التي تزوج بها. وبرأيه، فإن من حاولوا تجنيده كانوا يريدون اغتيال الحريري عام 2004، إلا أنهم أرجأوا التنفيذ لأنه رفض المشاركة في الجريمة.وفي معظم مراحل التحقيق معه، يدّعي الشاهد الإسرائيلي أنه كان دوماً عرضة للتهديد، وأن الاستخبارات السورية كانت تتوعده بأنها قادرة على الوصول إليه أينما كان.وبحسب مصادر أمنية لبنانية، فإن لجنة التحقيق الدولية، وخاصة في عهد رئيسها الأول ديتليف ميليس، حريصة جداً على عدم كشف ما أدلى به بني عودة، حتى للجهات التي كانت تتعاون معها، كفرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وبحسب الأمنيين ذاتهم، فإن اللجنة طلبت في إحدى مراحل التحقيق من فرع المعلومات متابعة شكوى وردت من بني عودة يقول فيها إن شخصاً لبنانياً هدّده عبر الهاتف.

وكانت لجنة التحقيق الدولية تتعامل معه على أساس أن في معلوماته «ما يستحق الوقوف عنده»، بحسب ما أكد ضباط أجانب عملوا في لجنة التحقيق الدولية. وما «يستحق التوقف عنده» أن الفتاة التي قال إن الأمنيين اللبنانيين والسوريين دفعوه للتقرب منها لأنها ابنه أحد حراس شفيق الحريري، صارت زوجته لاحقاً. وهذه النقطة بالتحديد لها تبرير واضح، منذ حزيران 2004. ففي ذلك الحين، أصدرت المحكمة العسكرية حكماً غيابياً بحقه، أدانته فيه بجرم رشوة رجل أمن داخل السجن. وكان هدف الرشوة أن يسمح رجل الأمن لصحافية بمقابلة بني عودة، وهو ما أثبتت التحقيقات مع رجل الأمن أنه حصل فعلاً. ومن خلال الصحافية المذكورة ورجل الأمن، تعرف بني عودة إلى الفتاة التي تزوجها لاحقاً.في المحصلة، لم يَطعَن في صدقية الشاهد أنه عميل إسرائيلي «سابق». وللأمانة، فإن في حوزته ما يثبت انقطاع صلته بالإسرائيليين. فهو يحمل إفادة صادرة عن السفارة الإسرائيلية في السويد تثبت أن الجنسية الإسرائيلية مسحوبة منه، منذ انكشاف صلته باستخبارات السلطة الفلسطينية!بعد خروج ديتليف ميليس من رئاسة لجنة التحقيق الدولية، حصل خلاف بين بني عودة والمحقق السويدي الذي كان يتصل به، لا بسبب قلة صدقية «الشاهد»، بل لأنه باح لعدد من رجال الشرطة السويدية بما أدلى به أمام لجنة التحقيق الدولية.لكن بني عودة بقي مصراً على التواصل مع لجنة التحقيق الدولية، واتصل باللواء أشرف ريفي، طالباً منه تذكير اللجنة بضرورة حمايته لأنه تعرض للتهديد. فرد عليه ريفي بأن ينتبه لأمنه الشخصي. وفي تلك الفترة، لم يكن ريفي يعرف مضمون إفادة الشاهد «مازم» ولا هويته الحقيقية.لاحقاً، ثبت للمحققين اللبنانيين والدوليين أن ما أدلى به غير صحيح. لكنه، كغيره من الشهود الزور، لم يُلاحق بتهمة تضليل التحقيق. وحده الشاهد إبراهيم ميشال جرجورة لوحق بتلك التهمة. ظهر بداية عام 2006 ليحدد أسماء سياسيين وإعلاميين وأمنيين، مدّعياً أنهم لقنوه الشهادة الكاذبة. تحرك القضاء سريعاً وادّعى عليه بجرم تضليل التحقيق، وسجن أكثر من ثلاث سنوات من دون محاكمة. وطوال مدة توقيفه، لم يخضع لتحقيق جدي يمكن من خلاله تحديد الجهات التي دفعته لتضليل التحقيق، حتى بدت عملية توقيفه عقوبة له على التراجع عن إفادة كاذبة، لا محاولة لكشف من يقف خلفه.

بهية الحريري

يقول عبد الباسط بني عودة إن النائبة بهية الحريري تحدثت معه في المكالمة الهاتفية الأولى بينهما، بـ«لغة ناشفة». لكن هذه اللغة سرعان ما تحولت إلى وُد في اتصال لاحق، بعد إدلائه بإفادته للجنة التحقيق الدولية. وفي مكالمة مسجلة بين الطرفين، يظهر أن النائبة الصيداوية لم تكن تعرف الاسم الحقيقي لبني عودة، أو «الشاهد مازم»، وقد دار بينهما الحوار الآتي:....

