رفضاً لنهج قيادة الاتحاد العمالي العام
ورفضاً لإدعائها التكلم باسمنا - نحن عمال ومستخدمين وموظفين شباب
نحن طلاب ومعطلون عن العمل
ندعو للاعتصام السلمي أمام مقر الاتحاد العمالي العام
لنعبر عن رفضنا لهذه القيادة المتخاذلة التي تأخذ جانب أرباب العمل ضد العمال
وليكون تحركنا بداية لتحركات تقود الى إسقاط هذه القيادة شعبياً
ونزع صفة التمثيل عنها
ندعو للإعتصام السلمي أمام مقر الاتحاد العمالي العام
لنقول أن الاتفاقات التي تعقدها هذه القيادة هي مجرد اتفاقات بين أرباب العمل أنفسهم للتصدق بمنة يسمونها زيادة أجور على العمال
لأن هذه القيادة منذ توليها حتى اليوم لا تمثل إلا مصالح أرباب العمل
ندعو للإعتصام السلمي أمام مقر قيادة الاتحاد العمالي العام
لنذكر أن هذه القيادة أنتجت بانتخابات وهمية وبعد تأسيس عشرات النقابات والاتحادات الوهمية من قبل أرباب السلطة جميعاً، وما بني على باطل فهو باطل
أنتم قيادة وهمية ومزورة ونحن نرفضكم
الاثنين 23 كانون الأول 2012 الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر
أمام مقر الاتحاد العمالي العام - كورنيش النهر (بعد مستديرة العدلية باتجاه الدورة)
نادر فوز
ماذا يفعل مواطن لبناني مسجون في بلد أجنبي؟
اذا كان من كبار تجار الألماس في أفريقيا، فسـ«يتداعى» النواب الى ارسال وفد رفيع منهم إلى الدولة المعنية لمعالجة الأمور.اذا كان من كبار المستثمرين في القطاع المصرفي في لبنان او في أوروبا، فسيتحرّك رجال الاستثمارات في كل الامكنة لإطلاقه.إذا كان من سلاطين الفنّ، فسيحج الجمهور الى مطار رفيق الحريري الدولي وترفع لافتات «مش guilty».
أما إذا كان الموقوف مواطناً عادياً... فلا شيء يمكن القيام به!
ماذا يفعل معتقل سياسي لبناني في سجن فرنسي؟ حتى الآن، يبدو الجواب: لا
شيء. فلا سلك ديبلوماسياً يسأل، ولا عائلة حزبية تنشط ولا قوى سياسية معنية تتحرّك. جورج ابراهيم عبد الله، المعتقل في السجون الفرنسية منذ تشرين الأول 1984، لا يخطر على بال سوى عائلته والمقربين منه وعدد من الشباب الناشطين في اتحاد الشباب الديموقراطي. هؤلاء وحدهم يلمّون بتفاصيل الملف، ويعرفون أنه أنهى «محكوميّته» منذ 12 عاماً، وأنّ قراراً سياسياً فرنسياً وغربياً يقضي بإبقائه في سجنه. هؤلاء يعرفون أنّ النيابة العامة الفرنسية رفضت واستأنفت وأوقفت قرارات المحاكم الفرنسية لإطلاق عبد الله، وأنّ الأخير تقدّم 9 مرات بطلبات إخلاء سبيل رفضتها كلها السلطات القضائية والسياسية الفرنسية. وهؤلاء هم من يدرك أنّ السلطات الفرنسية تبقي جورج عبد الله في سجنه لكونه يجيب القضاة الفرنسيين في المحاكم، رداً على سؤالهم، بأنه لن يتوقف عن العمل السياسي والنضال لتحرير فلسطين بعد خروجه من السجن.نشاط المعنيين بقضية جورج عبد الله مقسوم إلى مستويين: مستوى دولي من خلال «الحملة الدولية للإفراج عن جورج ابراهيم عبد الله»، وآخر محلي ينشط باسم «لجنة رفاق جورج ابراهيم عبد الله» ويضمّ أهل جورج وأصدقاءه واتحاد الشباب الديموقراطي وشخصيات مستقلة.مرّ 28 عاماً على اعتقال عبد الله. الجهل اللبناني الرسمي والسياسي والحزبي يتعدّى أحياناً سؤال المسؤولين: مَن هو جورج ابراهيم عبد الله؟. والبعض يسلّم برأي السلطات الفرنسية بكونه «إرهابياً ومخرّباً». وهو ما يترجم الواقع الآتي: مثلاً، أحد المقرّبين من الرئيس ميقاتي يؤكد أن رئيس الحكومة لا يعلم حتى اليوم ما إذا كان سيطرح القضية على جدول نقاشاته خلال زيارته المرتقبة إلى فرنسا في الأسبوع الأول من شباط، علماً أن زيارة وفد الحملة الدولية اليوم للسرايا.قبل ما يقارب أسبوع، حصل تواصل بين «الحملة الدولية» والقنصل اللبناني في فرنسا، غادي الخوري. أبلغ الأخير «الرفاق» أنه تداول مع المسؤولين الفرنسيين وأبرق إلى وزارة الخارجية نتائج النقاش. ليتبيّن لاحقاً أنّ الدولة الفرنسية تلاحظ «عدم مطالبة الدولة اللبنانية بالإفراج عن عبد الله»، الأمر الذي يترك الكثير من الأسئلة حول أداء الحكومة اللبنانية، الحالية وسابقاتها.قبل أسبوعين، في 5 كانون الثاني 2012، وجّه عضو كتلة الاصلاح والتغيير، النائب سيمون أبي رميا سؤالاً الى وزير الخارجية عدنان منصور، مستفسراً عن موقف الدولة وتقاعسها عن المطالبة بتحرير المعتقل. الجواب تأخر، ويفترض ان هناك ساعات قليلة قبل وصول الردّ المكتوب لمنصور، والذي حار ودار لأيام بين السرايا الحكومي ومراكز القرار باحثاً عن الأجوبة اللازمة.الأجواء السياسية توحي بأنّ ثمة ما يجول في خاطر القوى السياسية النيابية، تحديداً على صعيد تكتل الإصلاح والتغيير وكتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير. فبعد تحرك أبي رميا، أشارت مصادر مطّلعة إلى أنه تم تكليف النائبين نوار الساحلي (حزب الله) وعلي بزي (حركة امل) مواكبة هذا الملف. الأخيران يعملان بعيداً عن الإعلام. ربما يحاولان كسب الوقت للاطلاع على تفاصيل القضية.جوزيف عبد الله، أخو جورج والناشط في إطار «لجنة الأهل» و«الحملة الدولية»، يقول إنه «في ضوء عمل الحملة وبعض التطوّرات نلحظ كلاماً يوحي بإعادة طرح قضية جورج». يستند جوزيف في قوله هذا إلى ما سبق أن أعلنه الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الفرنسية، ايف بونيه، لصحيفة «لا ديبيش» يوم 7 كانون الجاري، إذ هاجم دولته معتبراً أن استمرار اعتقال جورج «فضيحة» ومعتبراً أن القضية باتت «قضية انتقام دولة». يقول جوزيف انّ ثمة تطوّرات يجب التوقّف عندها «دون إيهام أنفسنا بأي أمر». أي دون إيهام رفاق وأصدقاء جورج بأنّ الدولة اللبنانية قادرة على التحرّك وتحرير مواطنها.من جهة أخرى، يقول مسؤول لجنة رفاق جورج في اتحاد الشباب الديموقراطي، حسن صبرا، انّ الاتحاد مستمرّ بالعمل على هذه القضية منذ 2006 ولحين إطلاقه. يضيف صبرا أنّ التواصل مباشر مع «المناضل» لكونه «يثق بنا وبنشاطنا وينسجم مع أفكارنا».في لقاء اليوم، لن يتردّد ضيوف السرايا الحكومية في تحميل الرئيس ميقاتي مهمّة نقل العمل على تحرير جورج عبد الله من المستوى المدني إلى الرسمي. أهم ما يمكن ميقاتي القيام به هو طرح الملف على جدول أعمال زيارته في باريس، فمن شأن هذه الخطوة تحويل قضية جورج من «قضية مخرّب» إلى قضية معتقل سياسي تطالب دولته باسترداده.
