قوى السلطة تريد قطع رأس هيئة التنسيق النقابية ووأد أي احتمال لنشوء حركة نقابية خارج سيطرتها. هذه الخلاصة عبّر عنها بوضوح التفافها حول وزير التربية الياس بو صعب، وتشجيعه على المضي في مخالفة القانون وإصدار إفادات. هيئة التنسيق بدت مرتبكة، وهي لم تجد ردّاً يقيها الانقسام إلا العودة لمجالس المندوبين والجمعيات العمومية لاتخاذ قرار تحت عنوان «حماية الشهادة الرسمية»
فاتن الحاج - الاخبار
قرار وزير التربية الياس بو صعب إعطاء الإفادات، ليس سبب الانتكاسة الجديدة التي تعرضت لها هيئة التنسيق النقابية. فالقرار كان منتظراً بعد انكشاف مواقع كل الأطراف السياسية من ملف سلسلة الرتب والرواتب. سبب الانتكاسة أنه جرى التفريط بما حققته هيئة التنسيق في الأسبوع الماضي من موقف موحد مدعوم من قواعد المعلمين والموظفين بعدم التراجع عن قرار مقاطعة تصحيح الامتحانات تحت أي ذريعة، وذلك من خلال انقسامات ظهرت بين مكونات الهيئة، في أثر إعلان بو صعب للقرار، السبت الماضي.
قيادات الهيئة (المتأثرة بنفوذ أحزاب السلطة) انقسمت بين داعٍ إلى الرضوخ والذهاب إلى التصحيح، بحجة إنقاذ الشهادة الرسمية، وبين داعٍ إلى تحويل الضغوط إلى فرصة جديدة للانتقال بالحركة النقابية إلى أفق جديد، عبر الإصرار على موقف هيئة التنسيق «الموحد» والرد على القرار، الذي يراد منه قطع رأس الهيئة، بالعمل فوراً على تحويل الروابط إلى نقابات وإعلان قيام «اتحاد نقابات الموظفين في القطاع العام»، وبالتالي الاستعداد لاستكمال المعركة بأدوات أكثر فعالية وتنظيماً وأكثر تمثيلاً للقواعد. هيئة التنسيق باجتماعاتها المتواصلة حتى منتصف ليل السبت ـ الأحد، لم تصل إلى قرار واحد، فجرى الاتفاق على العودة إلى مجالس المندوبين والجمعيات العمومية. وقضت التسوية بأن تحمل التوصية هذه المرة عنوان «حماية الشهادة الرسمية»، أي إنّ الهيئة أقرّت أنّ قرار منح الإفادات أسقط عملياً سلاحها الحالي، وبات عليها إمّا ترك القوى السياسية تتحمل مسؤولياتها تجاه تدمير المستوى التعليمي، وإمّا التراجع بإعلان استعدادها لتصحيح الامتحانات وإعلان النتائج حتى لا تُتهم بأنها سمحت بتعريض مصالح الطلاب للخطر، وكان لافتاً في هذا السياق أعلنه رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، بأنّ العام الدراسي سيبدأ في موعده في الأول من أيلول المقبل. هناك خيار جرى التباحث فيه بين قيادات الهيئة، وسيكون مطروحاً على النقاش في القواعد، وهو اللجوء إلى القضاء لإسقاط قرار منح الإفادات، نظراً إلى مخالفته قوانين عدّة وحاجته إلى تشريع في المجلس النيابي يجعل منح الإفادات إجراءً قانونياً. إلا أن الضغوط الحزبية تستبعد مثل هذا الخيار، وهو ما عكسته آراء عدّة داخل الهيئة استعادت ما حصل في قضيّة بدل النقل للعاملين في القطاع الخاص، إذ أصرّت أحزاب السلطة على إقرار مرسوم بدل النقل وثم «قوننته» لاحقاً، وهو ما أدّى يومها إلى استقالة الوزير شربل نحّاس.