محادثة عبد الباسط وبهية الحريري

الحريري: مين معي؟بني عودة: مازمالحريري: كيفك؟ب. ع: والله الحمد لله، نشكر رب العالمين. كيف صحتك؟الحريري: أنا بس بدي قلك.. بدي أشكرك.ب. ع: الشكر لرب العالمين...الحريري: وأي شي الأهل بدن هون مني شي يدقولي.(...) ب. ع: وكله يعني مدون، يعني أنا بالاجتماعات مع لجنة التحقيق...الحريري: لا لا لا بالعكس، الهيئة إنو كتير مرتاحين.ب. ع: ما هو الإنسان بيزعل لما بيشوف... يعني أنا مرة اتصلت على... آخر شي اتصلت على مكتب الجريدة، ردت عليّ وحدة قلتلها حرام عليكم إنتو عم تاكلو قاعدين، بتطعمو ولادكم من دمو للشهيد رفيق. أنا بدي توصلوني بس لأي حد. كنت أترجاهم. والله دفعت سبعة آلاف دولار بس اتصالات. (...)

محادثة عبد الباسط وريفي

... بني عودة: كيفك سيدي الكريم.ريفي: يا أهلاً مازم. إيه مازم؟ب. ع: أنا مبارح حكيت مع الجماعة. أنا خيي اتصل فيي أول مبارح وما قبل يقلي شو الموضوع. مبارح حكيت معو، وعملت ريكورد للمكالمة. متوجهين إلو جماعة من الجبهة الشعبية من المنطقة من عنا من هونيك. ومفهمينو رسالة إنو أنا ممنوع أتدخل بشي، وإذا بضل أنا ماشي مضبوط وبضل ما جبش سيرة حدا، لأنو أنا كنت مكلف شخصياً بالاغتيال. شايف؟ (...)

محادثة عبد الباسط وريفي

ريفي: مازم، في جزء من الفريق راح مع ميليس ما كلن باقيين هون بلبنان هلق. ما بعرف إذا إنت الي لاقيته إذا بعدو بلبنان أو لأ. لأنو مش عارفين نحنا هلق. صار تغييرات كتيرة فيها. بس ما في شك خود بعين الاعتبار أمانك وأمان عيلتك بالدرجة الأولى.ب. ع: مضبوط. أنا بقدم في خدمة، والي أملاه علي ضميري. وأنا إنسان اشتغلت بضمير، لا اشتغلت لا أعطوني مصاري ولا أعطوني شي. أنا زلمة بضمير قدمت خدمة.ريفي: صحيح صحيح...ب. ع: مع العلم لقلك شغلة، لا يوجد لحد اليوم إنسان قدم شهادة زي الي قدمتها أنا. لأنو أنا الإنسان الوحيد الي كنت مكلف بهالشغلة وأنا اللي من الـ2004 اتأجلت للـ2005 كرمالي، لأنو أنا هربت.ريفي: والله ليك ما عندي فكرة إنت شو عطيت معطيات إنت مبدئياً، بس فيي قلك شغلة إنو الأمن إنت فيك تقيمو أكثر من أي واحد تاني. (...)ريفي: هني عندن تغييرات قوية عندن برأيي بدك تنتظر شي أسبوع عالأقل حتى تستقر الأمور عندن شوي. بتعرف ساعة الي تغير ميليس صار في عندن تغييرات عندن بالداخل. بقا أنا برأيي طول بالك هدي اللعب شي أسبوع شوف، بعدين عاود الاتصال فيهم.

محادثة عبد الباسط وميليس

ميليس: مرحباً سيّد مازم، أنا المحقق ميليس من بيروت، كيف حالك؟ب. ع: جيد، يسعدني سماع صوتك، نحن نشدّ على يدك.ميليس: أوكي، شكراً. لقد أعلمت أن لديك معلومات تريد أن تطلعنا عليها؟ب. ع: نعم، لقد قلت له من قبل إنه لم يكن لدي أي اتصال بعائلة الحريري، لكن كانت لي صلات بجميل السيد وريمون عازار وبأشخاص من سوريا بشأن الحريري والكاردينال صفير.ميليس: آها آها... تابع.

