غزة: هدنة توقف مفاوضات القذائف

غزة: هدنة توقف مفاوضات القذائف
11 Aug
2014

حلمي موسى - السفير

بعد ثلاثة أيام من مفاوضات القذائف، عادت إسرائيل والمقاومة الفلسطينية إلى مفاوضات الطاولة، برعاية مصرية، في القاهرة ابتداءً من منتصف ليلة أمس. وأعلنت وزارة الخارجية المصرية قبول الطرفين هدنة لمدة 72 ساعة، بعدما كانت لغة القذائف قد أدارت منذ صباح الجمعة الماضي حرب استنزاف فجرت خلافات شديدة في الأوساط الإسرائيلية. وشهدت الأيام الثلاثة الماضية تعاظم التهديدات من الطرفين، بمواصلة حرب استنزاف طويلة فلسطينياً، وتهديد بحسم يقود إلى احتلال القطاع إسرائيلياً. وذكرت وزارة الخارجية المصرية، مساء أمس، أن «مصر تدعو الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، للالتزام بوقف إطلاق نار جديد لمدة 72 ساعة، اعتباراً من الساعة الثانية عشرة ليلا بتوقيت القاهرة». واعتبرت أن ذلك يأتي «من أجل تهيئة الأجواء لتدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية اللازمة، وإصلاح البنية التحتية، واستغلال تلك الهدنة في استئناف الجانبين للمفاوضات غير المباشرة بصورة فورية ومتواصلة». وأعلن الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، بصيغ مختلفة، قبولهما الدعوة المصرية، التي كانت نتاج سجال وجدال طويل في الأيام الأخيرة. فقد أصرت إسرائيل على رفض التفاوض تحت النار، وحالت دون عودة وفدها المفاوض إلى القاهرة. وهدد الوفد الفلسطيني بالانسحاب من المفاوضات إذا لم يعد الوفد الإسرائيلي خلال وقت معين. وواضح أن الطرفين يسعيان للنزول عن شجرة الصراع المسلح، لكن ليس قبل التأكد من تحقيق إنجازات. ولكن كل إنجاز لأي طرف يعتبر خسارة للطرف الآخر، وهو ما يزيد الوضع تعقيداً. ففي إسرائيل كانت الحكومة والجيش قد سارعا إلى إعلان الانتصار وتحقيق الردع، حتى قبل ضمان أن يكون الطرف الفلسطيني قد قبل الخروج من حلبة الصراع. ولذلك كان رفض تمديد الهدنة مفاجأة وصدمة للإسرائيليين، الذين اضطر عدد من قادة اليمين فيهم إلى التهور بإطلاق تهديدات بالعودة إلى احتلال قطاع غزة. ودان ساسة كثيرون في إسرائيل خضوع حكومتهم لإدارة «حماس» للصراع، حيث إنها هي من يملي الخطوات على الأرض. واضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للإعلان عن أن حرب «الجرف الصامد» ستتواصل حتى استعادة الهدوء إلى مستوطنات الجنوب، ولفترة طويلة. واعترف، في مستهل جلسة حكومته أمس، بأن الأمر «يتطلب وقتاً ويحتاج إلى طول نفس»، وأن إسرائيل «لم تعلن في أي مرحلة عن انتهاء العملية». وحاول وزير الدفاع موشي يعلون الإيحاء بأن الجيش الإسرائيلي كبّد «حماس» وقوى المقاومة أثماناً باهظة بعد عودتهم إلى إطلاق الصواريخ. وطالب هو الآخر الجمهور الإسرائيلي بالصبر وطول النفس. لكن هذه الأقوال لم تقنع حتى وزراء كباراً في حكومة نتنياهو. فقد حمل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بشدة على النتيجة الحالية، واعتبر أن «الوضع الراهن لا يمكنه أن يدوم». وشدد على أنه لو أخذت الحكومة برأيه قبل بدء العملية، وذهبت نحو إطاحة حكم «حماس»، لتجنبت الوضع الحالي. وأضاف أنه لا حل سوى إعادة احتلال غزة وتطهيرها من «حماس»، والخروج من هناك بأسرع وقت ممكن. كما أن وزير الداخلية جدعون ساعر طالب بوجوب إلحاق الهزيمة بـ«حماس». وقال «ينبغي تحطيم قوة حماس العسكرية في غزة. هذا كان صحيحاً قبلاً وهو صحيح الآن أيضا». وتحدث وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس عن ضرورة إعادة احتلال القطاع ولو مؤقتاً. كما أن وزير الاقتصاد نفتالي بينت أكد أن الحكومة لم تحقق الهدف الذي وضعته لنفسها مع بدء عملية «الجرف الصامد». وقال، لمستوطني الجنوب، «ما دام ليس بوسعكم العودة إلى بيوتكم والعيش بأمن فإننا لا نرى أن المهمة أنجزت، الأمر يفحص في امتحان النتائج لا الأقوال». ودعا الأسرة الدولية إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل لأنها «الموقع الأمامي للعالم الحر في مواجهة الموجة الظلامية للإسلام المتطرف. امنحونا الدعم، لكننا سنستمر، حتى من دون دعمكم». وتتحدث مصادر إسرائيلية عن أن بين دوافع التقدم نحو الهدنة مرونة أبدتها مصر في كل ما يتعلق بفتح معبر رفح. وكانت القاهرة تطالب ليس فقط بخضوع المعبر للحرس الرئاسي الفلسطيني بل أيضا بنشر قوات من الشرطة تكون خاضعة للسلطة الفلسطينية في المعبر، وعلى طول محور فيلادلفي. وتضيف هذه المصادر أن القضايا العالقة بين إسرائيل والفلسطينيين بقيت على حالها، وخصوصا قضية الميناء حيث تصر إسرائيل على ربط ذلك بتجريد القطاع من السلاح. لكن القضية الأشد سخونة ليست الميناء أو المطار، بل إعادة إعمار غزة، حيث ترفض المقاومة اشتراطات إسرائيل بشأن إدخال مواد البناء، رغم أنها لا تعارض المراقبة الدولية لإعادة الإعمار وللمعابر. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر سياسية قولها إن إسرائيل، رغم عدم وجود وفد لها في القاهرة، كانت طوال الوقت في صورة المداولات الجارية بين مصر والوفد الفلسطيني، وأن التنسيق مع مصر متواصل، وأن «مصر أطلعت إسرائيل على تطورات المحادثات مع الفلسطينيين». وفي نظرها فإن «الخطة المصرية لم تتغير: وقف نار فوري يسمح بحل المسائل الإنسانية الصعبة، وبعد ذلك حل القضايا السياسية والاقتصادية في مفاوضات متدرجة». وأضافت أن الهدف السياسي المصري في المداولات واضح، وهو تعزيز مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وحرمان «حماس» من المجد الذي سعت لتحقيقه في هذه الحرب. وشددت على أن مصر تعمل على أساس التوصل إلى تسوية يكون فيها مطلوباً من «حماس» والفصائل «الاعتراف بأنها تقف في الصف الثاني، فيما أبو مازن، بدعم مصري، هو الزعيم الفلسطيني الذي سيقود إعادة إعمار قطاع غزة». وقال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» في الدوحة، إن أي هدنة دائمة يجب أن تؤدي إلى رفع الحصار عن غزة. وفي كل حال، تعترف جهات إسرائيلية بشكوك القاهرة في نيات نتنياهو استغلال «التحالف الإقليمي» الناشئ في المنطقة لمصلحة خطوة تغيّر وجه المنطقة. وتقول هذه الجهات إن مصر، في كل الأحوال، ستحث في اليوم التالي للعملية على التوجه نحو الحل السياسي، ولو من باب التزامها بدعم القضية الفلسطينية.

الأكثر قراءة