حققت هيئة التنسيق النقابية انتصاراً كبيراً، أمس. فهي لم تنجح فقط بمنع تصحيح الامتحانات، بل فرضت التراجع عن الإفادات، ولو لفترة. هذه النتيجة تحتاج إلى تثبيت اليوم في الاعتصام الذي دعت إليه الهيئة في ساحة رياض الصلح للقول إن الحل يبقى بإقرار سلسلة الرواتب
فاتن الحاج - الاخبار
رهان وزير التربية الياس بو صعب على كسر القرار النقابي لقواعد المعلمين والموظفين بالترهيب والترغيب سقط أمس، إذ نجحت هيئة التنسيق النقابية بتحقيق إنجازين: الحفاظ على سلاح مقاطعة التصحيح في الامتحانات الرسمية وتعطيل قرار إعطاء إفادات نجاح للجميع. هذا الانتصار فتح الباب مرة جديدة أمام إمكان إطلاق بحث جدي بين الكتل النيابية في اتجاه عقد جلسة تشريعية لإقرار سلسلة الرواتب وغيرها من القوانين، ولا سيما أنّ الأجواء تشير إلى احتمال كبير لعقد مثل هذه الجلسة قريباً، في ظل اشتراط رئيس مجلس النواب نبيه بري تفعيل عمل المجلس قبل أي بحث بتمديد جديد له.
إذاً، استطاعت هيئة التنسيق كبح اندفاعة الوزير بو صعب، الذي بقي متمسكاً بخيار الإفادات حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن يعدّل موقفه تحت وطأة الانتصار النقابي، ويعلن تراجعه عن قرار الإفادات، وتأجيل أي خطوة إلى ما بعد عطلة عيد انتقال السيدة العذراء، في نهاية هذا الأسبوع، وذلك فسحاً في المجال لمروحة من الاتصالات مع المرجعيات السياسية الأساسية، لعقد جلسة نيابية تقرّ حقوق المعلمين والموظفين والعسكريين. الغطاء السياسي من مجلس الوزراء وأحزاب السلطة لم يكن كافياً لكسر القرار النقابي بالمواجهة وإسقاط مشروع ضرب هيئة التنسيق. فقواعد المعلمين والموظفين قامت بتأديب الأحزاب التي تدعي تمثيل الطوائف، وأبلغت رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر: لسنا قطعاناً، وعليكم أن تفهموا ذلك جيداً.
الوزير بو صعب فهم الرسالة، على ما بدا من كلامه بعد إعلان فشله في تأمين حضور اللجان الفاحصة. فهو كان قد حدد موعداً لطباعة الإفادات (اعتباراً من ظهر أمس) إن لم يحضر المصححون. إلا أنه، تحت وطأة الانتصار النقابي، تراجع وخفف من دور البطولة، ليتحدث مجدداً عن «الحوار ومحاولة فتح ثغرة في الأفق المقفل»، طالباً من الوحي «أن ينزل على السياسيين في عيد السيدة، لكي يتوافقوا على عقد جلسة لمجلس النواب لإقرار الحقوق». كذلك راح يبدي حرصه على عدم شق الصف النقابي، وأنّه لا يقبل بوجود خلافات في الجسم التربوي ولا مع الأهالي والطلاب، علماً بأنّه لم يعدم وسيلة إلا استخدمها لكسر قرار مجالس المندوبين والجمعيات العمومية لروابط المعلمين والموظفين، وسعى جاهداً إلى اجتذاب المصححين، عبر ترهيبهم بالرسائل النصية التي تحثهم على الحضور أو عبر الاتصالات الهاتفية وترغيبهم بالبدلات المالية. كل ذلك انتهى باعتراف الوزير بو صعب بإنجازات الحركة النقابية! كان بو صعب قد توّج ضغوطه على الأساتذة بطلب استدعاء المئات من عناصر القوى الأمنية إلى وزارة التربية لمواجهة الاعتصام الذي دعت إليه الهيئة، تزامناً مع دعوة اللجان الفاحصة. مشهد «مدجج بالسلاح» لم يسبق له مثيل في عهود كل الوزراء السابقين. العناصر رابطوا عند المداخل الرئيسية الأربعة للوزارة، وحوّلوها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، أو كأنها «عرسال»، حسب ما راح البعض يردد استهجاناً واستنكاراً لهذا السلوك الأرعن في مواجهة أساتذة ومعلمين. «الأمنيون» لم يسمحوا إلاّ بدخول المصححين