محادثة عبد الباسط وميليس

ب. ع: ولدي معلومات مهمة؛ لأن عائلتي تملك شركة في ألمانيا، لتجهيزات السلامة والأمان في سيارات المرسيدس للشرق الأوسط. عائلتي جهّزت كل سيارات الملوك والرؤساء في الشرق الأوسط، وكانوا بحاجة إلى بعض الأمور المتعلقة بسيارات الحريري في ما يخص الريموت كونترول والنظام التابع للريموت ونظام الحماية في السيارة. طلبوا مني الكثير من المعلومات، لا يمكنني الحديث عنها كلها على الهاتف؛ لأن هناك العديد من الأشياء التي يمكن التكلم عليها.ميليس: جيّد، جيّد سيّد مازم...ب. ع: وبعد اغتيال الحريري، هددوني بقتلي وقتل عائلتي وزوجتي إذا قلت أي شيء عن الموضوع، هم يعلمون أين أقيم وهم هددوني... وإذا أردت أن أقول أي شيء، يجب علي مغادرة السويد إذا أردت أن أكون شاهداً ويحقق معي في القضية. يجب أن يحصل ذلك خارج السويد. لا أستطيع قول أي شيء هنا، لأني أعتقد أن لديهم الكثير من الأشخاص هنا وهم على اتصال بحزب الله، ويوجد هنا أشخاص كثر على صلة بحزب الله.منذ شهرين اتصلت ببهية الحريري وتركت الرقم مع الحراس الشخصيين في منزلها وعاودوا الاتصال بي، فأخذت منهم رقم ريفي (أشرف ريفي) واتصلت به، ثم أخذ رقمي وأعطاه لبو وجرى الاتصال معك. لو اتصلتم بي من قبل، لكان من الأسهل أن أعمل لأجلك منذ بداية التحقيق، ولو أنهم اتصلوا بي من قبل لكنت حذّرت الحريري ولكان قد اتخذ الإجراءات لحماية نفسه وإنقاذ حياته.ميليس: أوكي سيّد مازم، ما سنفعله الآن هو أن نلتقي بك في السويد، سأرسل لك أحد المحققين السويديين ليراك ويأخذ إفادتك، وستلتقي بالسيد بو الذي تكلمت معه سابقاً.ب. ع: لكن، أريد أن أطلب منك سيّد ميليس، بعض الوثائق من الأمم المتحدة التي تضمن لي سلامتي وحياتي، لأنهم يعلمون أن ما لدي لا يعرفه أحد غيري، لا يهمني التهديد، أريد أن أكون شاهداً، لكن أريد أن أضمن حياتي. وفي المستقبل يمكن الأمم المتحدة أن تضمن لي حياتي لأني لاجئ سياسي هنا في السويد. يمكنني لقاء بو هنا هذا الأسبوع لا مشكلة، لكن في 10 تشرين الثاني يمكنني الانتقال إلى خارج السويد للإدلاء بإفادتي وقول كل ما عندي. لكن المعلومات التي أملكها قد تستغرق أياماً أو أسابيع ولا يمكن أن تنتهي في بضع ساعات.ميليس: حسناً. لكن اللقاء الأول يجب أن يكون في السويد، وتستطيع أن تناقش كل شيء مع السيد بو. وأعتقد أنّ من المناسب الأفضل أن يكون هناك نقاش البداية. ثم نرى إلى أين نتجه. سأمرر لك السيد بو. ومن الجيد أننا تحادثنا.المحقق بو: سأحافظ على التواصل معك. وتستطيع أن تحجز يوم العاشر من نوفمبر على جدولك. (...)

مراد يتراجع عن إفادته؟

حالة الشاهد أكرم شكيب مراد مثال للتواطؤ بين الشاهد ومن لا يريدون محاسبته. نزيل مبنى المحكومين في سجن رومية يقبع خلف القضبان منذ 6 نيسان 2004، أي قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعشرة أشهر. وصدر بحقه حكمان بجرم الاتجار بالمخدرات، كل واحد منهما قضى بسجنه 5 سنوات، إضافة إلى تغريمه مبلغ مليون ليرة لبنانية.لم يخرج مراد (سوري الجنسية، مواليد عاليه 1962) من السجن. إلا أن ذلك لم يمنعه من التقدم للإدلاء بشهادة. قال إنه كان في آذار 2004 داخل مكتب العميد رستم غزالي في عنجر، حيث كان المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج. أضاف إن شاحنة الميتسوبيشي أتي بها بمواكبة من العماد آصف شوكت، وإن شاباً ملتحياً يدعى أبو هادي أخذها إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. بالتأكيد، ليست الشاحنة سلاحاً جرمياً. إلا أن ما توقف عنده الشاهد هو سماعه حديثاً بين الضباط الحاضرين عن التفخيخ والتفجير والاغتيال. أدلى مراد بإفادته عام 2007 أمام المحقق العدلي الناظر في جريمة اغتيال الحريري، القاضي الياس عيد. وقد أجرى عيد مقابلة بين الشاهد والحاج.

