لم تعثر قواعد المعلمين والموظفين في هيئة التنسيق النقابية في العرض الأخير لوزير التربية الياس بو صعب على أي سبب يدفعها إلى التراجع عن قرار مقاطعة التصحيح، بل استفز القواعد ما سماه البعض «الطريقة الاستعلائية لذبح هيئة التنسيق». ومما قالوه في اجتماعاتهم: «كرامتنا هي الأهم»
فاتن الحاج - الاخبار
قواعد المعلمين والموظفين ممثلة بالجمعيات العمومية ومجلس المندوبين ستقرر اليوم اي وجهة ستتخذها معركة سلسلة الرواتب: اما تغليب الجانب النقابي على الجانب الحزبي واقرار توصية هيئة التنسيق النقابية بالاستمرار في مقاطعة اسس التصحيح وتصحيح الامتحانات الرسمية، وبالتالي ترك القوى السياسية تتحمل مسؤوليتها في استبدال الشهادات بالافادات.
وامّا الاستجابة لضغوط الاحزاب التي التزمت بالعمل على تأمين امكانية التصحيح واعلان النتائج. في هذا الاطار، صدرت مواقف امس من المكاتب التربوية في تيار المستقبل وحركة امل والتيار الوطني الحر تدعو هيئة التنسيق النقابية للتراجع عن قرارها، او تدعو المعلمين لعدم الالتزام بقيادتهم النقابية والذهاب الى التصحيح. هكذا وضعت القواعد مرة جديدة أمام محك الاختيار بين انحيازها إلى انتماءاتها الحزبية والتزامها قرار هيئتها النقابية. سيثأر المعلمون كما يقولون لكرامتهم في مجالس المندوبين والجمعيات التي يعقدونها اليوم، وسيتخذون موقفاً موحداً بالاستمرار في المقاطعة، وهو الموقف الذي سيبلغونه للوزير بو صعب. إلا أنّ رهان الأساتذة يبقى معلّقاً على مقرري لجان التصحيح ونوابهم.
هؤلاء أكدوا بعد اجتماع مع رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي أنهم «مع هيئة التنسيق النقابية وموقفها النقابي الموحّد والمستقل بالاستمرار في مقاطعة التصحيح من أجل إقرار الحقوق في السلسلة». وبينما رفضت اللجان الإفادات لكونها إجراءً غير تربوي لا مبرر له إلا ضرب حقوق الطلاب بالشهادة الرسمية وحقوق الأساتذة والتربية عموماً، دعت المسؤولين إلى النزول غداً إلى المجلس النيابي لإقرار السلسلة، إذا كانوا حرصاء فعلاً على إجراء التصحيح وإعطاء الشهادات الرسمية. يتأثر عدد من اللأساتذة والمعلمين بالضغوط الحزبية، وهم جاهروا بعدم ممانعتهم العودة إلى التصحيح، ليس لأنّهم مقتنعون بأن الوعود الجديدة المقطوعة أفضل من سابقاتها وأنها ستؤدي فعلاً إلى إقرار الحقوق، بل لأنّهم بلغوا حداً من اليأس والتململ من نتائج المواجهة. كذلك برزت أصوات مختلفة أبدت استعدادها لأخذ خطوة إلى الوراء بمعنى «أخذ نفس»، باعتبار أن مثل هذا الإجراء لا يُعد هزيمة، بل «منكبر بعين طلابنا ومنصغِّر السياسيين»، خصوصاً أنّ هيئة التنسيق قامت بكل واجباتها والعالم أجمع يشهد لها بذلك. إزاء هذه المواقف، يرى نقابيون في هيئة التنسيق أن المجالس والجمعيات، اليوم، ستكون اللحظة التاريخية المناسبة لكشف إمكان بروز تيار نقابي ديموقراطي مستقل يدفع إلى إقامة نقابات لموظفي القطاع العام، ويفتح أفقاً ممكناً لتطوير الهيئة وخطابها بما يتجاوز المطلب «الفئوي»، أي السلسلة، إلى مقاربة قضايا الشأن العام وطريقة إدارة الدولة وانحيازها ضد مصالح الأكثرية. الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي ملوك محرز (تيار المستقبل)، تقول إنّ «أساتذة الشمال أستُفزوا بكلام الوزير وسيشاركون اليوم في مجلس المندوبين ليقولوا إنها قصة كرامة ولن نتراجع عن المقاطعة، والقوى السياسية لن تستطيع أن تصادر رأينا». تنفي محرز أن يكون قد وصلها أي تعميم من التيار بضرورة المشاركة في التصحيح و«سنلتزم ما تقرره هيئة التنسيق مجتمعة». الا ان المكتب المركزي لقطاع التربية والتعليم في «تيار المستقبل» اصدر بالفعل بيانا دعا فيه هيئة التنسيق النقابية الى