■ من يرغب في مراسلة الأسير جورج إبراهيم عبد الله في سجنه، يمكنه توجيه رسالته إلى العنوان الآتي:
Georges ABDALLAH2117/A – CP de Lannemezan204 rue des SaliguesBP 7016665307‐ LANNEMEZAN
المقاومة وجورج عبد الله
حاولت فرنسا بعد عامي 1996 و2000، لعب دور مركزي في ملف المفاوضات بين إسرائيل وحزب الله، حول تبادل الأسرى والمفقودين.بعد العام 1996، وإثر الدور الذي لعبته باريس في انجاز تفاهم نيسان، لم يمانع حزب الله توسع الدور الفرنسي، وبعد عملية انصارية، حاول الرئيس الراحل رفيق الحريري منح فرنسا دوراً اضافياً، ولم يكن حزب الله معارضاً، برغم ان فرنسا وعدت، على سبيل الاغراء، بأنها ستساعد على معالجة بعض الملفات الاضافية.ووصلت رسالة مفادها أن باريس مستعدّة لإطلاق سراح جورج عبد الله، اذا تولّت هي ادارة المفاوضات.حزب الله لم يمانع، وهو الذي كان قد اعد ملفاً خاصاً بعدد من اللبنانيين والفلسطينيين المعتقلين في دول أجنبية على خلفية الصراع العربي ــــ الاسرائيلي، لكن تل أبيب رفضت، وتراجعت فرنسا.بعد عملية اسر ثلاثة جنود للعدو الاسرائيلي في شبعا عام 2000، وأسر ضابط رابع، تقدمت فرنسا ايضاً بعرض للقيام بالوساطة بين اسرائيل وحزب الله، وفي هذه المرة، وعدت أيضاً بأنها ستبادر إلى اطلاق جورج، وتولّى نافذون في الاستخبارات الخارجية الفرنسية ايصال الرسالة.حزب الله كان أيضاً موافقاً، لكن اسرائيل رفضت من جديد، وأصرّت على أن تتولى ألمانيا ادارة الملف، ويومها اقفلت باريس ملف جورج من جديد.
ابراهيم الأمين
جورج ابراهيم عبد الله، ببساطة، هو رهينة لدى السلطات الإرهابية في فرنسا. الحكومات المتعاقبة هناك، كما الجهازان الأمني والقضائي، يتصرفان بأسلوب إرهابي، وعلى طريقة العصابات.
اعتقال جورج ومحاكمته، ثم منع إخلاء سبيله بحجة رفضه تعهد وقف نضاله، كل ذلك، لا يخرج عن سياق الاسلوب الإرهابي الذي يمارسه المتجبرون باسم القوة، ولا شيء آخر.
فرنسا، تقول لنا إن القوة هي التي تتيح لها استمرار حجز حرية مناضل صرخ وقاتل في سبيل رفع صوت المظلومين من أبناء شعبه.
فرنسا، تقول لنا إنها لا تهتم بكل أنواع الوسائط القانونية، ولا لكل المناشدات الإنسانية، ولا لكل البريد الدبلوماسي، وإنها قررت، وحدها، واستناداً إلى قوتها، أن تحجز حرية مناضل هو، كإنسان، أرفع شأناً من كل المتعاقبين على إدارة السلطات السياسية والأمنية والقضائية في فرنسا.
صمت النخب المثقفة، صمت الصحافة، صمت جماعات حقوق الانسان في فرنسا، صمت المواطن الفرنسي، إزاء هذه الجريمة، يجعل كل هؤلاء شركاء في هذه الجريمة المتمادية.
رسالة فرنسا تقول لنا ما قاله المحامون والناشطون في ملف جورج، كما في ملف البطل الأممي كارلوس، بأن علينا، نحن من ندّعي مناصرة جورج وسجنائنا في أوروبا وأميركا، أن ننظر إلى ما يجري على أنه ارهاب. سواء قام به فرد، أو جهة، أو دولة.
فرنسا باتت مثل اسرائيل، لا أكثر ولا أقل.
فرنسا تقول لنا: افعلوا ما تقدرون عليه لإطلاق أسراكم في سجوننا.
حسناً، يبدو أن الطريق أقفلت، ويبدو أنه لم يعد هناك من طريق، سوى اللجوء إلى الأسلوب نفسه لضمان حرية جورج وحياته.
هو الأسلوب الذي يختاره رفاقه من دون استئذان دولة لا تقوم بواجبها تجاه مواطنيها.
ألسنا نحن القوم الذين لا يتركون أسراهم في السجون؟
بعدما «هَزُلت»، قررت القوى المكوّنة للحكومة أن تجتمع اليوم، وأن تكتب نصاً لقرار تصحيح الأجور يقبل به مجلس شورى الدولة. واقترح وزير العمل شربل نحاس 3 صيغ لقرار تصحيح الأجور، على أن تستمر الاتصالات اليوم لمحاولة التوافق على واحدة منها
نجحت الضغوط السياسية أمس في التوصّل إلى اتفاق بين مكوّنات الحكومة، يقضي بختم ملف الأجور في جلسة اليوم، بعدما أصبح عبئاً على الجميع... هذا ما أوجزته مصادر لـ«الأخبار» بعد يوم طويل من الاتصالات على خطوط عين التينة والسرايا والرابية. وجزمت المصادر بأن الاتفاق اقتصر على بتّ الملف وعدم تركه مفتوحاً، بمعنى أنه لم يشمل الصيغة التي سيتبنّاها مجلس الوزراء.
ولم يُقفل باب الاتصالات امام فريق الأكثرية، إذ قال أحد وزراء قوى 8 آذار لـ«الأخبار» إن التواصل سيبقى قائماً اليوم، «على أمل» التوصل إلى اتفاق بين جميع أركان الحكومة على صيغة موحدة تقي مجلس الوزراء شر التصويت. وأكد الوزير أن الملف»»خرج من السياسة ليصبح تقنياً بحتاً. وتوقع أكثر من وزير أن يصوّت وزراء قوى 8 آذار إلى جانب مشروع نحاس، إذا طُرِح الملف على التصويت في ظل انقسام مجلس الوزراء. «اما إذا ترك تكتل التغيير والإصلاح الخيار لوزرائه ليصوتوا كيفما شاؤوا، فإن كل وزير من الأكثرية سيصوت وفقاً لقناعته».وفي هذه الحالة، سيجري التصويت على واحدة من ثلاث صيغ مقترحة: واحدة يقترحها وزير العمل شربل نحّاس مرفقة برأي مسبق من مجلس شورى الدولة، وثانية تجسّد ما سمّي الاتفاق الرضائي بين بعض قيادة الاتحاد العمّالي العام وبعض ممثلي هيئات أصحاب العمل، وثالثة «تسكب» هذا الاتفاق في قالب قانوني، أي تجعله متوافقاً مع القوانين، وتقدّمه في إطار خيارين، يتضمن أحدهما تعويض قيمة بدل النقل في احتساب قيمة تصحيح الأجر، والآخر يتركه خارج الأجر بحسب ما ينص الاتفاق المذكور، مع إشارة واضحة وذات طابع تحذيري إلى أن ذلك يمثّل مشكلة حقيقية، نظراً إلى مخالفة بدل النقل للقانون.وقال نحّاس إن الوزراء سيكونون أمام خيارين فعلياً: إمّا اتخاذ قرار مخالف للقوانين يكون معرّضاً للطعن فيه، وإمّا احترام القوانين وحماية الضعفاء، وتوجيه رسالة إلى الناس بأن انتظارهم لم يكن عبثياً.وكان نحّاس قد أطلّ إلى جانب النائب ميشال عون، بعد اجتماع تكتّل التغيير والاصلاح أمس، في إشارة إلى استمرار دعم عون لاقتراحه، وقال «إن مسألة الأجور هي للبعض أمر مزعج يجب إمراره، ولكنها بالنسبة إلينا تتعلّق باستعادة حقوق العمّال ودور الدولة». وشدّد على أن ملف الأجور ملف إصلاحي، ولذلك فإنّ مقاربته من جانب وزارة العمل تحصل من منظورين: الأول يتعلّق بتحصين الأجر، إذ جرى الاتفاق مع مجلس شورى الدولة على أنّ الحكومات المتعاقبة منذ عام 1995 سلكت مساراً خاطئاً قي التعاطي مع الأجور، فيما أوجب القانون رقم 36 عام 1967 على الحكومة أوّلاً تحديد الحد الأدنى للأجور الضروري لتأمين متطلبات العيش الدنيا، وثانياً تطبيق معدّلات غلاء المعيشة على الأجور لتصحيحها. ورغم وضوح القانون، لم تقم الدولة بواجباتها، وابتُكر بدل النقل عام 1995. والمنظور الثاني يتعلق بتصحيح الأجر، وقد رفعنا مشروعاً إلى مجلس الوزراء يستند إلى مؤشّر ارتفاع الأسعار منذ آخر عام 1995، وهناك اتفاق وقّعه بعض ممثلي قيادة الاتحاد العمالي العام مع بعض ممثلي هيئات أصحاب العمل، وهو لا يحترم ما يفرضه القانون. ولكن بهدف التعامل بإيجابية طبّقنا أرقام هذا الاتفاق في مشروع جديد على نحو لا يتجاوز الفرق 1% في بعض الأحيان. وهكذا سنطرح على مجلس الوزراء اقتراحنا الأساسي، والترجمة القانونية للاتفاق المذكور».وأعرب نحاس عن أمله بأن يتبنّى مجلس الوزراء مشروع وزارة العمل، وقال «إن خيار قوننة الاتفاق بين بعض قيادة الاتحاد العمالي العام وأصحاب العمل موجود، إذا كانوا يريدون حل مشكلة بدل النقل».