تسجيل منسوب لأكرم شكيب مراد

اقتنع عيد بأن مراد لا يقول الحقيقة. فشاحنة الميتسوبيشي سرقت من اليابان، بحسب تقارير لجنة التحقيق الدولية، يوم 12 تشرين الأول 2004، أي إنها كانت لا تزال في اليابان عندما رآها الشاهد في عنجر.ورغم أن اللواء الحاج تقدّم بادعاء شخصي ضد مراد أمام القضاء اللبناني، فإن النيابة العامة لم تستجوبه، لأن القوى الأمنية لم تتمكن من العثور عليه! استمر تجاهل الاستماع إليه إلى أن علم اللواء الحاج، أن مراد لا يزال في سجن رومية، وبالتحديد في الغرفة 145 من مبنى المحكومين. أما القضاء السوري الذي تقدم الحاج بادعاء أمامه ضد مراد، فقد طلب استرداد الأخير للتحقيق معه.قبل ثلاثة أسابيع، استجوبته القوى الأمنية الأمنية في سجن رومية، فأعاد أمامها تأكيد إفادته. وقال مراد إن ثمة من يحاول مفاوضته من أجل التراجع عن إفادته، لقاء مبلغ من المال.قبل ذلك بأسابيع، قصد عدداً من الإعلاميين ومن المهتمين بقضية اعتقال الضباط الأربعة، أكثر من شخص يحمل كل منهم تسجيلاً مصوّراً منسوباً لأكرم شكيب مراد، يحدّد فيه نائباً في البرلمان اللبناني (وزير سابق) وإعلامياً من قوى 14 آذار، مدّعياً أنهما طلبا منه الإدلاء بالإفادة التي ذكرها أمام القاضي عيد. وقد طلب «الوسطاء» مبلغ 30 ألف دولار أميركي لتسليم الشريط لمن يدفع. ويوماً بعد آخر، بدأ السعر يتراجع، إلى أن استقر بداية الأسبوع الجاري على سبعة آلاف دولار. وفي المرحلة الاولى، طلب أحد الإعلاميين من الوسيط التثبت من الشريط المصوّر. فسلمه أحد الوسطاء نسخة عن جزء من التسجيل المصوّر، جرى التلاعب بالصوت فيه (موجودة على الموقع الاكتروني لـ«الأخبار»). ولاحقاً، سُلم جزء من التسجيل الصوتي من دون صورة (موجود أيضاً على موقع «الأخبار»)، على أساس أنه عيّنة عن تراجع أكرم مراد. وفي هذا الجزء، يقول رجل إن شخصين، أحدهما صحافي والآخر مبعوث من سياسي، ساوماه من أجل أن يقول «بعض الأشياء» عن اللواء علي الحاج، أمام مكتب مكافحة الإرهاب والمعلومات ولجنة التحقيق الدولية. ويقول المتحدث إنه قابل الحاج أكثر من مرة لدى القاضي الياس عيد، مشيراً إلى أن من طلبا منه الإدلاء بإفادته لقاء تحسين وضعه في السجن وإخراجه من السجن إلى خارج لبنان لم ينفذا ما وعداه به. وأكد أن لديه الكثير ليقوله أمام لجنة التحقيق الدولية.

كان الحدث في دمشق قبل بيروت. وكانت الصورة في بيروت أكثر تعبيراً وسطوعاً عن دمشق عمّا قيل هناك أو سيقال في الأيام المقبلة، في طريق البحث عن تسوية تزيل التناقض ــ وقد بات حتمياً ــ بين الرئيس سعد الحريري والسيّد حسن نصر الله