المسجلين في اللوائح الاسمية التي كانت في حوزتهم. أما الأساتذة المعتصمون والمقاطعون لأعمال وضع أسس التصحيح فمنعوا من الاعتصام في الباحة الداخلية لوزارتهم. هؤلاء حاولوا أن يردعوا زملاءهم، وغالبيتهم من الأساتذة المتعاقدين وبعض الأساتذة في التعليم الخاص، عن خرق القرار النقابي، إلّا أن 43 معلماً فقط من أصل 600 تحتاجهم عملية انطلاق التصحيح لم يستجيبوا، وهو عدد ضئيل جداً بالمقارنة مع ما كان يردده الوزير بو صعب صباحاً عن وجود المئات من المصححين. القوى الأمنية اعتدت على رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض، أثناء محاولته إقناع الأساتذة الذين حضروا للتصحيح بعدم الوقوف ضد أنفسهم ومصالحهم. أوعز ضابط إلى عسكرييه بإزاحة «النقيب» جانباً، حاول عنصران حمله لإبعاده، ما أشعره وزملاءه بإهانة كبيرة، وأدمعت عيناه وهو يردّ على الاعتداء بالقول إننا «نعمل تحت سقف القانون ومن حقنا كجهة نقابية أن نؤثر على آراء معلمينا بالحوار والإقناع». أبى بو صعب إلّا أن يكون جزءاً من المشهد المخزي في باحة الوزارة. نزل إليها محاطاً بمجموعة من فريقه ليصطحب الراغبين في التصحيح إلى الداخل، محاولاً تصوير النقابيين كما لو أنهم بلطجية. كاد سلوكه أن يسبب توتراً حاداً. المقاطعون للتصحيح صرخوا من وراء البوابة الحديدية المقفلة في وجهه، داعين إلى مواجهة الكتل النيابية التي لا تريد إقرار السلسلة، لا مواجهة أصحاب الحقوق، ودعوه إلى الاستقالة. الوزير وضع ما حدث من «مشاكل أمام المبنى» في خانة الأخطاء الطبيعية، واعداً الطلاب بإيجاد الحلول لهم، رافضاً الاستقالة. على المركز الآخر، أي في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، اعتصم الموظفون الإداريون وأساتذة التعليم المهني وفرضوا وقف انطلاقة أعمال وضع أسس التصحيح، إذ لم يشارك أيضاً أكثر من 40 مصححاً. وبرز سؤال عمّا إذا كان المدير العام لمديرية التعليم المهني، رئيس اللجان الفاحصة، أحمد دياب، المحسوب على حركة أمل، قد قرر الانحياز إلى القرار النقابي بعدم إمرار التصحيح، ولا سيما أنّه كان يستطيع استقدام المتعاقدين، وهم يشكلون 80% من الجسم التربوي في التعليم المهني الرسمي. تسلّحت الهيئة بقاعدتها ونجحت في فرض إرادتها في مراكز أسس التصحيح، وبدا رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب منتشياً بالانتصار «الذي حققه معلمون وموظفون وقفوا في حزمة واحدة بقيادة هيئة التنسيق النقابية»، وقال إن «الحركة النقابية فرضت نفسها على الأرض»، وإن «على الجميع احترامها»، جازماً بأن «قضية التحرك هي الحقوق ثم الحقوق». ووجه نداءً إلى جميع اللبنانيين للزحف اليوم إلى ساحة رياض الصلح من أجل المطالبة بعقد جلسة للمجلس النيابي دفاعاً عن الحقوق ولإقرار السلسلة. وقال: «سنقوم باتصالات مع المعنيين والمرجعيات السياسية للوصول إلى هذا الهدف». في وقت لاحق، قومت هيئة التنسيق نتائج اليوم الطويل فحيت مقرري اللجان الفاحصة ونوابهم وأعضاءها الذين التزموا قرار الهيئات النقابية، مستنكرة الأساليب، التي تجاوزت الهيئات النقابية المنتخبة. ودعت الهيئة وزير التربية إلى اجتراح الحلول التربوية والابتعاد نهائياً عن أي حل غير تربوي مثل الإفادات الذي شهر سيفه منذ شهر ولا يزال. وطالبت بحمل ملف السلسلة إلى رؤساء الكتل النيابية لإخراجها من التجاذبات السياسية، ولا سيما أن اقتراح قانون التمديد للمجلس النيابي قد سلك طريقه إلى الأمانة العامة للمجلس.