اتّهام «أفراد غير منضبطين» يعني اتّهام نصر اللّه

عمر نشّابة استلزم صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757 يوم 30 أيار 2007 في نيويورك اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فذلك الفصل يتيح للمجلس تخطّي السيادة اللبنانية وإلزام الجمهورية احترام مقتضيات اتفاق دولي لم يقرّه مجلس النواب اللبناني. الاتفاق الدولي الذي بني نظام المحكمة الدولية على أساسه، بقيت آخر صفحة منه من دون توقيع الى جانب عبارة «عن الجمهورية اللبنانية». رغم ذلك، أكّد القرار «دعوته إلى الاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية للحكومة اللبنانية». إحدى مغالطات نصّ القرار 1757 تكمن في المصطلحات المستخدمة، إذ إن السيادة لا تنحصر بسلطة الحكومة (دستورية كانت أو «بتراء»)، بل بالسلطات الثلاث المذكورة في الدستور. فبينما أغفل قرار مجلس الأمن موقع السلطتين التشريعية والقضائية، أشار «إلى الرسالة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة من رئيس وزراء لبنان، التي أشار فيها إلى أن الأغلبية البرلمانية أعربت عن تأييدها للمحكمة، والتمس عرض طلبه بإنشاء المحكمة الخاصة على اﻟﻤﺠلس على سبيل الاستعجال». وكأن رئيس مجلس الوزراء، وهو جزء من السلطة التنفيذية (أو الإجرائية)، مخوّل مخاطبة هيئة دولية نيابة عن «الأغلبية البرلمانية». وهنا التجاوز الفاضح لمبدأ ديموقراطي أساسي يقضي بفصل السلطات واستقلالية كلّ منها. قبل الدخول في مراجعة نقدية للنظام الأساسي للمحكمة، لا بدّ من التذكير بالربط بين قرار مجلس الأمن الرقم 1595 الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية والقرار 1757 الذي أنشأ المحكمة. إذ يرد في نصّ هذا الأخير «تبدأ المحكمة الخاصة عملها في تاريخ يحدده الأمين العام بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، مع مراعاة التقدم المحرز في أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة». يثير ذلك تساؤلات عن أسباب انطلاق عمل المحكمة في آذار 2009، بينما لا يزال المدعي العام دانيال بلمار عاجزاً عن إثبات أي تقدّم. فلقد مرّ على انطلاق المحكمة أكثر من 15 شهراً، ولم تصدر القرارات الاتهامية بعد. هل يدلّ ذلك التجاوز للقرار 1757 على تأجيل سياسي لصدور القرارات الاتهامية؟ أم أن المدعي العام الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة التحقيق ضلّل الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة عبر تأكيده إحراز تقدّم في التحقيقات، بينما مرّ عام وثلاثة أشهر وليس هناك حتى مشتبه فيهم قيد التحقيق؟ الخلل في المسار العدلي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري يذهب الى أبعد من ذلك. ويبدو أنه يتقاطع مع بعض المناورات السياسية. ننطلق من قراءة المادة الثالثة من نظام المحكمة التي تحدّد «المسؤولية الجنائية» لفهم المقصود من «تسريب» معلومات عن اتهام «أفراد غير منضبطين» من حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يُعدّ «رئيس» الحزب، و«في ما يتصل بالعلاقة بين الرئيس والمرؤوس، يتحمّل الرئيس المسؤولية الجنائية عن أي من الجرائم، التي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين، نتيجة لعدم سيطرته سيطرة سليمة على هؤلاء المرؤوسين، حيث: أ) يكون الرئيس قد عرف أو تجاهل عن عمد أي معلومات تبيّن بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو هم على وشك أن يرتكبوا تلك الجرائم؛ ب) تتعلق الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس؛ ج) لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب مرؤوسيه لتلك الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والملاحقة القضائية» (المادة 3). يعني ذلك أن أي قرار يصدر عن المدعي العام، يتّهم «أفراداً غير منضبطين» من حزب الله، سيستدعي التحقيق مع الأمين العام لحزب الله وغيره من قادة الحزب. كما يمكن اعتبار ذلك الاتهام موجّهاً الى القائد الشهيد عماد مغنية، بحيث إنه كان يشغل، يوم وقوع الجريمة، مركز رئيس المجلس الجهادي في حزب الله، إذ إن نقل أكثر من طن من المتفجّرات وتوضيبها في شاحنة وتفجيرها، إضافة الى عمليات المراقبة والتنسيق