بقلم : ايهاب القسطاوى«بقي ضمير لبنان مهدى عامل يردد "لست مهزوماً ما دمت تقاوم" ، حتى ظن من قتلوه أنهم هزموة برصاصات غادرة أصابوة بها في بيروت عام 1987 ، يصادف اليوم 18 مايو/أيار 2018 ، الذكرى الحادية والثلاثون لاغتيال ضمير لبنان المفكر حسن عبد الله حمدان ، "مهدي عامل" ذلك الاسم الذى عرف بة و الذي كان يوقع به مقالاته في مجلة "الطريق"، وانة على الرغم من انقضاء واحد وثلاثون عامًا، الا انة مازالت "رصاصات الغدر" التي اغتالت مهدي عامل ، تنفذ هذه الاغتيالات حتى الان ، ضد كل من يخالفهم الرأي، مجرد الرأي ، فالمجرم لم يكن مجهولاً، و هويته معروفة وكذلك أفراد عصابتة الذين كانوا يتفنون في التنكيل بالشيوعيين ، واستخدموا أبشع وسائل الترهيب والترويع والاعتداء والتهجير الذي طال أكثر من 600 من اعضاء الحزب الشيوعى اللبنانى من بلداتهم وقراهم في الجنوب على قاعدة أنهم غير مرغوب فيهم .في صباح الثامن عشر من ايار عام 1987 ، و اثناء سير المفكر والمناضل الشيوعي حسن عبدالله حمدان ، في طريقة المعتاد بشارع الجزائر في بيروت ، ليتوجة إلى جامعته الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول ، يترجل ، ويحمل تحت ابطاة اورقة ، كانت في انتظاره، رصاصات غادرة ما زالت حتى اليوم تغتال بصيغ مختلفة ، لتختلط دمائة باورقة ، و يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليضع نهاية لحياة مفكر عظيم طالما أثرى الانسانية بكتاباته ، وخلد باستشهاده حرية الكلمة ، فاعتبِر التاسع عشر من أيار من كل عام " يوم الانتصارلحرية الكلمة والبحث العلمي" .وقف الأمين العام للحزب الشيوعى اللبنانى آنذاك "جورج حاوي" في تأبين المفكر والقيادي في الحزب حسن حمدان "مهدي عامل" في جامع الإمام علي في الطريق الجديدة، بحضور حشود من المثقفين، والغصة في حلقه، وقال: "أصبح المشهد مملاً، أليس كذلك يا رفاق؟".وقد سبق اغتيال مهدي عامل بثلاثة أشهر مقتل المفكر اللبناني حسين مروة وهو على فراش المرض، وقد قارب الثمانين من عمره ، على أيدي ثلاثة أشخاص كانوا معروفين في منطقة الرملة البيضاء حيث كان يسكن مروة ، وكان سبقهما عضو المكتب السياسي خليل نعوس الذي كان مسؤولاً عن منظمة بيروت في "الحزب الشيوعي اللبنانى" وعضواً في مكتبه السياسي، وكاتباً في جريدة “النداء”، اغتيل فيما كان متوجهاً من بيته في منطقة المصيطبة إلى مركز الحزب الكائن في وطى المصيطبة في 20 شباط 1986 ، كما خُطف القيادي في الحزب آنذاك ابن حارة حريك ميشال واكد في الرابع من كانون الأول "ديسمبر" عام 1985، من منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية ، ووجد في 6 شباط 1986 مقتولاً ومشوهاً على شاطئ السان جورج في عين المريسة ، وقُتل رئيس تحرير جريدة "النداء" آنذاك، عضو المكتب السياسي للحزب، سهيل طويلة في 24 شباط عام 1986، بعدما خُطف من بيته ووُجد سهيل طويلة بعد 24 ساعة من خطفه مقتولاً بست رصاصات في رأسه، مشوهاً ومقتلعة عينه، ومرمياً على مكب النورماندي في عين المريسة.ولد عام ١٩٣٦ ، ببلدة "حاروف" الجنوبية قضاء النبطية ، لولد تاجر اقمشه من منطقة "الغبيري" ، و انتقل بعد ذلك لمدينة بيروت الباسلة مع عائلتة ، ليلتحق بمدرسة "المقاصد" حتى العام 1955 و سافر بعد ذلك لفرنسا من اجل دراسة الماجستير و الدكتوراه فى الفلسفه فى جامعة ليون عام 1956 ، واثناء سنوات دراستة بفرنسا انضم لمجموعه من الشيوعيين العرب كانت تناهض الاحتلال الفرنسى للجزائر ، بمجرد اعلان استقلال الجزاير ، ترك فرنسا ، وفى عام 1963 توجة للجزائر هو وزوجتة "ايفلين بران" ، ليستقروا بمدينة "قسطنطينه" ، وكان يقوم باعطاء محاضرات مسائيه عن اعمال الكاتب و المناضل "فرانز فانون" ، و هناك نشر اول مقال لة بمجلة Revolution Africaine الناطقه بالفرنسية.كان عضوا "بارزا" في اتحاد الكتاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية ، انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس عام 1987.