حالة التململ من الضغوط الحزبية بادية في صفوف المعلمين والموظفين. وسأل نقابيون مستقلون: إذا كان النواب سيذهبون إلى المجلس النيابي لقوننة الإفادات، فلماذا لا ينزلون لإقرار السلسلة؟ لماذا استعجل وزير التربية بحرق ورقة التصحيح برمتها، ولا سيما لشهادة البريفيه وشهادات التعليم المهني، ما دام الوقت ليس داهماً بعد؟ يقولون: «كل من وافق في مجلس الوزراء على إعطاء الإفادات ضحى بالتربية وأسهم في السعي إلى وأد الحركة النقابية». في المقابل، هناك من يرى أنّ ما قبل الإفادات ليس كما بعدها، والأمر بات يستحق مراجعة لخطوة مقاطعة التصحيح وتقويمها بتبصر وعقلانية والعمل من أجل كسب تعاطف الأهالي والطلاب مع هيئة التنسيق. وتبقى الكلمة الفصل لمجالس المندوبين والجمعيات العمومية التي ستعقد اليوم وغداً، على أن يُعلَن القرار في اجتماع هيئة التنسيق عند الرابعة من بعد ظهر غد الثلاثاء. حتى اللحظة التي أعلن فيها وزير التربية قراره، كانت قيادات هيئة التنسيق تعوّل على نتائج اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائبة بهية الحريري قبيل ساعات قليلة من المؤتمر الصحافي للوزير. إلا أنّ اللقاء فشل في تحديد موعد لجلسة تشريعية قريبة لإقرار السلسلة وذهب باتجاه دعم قوننة الإفادات من خلال دعوة لجنة التربية النيابية إلى جلسة، عند الثانية عشرة ظهر الثلاثاء المقبل، تكون الإفادات بنداً رئيسياً على جدول أعمالها. وتنقل مصادر النائبة الحريري قولها إننا «كنا أمام خيارين أحلاهما مر، ولم يعد أمامنا سوى القبول بالإفادات، وإن كنا قد عارضناها في البداية، إلّا أن الوقت بات داهماً والطلاب مرتبطون بدخول الجامعات». وفي ما يخص السلسلة، تلفت المصادر إلى أن الاجتماع مع بري لم يتطرق إلى حلول آنية، إنما أكد أهمية متابعة الاتصالات بين الأفرقاء السياسيين بشأن الصيغ المطروحة، بما أن موضوع الطلاب قد حسم ولم نعد محشورين بالوقت». هل صحيح أن النائبة الحريري طرحت في الاجتماع مع بري السير في أرقام السلسلة التي أعدتها اللجنة النيابية الفرعية الثانية برئاسة النائب جورج عدوان؟ تجيب المصادر: «لقد طرحت أفكار عدة، وإن تم ترجيح مشروع لجنة عدوان، إلّا أنّ كل ذلك كان يصطدم بمبدأ تعذر عقد جلسة تشريعية قريبة بسبب غياب انتخاب رئاسة الجمهورية». وتستدرك: «صحيح أن النائبة الحريري لا يعنيها ربط الجلسة باستحقاق آخر، إلّا أنها جزء من تيار سياسي ولا تستطيع أن تحل موضوع السلسلة بصورة جزئية ومنفصلة عن باقي الملفات». لكن المعلومات تشير إلى أن العقدة لم تعد في عقد الجلسة التشريعية، بل في السلسلة نفسها، بما أنّه لن يكون هناك تشريع قبل إقرار السلسلة. إذاً، نجحت أحزاب السلطة بتأمين التغطية لقرار الانقضاض على هيئة التنسيق النقابية، واتخذ بو صعب قراره باعتماد وثائق الترشيح للامتحانات بديلاً للشهادات، وأباح «أخذ الصالح بعزا الطالح»، وقضى على آمال طلاب متفوقين كانوا يتحرّقون لمعرفة علاماتهم وآلمهم مساواتهم بالراسبين. سعى بو صعب إلى قطع الطريق على أي إمكانية للطعن بقراره حين أعلن إتلاف المسابقات مباشرة (وهي وثائق رسمية)، أو هكذا أوحى في مؤتمره الصحافي، بحجة أنه لن يكون هناك تصحيح بعد الآن. إلا أن «الأخبار» علمت أنّه أُعدّ مشروع مرسوم ومشروع قانون بهدف تغطية إعطاء الإفادات وإتلاف المسابقات في الوقت نفسه، وأن العملية الأخيرة لن تحصل قبل صدور المرسوم أو القانون. ألم تكن لدى بو صعب خيارات أخرى؟ يجيب أحد القانونيين بأنه كان عليه أن يحيل مشروع قانون بإعطاء الإفادات، كخطوة أولى، وهذا واجبه قانونياً، فضلاً عن أن خطوة كهذه كانت ستشكل عامل ضغط على الكتل النيابية، وليس هيئة التنسيق. إلا أن بو صعب قرر الذهاب إلى مواجهة الهيئة والتدخّل في شؤونها، وتجلى ذلك بصورة خاصة عندما أعلن أنّه تبلغ من ثلاثة نقابيين من أصل أربعة في هيئة التنسيق رغبتهم في تصحيح الامتحانات، واشترط إعادة تقويم العمل النقابي ليستمر بدعمه لمطالب المعلمين.