رنا حايك «كل شباب المسرح لوطيّون وكل بناته ش...». تلك هي العبارة التي فوجئ طلاب قسم المسرح برؤيتها محفورة على مقاعدهم في الصف ذات يوم، بعد انتقال معهد الفنون الجميلة إلى مجمّع الحدث. حادثة فردية؟ بالطبع لا. فطلاب المعهد الذي يضم أقسام الرسم والمسرح والتصوير والسينما والتصميم الغرافيكي، يلمسون عدائيّة محيطهم معهم في جميع تفاصيل حياتهم الجامعية. «يعدّوننا منحلّين أخلاقياً، يسخّفون اختصاصنا، يهزأون بنا باستمرار، ويضيّقون علينا كثيراً»، كما يقول أحدهم. و«هم»، في منطق طلاب الفنون، لا تعني مصدراً مجهولاً تماماً، بل تعني طاقة عاصفة تضافرت قوى عدّة لإنتاجها: هناك عامل اجتماعي لا ينفصل عن محيط الجامعة الشعبي من حي الليلكي وحي السلم وغيرهما، وهناك عامل سياسي جعل من مجلس الفرع (الذي يسيطر عليه طلاب حركة أمل وحزب الله) يستأثر بالنشاط الطالبي داخل الجامعة ويفرض أخلاقياته الخاصة ويعمّمها على الطلاب، ويستحوذ على قرار الإدارة أحياناً، مصادراً حقوق الأساتذة حتى. إضافة إلى ذلك، هناك عامل لوجستي يعدّه الطلاب «تقزيماً مقصوداً للفنون». وإلا، لمَ ذابت حناجر طلاب المسرح والسينما وهم يطالبون بقاعة يقيمون فيها نادياً للسينما، دون جدوى، بينما لُبّي سريعاً طلب مجلس الفرع بتخصيص قاعة للصلاة؟ هنا، وفي مواقف كثيرة مشابهة، يقع طلاب الفنون في مأزق. فالاحتجاج ممنوع، لأنه يؤوَّل. «نحن لم نعترض على غرفة الصلاة، ولكن استشهدنا بالمطلب الذي لُبّي مقارنة مع مطلبنا الذي لم يُلبَّ، فجوبهنا بحملة شرسة بأننا ملحدون وضد الصلاة ومنحلّون!». منذ انتقال المعهد إلى الحدث، وطلابه يشكون من معاملة عدائية ومن محاولات عزل وتضييق، حتى أصبح المعهد طارداً، ويشهد حالة من النزوح نحو الفرع الثاني الذي يعاني المشاكل اللوجستية ذاتها ربما من حيث التجهيزات، ولكن، على الأقل، «فيه مسرح وفيه مناخ فن»، كما يقول أحد متخرّجي قسم المسرح في الفرع الأول. رزمة من التضييقات يتعرضون لها في مختلف الأقسام. في المسرح، لم يعد يوم المسرح العالمي موعداً ينتظره الطلاب عاماً بعد عام. «ما عنّا مساحة للتمرين وللعرض، رغم كبر الصرح الجديد. منتمرّن بصفوف عادي، عالبلاط. وبيضلّوا خايفين نخرّب شي، فنؤنَّب لأي فوضى نحدثها ولو وعدنا بإعادة كل شيء إلى مكانه. كمان، ممنوع نتمرّن بالليل بعد الصفوف»، تقول حلا. ويضيف زميلها «كنا نحتفي بتلك المناسبة على مدى ثلاثة أيام تقلّصت ليوم واحد، وأصبح العرض يجري في قاعة مغلقة لا في الباحة الخارجية». حفلة الفنون السنوية أيضاً لم تعد موعداً ينتظرونه. فالحفلة التي تقام مرة مع بدء العام الدراسي ومرة مع اختتامه، أُدينت «لأن فيها فسقاً وفجوراً وموسيقى. مورست ضغوط كثيرة من جهات دينية من خارج الجامعة لإيقافها، لكننا وصلنا في النهاية إلى تسوية، فسمحوا لنا بإقامتها على أن تختتم عند التاسعة مساءً، بعد أن كانت تستمر حتى ما