وليد حسين - السفير
واجهت «هيئة التنسيق النقابية»، في العام الجاري، تحديات كثيرة في عملية «شد الحبال» مع السلطة السياسية. فالأخيرة بقيت «متعنّتة» لجهة عدم إقرار «السلسلة» بالرغم من الإضراب المفتوح في المدارس الرسمية الذي امتد 33 يوماً، وبالرغم من التظاهرات الحاشدة التي نظمتها الهيئة، وصولا إلى مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية الصيف الفائت. إلا ان أبرز التحديات التي شهدتها «الهيئة» كانت داخلية مرتبطة بطبيعة تشكّلها، وهو ما يسميه رئيس «رابطة موظفي الإدارة العامة» محمود حيدر «التحدي البنيوي». فجمهور الهيئة، من نقابيّين ومعلّمين وموظّفين، يتبعون للأحزاب السياسية الموجودة في مجلس النواب، وبالتالي يخضعون لما تقرره جهاتهم الحزبية. لذا، شكّل عدم استقلالية البعض عن الجهات الحزبية في العمل النقابي ارتباكاً كاد يؤدي إلى وقف بعض تحركات الهيئة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الهيئة كانت تصطدم بهذا الجدار كلّما اتخذت قراراً. ووفق حيدر فإنّ هذه التركيبة البنيوية للهيئة جعلتها عاجزة في بعض المحطات عن اتخاذ القرارات المطلوبة. إلى هذا يُضاف تحدي وجود رابطات ونقابات عدة داخل الهيئة، «لكل منها خصوصيّتها ومطالبها الفئوية بالرغم من توحد الجميع على قواسم مشتركة»، يؤكد حيدر. هذا عدا عن التحدي المتعلق بالمساومة الصعبة التي استطاعت الهيئة إيجادها بين مكوّناتها في شأن مسألة «التصنيف والتوصيف الوظيفي». فالاختلافات في هذا الشأن بين الموظفين الإداريين ومعلمي الأساسي والثانوي ليست بسيطة، لكن الهيئة خاضت هذا التحدي وأنتجت الحد الأدنى من المساومة بينهم. خطآن يعترف نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض بأن الهيئة أخطأت في طريقة عملها النقابي، إذ إن الخطاب أخذ أبعاداً سياسية أكثر مما هي نقابية. إذ «لم يقتصر الأمر على المطالبة بتصحيح الأجور المتآكلة جراء التضخم، بل تعداه إلى المطالبة بالإصلاح الشامل وإعادة هيكلة الإدارة العامة والمطالبة بفتح ملفات الفساد». ويقرّ بـ«نعم، البعض أراد فتح معركة سياسية، لكن المسؤولية تقع على عاتق الطبقة السياسية الموغلة في الهدر والفساد وغير العابئة بشؤون البلد والمواطنين». ويُضيف حيدر إلى كلام محفوض أن «حجج عدم وجود الموارد الكافية لإقرار السلسلة، ومماطلة وتهرب السلطة، جعلتهم يفتحون ملفات الفساد والرشوة والسرقات والهدر في المرافق العامة والمطار والمرفأ والحدود البرية والأملاك البحرية والتهرب الضريبي من الشركات الكبرى». أما الخطأ الثاني وفق محفوض، فهو قرار الهيئة الذهاب بعيداً في مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية التي أدت في عملية «شد الحبال» مع السلطة إلى قرار وزارة التربية منح الإفادات لجميع الطلاب. هذه المسألة أدت إلى فقدان الهيئة بعض الصدقية أمام الرأي العام الذي كان بأغلبيته متضامناً مع مطالبها. وهنا يتفق حيدر ومحفوض على أنّ قرار منح الإفادات اتخذ بهدف ضعضعة ثقة الرأي العام بالهيئة. لكن خطورة قرار وزارة التربية تكمن في حرمان المعلمين سلاحهم الناجع في تحصيل بعض الحقوق كما حصل سابقاً لدى التهديد بمقاطعة التصحيح. رفضت السلطة عملية «ليّ ذراعها» وبدت غير عابئة، حتى لو أتى قرارها على حساب تدني المستوى التعليمي. أما الهـــــيئة فقد خسرت، بالرغــــــم من تأكيد محفوض أن وسيلة مقاطعة التصحيح هي إحــــــدى وســــائل الضغط الكثـــــيرة التي يمتلــكونها. الأجور والفساد يقول محفوض إنهم «في البداية لم يطالبوا بإقرار السلسلة، بل بتصحيح أجورهم المتآكلة، لكن الحكومة هي من كان يسعى إلى وضع مشروع سلسلة رتب ورواتب لموظفي القطاع العام فقط». ويعاتب حيدر «بعض الزملاء في التعليم الثانوي» لإثارة «صورة مغلوطة عن موظفي القطاع العام» باعتبارهم في خانة الفساد وعدم الإنتاجية. هذا عدا عن أن لجنة الإدارة والعدل وضعت في البداية مشروعاً أرسلته إلى مجلس الوزراء يحتوي على سلسلة رتب ورواتب لموظفي الإدارة العامة ولم يشمل المعلمين الثانويين الذين قاموا على أثره، بالمطالبة بتصحيح أجورهم اسوة بغيرهم. لكن ببعد المماطلة والتسويف الذي قامت به الحكومة، أثيرت هذه المطالب داخل هيئة التنسيق واتفق الجميع على ضرورة المطالبة بسلسلة رتب ورواتب تشمل جميع القطاعات. إضافة إلى أن وجود الفساد بين بعض موظفي الإدارة يعود في الإساس إلى الأجور المتدنية التي يتقاضاها هؤلاء. وواجهت «هيئة