العودة عن مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية «وذلك حفاظا على مستقبل طلاب لبنان». وقال البيان ان «معظم المكاتب التربوية المشاركة في هيئة التنسيق قد أعلنت موقفها اليوم بضرورة العودة عن المقاطعة وذلك حفاظا على مستقبل طلاب لبنان». وورد على الموقع الرسمي لحركة أمل أنّ المكتب التربوي المركزي طلب من الأساتذة مباشرة أعمال تصحيح الامتحانات ابتداءً من مطلع الأسبوع المقبل، إلا أن الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي حيدر خليفة (حركة أمل)، نفى أن تكون أي ضغوط قد مورست على الأساتذة، فالأمر لم يتجاوز حدود التمنيات بالتفكير بعقلانية وأخذ مبادرة حفاظاً على حقوق الطلاب ومراعاة للظروف الأمنية للبلد. إلا أن خليفة يقول إننا «سنقيس الأمور في الميزان وسننظر إلى تعب الأساتذة على مدى 3 سنوات، وسيكون موقفنا منسجماً مع موقف هيئة التنسيق». «لا نحسد على الواقع الذي وصلنا إليه»، يقول مقرر فرع جبل لبنان في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي ميشال الدويهي (التيار الوطني الحر)، مشيراً إلى أن «التمعن بالظروف لا يعني تراجعاً أو انكساراً لهيئة التنسيق التي لدينا علامات استفهام حول أدائها في بعض المراحل، وليس الوقت مناسباً لذكرها الآن، إذ إنّ المطلوب اليوم هو العمل بذكاء على الوصول إلى صيغة توافقية للحل، تحفظ قيمة الشهادة الرسمية وحقوق الطلاب والأساتذة على السواء، على أن يكون ذلك منطلقاً من ثوابتنا النقابية». وقالت هيئة معلمي القطاع الرسمي في «التيار الوطني الحر» في بيان لها ان «تلبية معلمي التيار الوطني الحر دعوة وزير التربية إلى وضع أسس التصحيح، وإلى التصحيح في شهادات التعليم الأكاديمي والتعليم المهني والتقني، يبقى خيارا مفضلا على خيار الإسهام في إصدار الإفادات الناعية للشهادة الرسمية». برأي عضو الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي يوسف كنعان (حزب الله)، ليس هناك عاقل يتراجع عن موقف المقاطعة إذا لم يعط أي ضمانة بالمقابل، فالإقدام على هذه الخطوة ليس بهذه السهولة، فالناس لديهم كراماتهم، كذلك فهو تدمير لكل نشاط هيئة التنسيق. ومع أن كنعان يبدو واثقاً من شبه إجماع على الاستمرار في المقاطعة، يلمّح إلى أنّه سيكون هناك مشهد آخر بعد مرحلة إصدار الإفادات، وقد تكون هناك خطوات نوعية تتعلق بمقاربة صوابية القرار أو عدمها. أما عضو المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين مجيد العيلي (حزب الكتائب)، الذي فاوض أخيراً باسم مكتب التربية في الحزب، قال: «إننا لا نضغط على أساتذتنا، وهناك موقفان واضحان في المكتب التربوي وفي هيئة التنسيق، إنما يجب لفت النظر إلى أنّ المكاتب نفسها أكدت أن القرار النهائي بالتصحيح يعود إلى هيئة التنسيق، وهذا لم يبرز بوضوح في مؤتمر الوزير». وعلى خط موازٍ للجو الأكثري في أوساط المعلمين في الأساسي والثانوي والمهني والتعليم الخاص بشأن الاستمرار في المقاطعة، بدا لافتاً أن تتحدث رابطة موظفي الإدارة العامة عن تسريبات مشبوهة تستهدف وحدة هيئة التنسيق، ما دعاها إلى إعلان الإضراب العام يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، على أن يترافق مع اعتصام، عند الثامنة من صباح أمام مدخل مبنى المديرية العامة للتعليم المهني والتقني في الدكوانة، موصية هيئة التنسيق بتنفيذ اعتصام مركزي في ساحة رياض الصلح. الرابطة استنكرت المواقف التي أعلنها وزير التربية، ولا سيما تلميحه إلى إمكان التصحيح بالرغم من رفض هيئة التنسيق، «ما يخفي محاولة لشرذمة صفوف الهيئة والقضاء على أي صوت نقابي صادق، كما ترى بتلك المواقف تراجعاً فاضحاً عن الاتفاقات وإخلالاً غير بريء بالوعود