«لا يمكن تطبيق قانون الايجارات بلا المواد والفقرات التي جرى إبطالها»، بهذه الكلمات حسم رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان التأويلات المتناقضة للقرار الصادر عن المجلس امس، الذي ابطل مواد وفقرات واردة في القانون المذكور، تتعلق بتأليف لجان لبت النزاعات بشأن بدل المثل، لكونها لا تتوافق مع النظام القضائي
إيفا الشوفي, فراس أبو مصلح - الاخبار
صدر عن المجلس الدستوري، أمس، القرار الرقم 6/2014، وأبطل المواد 7 و13 والفقرة ب-4 من المادة 18 من قانون الايجارات المطعون فيه، «وهي المواد المتعلقة باللجنة التي أنشأها القانون لبت النزاعات بشأن بدل المثل»، تقول خلاصة القرار، ان إبطال هذه المواد جرى تعليله بـ«عدم توافر المواصفات والشروط التي تؤدي الى منح اللجنة الصفة القضائية، وجعل قرارات اللجنة مبرمة وغير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة».
وقد رد المجلس الدستوري الطعون المتعلقة بإقرار القانون بمادة وحيدة في مجلس النواب، وتناقضه مع مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة والأمان التشريعي والحقوق المكتسبة وحرية التعاقد، كما رد الطعن في صلاحية إصدار القانون في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية واعادة نشره في الجريدة الرسمية بقرار صادر من الأمين العام لمجلس الوزراء، بعدما ردّه المجلس الدستوري سابقا بحجة مخالفة المهل المتعلقة بالنشر. هذا القرار اتخذه المجلس الدستوري بالاكثرية لا بالاجماع، ولم يقارب اساس النزاع بين ممثلي المستأجرين والمالكين في الابنية القديمة المؤجرة، بل بدا اقرب الى التهرّب من بتّ النزاع نفسه، والسعي الى اعادة الكرة الى ملعب مجلس النواب، اذ إن تفسيرات القرار تذهب في اتجاهين: امّا ان يعود مجلس النواب الى درس القانون برمته، وامّا ان يعود لتعديل المواد التي قبل المجلس الدستوري الطعن بها. وهذا ربما ما جعل طرفي النزاع يحتفلان بصدوره. فقد رأى ممثلو المالكين انهم ربحوا معركة دستورية القانون الذي ايدوه وطالبوا بتنفيذه، فيما رأى ممثلو المستأجرين انهم ربحوا جولة الطعن بالقانون الذي رفضوه جملة وتفصيلا، اذ إن مستشاريهم القانونيين يرون ان الطعن بمادة واحدة من القانون تجعل كل القانون كأنه لم يكن، وذلك وفقا لتفسير المادة السابعة والثلاثين من قانون المجلس الدستوري التي تنص على أنه: «إذا أعلن القرار بطلان النصوص المخالفة للدستور كلياً أو جزئياً، يعدّ النص الذي تقرر بطلانه، كأنه لم يكن، ولا يرتب أي أثر قانوني».
لا يمكن تطبيق القانون
ممثلو مالكي الأبنية القديمة المؤجرة رحبوا بصدور قرار المجلس الدستوري، لاعتبارهم أن قانون الإيجار الجديد أصبح نافذاً، برغم إبطال بعض مواده؛ غير أن رئيس المجلس الدستوري القاضي عصام سليمان أكد في حديث لـ«الأخبار» أنه لا يمكن تطبيق القانون بلا المواد والفقرات التي جرى إبطالها، وبالتالي سيُحال القانون على مجلس النواب لتعديل مواده التي أبطلها المجلس الدستوري، موضحاً أن المجلس النيابي حر كذلك في تعديل المواد التي رُدت الطعون بها.