كلام نحّاس في الرابية يأتي في ضوء معلومات متقاطعة عن وجود مشكلة تعترض إقرار مجلس الوزراء بدل النقل. وبحسب هذه المعلومات، فإن أكثرية الوزراء ستصوّت لمصلحة الاتفاق، إلا أن هذا الخيار سيؤدّي إلى إطاحة البدل المذكور، وهو ما دفع برئيس مجلس النواب، بصفته راعياً للاتفاق، إلى عقد اجتماعات مسائية أمس مع عدد من ممثلي الاتحاد العمّالي وهيئات أصحاب العمل بحثاً عن صيغة حل، وهو ما بدا متعذّراً حتى ساعة متقدّمة من الليل، إذ إن الصيغ كلّها تؤدّي إلى تبنّي صيغة نحاس، وهو ما يبدو مرفوضاً بشدّة، إذ تمسّك ممثلو هيئات أصحاب العمل بعدم مقاربة بدل النقل.الجدير بالإشارة أن وزير العمل كان قد حصل على موافقة مجلس شورى الدولة على مشروع مرسوم يقضي بتعيين الحد الأدنى الرسمي للأجر الشهري بمبلغ 800 ألف ليرة، وتحديد زيادة غلاء معيشة تحتسب وفق الآلية الآتية:ـــ لغاية الاحتساب، ينزل من الأجر مبلغ 200 ألف ليرة لبنانية الذي أضيف بحكم المرسوم رقم 500 تاريخ 14/10/2008 الواجب إلغاؤه.ـــ تطبّق على الرصيد زيادة غلاء معيشة قدرها:ـــ 100 في المئة على الشطر الأول منه حتى مبلغ 600 ألف ليرة، على ألا تقل الزيادة عن 500 ألف.ـــ 25 في المئة على الشطر الثاني منه الذي يزيد على 600 ألف ليرة ولا يتجاوز مليون ونصف مليون.أمّا الصيغة المقترحة لترجمة الاتفاق الرضائي في الإطار القانوني (مع أخذ العلم بانتهاء مفاعيل بدل النقل وحل مسألة المطالبة به من خلال تعويض قيمته في الزيادة)، فتقضي بتعيين الحد الأدنى للأجور بقيمة 860 ألف ليرة، وزيادة 100% على الشطر الأول حتى 600 ألف، على ألا تقل الزيادة عن 560 ألف ليرة، وزيادة 13% على الشطر الثاني بين 600 ألف ومليون و200 ألف ليرة.أمّا ترجمة الاتفاق الرضائي في الإطار القانوني، من دون احتساب بدل النقل، فتقضي بتعيين الحد الأدنى بمبلغ 675 ألف ليرة، وزيادة 100% على الشطر الأول حتى 400 ألف على ألا تقل الزيادة عن 375 ألفاً، وزيادة 9% على الشطر الثاني بين 400 ألف ومليون ونصف مليون ليرة.ويبقى أن الاتفاق الذي يتمسك بنصّه ممثلون عن قيادة الاتحاد العمّالي وممثلون عن هيئات أصحاب العمل يقضي بتعيين الحدّ الأدنى بمبلغ 675 ألف ليرة، وزيادة بنسبة 35% على الشطر الأول حتى مليون ليرة، على ألا تزيد على 200 ألف ليرة، وزيادة لا تقل ولا تزيد على 50 ألف ليرة على كل من الشطرين الثاني والثالث، وإبقاء بدل النقل بقيمة 8 آلاف ليرة عن كل يوم عمل، وإصداره بمرسوم استثنائي مستقل.
خلال اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات أمس، كشف الوزير مروان شربل، بدون قصد، عن فضيحة «داتا البصمات» ووقوع الدولة اللبنانية ضحية إحدى الشركات الفرنسية المكلفة طبع الهويات اللبنانية
مرّ المشهد السياسي بسلام أمس، بعد أيام على كارثة فسوح وساعات على جلسة حكومية هادئة تليها اليوم أخرى على جدول أعمالها بند تصحيح الأجور. لكن ما شدّ الأنظار أمس، حديث وزير الداخلية مروان شربل، خلال اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، وكشفه عن مخالفات بشأن عقد موقّع بين وزارة الداخلية وشركة «ساجيم» الفرنسية منذ العام 1996، ويقضي بإصدار بطاقات الهوية اللبنانية. وبحسب ما نُقل عن شربل، تقوم هذه الشركة، منذ توقيع العقد عام 1996، بحفظ بصمات المواطنين وإدراجها على الملفات الخاصة ببطاقات الهوية اللبنانية، وهي مهمّة تكلّف الخزينة 7 ملايين دولار سنوياً.
وقال شربل أمس إنه أبلغ من قبل القيّمين على الموضوع في وزارة الداخلية، أنه لا يستطيع تغيير الاتفاق مع الشركة ولا فض العقد معها، «لكون العقد ينص على انه في حال إلغاء هذا العقد، فإن داتا البصمات تصبح ملكاً للشركة لا للدولة اللبنانية». ولفت شربل إلى أنه اضطر إلى المضي في هذا الاتفاق، مشيراً إلى أنّ كل ما تمكّن من فرضه هو «خفض قيمة العقد إلى مليوني دولار». هذا الملف الذي تناوله الوزير عرضاً خلال جلسة أمس، ترك الكثير من التساؤلات والتعجّب لدى النواب المشاركين، خصوصاً لجهة الضرر الذي يخلّفه على الدولة اللبنانية، من النواحي السيادية والأمنية والسياسية والمالية.
وكان اجتماع اللجنة مخصصاً لمناقشة تطبيق القانون الخاص بصون حرية التخابر (قانون التنصت)، فجرى التركيز بحسب رئيس اللجنة، النائب حسن فضل الله، على أمرين أساسيين: أولاً، صون حرية المواطنين اللبنانيين جميعاً بحيث لا يصار إلى التعدي على خصوصياتهم ولا تستباح حرياتهم الشخصية، وثانياً، مساعدة الأجهزة الأمنية وفق الضوابط القانونية، «وخصوصا ما يتعلق بعمل مركز التحكم». ولفت فضل الله إلى أنه جرى استعراض لآلية عمل هذا المركز وكيفية المحافظة على سرية عمله ومنع التنصت «من خارج القرارات القضائية أو الإدارية». وعن القضية الأساسية في هذا الملف والمتعلقة بطلب الأجهزة الأمنية داتا الاتصالات من وزارة الاتصالات، أكد فضل الله أنه لحين استكمال عملية التطوير التقني لمركز التحكم (المفترض أن تنتهي بغضون ثلاثة أشهر)، التزم الوزير مروان شربل بعدم إعطاء «داتا الاتصالات عن كل اللبنانيين لأي جهاز من الأجهزة، وأن الأمر سيبقى منوطاً بقرار من وزير الداخلية وفق الآلية المعتمدة». وأضاف فضل الله أنّ شربل لن يحوّل أي طلب إلى وزارة الاتصالات إلا في «الحالات المتعلّقة بأمن الدولة»، أي بالتحقيقات ذات الطابع الأمني السيادي.
وتناولت اللجنة أيضاً «الإجراءات التي اتخذتها وزارة الاتصالات لمواجهة الأخطار والأضرار التي لحقت بشبكة الاتصالات نتيجة التجسس الإسرائيلي، خصوصاً بعد اكتشاف الجاسوس العميل في اوجيرو ووزارة الاتصالات». ورداً على سؤال عن الاستفادة من داتا الاتصالات لتعقب المجرمين، لفت فضل الله إلى أنه «تمّت مناقشة هذا الأمر بإسهاب وبكل موضوعية، وقلنا إذا حصلت جريمة ما في منطقة معينة، فالوزارة تطلب الداتا عن هذه المنطقة وفي يوم معين، لكن ما هو المبرر إذا حصلت عملية سطو عبر دراجة نارية في منطقة ما أو حي أو زاروب ما أن تطلب داتا المعلومات عن كل اللبنانيين لمدة شهرين حتى يكتشف هذا السارق؟ هذا أمر غير مقبول». أضاف أنّ الوزير شربل اقتنع بهذا الأمر ووافق على النتيجة التي توصّلنا إليها.
وعلى صعيد آخر، أعادت كتلة المستقبل بعد اجتماعها الأسبوعي تحذير الحكومة من مراوحة ملف تصحيح الأجور وانعكاسه على الأوضاع الاجتماعية والمالية، كما «توقفت بأسف أمام استمرار تدهور الاوضاع في سوريا واستمرار استخدام العنف»، معتبرة أن «استمرار هذا الاسلوب يدفع بسوريا نحو اوضاع خطيرة».
من جهته، أثار النائب ميشال عون بعد ترؤسه اجتماع تكتل التغيير والإصلاح نتائج التحقيقات التي أجراها كل من البنك الدولي وشركة «أوراكل» عن أوضاع وزارة المال. وقال عون ان هذين التقريرن «يؤكدان كل كلمة قلناها». أضاف عون: «هذا أهم موضوع على الأرجح، لأنه لم يحدث بعد في أي دولة، مهما كانت بدائية، محاسبة كهذه! ولا يزالون يرفعون رؤوسهم فيتّهمون الناس بالسرقة ويتكلمون يميناً وشمالاً. على كل حال، إذا كانت هذه هي تربيتهم، فليس بيدنا حيلة، فمن شب على شيء، شاب عليه».
وفي سياق آخر، زارت أمس السفيرة الاميركية، مورا كونيللي، الرابية والتقت النائب ميشال عون، وعبّرت بعد اللقاء عن قلق بلادها «العميق من استمرار النظام السوري بقمعه العنيف للشعب السوري، على رغم وجود المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة العربية». وشددت كونيللي على «قلق الحكومة الاميركية من ان تؤدي التطورات في سوريا الى المساهمة في عدم الاستقرار في لبنان».