نقولا ناصيف قد يكون من المبكر توقع نتائج فورية للقمّة الثلاثية في بيروت أمس. إلا أن حركة اللقاءات والمشاورات التي واكبتها، من غير أن تكون مدرجة سابقاً في جدول الأعمال، علناً على الأقل، أحيت انطباعات جدّية بمقدار الجهود المبذولة لإيجاد حل يجنّب لبنان تقويض استقراره. والمقصود بذلك التوصّل إلى تسوية ترضي رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في آن واحد، الأمر الذي يبدو ـــــ في الظاهر في أحسن الأحوال ـــــ متعذّراً حتى الآن نظراً إلى التناقض الحاد بين ما يطلقانه: يتمسّك الحريري بالمحكمة الدولية ولا يدرجها في أي مساومة من غير أن يتخذ موقفاً صريحاً من القرار الظني الذي يتهم حزب الله باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، ويرفض نصر الله هو الآخر مساومة تستند إلى القرار الظني بتأجيله ويجد في المحكمة الدولية استهدافاً جدّياً لحزب الله، ولا يسعه إلا مقاومتها. يتناقض الرجلان من غير أن يتحاورا في ظلّ انقطاع الاتصال المباشر بينهما. واجتماع الحريري بالمعاون السياسي لنصر الله الحاج حسين خليل ليل الثلاثاء الماضي (27 تموز) طبعته مسحة تشاؤم من جراء عدم اتفاقهما على سبل مقاربة القرار الظني. وعلى وفرة ما أُشيع أمس بعد ارفضاض القمّة الثلاثية، وخصوصاً في ساعات متقدّمة من المساء عن نتائج محتملة لها، لا تزال أسيرة التكهّنات، فإن ما حدث في اجتماع منتصف ليل الخميس (30 تموز) في دمشق بين العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس السوري بشّار الأسد، واستمر ثلاث ساعات، وشارك فيه مستشار الملك ونجله عبد العزيز بن عبد الله، رسم باكراً ملامح قمّة بيروت، وكذلك المرحلة المقبلة. وعلى أثر هذا الاجتماع، توجّه الأمير عبد العزيز إلى بيروت، وأطلع الحريري ليلاً، ومع الساعات الأولى من الفجر، على مداولات قمّة دمشق بين الملك والرئيس. وبحسب المعلومات المتوافرة عن قمّة دمشق، كان توجّه الرئيس السوري هو إلى إنهاء المحكمة الدولية، إذ رأى أنها أضحت عبئاً سياسياً ثقيلاً على لبنان وعلى الاستقرار فيه، وأن التجربة التي خبرتها سوريا مع المحكمة عندما وجّه التحقيق الدولي أولاً شبهات إليها ثبت بطلانها رغم تعاون سوريا معها، لا تبرز عناصر مشجعة على المضي في المحكمة والتيقن من عدم تسييسها. وكادت المحكمة ـــــ أضاف الأسد ـــــ تخرّب لبنان والمنطقة في آن واحد. اليوم تتكرّر التجربة نفسها مع حزب الله باتهامه باغتيال الرئيس الحريري، وهي بذلك تعرّض لبنان مجدّداً للتخريب. تالياً لا بد من ترتيبات واضحة لإنهاء هذا الموضوع. قال الرئيس السوري أيضاً للملك السعودي، مؤيداً موقف حزب الله: لن ترضى المقاومة في لبنان بالمحكمة الدولية، وهي تتهمها باغتيال الرئيس الحريري. وإذا كان هناك إصرار على المضي في المحكمة الدولية، فإن المقاومة ستواجهها لأنها تستهدفها، ونحن نجد المقاومة خطاً أحمر لن نسمح باستهدافه. قال الأسد كذلك: لن يقبل حزب الله بتأجيل قرار ظني يتهمه باغتيال الحريري، ولن يقبل بتسويات تقع في هذا النطاق. كان على المحكمة الدولية أن تبحث عن القاتل الفعلي والحقيقي. جميعنا تحدثنا عن الحقيقة والعدالة في المرحلة السابقة وتمسّكنا بهذين المطلبين، لكن مهمة المحكمة اليوم انحرفت عن ذلك إلى استهداف قوى الممانعة والمقاومة. وهو أمر غير مقبول. وطبقاً للمعلومات نفسها، لم يُبدِ العاهل السعودي للرئيس السوري تحفظاً عمّا أدلى به، وبدا مهتماً بالبحث عن الإجراءات الآيلة إلى إيجاد حلّ للمحكمة الدولية وتجنيب لبنان الإنفجار، وخصوصاً أن الرئيس السوري أفصح أمامه بعبارات مباشرة ودقيقة وصريحة بأن حزب الله لن يسكت بإزاء القرار الظني والمحكمة الدولية، وسيقوم بكل ما في وسعه لمواجهتها. طبعت قمّة دمشق المعادلة الآتية: كان الملك يستمع، والرئيس يشرح وجهة نظر حزب الله التي يدعمها. وصلت هذه المداولات إلى رئيس الحكومة عبر مستشار الملك، ثم أتى لقاءان بالغا الأهمية عُقدا البارحة على هامش القمّة الثلاثية في بيروت كي يثبتا المأزق الذي أضحت عليه المحكمة الدولية: الخلوة التي جمعت عبد الله بالحريري في بيت الوسط، واجتماع وزير الخارجية السوري وليد المعلم بكتلة نواب حزب الله التي اطلعت منه على مداولات الليلة السابقة في دمشق. في الحصيلة، تقرّر أن يتوجّه إلى دمشق في الساعات المقبلة موفد لحزب الله للاجتماع بالرئيس السوري، والاطلاع منه على المعطيات المتصلة بنتائج قمّتي دمشق وبيروت ومسار المرحلة المقبلة. قمّة بيروت ورغم أن البيان الصادر عن القمّة الثلاثية كرّس بضع ثوابت متطابقة، كالوفاق الوطني والحوار والاستقرار والتهدئة ونبذ العنف، وأخرى متنافرة كدعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف. إلا أن المعلومات الضئيلة التي توافرت لدى جهات تتبعت عن قرب القمّة الثلاثية تحدّثت عن ملاحظات ثلاث: أولاها، أن العاهل السعودي لم يحمل إلى الرئيس السوري في قمّة دمشق صيغة حلّ لأزمة القرار الظني. تالياً، لم يحمل عبد الله والأسد إلى قمّة بيروت التسوية المرتجاة. إلا أن الزعيمين العربيين أكدا، تبعاً للجهات نفسها، في دمشق كما في بيروت، ضرورة استمرار جهود التهدئة والحوار بين الطرفين اللبنانيين المعنيين، وتفادي الانزلاق إلى خضات داخلية. ثانيتها، تأكيد الرياض ودمشق أنهما تمثّلان المرجعية المعنية بمراقبة الاستقرار في لبنان والسهر عليه وإدارته، والحؤول دون أي محاولة لزعزعته. بدا واضحاً أمس من اللقاءات التي أجريت على هامش القمّة الثلاثية، بين الأسد ورئيس المجلس نبيه برّي، وبين عبد الله والحريري، وبين المعلم وحزب الله، أن هاتين العاصمتين لا تزالان تتكفلان بحمل حلفائهما اللبنانيين على التزام التهدئة في انتظار إيجاد تسوية. ثالثتها، تفادي ربط الموقف من المحكمة الدولية بمصير حكومة الوحدة الوطنية وتعريض هذه للانهيار. وبدا أن الملك السعودي والرئيس السوري حرصا أمام الذين اجتمعا بهم على تأكيد دعم حكومة الوحدة الوطنية والمحافظة على استقرارها كوعاء لتناقضات أعضائها، وخصوصاً أن تقويض حكومة الحريري لا يكتفي بشلّ شرعيتها فحسب، بل يضع البلاد في مهب اضطرابات غير محمودة. تحت وطأة الصعوبات التي تعصف بالجدل الداخلي حول القرار الظني، اجتمع عبد الله والأسد على موقف مشترك حيال الأفرقاء اللبنانيين، ملازم للحض على ضمان الاستقرار، وهو الحوار والتواصل المباشر في سبيل ذلك. كان الحريري قد سمع الموقف نفسه من الرئيس السوري في أثناء زيارته الأخيرة لدمشق في 18 تموز. يومذاك أفصح رئيس الحكومة عن قلقه من مواقف حزب الله من المحكمة الدولية والقرار الظني وتأثيرها السلبي على الاستقرار الداخلي. كان ردّ الأسد تبرير تلك المخاوف وقد عدّها مشروعة، إذ رأى أن الحزب والمقاومة ينظران إلى المحكمة الدولية على أنها تستهدفهما عبر اتهامهما باغتيال الحريري الأب.