بعد منتصف الليل». أما المواعيد الصغيرة، كالنشاطات التي تتخلل السنة الدراسية، فقد «أصبحت تقتصر على مسابقات النص الإسلامي، والاحتفالات الدينية، لأن مجلس الفرع هو من يتقدم بطلب النشاط إلى الإدارة، وهو من لون سياسي ومذهبي واحد، وغالباً ما يوافَق على الأنشطة التي يقترحها»، كما يقول علي، الطالب في قسم التصميم الغرافيكي، مضيفاً «حاولنا كسر تلك الحلقة، فتقدمنا مرات عدة بطلبات لإقامة نشاطات عن العلمانية، لكنها أحبطت جميعها. في النهاية، أصبح معهد الفنون ميتاً، وطلابه الذين لا يكترثون للسياسة أصلاً، معزولون ومحبطون». قد يعدّ البعض تلك النشاطات من الكماليات (علماً بأنها من صميم الدراسة الفنية والحياة الطالبية عموماً)، ولم ترتق مشاكل طلاب الرسم إليها بعد. فهؤلاء لا يزالون عالقين في مشكلة في صميم منهجهم: رسم الموديل العاري، أي مادة التشريح الجمالي التي ألغيت منذ عام 1983، والتي حاول بعض الطلاب التحايل عليها عبر استئجار موديلات من خارج الجامعة، ورسم اللوحة خارج الحرم، لعرضها على لجنة التحكيم في داخله. تحايل فشل حين «كسّر طلاب العلوم مرة لوحات لطلاب رسموا فيها أشخاصاً عراة»، كما يروي أحدهم، مضيفاً بلهجة ساخرة «هلق صاروا يعملوا حسابن ويرسموا عراة بس يلبسوهن بوكسر!».
المشاكل لوجستية أيضاًلا تقتصر مشكلة طلاب معهد الفنون على العزل والتضييق اللذين يجمعون على أنّهم يتعرضون لهما من طلاب آخرين في الجامعة اللبنانية. ولا تنحصر في المنحى الاجتماعي والسياسي، فهم لديهم أيضاً، مثل باقي زملائهم في الاختصاصات الأخرى في الجامعة، مشاكل تتعلق بالشق اللوجستي من تعليمهم، وبالتجهيزات التي يجب أن تتوافر لهم ليؤدّوا الشق العملي من واجباتهم الدراسية. فإلى جانب طلاب المسرح الذين يشكون من عدم وجود مسرح مؤهل يتمرنون فيه، يشكو طلاب معهد السينما من عدم وجود معدات لازمة لإتمام مشاريعهم، وإن وُجدت، يصحب وجودها الكثير من ضوابط استخدامها. «هناك ثلاث كاميرات فقط في المعهد، ونحن حوالى 60 طالباً موزّعين بين مختلف سنوات الاختصاص. لدينا الحق في استخدام هذه الكاميرات داخل الحرم، ويمنع علينا اصطحابها للتصوير في الخارج. ماذا لو كان لدينا مشهد يجب أن نصوّره في غرفة جلوس مثلاً؟ يضطرنا ذلك إلى البحث عن تمويل لأفلامنا، لأننا نضطر إلى استئجار كاميرات ذات نوعية جيدة، نظراً إلى أن تقويم أفلامنا يجري أيضاً بحسب نوعية صورتها»، كما يقول جاد. واستئجار الكاميرات ليس بالأمر السهل مادياً بالنسبة إلى الطلاب. فالكاميرا تكلّف «حوالى 75 دولاراً لليوم الواحد، ونحتاج إليها غالباً لمدّة ثلاثة أيام، ما يرهقنا مادياً»، كما تقول ريتا، طالبة السينما في الفرع الثاني الذي يواجه طلابه أيضاً المشكلة ذاتها، مع فارق بسيط، وهو أن لديهم هناك 7 كاميرات لا ثلاثة، نتيجة هبة من اليابان، ما أجبرهم على كتابة «شكراً لليابان» في كل «جنريك» لأفلامهم.