كذلك تمنى السفير الفرنسي في لبنان، دوني بييتون، ان يوقف «الرئيس السوري العنف تجاه شعبه»، مضيفاً أنّ «الحوادث التي تحصل في سوريا تثبت ان النظام السوري فقد شرعيته».
مشروع الليطاني
أقيم في السرايا الحكومية أمس احتفال إطلاق مشروع إمداد الجنوب بمياه نهر الليطاني، المعروف باسم «القناة 800». وألقى رئيسا مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي كلمتين ركزا فيهما على أهمية المشروع. ورأى بري ان المشروع «انتصار جديد على إسرائيل»، شاكراً دولة الكويت على اهتمامها بتنفيذه.
يعدّ المناضل جورج إبراهيم عبد الله، المسجون في فرنسا منذ العام 1984، شيخ «مساجين الرأي» في «موطن حقوق الإنسان». وكانت الإدارة القضائية الفرنسية المتخصصة في تنفيذ الأحكام قد أصدرت قراراً بالموافقة على إطلاق سراحه، في تشرين الثاني 2003، إلا أن وزارة العدل عطّلت ذلك
عثمان تزغارتباريس | تصرّ السلطات الفرنسية على إبقاء المناضل السابق في «الألوية المسلّحة الثورية اللبنانية» في السجن، بالرغم من مرور 28 سنة على اعتقاله. مما يشكِّل خرقاً صارخاً للإجراءات القانونية الفرنسية وللمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تنص أن المحكومين بالسجن المؤبد يجب أن يُطلق سراحهم بعد 18 سنة حداً أقصى. جورج إبراهيم عبد الله، الذي بدأ مشواره النضالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قبل أن ينتسب إلى «الألوية المسلّحة الثورية اللبنانية»، أُلقي عليه القبض، في تشرين الأول 1984، في مدينة ليون. وكانت «الألوية اللبنانية» متهمة آنذاك بتدبير عدد من العمليات الفدائية المدوّية، وأبرزها اغتيال الملحق العسكري الأميركي في باريس، تشارلز روبرت راي (18 كانون الثاني 1982)، والدبلوماسي الإسرائيلي يعقوب بارسيمنتوف (3 نيسان 1982).
لكن السلطات الفرنسية لم تتوصل إلى أي أدلة تدين عبد الله، باستثناء منشورات تدل على انتمائه إلى «الألوية الثورية اللبنانية» وجواز سفر جزائري مزوّر. لذا، لم توجَّه له حين قُدِّم أمام المحكمة للمرة الأولى، في تموز 1986، سوى تهمة واحدة هي «استعمال وثيقة سفر مزوَّرة».يوم 6 آذار 1985، دوَّن مستشار الرئيس فرنسوا ميتران، جاك أتالي، في يومياته، التي نُشرت عام 1988 في كتاب مذكراته عن «سنوات الإليزيه»: «لا تتوفر لدينا أي أدلة ضد جورج إبراهيم عبد الله. لذا، لا يمكن أن توجِّه إليه المحكمة أي اتهام آخر سوى امتلاك جواز مزور». تلك التهمة البسيطة التي وُجِّهت إلى «الثوري اللبناني الملتحي» كان معناها أنه سيغادر السجن بعد أقل من 18 شهراً. لكن قضيته لم تلبث أن سلكت وجهة مغايرة تماماً، أدت إلى إدانته بالمؤبد.وتروي المحامية إيزابيل كوتان باير (زوجة كارلوس ومحاميته حالياً)، التي كانت عضو هيئة الدفاع عن عبد الله، التي ترأسها «سفاح المحاكم» جاك فيرجيس، تفاصيل «المؤامرة القضائية» التي لُفقت ضد الثوري اللبناني، قائلة: «استُدعي عبد الله مجدداً إلى المحكمة، على نحو مفاجئ، في 28 شباط 1987، وفوجئنا بتهم مغايرة وأدلة جديدة لم تكن مدرجة في الملف خلال المحاكمة الأولى. وزعم الادعاء بأن أسلحة قد حُجزت في مخابئ وشقق سرية تابعة لعبد الله. واعُتبر ذلك دليل إثبات على اشتراكه في العمليات الفدائية التي نفذتها الألوية الثورية اللبنانية في فرنسا، عام 1982».وتتابع المحامية الفرنسية: «لم تتورّع المحكمة عن إصدار حكم المؤبد بحق موكلنا، رغم احتجاج هيئة الدفاع بأن الأدلة الموجهة إليه لم تكن مدرجة في ملف القضية الأصلي وتمت فبركتها لاحقاً، لإدانته بأثر رجعي. وفي ذلك خرق صارخ للأعراف القانونية».كان واضحاً أن «الثوري الملتحي» وقع ضحية تلفيق أمني. لكن معالم المؤامرة التي حاكها جهاز «دي إس تي» الفرنسي لم تنكشف سوى بعد أكثر من عشرية على إدانته. في مذكراته التي صدرت عام 1998، بعنوان: «مكافحة الجوسسة: مذكرات رئيس الـ دي إس تي» (منشورات «كالمان ليفي» ــــ باريس) كشف قائد الاستخبارات الفرنسية السابق إيف يونيه، بعضاً من خيوط المؤامرة، قائلاً: «استطعنا أن نجمِّع معلومات كافية ضد عبد الله بعدما نجح قائد شعبة مكافحة الإرهاب، جان فرنسوا كلير، في استقطاب مخبر مقرّب جداً من الألوية الثورية اللبنانية». واكتفى بونيه آنذاك بالترميز إلى ذلك «المخبر» باسم «جان بول ـ إم»، مشيراً الى أنه محام!وفي تموز 2001، وفيما كان الثوري اللبناني مسجوناً منذ 17 سنة، فجّر المحامي جان بول مازورييه، الذي كان عضواً في هيئة الدفاع عن عبد الله، قنبلة هزّت الوسط القضائي الفرنسي، حيث اعترف في مقابلة طويلة مع جريدة «ليبراسيون» بأنه هو المخبر الذي لمّح إليه إيف بونيه. وروى المحامي بالتفصيل كيف استقطبته الاستخبارات الفرنسية للتجسس على موكله (هذا في حد ذاته يشكل حجة قضائية كافية لإبطال الحكم الصادر بحق عبد الله). وأضاف مازورييه أن الـ«دي إس تي» أوعزت له بإيهام موكله بأنه يقاسمه أفكاره الثورية ونضاله من أجل القضية الفلسطينية. إلى أن وثق فيه عبد الله وصار يوفده للقاء رفاقه في «الألوية الثورية» في لبنان. مما سهّل على الاستخبارات الفرنسية اختراقها، وبالتالي تجميع أدلة الإدانة ضد عبد الله.إثر الفضيحة التي فجّرتها اعترافات «المحامي المخبر»، توقّع الجميع أن تقوم هيئة الدفاع عن عبد الله برفع طعن قضائي لإبطال الحكم ضد موكلها، لأن القانون الفرنسي يحظر استعمال المحامين والأطباء والصحافيين للتجسس على المتهمين وتجميع الأدلة ضدهم. لكن هيئة الدفاع لم تفعل ذلك، وفضلت التريث إلى عام 2002 لتقديم طلب الإفراج عن عبد الله بعد انقضاء مدة سجنه. ورغم الرفض المتكرر، الذي قوبلت به طلبات الإفراج عن عبد الله، منذ 10 سنوات، أحجمت هيئة الدفاع عن تقديم طلب إبطال الحكم على خلفية واقعة التجسس المذكورة. ورفض جميع من تحدثنا معهم في هيئة الدفاع الخوض في أسباب ذلك، واكتفى أحد أعضاء الهيئة بالقول ان هذا السؤال يجب أن يُوجّه إلى رفاق عبد الله في «الألوية الثورية اللبنانية»!أما قائد الـ دي إس تي السابق إيف بونيه، فيعترف اليوم بأن ما حدث كان «مؤامرة أمنية مخالفة للقانون»، ويقول: «لقد تصرفنا في هذه القضية فعلاً كمجرمين comme des voyous»! ويضيف: «يجب عليَّ اليوم أن أضم صوتي إلى المنادين بالإفراج عن عبد الله. فقد آن الأوان لوضع حدا للظلم الكبير الذي ألحقناه به».
