زياد الرحباني: هل للجمود أن يرى الحركة؟

زياد الرحباني: هل للجمود أن يرى الحركة؟
09 Oct
2014

هل للجمود أن يرى الحركة؟ 

 

لا يمكن للجمود أن يقارب الحركة، حتى ولو كانت الأخيرة يشوبها خلل ما، تعثر، أو حتى انحراف. فقانون الحركة غير قانون الجمود. فالخلق للأولى، محاولةً رسم الأفق، أما الثانية هادئة في سكونها تعتاش على ذاتها، كتوأم للموت.

وموقف من الحركة من غير موقعها يكون إما انتقاص أو غموض في الصورة، ظلم أو ملئ للفراغ في أحسن الأحوال، وإما انتهازية شخصية أو سياسية.

والحركة اكثر قربا من التناقض وصراعه من وضعية الجمود، والقرب من التناقض يفرض موقفا حقيقيا مغايرا عن من هو غامض عليه في موقع السكون. وميزان الجمود لا يحتمل مادة الحركة، فكيف له ان يتفاعل معها بنقدية؟

 

همٌّ سياسي بامتياز أطلق طاقة إبداعية موجهة نحو التغيير، فكّر لها ولحّن، اشتغل فيها مسرحاً وكتب. أعاد إنتاج اللحظة في وضوح لامس الجميع، ونَقَد واستشرف القادم من قلب التشوش الذي كان، فكان المستقبل كما رأى، وكان المقاتل الأشرس في مرحلة التراجع، صامداً مؤكداً عدم الخسارة، وأول من رسم المخارج منها.

وعاد فثَبَّت المواقف من جديد، في جوهرها ووضوحها وأهدافها. ومن موقعه هو، خاض المعارك، استثمر التاريخ لصالح الحاضر والمستقبل، فمن نطق طوال حرب، لم تنته إلى الآن، بلسان الغالبية بيومياتها وداخلها "الصامت" والغامض عليها، استعاد التاريخ وأعاد صنعه بـ"الفردي"(شكلاً) نحو حركة جماعية سياسية للكل، لا كفرد، بل كممارس جماعي، بدور محدد وممارسة سياسية واضحة. 

 

زياد الرحباني ومن موقعه المتقدم، مستكملاً التاريخ وثبات الموقف والمبدأية، يقارب الواقع وممارسته فيه، ومن مأساته في هذا الموقع والدور والهدف، ينطق.

إنه يعري الجمود وليس العكس.

إن بَوحَه هو دعوة، كانت، وهي لا تزال بحاجة لإخراج مختلف لا يحمل همَّها زياد فقط. وان كان في طرحه يفتقد ل"الضبط" السياسي، فلا لشيء الا لغياب الاطار الفاعل الحقيقي الضابط لوعي الافراد في ممارستهم، الذي هو الحزب القادر.

 

إنها كشف لمستنقع يتعالى عن نفسه، ومن المستنقع ذاته يحاول أن يلامس هدير النهر.

إنها أظهرت، بما استدعته من ردود فعل، أحد أهم الموروثات الليبرالية: استسهال الموقف، وغياب المعيار، حتى في "وسط" زياد.

إنها تظهر ان الأغلب لم يرى تراجعه في الـ"تهادن" الشكلي لزياد، بل من تراجعهم بالذات حاسبوه!

وحسب تعبير الشاعر والمسرحي الماركسي "بيرتولد بريخت" في ما يمكن وصف الرفيق زياد به:

"الفنان عاجز عن الإتيان بشيئ مفيد مالم تملأ الريح أشرعته.وهذه الريح يجب أن تكون ريح زمانه بالذات،وليس ريح المستقبل...ومن الممكن أن نبحر حتى ضد الريح في حالة وجودها، غير أنه من المتعذر الإبحار بدونها أو عن طريق الإستعانة بريح الغد".

زياد أظهر ريح زمانه،التي ملأت شراع قاربه هو. ويبقى شراعُ السفينة.

 

محمد المعوش

آخر تعديل على Thursday, 09 October 2014 09:19

الأكثر قراءة