في الثامن عشر من أيار عام 1987 اغتيل في أحد شوارع بيروت، وهو في طريقه إلى جامعته الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول، حيث كان يدرس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. من أقواله "لست مهزوما ما دمت تقاوم".وانفرد "عامل" ، بوضعة منظومة فكرية نظرية قائمة على المنهج العلمي الماركسي والصراع الطبقي ، وصاغ من خلالها مفهوماً جديداً للتاريخ حيث لم يعتبره حدثياً ، أو مجموعة أحداث متتالية، بل بما هو علاقة بنى اجتماعية محدّدة تتوّلد بها الأحداث،اللبنة الاولى للنقد القائم بشكليه البرجوازي والماركسي ، وأساسه أنه لايمكن للنقد الا أن يكون ماركسيا بالمعنى المذكور أعلاه فكان التزامه بالمنهج المادي الماركسي في انتاج مشروعه الفكري الذي انتقد في جانب منه تقيؤ مفاهيم وقوانين متكونة في تمارين انشائية لاتنتج فكرا ماركسا علميا ولاتقدم للواقع أسس نقده .وبرز "عامل"، كأحد أهم المثقفين الثوريين في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد ساهم في نقد القوميين في كتابه "النظرية في الممارسة الثورية"، موضحا مأزق "البرجوازية الكولونيالية" ، في قيادة حركة التحرر، "تظهر كأنها تمارس الصراع ضد الإمبريالية، فيما هي تمارس، في الواقع، الصراع الطبقي ضد القوى المعادية للإمبريالية، مقيمة تعارضًا لا وجود له بين الصراعين الطبقي والوطني، ساعية لإظهار نقيضها الثوري، أي الطبقة العاملة، بمظهر المعادي للقضية الوطنية ، أو غير المعني بها، مع ما يفضي إليه ذلك من منع التلاقي الطبيعي بين جماهير البرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة ، مؤكدا في السياق ذاته البعد القيادي للطبقة العاملة، في تحقيق أهدافها الوطنية، وفي القلب منها تحرير فلسطين.أصدر أولى كتبه عام 1972 بعنوان "مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني"، ورغم دواوينه الشعرية التي أبدع فيها، فإنه انحاز لخيار الفكر التنظيري وبواسطة أدوات التحليل الماركسي، فتوالت كتبه المهمة، ومنها "أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية" و"النظرية في الممارسة السياسية" و"مدخل إلى نقض الفكر الطائفي" و"في الدولة الطائفية" ، كما ترك بعضها في شكل مخطوط كما هو الحال مع كتابي "في تمرحل التاريخ" و"نقد الفكر اليومي" اللذين لم ينشرا إلا بعد رحيله بعدة سنوات .وللمفكر العديد من المؤلفات : -- مقدمات نظرية: لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني. 1972 الطبعة الأولى، 1986 الطبعة الخامسة.- أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية. الطبعة الأولى 1974، الطبعة الثالثة 1989.- النظرية في الممارسة السياسية. بحث في أسباب الحرب الاهلية. الطبعة الأولى 1979. الثالثة 1989.- مدخل إلى نقض الفكر الطائفي - القضية الفلسطينية في ايديولوجية البرجوازية اللبنانية. الطبعة الأولى 1980. الطبعة الثالثة 1989.- هل القلب للشرق والعقل للغرب. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.- في عملية الفكر الخلدوني. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.- في الدولة الطائفية. الطبعة الأولى 1986.- نقد الفكر اليومي. الطبعة الأولى 1988. لم ينتهي.بالاضافة الى العديد من المساهمات النظرية المنشورة وفي الشعر :- تقاسيم على الزمان، الطبعة الأولى 1974.- فضاء النون، الطبعة الأولى 1984.وبعد استشهادة جُمعت مقالاته وكتاباته التربوية والتعليمية التي كتبها من 1968-الى 1973 ونُشرت في عام 1991 في كتاب بعنوان” في قضايا التربية والسياسة التعليمية”، حلل فيها الآلية السياسية التعليمية للدولة، في لبنان، التي تعمل من خلالها على ضرب التعليم الرسمي وتعميق الانتماء الطائفي لاعادة انتاج النظام السياسي-الطبقي-الطائفيغادرنا مهدي عامل ، حاملًا أسئلته ، مفارقًا واقعا مأزوما وعبثيا ، وتاركًا جرحًا غائرًا في قلوبنا ، وعزاؤنا الوحيد في فى ذكرى اغتيالة أنه ترك لنا تاريخًا نضاليا ننهل منه الدروس حتى نكمل طريق نضاله نحو دولة الحرية والعدالة الاجتماعية ، وفي نهاية المطاف ، اردد مع مـحـمـود درويـش : "كم متنا ، وكم متنا ، وكان الكهنة، خدما للسيف ، منذ المعبد الأول ، وحتى آخر الثورات».ش