كارلوس لـ «الأخبار»: الجزائر تعهدت باطلاقه
كشف كارلوس، في تصريح خاصّ لـ «الأخبار»، أنه بالإضافة إلى «المؤامرة القضائية التي حيكت ضد جورج، فقد كان أيضاً ضحية تلاعب فرنسي آخر». وقال كارلوس: «لقد كنتُ شاهداً مباشراً بأن فرنسا تعهدت للمقاومة الفلسطينية، عبر وسطاء حكوميين جزائريين، بأنها ستطلق عبد الله ضمن الصفقة نفسها التي أفضت إلى إطلاق أنيس النقاش. لكن باريس أخلّت بتعهداتها الأمر الذي شكَّل صفعة دبلوماسية قاسية للجزائر، لأن الوسطاء الجزائريين أكدوا للمقاومة أن حكومة بلد المليون شهيد تتعهد بشرفها أن الصفقة ستتم وفق ما تم التوافق عليه مع الطرف الفرنسي».وذكّر كارلوس بأنه توجّه برسالة مفتوحة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، غداة توليه الحكم عام 1999، ناشده فيها «ألاَّ يسكت عما قامت به فرنسا من دوس لكلمة الشرف التي قطعتها الجزائر».وتشير معلومات «الاخبار» الى أن الوسيط الجزائري الذي دار الحديث عنه هو الجنرال الراحل إسماعيل العماري. أما عن الطرف الفرنسي، فقد تولّى المفاوضات جان شارل ماركياني. أما إيف بونيه، الذي كان متابعاً بحكم منصبه كقائد للاستخبارات الفرنسية، فقد اعتذر عن عدم التحدث في الموضوع. فيما نفى النقاش فنفى لـ «الاخبار» علمه بهذه الواقعة.
في الخامسة والنصف، ارتجّ المبنى، وارتجّت معه المنازل. في ثوانٍ معدودة، سقطت عشرات السنين على الأرض، ونام المبنى فوق أهله إلى الأبد. سبع طبقات سوّيت بالأرض، ورقد تحتها ثلاثة شبان هرعوا لإنقاذ والدهم المقعد، عمّال أجانب، وتلميذة المدرسة الصغيرة. عدد النائمين تخطى العشرين
أحمد محسنماتت آنا ماريا عبد الكريم. التلميذة، لن تستيقظ في السادسة، لن تمشط شعرها الطويل. لن تضع نظارتها وتختار كتب اليوم. لن تلبس المريول الأخضر وتفتح المظلة البيضاء في انتظار الأوتوكار. من بين الأنقاض تسلقت مظلة إحدى الرافعات وسقطت في شاحنة، وقرب مفترق «محلة فسوح» مرّ الأوتوكار. لكن آنا ماريا لم تفتح المظلة ولم تكن في الأوتوكار. قيل كلام مشابه في أطفال كثيرين ماتوا في الحروب. في آنا ماريا يقال أكثر من ذلك، لكن لا أحد رغب في الكلام. تقول جارةُ إن الفتاة كانت «عاقلة». شعبياً، عاقلة تعني هادئة.
في اللحظة الصفر، كانت في المنزل مع شقيقتها التوأم، أنتونيلا، وكان هناك الشقيق الأكبر أنتوني. أصيبت الشقيقة بكسور في يدها. قد يكون المشهد سوريالياً هنا، فـ«اليد المكسورة كانت ممدودة إلى آنا ماريا». الجارة سمحت لنفسها بالاستفاضة، بالتفكير كثيراً في المشهد؛ «لأننا نعرفهم ونحبهم». طبعاً لم تكن في المنزل معهم لحظة الانهيار، لكنها تروي قصة تمتد إلى خمس دقائق، لسرد حدثٍ استمر ثواني معدودة. ثوانٍ معدودة أنهت أعواماً طويلة في جيرة المبنى. لقد قرّر المبنى أن ينام فوق أهله متجاوزاً اعتبارات الصداقة بينه وبين الساكنين. لم يقم حساباً للمعرفة القديمة أو لبراءة القتلى الصغار. يقول صاحب سناك قريب إن المبنى الملاصق «ظهر بلا جدران دعم وخلخل المبنى المنهار». لا يشك للحظةٍ واحدة في أن صاحب ذلك المبنى مذنب، مؤكداً أن الساكنين «طالبوه في أكثر من مناسبة بالتأكد من مراعاة بيوتهم». كانت بيوتاً طاعنة في السن، وأغلب ساكنيها كذلك. هل يمكن لومهم على نداءاتهم أو الطلب منهم أن يستكينوا قليلاً الآن؟ هل يقنعهم «رجال النيات الحسنة» الذين يسكنون قصوراً لم يخرجوا منها أمس إلا لتفقد أشلائهم. ماتت فتاة في الخامسة عشرة وهم مسؤولون عن دمها.لا بد أن يكون هناك «مسؤول غير القدر»، تقول الجارة بحسرة.والدة آنا ماريّا، فوالا عبد الكريم، التي تعمل في محل تجاري، تلقت اتصالاً في السادسة تقريباً. نقلوا لها فيه ما حدث. قالوا لها إن المبنى اختفى. جاءت، ولا أحد يعلم كيف وصلت تبحث عن أولادها. الوالد كان خارج المنزل هو الآخر. يقول الجيران «الله كبير». الله يحب الأم فوالا، لأن «أنتوني وأنتونيلا لم يموتا». وعلى هذا المقياس، يمكن الجزم بأن الله يحب آنا ماريا أكثر من الجميع. آنا ماريا أصغر الضحايا أعواماً. أول الذاهبين إليه. وتلك الفتيات، اللواتي كن يلبسن المريول الأخضر الموشوم بإشارة «نادي الحكمة» المألوفة، واقفات أمام الأنقاض، كن متجهمات ورأين أنفسهن في ركام آنا ماريا، هذا الغضب الذي أفسد الصباح.
وحتى ساعة متأخرة، من عصر أمس، ظلّ أربعة من أفراد عائلة طانيوس فرحات من بلدة زحلتي ـــــ قضاء جزين، محتجزين تحت ركام المبنى المنهار. لعلها القصة الأشد مأساويةً؛ إذ نقل عن أقرباء الضحايا، أن جهاد، الذي طفت جثته فوق بقايا الدرج، صعد برفقة شقيقيه فرحات وشارلي، إلى المبنى رغم أنه تلقى إنذاراً من الطبقة الأخيرة، التي أعلنت بدء الاهتزاز القاتل. كانوا ثلاثة شبان في سباق مع زلزال قد يخطف والدهم. كانوا ثلاثة وصعدوا ثلاثتهم. لم يبق أحد منهم مع الوالدة جان دارك، التي غادرت الطبقة الأولى بعد طلب حاسم من الشبان، فيما كانت الشقيقتان غلاديس وغرازييلا خارج المنزل. جهاد ترك خطيبته مع والدته. غالب الظن أنهم ماتوا على الدرج. احتجزوا هناك خارج المنزل لكنهم ماتوا فيه في الوقت عينه. في تلك الحالات، الدرج هو المنزل. سكنته أرواحهم إلى الأبد. وصلت الطبقات إلى رؤوسهم بسرعة خاطفة، وبقوا هناك قرب والدهم. رفض واحدهم النجاة، فالنجاة فرادى أصعب من الموت جماعةً. يقول صديق للعائلة إن الشبان لطالما أصروا على الوالد أن ينتقل، لكنه أحب هذا المنزل لأنه لا يعرف العيش في غيره: «هذا الجيل هكذا» يستفيض صديق جهاد جازماً بأنه لا يلوم الضحية على موتها. يرسم صليباً على صدره ويصلي للموتى. تبقى هذه الجمل مجرد أقاويل تُحاك على مقاس الفاجعة. لكن الفاجعة أكبر من الأقاويل ومن مباني الأشرفيّة جميعها. جان دارك راقبت موتهم الذي ركضوا إليه. شاهدت بأم عينها شبانها الثلاثة يموتون مع والدهم. خسرت كل شيء دفعةً واحدة. صورهم دفنت معهم وأغراضهم ورائحتهم التي ابتلعها غبار كثيف. لم يكن الصعود إلى مبنى ينهار خياراً واقعياً، لكنه كان الخيار الوحيد... إذا كان الخيار الآخر هو الفرجة. لم يقبل أحد أن يرى ركاماً يغرق والده الغارق أساساً في كرسي بإطارات. ماتوا أربعتهم على الدرج. كان ينقصهم بضع ثوانٍ فقط للنجاة.لم يسمع الجيران أصواتاً... «بتعرف يعني صقعة وتلج مين بدو يضهر بهالليل»، يقول شاب أربعيني، أتى لوداع «جيران العمر». يذكر أن عموداً انهار في الطبقة الأولى عشية الميلاد. كان إنذاراً سماوياً لم يتلقفه «صاحب المبنى كما ينبغي». الجيران ناقمون عليه، لا بل يصرّون، صاحب المبنى هو م.