واصف عواضة - السفير
لم يتعرض مجلس النواب في تاريخه لما تعرض له من إهانة قبل أيام، عندما نزلت مجموعة من الناشطين الشباب الرافضين للتمديد إلى ساحة البرلمان، يحمل أفرادها المكانس ويافطات كتب عليها «128 حرامي» وهو عدد أعضاء المجلس النيابي. ولا شك أن في مجلس النواب الكثير من الأوادم وأصحاب الأكف النظيفة، لكن الحركة المدنية التي قادت «ثورة المكانس» لم تستثنِ أحدا. ويبدو أن هذه الثورة لم تستفز النواب باستثناء دعوى قضائية خجولة رفعها أحد النواب ضد هذه الحركة، وأغلب الظن انها لن تُؤْتِيَ أُكُلَها، لأن الملفات المتراكمة أمام القضاء اللبناني أكبر من أن يتوقف القضاة أمام «انفعال شبابي عابر». وأغلب الظن أيضا، إن لم يكن بالتأكيد، أن «ثورة المكانس» لن تقدم أو تؤخر في مسيرة التمديد لمجلس النواب في أواخر الشهر الحالي أو بدايات الشهر المقبل. فلقد قُضي الأمر وصار التمديد قدرا محتوما للمرة الثانية خلال أقل من سنتين، ولن توقفه، لا المكانس ولا حتى البنادق. لقد انقضى زمن الثورات في لبنان، وصارت المكانس والبنادق أعجز من أن تغيّر حرفا في طبيعة النظام السياسي المتكئ الى 18 طائفة «تحترم» حقوقها وحصصها وتقاتل في سبيلها حتى الرمق الأخير. وما يعزّي في هذه المرحلة بالذات أن التمديد والانتخاب سيّان. فصناديق الاقتراع لن تغيّر في طبيعة الخريطة السياسية القائمة في البلد، بحسب التوقعات والاستطلاعات التي أجرتها أكثر من مؤسسة معنية. قد تُحدِث الانتخاباتُ تبديلا طفيفا في بعض الأسماء. وقد تمنح أحد الفريقين الأساسيين في البلد نائبا بالزائد أو نائبا بالناقص. في النتيجة لا تغييرات جوهرية على الوضع الراهن، حتى لو حقق أي من الفريقين في 8 و14 آذار أغلبية مطلقة في البرلمان، فلن يتبدل شيء أساسي، لأن «المعادلة الميثاقية» صارت أمرا واقعا لا يحتمل عزل أو استبعاد أي طائفة عن «ضرورة الاجتماع اللبناني» على القضايا الأساسية بما فيها تعيين حاجب في الدولة (مع كامل الاحترام لهذه الوظيفة). هل هي إذًا دعوة لليأس والإحباط والتسليم بما هو قائم؟ ربما نعم، وربما لا. بين الـ«نعم» والـ«لا» ثمة خيط رفيع من الأمل يتحمل المواطن اللبناني جزءا أساسيا من المسؤولية عنه. فلا أمل بوطن يحكمه نظام طائفي، وإسقاط هذا النظام يتطلب وقفة شعبية جدية وسلمية، لا مكانس فيها ولا بنادق. فهذا الشعار لم يستقطب حتى الآن في التحركات سوى بضع مئات من الناشطين، فيما يتقاطر عشرات الآلاف، وربما المئات، إلى أي مهرجان يحمل الصبغة الطائفية أو الحزبية. إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.