وأضاف: نحن في سوريا أيضاً عشنا مثل هذه المخاوف وأقلقتنا وأدركنا هذه التجربة عندما اتهمت سوريا باغتيال الحريري، إلى حدّ أنكم كلكم كنتم تعلنون أنكم متيقنون من أن سوريا قتلت الرئيس الحريري. وكان هذا الاتهام جازم لديكم ومحسوم وغير قابل للمناقشة والبحث، وأنا احتفظ بتسجيلات بالصوت والصورة لكثيرين من الذين كانون يتهمون سوريا باغتيال الرئيس الحريري، وبينهم أنت (متوجّهاً إلى رئيس الحكومة اللبنانية)، وكنتم تؤكدون أنها هي الفاعلة، ثم تبين أن الواقع مغاير تماماً. وهذه الحال تشبه مخاوف المقاومة اليوم التي تتهم، بعد سوريا، باغتياله، وهو اتهام باطل. أضاف: نصيحتي لك، التواصل مع سماحة السيّد للاتفاق على المعالجة والمحافظة على الاستقرار والتضامن الداخلي. بعد عودته من دمشق، قصد الحريري رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأطلعه على محادثاته مع الرئيس السوري، راغباً في دوره في فتح قنوات حوار مع نصر الله التي يوصدها دونه. خابر الرئيس مسؤولاً بارزاً في حزب الله، فكان الجواب في ما بعد أن الأمين العام ليس جاهزاً تماماً للحوار قبل موقف محدّد من الحريري. وفي اجتماعه بالنائب سليمان فرنجية في بنشعي قبل أيام، فاتحه رئيس الحكومة في الأمر نفسه، فنصحه الزعيم الزغرتاوي بالحوار مع الحزب. لم يكن لقاء الحريري بالمعاون السياسي لنصر الله ليل الثلاثاء إلا «تنفيسة» للحوار بين الطرفين، في ظلّ إصرار نصر الله على إبقاء أبواب الحوار المباشر مع الحريري موصدة، إلى أن يتخذ الأخير موقفاً من القرار الظني على نحو يدحض الوجهة الحالية للمحكمة الدولية. كانت الرسالة البليغة بذلك، أن أبواب التسوية مقفلة، فيما أبواب الحوار مشرّعة إذا سبقها موقف ينم بالفعل عن رغبة في مواجهة القرار الظني، الأمر الذي لم يقرّره رئيس الحكومة بعد، ولا يبدو أنه وحلفاءه جاهزون له بعد.

خاص موقع اتحاد الشباب الديمقراطي

بعد قرار مصر اغلاق معبر رفح أمام المساعدات الانسانية الى غزة، وفي صحوة مفاجئة، أعلن مسؤولون في مصر وقطاع غزة إن مصر فتحت معبر رفح اليوم الثلاثاء بعد مهاجمة إسرائيل لقافلة سفن المساعدات لغزة أمس الإثنين.

ويسمح فتح معبر رفح بعبور الفلسطينيين حتى إشعار آخر. وفي ظل التطورات الحاصلة والتساؤلات حول مصير ركاب اسطول الحرية، أعلنت البحرية الاسرائيلية أنها مستعدة لملاحقة سفينة مساعدات أخرى تحمل اسم ريتشل كوري والتي قد تصل إلى غزة في وقت لاحق اليوم أو غدا الاربعاء. أما الأكثر إثارة في هذا المجال، هو ما أكد عليه رئيس دائرة العمليات في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي العميد ايتسيك ترجمان اليوم الثلاثاء أن قوات البحرية الإسرائيلية خربت محركات خمس سفن قبل انطلاقها من تركيا، فيما وصف رئيس أركان الجيش غابي أشكنازي أداء قوات البحرية بأنه كان "رائعا رغم نتائجه المأساوية".