س. الذي يملك محلاً للخياطة في المبنى، لم يكن مفتوحاً لحظة انهياره. وللدلالة على أنه يعرف تاريخ المبنى، يقول الجار الذي هرع قبل الجميع إن المبنى كان مملوكاً من فؤاد فغالي، وباعه لرجل من آل منصور، الذي باعه بدوره لمالكه الحالي. ويلفت إلى أن الطبقتين العلويتين، المسكونتين غالبهما من العمال الأجانب، أضيفتا بطريقةٍ «غير شرعية خلال سنوات الحرب الأهليّة». ويومها «طنّشت» الميليشيات عن سير البناء الذي «لم يراع السلامة العامة طبعاً». كانت فوضى، والميليشيات تفعل ما تريده. وعندما عادت الدولة عادت بالتسويات. لم تكشف على صلاحيّة المبنى الذي سوّي بالأرض أول من أمس، وصار مسرحاً لا يمكن الجماهير التصفيق لأبطاله. فأبطاله جميعهم فقراء. الفرّان القريب موقنٌ أن «الإيجارات كلها قديمة، باستثناء العمال الأجانب، الوافدين الجدد». لا أحد منهم من الأشرفيّة أصلاً، بل قصدوها قبل الحرب وخلالها، هرباً من الفرز الديموغرافي الحاد آنذاك. غالطوا الحرب، لكن الدولة التي ورثتها أهملتهم. الجيران ساخطون. أخلوا مبنيين ملاصقين كي لا يباغتهم الموت، ويأتي السياسيون لمواساتهم، بعد خلوّ المكان من العاصفة.يقول الشاعر الفرنسي، رينيه شار، إن العاصفة ممتعة إذا كان كان البيت قوياً. لكن البيوت كانت ضعيفة وكانت العاصفة متوحشة: استفردت بعزلة القاطنين، الذين فوجئت «الدولة» بوجودهم أمس. ماتوا لأنهم فقراء ولأنهم لا يملكون مكاناً يأوون إليه. لا شك في ذلك وجزء كبير من السكان كانوا عمالاً أجانباً. حافظ أحمد، العامل السوداني، الذي كان يقطن في شقة واحدة، مع سبعة من مواطنيه، غادر قبل ربع ساعة فقط. غادر ليحضر العشاء وعاد ليدفن الأصدقاء. هو أجددهم في المنطقة. وللمناسبة، لم يبد أي من السكان اعتراضاً على إقامة العمال الأجانب في المبنى، على عكس المناطق الأخرى، التي تشهد طفرة عنصرية ضد هؤلاء. الجميع تشارك المأساة أمس. حافظ لم يفكر في حياته أن موتهم هكذا سيكون. هناك ثمانية عشر سودانياً في أقل تقدير، حسب تقديرات حافظ، حتى الآن، رغم وقوفه في مكان الحدث، لم يعرف من مات منهم ومن نجا. يؤكد أن الشائعات التي تتحدث عن قفز أحد مواطنيه من الطبقة الخامسة، في اللحظات الأولى، صحيحة. لقد قفز الشاب السوداني، على طريقة المنتحرين من أحد برجي التجارة في نيويورك، ونجا. هذه المعلومة الوحيدة التي يعرفها الشاب، الذي لا تخفي لطافته كآبةً جاثمة على صدره. يكاد يبكي حين يعدّهم. لا يجد أغراضهم ولم يسمحوا له بالاقتراب. نُقل إليه أنهم يصنفون الموتى حسب جنسياتهم، حتى الآن: 9 لبنانيين، 6 سودانيين، مصريان، وفيليبينيتان، إحداهما كانت مارةً بالصدفة. وفي هذا الإطار، وصف السفير السوداني، إدريس سليمان الطلب من القاطنين إخلاء المبنى قبل نصف ساعة بالأمر «غير اللائق؛ لأنه كان يفترض الإغلاق منذ وقت طويل». بدوره، نفى السفير المصري وجود «أي مصريين مفقودين في المبنى»، واصفاً عمليات الإغاثة بـ«الحرفية». ورجح حافظ، العارف بأمور المبنى، أن أعداد الضحايا السودانيين سترتفع؛ لأنهم كانوا يسكنون الطبقة الأولى، في مقابل آل نعيم «أخواتنا وحبايبنا». اكتفى حافظ بالوقوف في الورشة القريبة، على طبقة مرتفعة، كي يحصي قبل الآخرين، جثث الأصدقاء.وبين الواقفين كان هناك جار المبنى، يذكره قبل أربعين عاماً. يستدرك، موضحاً أنه لا يبالغ. هو عمره 45 اليوم والمبنى أكبر منه بقليل. من على شباكٍ، كان يقف عليه، شاهد الكارثة، فالمنازل كانت متلاصقة... «الحيط بالحيط ». يشرح: «بيت جعارة عالخامس، بيت بقلة عالرابع، وبيت نصر عالتالت، وعالأول، بيت نعيم، وعالسادس بيت عبد الكريم » يشبه المشهد بالدفن. دفن تحاول ذاكراتهم أن تكافحه. يرجح أن المبنى الميت أنشئ قبل الاستقلال، لكنه لا يستطيع الجزم. يفرك صلعته بإصبعين، كأنه يحفز ذاكرته على استعادة المشاهد. كان المبنى جميلاً والحيّ ضيعاوياً. وكانت هناك أشجار أكثر من المباني، حين سكنه آل جعارة، أصدقاؤه. تحديداً جاك، الذي درس المحاماة، وكان يعمل في مستشفى الجعيتاوي. استقبلته المستشفى أمس مرةً أخيرة، على سرير. لقد نام سريره وحيداً، تحت الركام، الذي حماه من العاصفة أربعين عاماً. يذكر أنه كان يلعب قربه حين كان طفلاً. لا يتخيّل المنطقة من دونه، وطبعاً، يقصد من دون أهله. عندما فكروا بالانتقال، مع أولادهم، كان خبراً مزعجاً. كيف تكون الحال إذا انتقلوا، هكذا، إلى الأبدية. يعاود حك الصلعة. يدقق في أشياء عالقة بين الحيطان المنهارة. قد يلمح قبعة والد جاك، أو معطفه. لكن لا شيء من ذلك يظهر. وكانت هناك سيدة خمسينية أرهقها الوقوف بين عاصفتين. العاصفة الأولى أودت بطريقة أو بأخرى بالمبنى العتيق، والعاصفة الثانية تدور في رأسها. ليس واضحاً إن كانت تهز يدها برداً أو خوفاً أو توتراً. فقد جمع وجهها صفات الألم، مبلولاً برذاذ دمع صباحي، متجهماً كالجرافات التي تفرغ حمولته في شاحنات ضخمة. وكان لسان حالها يتمتم على شفتين مثقلتين بالبرد: «برفق أيها الصليب الأحمر، برفق، أمي هنا، تحت الأنقاض، نامت بسلام». وفي مكانٍ ما إلى جانبها، رقد ليث، الفتى الأصم، الذي وقع في طفولته عن الطبقة الرابعة على سيارة متوقفة تحت المبنى، ولم يمت. فضّل الموت بعد سبع سنوات، أول من أمس، قرب والدته.
تعويض ولجنة تحقيق
قرّر مجلس الوزراء أمس منح تعويض لعائلة كل ضحية من ضحايا المبنى المنهار في الأشرفية قدره 30 مليون ليرة لبنانية. وأصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قراراً ألّف بموجبه لجنة لإجراء التحقيق اللازم لتبيان الأسباب التي أدّت إلى انهيار المبنى، تقديم الاقتراحات اللازمة بشأن وضعية الأبنية القديمة التي قد تكون معرضة للانهيار والتي يمكن أن تمثّل خطراً على السلامة العامة. ويفترض أن تضمّ اللجنة مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الفنية المهندس كلود مسعد رئيساً، على أن يكون الأعضاء ممثلين عن وزارتي الاشغال العامة والنقل والداخلية والبلديات، ممثلاً عن بلدية بيروت وممثلاً عن نقابة المهندسين في بيروت. ويسمي الأعضاءَ الوزير المختص ورؤساء الإدارات المعنية. وأوصى القرار بأن ترفع اللجنة تقريرها إلى رئيس مجلس الوزراء خلال مهلة خمسة عشر يوماً ابتداءً من تاريخ صدور هذا القرار.من جهة ثانية، أعلن الصليب الأحمر اللبناني في حصيلة لعمليات الإنقاذ، أنه حتى السابعة والنصف من مساء أمس، انتُشلت 26 جثة و12 مصاباً من تحت الأنقاض.
أصدرتْ حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان البيانَ الآتي
هل بات لبنانُ مسرحاً لمن هبّ ودبّ من داعمي العدوّ الإسرائيليّ؟
فبعد بلاسيبو، ودي جاي تييستو، وآرمين فان بيورين، وغيرهم ممن أحيوْا حفلاتٍ في لبنان بعد إحيائهم حفلاتٍ في "إسرائيل"، متجاهلين جرائمَ هذه الدولة وعنصريتَها واحتلالَها وانتهاكَها لسيادتنا، يستضيف كازينو لبنان حفلاً للمغنّية لارا فابيان في عيد العشّاق (14 و15 شباط 2012). الجدير ذكرُه أنّ فابيان غنّت في فرنسا، وباللغة العبريّة، في احتفال الذكرى الستين لتأسيس"إسرائيل" (25 أيّار 2008)، أغنيةً من الموروث الاستيطانيّ الصهيونيّ للشاعرة الصهيونيّة نعومي شيمر، معلنة في نهاية العرض الكلماتِ الآتية: "إسرائيل، أنا أحبّكِ!". كما سبق أن غنّت في تل أبيب (في نهاية آذار 2010)، وشاركتْ في احتفال "سركل بن غوريون" الصهيونيّ في بروكسل.