والتخطيط، تحتاج الى جهود كبيرة يُستبعد أن تُبذل من دون علم «الرئيس». فهي «أنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس». (ب)، وبالتالي قد يُتّهم السيد نصر الله والشهيد الحاج عماد مغنية بعدم اتخاذهما «جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطتهما لمنع أو قمع ارتكاب مرؤوسيهما لتلك الجرائم»، بحسب المادة 3 من نظام المحكمة. المادة ١٦ تتناول «حقوق المتهم»، ومن بينها حقّ دراسة «جميع الأدلة التي تستخدم ضده خلال المحاكمة وفقاً لأحكام القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الخاصة». لكن قواعد الإجراءات والإثبات، التي أقرّت النسخة الأولى منها في 20 آذار 2009، أي بعد نحو عامين على صدور القرار 1757، تستثني حقوق المتّهم في بعض الحالات. فتذكر القاعدة 155: «تقرر غرفة الدرجة الأولى، بعد الاستماع إلى الفريقين، ما إذا كان يتعين أن تطلب من الشاهد المثول أمامها للاستجواب المضاد. ولها أن تقرر أن مصلحة العدالة ومقتضيات المحاكمة العادلة والسريعة تبرر استثنائياً قبول الإفادة أو النص المدون، كلياً أو جزئياً، بدون إجراء استجواب مضاد». وهنا كنّا قد سألنا («الأخبار»، 27/7/2010، ص 5) كيف يمكن أن تحرم غرفة الدرجة الأولى المتهم، عبر وكيله القانوني، حقّه في الاستجواب المضاد للشهود، وتكون الإجراءات عادلة؟ تنصّ الفقرة الرابعة من المادة ٢٠ على: «تكون الجلسات علنية ما لم تقرر الدائرة الابتدائية عقد الإجراءات في غرفة المذاكرة وفقاً للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات». لكن القاعدة 133 تشير الى إمكان «عقد جلسات سریة». أما القاعدة 137، فتتناول كذلك «الجلسات السرية»، فتنصّ على: «لأسباب تتعلق بالمصالح الأمنية الوطنية لدولة معينة»، يجوز لغرفة الدرجة الأولى أن تأمر «بإخراج الصحافة والجمهور من قاعة المحكمة خلال جميع الجلسات أو بعضها». إن الفوارق التي تُلحظ، بحسب ما أوردناه، بين مضمون نظام المحكمة من جهة، وقواعد الإجراءات والإثبات من جهة أخرى، تثير تساؤلات، لا بل شكوكاً في آلية العدالة الدولية في قضية اغتيال الحريري، إذ يبدو أن ما كان مطلوباً عام 2007 هو الموافقة على نظام أساسي، لكن أدخلت على ذلك النظام لاحقاً (عام 2009)، من باب قواعد الإجراءات والإثبات، استثناءات وتعديلات أقلّ ما يقال فيها أنها تستدعي المراجعة. إضافة الى ذلك، يتضمّن نظام المحكمة الأساسي أخطاءً وتناقضاً واضحاً بين الفقرة (ب) من المادة 2 والمادة 24. فجاء في نصّ الفقرة (ب) من المادة ٢ من النظام، المعنونة «القانون الجنائي الواجب التطبيق»: «المادتان ٦ و٧ من القانون اللبناني المؤرخ في ١١ كانون الثاني/ يناير ١٩٥٨ بشأن «تشديد العقوبات على العصيان والحرب الأهلية والتقاتل بين الأديان». أولاً، لا يذكر القانون اللبناني الصادر في 11-1-1958 الكلام الوارد بين مزدوجين في المادة 2 من نظام المحكمة (أي الكلام المفترض أن يكون منقولاً حرفياً من القانون). ويعدّ ذلك تلاعباً بنصّ القانون اللبناني. فالمادة 6 منه تنصّ على: «كل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة، وهو يستوجب الإعدام إذا أفضى الى موت إنسان أو هدم بنيان بعضه أو كلّه وفيه إنسان، أو إذا نتج من التخريب ولو جزئياً في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى أو التعطيل في سبل المخابرات والمواصلات والنقل». أما المادة 7، فتنصّ على: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة من أقدم على مؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة في المواد السابقة». يبدو أن المقصود في نصّ الفقرة (ب) من المادة ٢ من نظام المحكمة الدولية هو مضمون المادة الثانية من قانون 1958، التي تنصّ على «يعاقب بالإعدام على الاعتداء أو محاولة الاعتداء التي تستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلّح بعضهم ضدّ بعض، وإما بالحضّ على التقتيل والنهب والتخريب». ويكمن التناقض في عدم سماح المادة ٢٤ من نظام المحكمة الدولية بإنزال عقوبة الإعدام بالمدانين، إذ «تفرض الدائرة الابتدائية عقوبة السجن مدى الحياة أو لسنوات محددة على الشخص المدان».
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة