ينتظر أن يتبلور اليوم القرار النهائي لدى هيئة التنسيق النقابية بشأن الإفادات ومصير الامتحانات الرسمية. وفيما لم يعرف بعد ما هي التخريجة لتوصية «حماية الشهادة الرسمية»، صوتت أكثرية المعلمين ضد العودة إلى التصحيح في غياب أي ضمانة حول الحقوق في سلسلة الرواتب
فاتن الحاج - الاخبار
القرار داخل هيئة التنسيق النقابية ليس محكوماً بـ«الـشخصنة»، وليس محصوراً بآراء ثلاثة نقابيين أو أربعة. هذا على الأقل ما عكسته أمس قواعد المعلمين والموظفين الذين حضروا بالمئات إلى مجالس المندوبين والجمعيات العمومية في مدارسهم ليناقشوا وفق الآليات الديموقراطية توصية الهيئة بحماية الشهادة الرسمية. اختلفت المقاربات بين مكونات هيئة التنسيق وداخل كل مكوّن بشأن قرار وزير التربية بإعطاء الإفادات وما هو التوجه النقابي الذي يجب أن يعتمد للحفاظ على الحقوق.
فمنهم من دعا إلى تكريس معادلة لا تصحيح من دون سلسلة رواتب، ذلك أن «المعركة هي معركة كرامة وحقوق لا مكان للخذلان فيها». هؤلاء وصفوا التراجع بـ«الانتحار»، على خلفية أن عدم التصحيح يبقي هذه الورقة حيّة، ويردع المسؤولين عن الإقدام على إعطاء الإفادات في السنوات المقبلة. ومنهم من ضغط باتجاه العودة إلى التصحيح رأفة بالشهادة الرسمية والطلاب والتعليم الرسمي. وهؤلاء يعوّلون على ضغط سياسي يجبر الوزير على العودة عن الإفادات، إذا ما اتخذت هيئة التنسيق قراراً بالتصحيح في اجتماعها اليوم، ولا سيما أن قرار الإفادات يحتاج إلى قانون في مجلس النواب.
وبينما تستبعد مصادر نيابية أن يصار إلى «قوننة» الإفادات، برز موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري يشير فيه إلى أنّ قرار وزير التربية الياس بو صعب بإعطاء الإفادات للطلاب لا يكفي، والسبب الأساسي هو أن هناك نحو أربعين الف طالب برَسم الدخول إلى الجامعات، وطبعاً هناك بينهم من سيتخصص في الهندسة والحقوق والطبّ وغيرها، ودخولهم بعد التخرج إلى النقابات المهنية يفرض عليهم أن يقدّموا شهادة بكالوريا ـ القسم الثاني رسمية، ومن هنا الحاجة إلى القانون، وقد حصل ذلك سابقاً. وعمّا إذا كان ذلك يعني أنّه يمكن تجاوز السلسلة في جلسة نيابية تخصّص لقونَنة الإفادات، قال بري: «طبعاً لا، السلسلة ستبقى على جدول أعمال الجلسة التشريعية، أما إقرارها أو تعديلها فيعود للنواب». مجلس مندوبي رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي رفض أن يفوّض «على بياض» إلى الهيئة الإدارية للرابطة اتخاذ القرار المناسب حيال مصير الامتحانات الرسمية. «لا تصحيح»، كان هذا الصوت الغالب للمندوبين الذين حضروا الجلسة أمس. هؤلاء أقروا، في تصويت أول، استمرار المقاطعة، وطلبوا في تصويت ثانٍ من الهيئة الإدارية العودة إلى مجلس المندوبين مرة أخرى إذا قررت باقي مكونات هيئة التنسيق النقابية الذهاب إلى التصحيح. حصل التصويت الثاني بعدما خرج من يقول إنّ مجالس المندوبين والجمعيات العمومية في رابطتي التعليم الأساسي والمهني الرسمي ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة وافقت على العودة إلى التصحيح، وهناك خطر شق هيئة التنسيق. أما مندوبو رابطة موظفي الإدارة العامة، فرأوا أنّ ورقة مقاطعة التصحيح ليست منفصلة عن باقي التحركات من أجل إقرار سلسلة الرواتب، وأعلنوا أنهم ضد إعطاء الإفادات لما للقرار من نتائج كارثية وأن الموظفين لن يتحملوا توقيع وثائق غير قانونية. وتنفذ الرابطة إضراباً، يوم الخميس المقبل، مع اعتصام ينفذونه عند الحادية عشرة من قبل الظهر في وزارة الاقتصاد. في المقابل، لم تصدر قرارات نهائية عن مجالس المندوبين والجمعيات العمومية في نقابة المعلمين في المدارس الخاصة ورابطتي التعليم المهني والتعليم الأساسي الرسمي. وقد حصل التباس في إعلان النقابة العودة عن المقاطعة واستمرار كل أشكال التحرك حفاظاً على الحقوق، وخصوصاً أن عدداً من الجمعيات العمومية صوّت «بالأكثرية الساحقة» ضد التصحيح، ولا سيما في جبل لبنان والشمال وزحلة. هؤلاء استفزهم أن يصدر باسمهم قرار يفيد بتراجعهم عن سلاحهم الوحيد، وسألوا: «كيف بنا أن ننتحر بعدما أُطلقت رصاصة الرحمة علينا؟ كيف يمكن الطلاب والرأي العام أن يأخذوا خطواتنا المستقبلية على محمل الجد؟». واتهم بعض أعضاء النقابة رئيس نقابتهم نعمة محفوض بارتكاب خطيئة التفرّد في القرار. في مجلس مندوبي رابطة أساتذة التعليم المهني الرسمي، إصرار على المقاطعة بالإجماع ورفض لقرار الإفادات «الذي هو بمثابة إلهاء عن مطلب السلسلة». وسأل رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني الرسمي إيلي خليفة: لماذا يُضغَط علينا بالإفادات ما دمنا غير مرتبطين بالجامعات؟ يُذكر أن الوزير رفض طلب عدم إعطاء الإفادات لطلاب التعليم المهني والبريفيه. «نكون أو لا نكون»، هذا ما قاله رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، ودعا إلى عدم الاستخفاف بما يحصل، فالمسألة ليست قرار إفادة، بل ضرب العمل النقابي وإجهاضه، مشيراً إلى أننا «لسنا محرجين نقابياً، فلم نحصل على أي ضمانة بشأن حقوقنا، وكل ما طرح هو زيادة نسبة 13%، كذلك فإننا لسنا محرجين قانونياً، لأنّ المسؤول عن التصحيح ونتائجه هي الوزارة المعنية بتسيير المرفق العام والطلاب مسجلون لديها، والشهادة الرسمية حق للطالب على الدولة وليس على الأستاذ، ويمكن الطالب أن يرفع شكوى إلى مجلس شورى الدولة ضد إعطاء الإفادات». ورأى أن «التراجع عن المقاطعة، يعني حرق هذه الورقة إلى أبد الآبدين وضرب التعليم الثانوي الرسمي، أما الثبات عليها فيسمح لنا بأن نهدد فيها في سنوات أخرى، وبدلاً من أن تنكفئ المقاطعة تنكفئ الإفادة». وفي مواجهة معركة تصفية القطاع العام، أكد أهمية تنظيم هيئة التنسيق بتحويل الروابط إلى نقابات وهيئة التنسيق إلى اتحاد نقابات موظفي القطاع العام. كان لافتاً في بداية الجلسة دعوة بعض المندوبين رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي إلى الانفصال عن باقي مكونات هيئة التنسيق «كي لا نكون وحدنا الاستشهاديين ونحمل كل العواقب بصدورنا نيابة عن الجميع، ولا سيما الموظفون الإداريون». هؤلاء طالبوا بأن «ينفذ الموظفون إضراباً حقيقياً لمدة 10 أيام أو نعود إلى التصحيح». مقابل هذا الطرح، خرجت أصوات تطالب بتحصين هيئة التنسيق بدلاً من فرطها، وذهبت الحماسة بهؤلاء إلى حد الدعوة إلى إطلاق حركة 14 أيار النقابية لتكون رأس حربة في إسقاط النظام. المفارقة أن يأتي الحرص على وحدة هيئة التنسيق من الأحزاب التي لم تتأخر في شرذمتها. ومن أنصار العودة إلى التصحيح، ممثلو الحزب التقدمي الاشتراكي الذين دعوا إلى مراجعة الحسابات وأين أصبنا وأين أخطأنا خلال السنوات الثلاث الماضية. وبرزت مداخلة لممثل حزب الله في الهيئة الإدارية للرابطة يوسف كنعان، الذي دعا مجلس المندوبين إلى تفويض اتخاذ القرار المناسب إلى الهيئة الإدارية، وخصوصاً أن التصويت ليس قانونياً لعدم توافر النصاب، إذ حضر 130 مندوباً من أصل 540. وقال كنعان إنه لم تعد هناك قيمة للمقاطعة، وعلينا العودة إلى التصحيح حرصاً على الشهادة الرسمية وحفاظاً على التعليم الرسمي وهيئة التنسيق النقابية. ودعمه في هذا الموقف أمين سر الرابطة نزيه جباوي (حركة أمل)، فقال إن هيئة التنسيق ستفرط إذا تراجعت باقي المكونات عن المقاطعة، وبقيت رابطة الثانوي وحدها. هنا ساد هرج ومرج في القاعة، إذ رفض المندوبون وقف التصويت، وخصوصاً أن الرابطة دعتهم إلى هذه المهمة بالذات، وصوّتوا مع المقاطعة ولم يقبلوا إلا بتفويض مشروط.