التنسيق النقابية»، في العام الجاري، تحديات عديدة في حراكها النقابي مستخدمة العديد من الوسائل الديموقراطية، بدءا بالتظاهرات والإضراب العام وصولاً إلى مقاطعة تصحيح الامتحانات. وعانت من الاستنزاف على مدى السنوات الثلاث الماضية، إذ إنها لم تستطع تحقيق مطالبها. لكنها في الوقت نفسه ما زالت مصرة على خوض معركة إقرار السلسلة واسترداد الحقوق، وفق محفوض وحيدر. وقد راهنت السلطة على تعب الهيئة وإمكانية شق صفوفها، لكنها لم تفلح. وإذا كانت الشهور الماضية لم تشهد حراكاً للهيئة فهذا مرده إلى الظروف الأمنية التي يمر بها البلد وإلى إعطاء المسؤولين الفرصة الكافية لمعالجة قضية السلسلة. لكن المماطلة والتسويف سيواجهان بحزم العام المقبل والهيئة ذاهبة إلى مزيد من التصعيد وستستخدم جميع الوسائل المتاحة من أجل إقرار السلسلة، كما يؤكّد النقابيّان. لكن الرهان سيكون على حث النقابيين المنضوين في الهيئة على الاستقلال بخياراتهم النقابية عن أحزابهم السياسية، ما يساهم في تدعيم مواقف الهيئة في معاركها. إلى هذا الرهان يضيف حيدر رهان العمل على تشكيل مروحة واسعة من التحالف يضـــــم جميع القوى الســـــياسية المتــــضررة ومؤسسات المجتمع المدني بهدف تشكيل جبهة عريضة موحّدة لخوض معركة السلسلة التي باتت قضية رأي عام.
محطات
31آذار 2014: أعلنت «هيئة التنسيق النقابية» العودة إلى الإضرابات والاعتصامات إلى حين إقرار سلسلة الرتب والرواتب. 2 نيسان: إضراب في الإدارات العامة والمدارس الرسمية تنفيذاً لقرار هيئة التنسيق للمطالبة بإقرار السلسلة. 8 نيسان: إضراب عام دعت إليه هيئة التنسيق احتجاجاً على عدم إقرار السلسلة. 15 نيسان: أجل مجلس النواب إقرار السلسلة 15 يوماً وشكل لجنة مختلطة من الوزراء وبضعة نواب واختصاصيين للتدقيق في صدقية أرقام الواردات والرسوم التي وضعت من أجل تغطية كلفة السلسلة، فردت هيئة التنسيق بإعلان الإضراب العام. 16 نيسان: إضراب. 29 نيسان:إضراب. 7 أيار: هيئة التنسيق تبدأ إضراباً مفتوحاً حتى 14 منه. 14 أيار: جلسة لمجلس النواب لمناقشة السلسلة، لم تصل إلى أي نتيجة. وهيئة التنسيق تنظم تظاهرة. 30 أيار: دعت «رابطة التعليم الأساسي» إلى الإضراب العام ومقاطعة الامتحانات الرسمية في 7 حزيران. 2 حزيران: أعلن وزير التربية والتعليم العالي الياس أبو صعب تأجيل الامتحانات الرسمية. 17 آب: أعلن وزير التربية إعطاء إفادات نجاح (ترشيح) لجميع من تقدم إلى الامتحانات الرسمية بمن فيهم طلاب التعليم المهني والتقني. 1 تشرين الأول: أعلن رئيس مجلس النواب تأجيل الجلسة التشريعية التي عقدت لإقرار سلسلة الرتب والرواتب بسبب الاعتراضات التي رافقت الجلسة خصوصاً قطاعي التعليم الخاص والعسكريين وأحالها على اللجان النيابية. نفذت «نقابة المعلمين في المدارس الخاصة» إضراباً في مختلف المدارس الخاصة واعتصاماً مركزياً في ساحة رياض الصلح احتجاجاً على حرمان القطاع الخاص الدرجات الست والفصل في التشريع بين العام والخاص.
الصفوف والمعارك
تشكّلت هيئة التنسيق النقابية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وضمت في صفوفها العديد من الرابطات والنقابات بالإضافة إلى مشاركة «الاتحاد العمالي العام». ولاحقا شهدت الهيئة تغيرات هيكلية، إذ خرجت «رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية» من صفوفها ودخلت نقابات أخرى. وفي مطلع العام 2012، نشب خلاف بين الهيئة و«الاتحاد العمالي العام» عندما قبل هذا الأخير بقرار مجلس الوزراء رفع الحد الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة لبنانية، فاستبعد من دائرة تحركات الهيئة. حالياً، تضم الهيئة خمسة مكوّنات، هي: «نقابة المعلمين»، «رابطة أساتذة التعليم الرسمي الثانوي»، «رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني»، «رابطة معلمي التعليم الأساسي الرسمي»، و»رابطة موظفي الإدارة العامة». أما أبرز المعارك التي خاضتها الهيئة فهي معركة رفع الأجور بنسبة 120% كي تعادل ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الأسعار التي شهدتها البلاد منذ العام 1998، تاريخ آخر تعديل للأجور. ومعركة إقرار ما يسمى سلسلة الرتب والرواتب، التي ما زالت مستمرة. وأبرز أنشطة الهيئة كان الإضراب المفتوح الذي استمر 33 يوماً في المدارس الرسمية العام الجاري، بالإضافة إلى التظاهرات والاعتصامات اليومية التي لم يشهد لها لبنان مثيلا منذ سبعينيات القرن المنصرم.