وهذا ما ألمح اليه أيضاً نائب وزير الدفاع الإسرائيلي متان فيلنائي خلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة العامة الإسرائيلية اليوم!

بين الترحيل والسجن

 على أي حال قامت اسرائيل باحتجار نحو 700 ناشط من 38 دولة، بينهم ناج يهودي من المحرقة النازية وروائي سويدي، كانوا على متن أسطول الحرية. وقد تضاربت المعلومات حول عدد الشهداء اللذين سقطوا من جراء المجزرة الاسرائيلية، ففي حين أعلن الجيش الاسرائيلي إن تسعة "نشطاء" قتلوا عندما فتحت قوات كوماندوس إسرائيلية النار عليهم بعدما اعتلت متن سفينة تركية من طائرات هليكوبتر وقوارب صغير، أشارت معلومات عن سقوط أكثر من 16 شهيداً حتى الآن.

وذكرت وزارة الداخلية الاسرائيلية اليوم أن 50 ناشطا نقلوا إلى مطار بن غوريون للترحيل الطوعي. ورفض نحو 629 ناشطا التوقيع على تعهد بعدم العودة مجددا الى محاولة كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، ورفضوا الرحيل الى بلدانهم قبل تسليم المساعدات فتم اقتيادهم الى سجن اشدود جنوب اسرائيل "بينما تبحث إسرائيل عن خيارات قانونية، ومنها أن يتم استجواب الركاب الموقوفين اليوم على أن تبت السلطات في كل حالة على حدة، لتختار الذين سيتم الافراج عنهم والذين ستتخذ بحقهم اجراءات قضائية". في حين أعلنت الوزارة أنه يوجد نحو 30 ناشطا في المستشفيات معظمهم من الأتراك لاصابتهم في "العملية الاسرائيلية بينهم 9 تعتبر حالتهم حرجة."

 محاصرة الحصار

 وفي هذا الاطار، أعلن مصدر في محافظة جنوب سيناء إن نائبين مصريين وهما محمد البلتاجي وحازم فاروق عضوي مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين، كانا ضمن نشطاء قافلة المساعدات لغزة عادا إلى مصر اليوم. في حين تستمر اسرائيل في احتجاز مصريين اثنين ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يزال مصيرهما غير معروف.

نشطاء يونانيين من 'أسطول الحرية' يصلون إلى أثينا بعد ترحيلهم من إسرائيل

وكذلك وصل ستة مواطنين يونانيين كانوا على متن "أسطول الحرية" الذي هاجمته إسرائيل أمس، إلى مطار أثينا الدولي بعد أن رحّلتهم السلطات الإسرائيلية. وقالت وكالة أنباء أثينا ان اليونانيين الستة الذين تم ترحيلهم بصحة جيدة، وذلك بعد ان شاركت سفينتان يونانيتان في "أسطول الحرية" الذي كان يحمل مساعدات إلى غزة.

وأكدت المعلومات أن أردنيين اثنين من أصل 23 مشاركاً أردنياً أصيبا برصاصتين مطاطيتين ولكن دون ان تؤدي الى جرح أي منهما.

في حين اعلن الناطق باسم مركز "عدالة" اليوم الثلاثاء ان السلطات الاسرائيلية ستحيل الشيخ رائد صلاح زعيم الحركة الاسلامية في اسرائيل الذي كان ضمن "اسطول الحرية"، الى المحاكمة.وقال صلاح محسن الناطق باسم مركز القانون لحقوق الاقلية العربية في اسرائيل "عدالة" لوكالة فرانس برس "ان الشيخ رائد صلاح معتقل وسيحال الى محكمة الصلح (البداية) في مدينة عسقلان في الساعة الواحدة ظهرا وسيمثله المحامي حسن جبارين".

واضاف صلاح محسن "اننا في عدالة لا نعرف التهم الموجهة اليه، وحتى الان لم يلتق معه المحامي حسن جبارين، ومن المتوقع ان يراه في المحكمة".

واوقفت السلطات الاسرائيلية ايضا محمد زيدان رئيس اللجنة العليا للمتابعة لعرب اسرائيل اكبر منظمة لهذه الاقلية التي تضم نحو 1,3 مليون شخص.

أما استراليا فقد أدانت اليوم الهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية التي كانت متوجهة إلى غزة أمس وأعلنت عن إصابة أحد الناشطين الاستراليين في الحادث  في حين لا تزال اسرائيل صحافيا ومصوّرا وامرأتين كانا على متن السفينة.