إننا نناشد كازينو لبنان، وهو مؤسّسة تملك الدولةُ اللبنانيّةُ نصيبًا كبيرًا فيها، سحبَ الدعوة من هذه المغنّية الداعمة للصهيونيّة. ونناشد الرعاة سحبَ تمويلهم لزيارتها. كما ننبّه وزارتي السياحة والثقافة إلى هذا الاختراق التطبيعيّ الخطير للبنان. وندعو مواطني شعبنا كافّةً إلى الامتناع عن الذهاب إلى حفل فابيان: فمن يغنّي في الكيان الصهيونيّ يتغاضى عن جرائمه؛ فكيف إذا غنّى في ذكرى اغتصاب "إسرائيل" لفلسطين؟ إنّ غناء فابيان في الذكرى الستين لتأسيس الكيان الغاصب هو تأييدٌ فاضحٌ للممارسات الإسرائيليّة الإجراميّة في فلسطين ولبنان والAffinityCMSن والبلاد العربيّة طوال هذه العقود.
إنّ من يغنّي للاحتلال والعنصرية لا يمكن أن يغنّي لفالانتين، لا يمكن أن يغنّي للعشق والحبّ!
بيروت في 14/1/2012
يفاجأ بائع الصحف قرب المركز الصحي الاجتماعي، التابع لمديرية الصحة الاجتماعية في مؤسسة رفيق الحريري، في منطقة الحدادين في طرابلس، بالسؤال عن مواعيد العمل في المركز. «هذا أقفل قبل ثمانية أشهر. سر خمسين متراً تجد مستوصف جمعية «العزم والسعادة»، الرئيس نجيب ميقاتي يطبّبك». والموظفون؟ «بعضهم طرد وآخرون نقلوا إلى أحد المركزين الآخرين لمؤسسة المستقبل في المدينة». المركز الطبي بات شقة سكنية. يستنفر الجيران لسؤال الزميلة المصورة عما إذا كانت هناك نية لإعادة فتح المستوصف، معتقدين أن الآتي من بيروت يعرف أسراراً لا يعرفها القاطنون في المدينة مهما كانت مواقعهم التنظيمية.
من الحدادين إلى دوار أبي علي. بينه وبين المركز الجديد لسوق الأحد، مركز استشفائي آخر لتيار المستقبل. تعاقُد الأخير مع وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية يجعل العمل داخله شبه طبيعي، يستنفر العاملون فور سؤالهم عن «زوابع الطرد» التي تعصف بمؤسسات التيار، كاشفين عن قلق يهجس به الموظفون الحريريون، طالبين مراجعة المديرة. تجري الأخيرة اتصالاً بالمسؤول عنها لتشير بعده إلى وجوب مراجعته شخصياً، رافضة التعليق على الأنباء عن طرد نحو ثلث الموظفين.في المنية، تراجعت وتيرة العمل المستقبلي. حال المدينة من حال مختلف «المدن الحريرية» الأخرى: لم توزع عام 2011 أية منحة تعليمية هنا. وتوقفت «الخدمات الاجتماعية»: لا كراتين إعاشة باسم الرئيس الشهيد منذ نحو سنتين. ولولا أكياس الثياب التي توزعها «العزم والسعادة»، لكان فقراء المدينة قد لبسوا ما بقي من ثياب العام الماضي.موظفو المستقبل يعيشون أياماً صعبة، أما المواطنون، فلا يجدون أنفسهم أمام مشكلة كبيرة: «ميقاتي هو الحل». يشير أحد مخاتير الزاهرية إلى أن ينابيع الخدمات الخاصة كثيرة في المدينة، يجف نبع الحريري، فينتقل العطاشى إلى نبع ميقاتي أو الصفدي أو حتى حزب الله. وبحسب جار المختار فإن المعونة الطبية أو التربوية لا تلزم أحداً بأحد في طرابلس. يتكرر هذا الحديث أكثر من مرة وفي أكثر من حي. من يراقب الشرفات في طرابلس، يرَ يومياً صورة تهوي لتُرفع أخرى مكانها، من دون أن يعبّر «أهل الشرفة» عن تغيير في آرائهم السياسية أو الانتخابية. كفَّ الحريري يده؟ لا مشكلة، هناك دائماً من هو مستعد ليعلّم ويعمّر ويكبّر.بعد خروج الحريري من السلطة، تخرج خدماته من المجتمع. بالنسبة إلى المناوئين للتيار الأزرق، هي خطوة إضافية نحو انتهاء الحالة الحريرية. أما بالنسبة الى المستقبل نفسه، فهي «أزمة» يجري العمل على حصر تداعياتها السلبية. ويمكن من محادثة هؤلاء تفصيل خطتهم وفق أربعة مستويات:يرى أحد المسؤولين في قطاع الطلاب في تيار المستقبل، أولاً، أن من واجب رجال الأعمال والسياسة الذين حصدوا ثروات بفضل المستقبل أن يردوا بعضاً من جميله. يروي أحد المعنيين أن مجموعة من رجال الأعمال تقدموا قبل بضعة أشهر بمبادرة لإنعاش الحريري مادياً، إلا أن رئيس الحكومة السابق شكرهم بلباقة رافضاً «كرتونة الإعاشة»، لكن، بحسب المصدر، لم يمانع الحريري أو غيره مبادرة أحد الراغبين في الحلول محل النائب كاظم الخير في الانتخابات المقبلة إلى تحمّل كلفة استئجار مكتب المستقبل في منطقة المنية. طلاب مستقبليون يراهنون على تكثيف المبادرات المماثلة، آخذين العبر من تجارب حزبية أخرى «تدبّرت مصاريفها من بيع الروزنامات». أما في أوساط رجال الأعمال القريبين من المستقبل، فيتضح وجود انقسام بين من يرى في عودة الحريري إلى الحكم فرصة ربح إضافية، ومن يرى في سقوطه سقوطاً لدين في أعناقهم. المجموعة الثانية تستفيد من رحابة الصدر الميقاتية، واستعداد رئيس الحكومة لاستقبالهم، من دون شروط سياسية أو التزامات انتخابية.ثانياً، تفعيل العمل النيابي. يوافق النائب هادي حبيش على «وجود مشكلة مادية كبيرة تواجه تيار المستقبل في هذه المرحلة»، لكنه لا يرى الصورة بالسوداوية التي يتخيلها البعض. يشرح أن 20% فقط من عمله الخدماتي كان يرتبط بمؤسسات المستقبل، والـ80 في المئة الباقية يوفرها من علاقاته الخاصة بموظفي القطاع العام. يؤكد أن الخروج من السلطة لم يحدّ من قدرته على التحرك بين المؤسسات الرسمية: «سابقاً كنا نتجنب الهجوم على الوزير إذا تأخر في خدمتنا لأنه يخصنا، أما اليوم، فالله يعين الوزراء إذا تأخروا علينا في خدمة، سنتهمهم بالكيدية وغيرها». ويرى أن على زملائه «تدبير أمورهم» لأن «20% من الخدمات العامة تحتاج إلى موافقة الوزير، و80% يمررها الموظفون من الحاجب إلى المدير العام، إذا عرفوا كيف يوطدون علاقتهم به».ثالثاً، «ترشيد الإنفاق». يقارن أحد المسؤولين الحريريين في هذا السياق بين عدد الموظفين غير المنتمين إلى حزب الله في قناة المنار، وعدد الموظفين غير المنتمين إلى تيار المستقبل في قناة المستقبل. وبين نسبة غير المنتمين إلى الحزب المستفيدين من تقديماته، ونسبة غير المنتمين إلى التيار المستفيدين من تقديماته. يشير إلى أن إعادة النظر في عمل مؤسسات المستقبل قرار عائلي أخذه آل الحريري مجتمعين قبل نحو سنتين، وقرار سياسي ـــــ إداري يقضي بالاستفادة من خبرات الحزب التقدمي وحركة أمل في استغلال وجودهما في السلطة. وأتت أزمة الحريري المادية لتسرع تطبيق هذه الخطة، مع تشديد المصادر الرسمية في المستقبل على أن المنتمي إلى التيار سيجد من يهتم به وبأسرته أفضل اهتمام: «كيف سيميز الحزبي نفسه عن غير الحزبي؟ لا حقوق من دون واجبات. نحن حزب سياسي لا جمعية خيرية أو مؤسسة إنسانية لا تبغي الربح».رابعاً، شد العصب السياسي. هنا يمثل النائب خالد ضاهر نموذجاً عن رؤوس الحربة التي تأمل قيادة المستقبل رؤيتها. «ثمة أزمة مادية صعبة، يجب على قيادة المستقبل معالجتها دون شك»، يقول ضاهر. لكنها في نظره ليست كارثية. فأولويات المواطن اليوم ليست الكهرباء ولا حبة الدواء أو المعاينة الصحية أو المنحة المدرسية. «على المستقبل العمل لإعادة تأمين كل تلك الحاجيات دون شك، لكن الأولوية هي للعمل السياسي والموقف مما يحصل في سوريا». ولو كانت الخدمات شرط الزعامة، لكان الرئيس عصام فارس يمثل اللائحتين المتنافستين في عكار، يقول ضاهر.
عبرة فتفت
بموازاة التراجع الحريريّ خدماتياً بعد التراجع السياسيّ والإعلامي (الذي يبحث في خلوة مستقبلية نهاية الأسبوع)، ثمة فريق سياسي لا يسعى إلى الاستفادة جدياً من إمكان ملء الفراغ الحريريّ. الأمر الذي يشجع نقيب المحامين السابق رشيد درباس على القفز بحماسة أكبر إلى مكتبته، ليعود إلى نتائج الانتخابات النيابية عام 2000. يومها أبلغ عصام فارس رفيق الحريري، قبل 24 ساعة من موعد الانتخابات، عدم قدرة لائحته ـــــ نتيجة توصية سورية ـــــ على تبني مرشحه في دائرة عكار ـــــ الضنية ـــــ بشري، أحمد فتفت. وتزامن «الإبلاغ» مع احتجاز الاستخبارات السورية معظم «مفاتيح المستقبل الانتخابيين» في الشمال، لكن، رغم هزالة التنظيم الحريريّ في الشمال في تلك المرحلة، وضآلة المال السياسي وخدمات التيار في تلك المنطقة، تمكن فتفت من التقدم على فارس بجبروته المالي والخدماتي بنحو ثمانية آلاف صوت. يبتسم درباس، واثقاً من أن فكرته وصلت. ابتسامة تتسع أكثر حين يتذكر كيف بادر الحريري الابن الرئيس ميقاتي بالقول حين التقاه قبيل انتخابات 2009 النيابية بعد انقطاع: «أوعا تفتكر أن خدماتك في الشمال تزعجني، أنت تصرف عنك وعني». هذا تماماً ما يحصل اليوم: يأخذ ميقاتي القرارات الصعبة بالنيابة عن الحريري، ويحمي موظفيه ويصرف المال والخدمات بالنيابة عن تياره.
على طول الطريق بين طرابلس وعكار، تزداد أعداد السيارات التي تسير دون لوحات تسجيل. وكلما اقتربت من مدينة حلبا، تزداد أعداد المخالفين. تلاحظ واحدة فثانية ثم ثالثة ورابعة، لتكتشف أن المستغرب هو العثور على سيارة تحمل لوحة تسجيل، لا العكس. إن دل هذا الأمر على شيء، فيدل على غياب الأجهزة الأمنية أو تقصيرها في منطقة تحمل الكثير من تبعات الصراع الحاصل في سوريا.
محمد نزال
لم تمرّ أي طائرة معادية، أمس، فوق منطقة الأشرفية. لم تُشن أي غارة حربية على حي فسّوح. لكن، مع ذلك، بدا المبنى الذي كان مؤلفاً من 5 طبقات، والكائن في شارع المطران عطا الله،
شبيهاً بالمباني المنهارة في الضاحية الجنوبية قبل أكثر من 5 سنوات. إنهار المبنى، القديم العهد، بكامله، على من فيه. لم يكن انهياره مفاجئاً، فهو كان «يحتضر» منذ أشهر. وقف محمد، ناطور المبنى المقابل، ينظر إلى الركام وفي عينيه حسرة. «أنا بيدي هاتين دعّمته، قبل شهر تقريباً، بدعامتين من الحديد، بعد أن إنهار قسم من أساساته في الجهة الخلفية».
هكذا، كان الكل يعلم أن المبنى غير صالح للسكن، وأنه آيل للسقوط في أي لحظة. حتى ميشال مالك المبنى، الذي، بحسب بعض أهالي المنطقة، لم يعد يملك الشقق العشر، بعد أن أجرّها كلها. البعض قال انه رآه قبل حصول الإنهيار بدقائق، وأنه كان يحذّر القاطنين مما سيحصل، وذلك بعد أن بدأت الأساسات بالتصدّع الأخير.
يعود الناطور محمد، وهو سوري الجنسية، ليتذكر أن السيارة الزرقاء المركونة قرب المبنى، تعود لسيدة تقطن في الطبقة الأرضية من المبنى. «أعرف أنها لا تغادر منزلها إلا بسيارتها، ولكن ها هي سيارتها هنا. إنها تحت الركام حتماً». ويكمل الناطور سرده، مستجمعاً ذاكرته. في الطبقة الأولى يسكن أشخاص لبنانيون، وفي الطبقة الثانية رجل عجوز وزوجته، أما الثالثة فغير مسكونة، فيما يسكن الرابعة والخامسة عمّال من مصر والسودان. قريب أحد المصريين يرفض أن يتحدث مع أحد، يذرف الدموع فقط. ينتظر أن ينتشل قريبه، في أي لحظة، كما انتشل العجوز الذي بقي حياً، بعد أن عُثر عليه محتضناً زوجته، التي كان لا يزال فيها أثر من حياة.
فجأة، يصرخ أحد العاملين في الصليب الأحمر، من مكان عند أعلى الركام... «هناك أشخاص أحياء أسمع أنينهم، ناولوني قنينة ماء بسرعة». هكذا، أخذ العاملون في الصليب الأحمر والدفاع المدني يسمعون بين الفينة والأخرى أصوات «حياة» من تحت. يباشرون فوراً «النكش» بأيديهم للوصول إلى مصدر الصوت. لم يكن بإمكان أحد النظر إلى هؤلاء إلا بعين الحسرة. لا تنقصهم الشهامة ولا الشجاعة، ولا العقل أيضاً... جلّ ما في الأمر أنه ينقصهم «دولة». مرّت ساعات على انهيار المبنى، من دون ظهور أي معدات متطورة، مثل تلك التي تستعمل في الحوادث المماثلة في دول العالم. هكذا، يكتشف اللبنانيون، الذين بات بلدهم الغارق بالديون، أن دولتهم لا تمتلك سوى الأيدي وبعض «الرفوش» لإنقاذهم.
يستسهل رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، في معرض تعليقه على الحادث، القول بأن «هناك أبنية كثيرة في بيروت مهددة بالإنهيار». هكذا اعتاد أصحاب المسؤوليات في لبنان، أن لا يحركوا ساكناً إلا على وقع الدم والكوارث. وفيما كان عاملو الإنقاذ يجهدون في البحث عن أرواح ناجية، توقفوا عن العمل فجأة بعد سماع صوت شخص يصرخ أمام المبنى... «جيش وقوى أمن ازعبوا العالم كلها لبرا.. يلا لشوف». إنه وزير الداخلية مروان شربل. وصل «البطل» إلى ساحة الكارثة، ومن حوله رجال عسكر وأمن. ثوان ويلتحق به وزير الصحة علي حسن خليل، ثم نواب المنطقة. طبعاً، النائب نديم الجميّل لم يفوّت الفرصة، وهو إبن الأشرفية «البداية». راحت الشخصيات السياسية تتوافد إلى المكان، إلى أن وصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
شوهد أحد رجال الأمن يقصد مكان تجمّع الصحافيين. ظنوا أنه يريد إبعادهم، لكنهم ابتسموا بعد أن طلب من حملة الكاميرات التوجه إلى مكان وقوف «الزعماء». هكذا، لا يريد أحد من هؤلاء الساسة أن يذهب تعبه سدى. أدلوا كلهم بتصاريح، من دون أن يكون لدى أحد منهم معلومات عن حقيقة عمّا حصل، بل لم يكن لديهم حتى علم بعدد قاطني المبنى، وذلك بعد ساعات على انهياره. حتى رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، ومن مكان بعيد جداً عن مكان الحادث، أعلن «أسفه» لما حصل. وجد الحريري أن ما حصل يستحق التوقف، ولو قليلاً، عن «الوتوتة» على الإنترنت. من جهته، أعلن الصليب الأحمر، قرابة منتصف الليل، أنه تم انتشال 11 شخصاً، من بينهم جثّة فتاة. يذكر أن أهالي المنطقة قدّروا عدد قاطني المبلغ بنحو 30 شخصاً.
غداً، ستجتمع لجنة الأشغال النيابية، برئاسة النائب محمد قباني، لمناقشة موضوع انهيار المبنى. سيكون الاجتماع استثنائياً، بحسب ما قيل، في حضور ممثلي الإدرات المعنية وبلدية بيروت والجمعيات التطوعية الرئيسية. غداً، ستحمّل مسؤولية ما حصل لكل شيء، لأي شيء، بما فيها المخلوقات الفضائية ربما، لكن الدولة وحدها، بأشخاص المسؤولين فيها، لن تكون مسؤولة.
كارثة ضمن كارثة
في أوروبا والدول والمتقدمة، تمتلك الأجهزة المعنية بالكوارث آليات وأجهزة خاصة بانهيارات المباني والزلازل. ومن الأجهزة المشهورة في هذا المجال، جهاز بحث «تليسكوبي» مزوّد بكاميرات متعددة، يمكنه رصد أماكن العالقين تحت الركام، كما يمكن التحدّث إليهم على «ميكروفونات» تابعة للكاميرات، في حال كانوا لا يزالون في وعيهم. أيضاً، هناك أجهزة المجسات الصوتية، التي يعتمد بعضها على تتبع نبضات القلب لمسافة 100 متر تقريباً. وفي السياق نفسه، ثمة أجهزة تتضمن ما يُعرف بالوسائد الهوائية، التي تطلق أسفل الأنقاض لرفعها من دون حصول أضرار. بالتأكيد، تبقى الكارثة كارثة، وتبقى أهم الدول عاجزة أحياناً عن تحقيق الكمال، لكن أن لا يكون لدى لبنان، البلد الذي لا ينفك بعض بنيه بالتفاخر برقيه، بعض تلك الأجهزة والتقنيات، فهذا، بحد ذاته، بمثابة كارثة.