 

(رويترز، أ ف ب، د ب أ، آي بي)

خاص الموقع

يخضع موظف في وزارة الاتصالات اللبنانية للتحقيق لدى القوى الامنية بشبهة التعامل مع اسرائيل، بحسب ما افاد مصدر امني وكالة فرانس برس الثلاثاء.وقال المصدر ان "فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي يحقق مع ط. ب.، الموظف في وزارة الاتصالات الذي يشتبه بتعامله مع اسرائيل".واضاف "التحقيق لا يزال في بدايته"، من دون ان يؤكد طبيعة عمل الموظف او يعطي معلومات اضافية عنه.وهو ثاني موظف في وزارة الاتصالات يتم استجوابه في ملف التعامل مع اسرائيل. وقد ادعى القضاء العسكري اللبناني في السابع من آب/اغسطس على الموقوف ميلاد عيد، المسؤول في وزارة الاتصالات، بتهمة اعطاء الاسرائيليين "معلومات فنية بصفته رئيس فرع الاتصالات الدولية في وزارة الاتصالات السلكية واللاسلكية".واوقفت الاجهزة الامنية قبل ذلك الفني في شركة "الفا" للهاتف المحمول شربل قزي وتم الادعاء عليه "في جرم التعامل مع العدو الاسرائيلي ودس الدسائس لديه واعطائه معلومات لمساعدته على فوز قواته ودخول بلاد العدو". كما اوقف الموظف في الشركة نفسها طارق الربعة.ولبنان في حالة حرب مع اسرائيل. ويواجه المتعاملون مع الكيان الصهيوني عقوبة السجن المؤبد مع الاشغال الشاقة. واذا رأى القاضي ان هذا التعاون تسبب بالقتل، فبامكانه ان يطلب انزال عقوبة الاعدام.وتنفذ السلطات اللبنانية منذ نيسان/ابريل 2009 حملة واسعة ضد شبكات تجسس اسرائيلية تم خلالها توقيف اكثر من 100 شخص بينهم ضباط وعناصر من الشرطة والجيش كانوا مزودين اجهزة تكنولوجية متقدمة. وصدرت احكام بالاعدام بحق خمسة متهمين.

حذر المستشار السابق للبيت الأبيض في مكافحة الإرهاب ريتشارد كلارك من أن الولايات المتحدة قد تتعرض لهجوم إلكتروني قد يدمرها في غضون 15 دقيقة لأنها لم تستعد بعد لمثل هذا الهجوم خلافا لدول أخرى مثل الصين وروسيا وحتى كوريا الشمالية.فحسب سيناريو كتبه كلارك وروبرت نيك في كتاب "الحرب الإلكترونية.. التهديد الأمني القومي المقبل"، فإن خدمة الإنترنت حينما تتعرض للتشويش، فإن احتمالات كارثية يمكن أن تحصل، مثل اندلاع النيران وانفجارات في مصاف في فيلادلفيا وهيوستن، وتعطل المصانع الكيمياوية وانتشار غيوم من غاز الكلور القاتل في الجو.كما سيكشف مراقبو حركة الطيران عن عمليات اصطدام للطائرات في الجو، وتحطم قطارات الأنفاق في نيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس، وسيعم الظلام في أكثر من 150 مدينة أميركية، ويقضي أكثر من عشرات الآلاف من الأميركيين في هجوم لا يختلف عن الهجوم النووي، وكل ذلك يمكن أن يحصل خلال 15 دقيقة فقط وعلى يد "إرهابي" واحد فقط.ونقلت صحيفة "ديلي تلغراف" عن الكتاب أن "أكبر سر للحرب الإلكترونية أنه في الوقت الذي تستعد فيه لشن هجوم إلكتروني، فإن الولايات المتحدة تستمر في سياساتها التي تجعل من الصعوبة بمكان الوقوف في وجه أي هجوم".فالولايات المتحدة أدخلت الإنترنت في جميع مجالات الصناعة إلى درجة بلغت حد الخطورة في الاعتماد عليه.ويعتقد كل من كلارك ونيك أن الإدارات الأميركية المتعاقبة -بما فيها إدارة الرئيس باراك أوباما- أخفقت في إدراك حجم المشكلة، فالجيش حتى الآن لم يدشن مركز القيادة الإلكترونية وسط خلافات بشأن دور الأجهزة المختلفة التي قد ستعمل فيه.وفي الوقت الذي اخترعت فيه الولايات المتحدة الإنترنت، هناك ما لا يقل عن ثلاثين دولة أنشأت قدرات الحرب الإلكترونية الهجومية التي تهدف إلى زرع مختلف أنواع الفيروسات في شبكات المنشآت الأساسية مثل الجيش والأنظمة المالية للدول الأخرى.ويجزم مؤلفا الكتاب باندلاع حرب إلكترونية في مرحلة ما بين دولتين على الأقل، مما قد يمهد الطريق أمام حرب بالرصاص والقنابل.وحسب تعبير الصحيفة فإن الولايات المتحدة أكثر هشاشة من روسيا والصين وحتى كوريا الشمالية، إذا ما تعرضت لحرب إلكترونية لأن تلك الدول لم تركز على دفاعاتها الإلكترونية وحسب، بل كانت أقل اعتمادا على الإنترنت.

الأكثر قراءة