وكان مجلس النواب قد اقر قانون الايجارات الجديد بمادة وحيدة في نيسان الماضي، وطعن به رئيس الجمهورية ميشال سليمان قبل نهاية ولايته، كما طعن به 10 نواب ضمن المهلة القانونية. وفي قراره الرقم 5/2014 الصادر في 6 حزيران الماضي، قرر المجلس الدستوري أن قانون الإيجارات الذي أقره مجلس النواب، وامتنع رئيس الجمهورية عن إصداره، أو رده، غير نافذ وغير موجود نظراً لنشره في الجريدة الرسمية في 8/5/2014، أي قبل يوم من انقضاء مهلة الشهر الدستورية، التي تنص عليها المادة 57 من الدستور. وقد ساد الاعتقاد بأن قرار المجلس الدستوري هو نهاية المطاف، لكن في حزيران الماضي فوجئ الجميع بالامين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي يأمر باعادة نشر قانون الإيجارات في ملحق العدد 27 للجريدة الرسمية (26/6/2014). في ضوء ذلك، تقدّم 10 نواب بطعن جديد بالقانون، وهم يمثلون كتل الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير والتغيير والإصلاح والكتائب والقوات اللبنانية.
عدم دستورية لجنة التخمين
يوضح المحامي جاد صوان، عضو لجنة المحامين المكلفة من قبل لجان المستأجرين، أن لجنة بت النزاعات التي «يرتكز على تأليفها» القانون الجديد، ويقترح إنشاءها في كل قضاء تمثل «ضربة للدستور»، مشيراً إلى أن المجلس الدستوري قبل الطعن فيها بالشكل وبالأساس، لكونها «تحل محل المحاكم العدلية العادية (البداية والمنفردة والاستئناف)»، أو «تؤلف محاكم خاصة تتضارب صلاحياتها مع صلاحيات المحاكم العدلية»، سائلاً عن مصير الدعاوى المرفوعة للقضاء العدلي الحالي. يشرح صوان أن المجلس الدستوري رأى بالمقابل أن «لا أسباب دستورية لإعادة النظر» في المواد المتعلقة بصلاحية الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، بإعادة نشر القانون والمهل الزمنية لتحرير قيمة الإيجارات، وبالتالي فإن الإمر «ليس من اختصاص الدستوري». يرى أديب زخور، رئيس لجنة المحامين أن «الكثير من المخالفات (في القانون المقدم) لا يقدر أن يطاولها المجلس الدستوري، لأنها خارج صلاحياته»، مثل «الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية». او عدم «الاخذ برأي المستأجرين في القانون في اللجان المشتركة»، يضيف زخور إن القانون يجب ان يتضمن خطة اجتماعية. ويجب مناقشة القانون والتصويت عليه وفقاً للأصول والنظام الداخلي للمجلس النيابي، كما يجب وضع خطة سكنية وإعادة النظر في الأرقام الواردة في القانون، وكذلك في المساعدات الممنوحة للمستأجرين، يقول زخور إن «حق السكن مقدس، وعلى الحكومة والمجلس النيابي واجب حمايته».
الجميع يحتفل بالقرار
تضاربت البيانات في الساعات الأولى التي تلت صدور قرار المجلس الدستوري. الجميع فرحون ويهنئون بعضهم بعضا. لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني للمستأجرين أعلنت في بيان لها أنّ «القانون بات غير نافذ»، شاكرةً «المجلس الدستوري رئيساً وأعضاء» على الجهود التي بذلوها، ورأت اللجنة أنّ قرار المجلس يمثل «مدخلاً صحيحاً من أجل العمل على تعديل القانون، بما يجعل منه قانوناً عادلاً ومتوازناً». في المقابل، حيّت نقابة وتجمع مالكي العقارات والأبنية المؤجرة «نزاهة قضاة المجلس الدستوري والتزامهم الخط القانوني والدستوري المستقيم في إعلان دستورية القانون الجديد للإيجارات، وترفعهم عن المصالح الشخصية والفئوية في التعاطي مع هذه القضية، وإصدارهم قراراً منصفا وعادلا، ردوا فيه الطعن المقدم أمامهم في القانون، واكتفوا بقبول الطعن في المواد التي تعنى بلجان التخمين». كذلك رأت النقابة أن «الصيغة التي خرج بها قرار المجلس الدستوري برد الطعن لجهة إصدار القانون ونشره وإقراره بمادة وحيدة، هي الرد الأساسي من قبلنا على ما تعرض له القانون في السابق من حملات تضليل وتشويه». أربك هذا القرار طرفَي النزاع على حد سواء. يرى المستشار القانوني لتجمّع ونقابة المالكين شربل شرفان أنّ لجان التخمين، التي أبطل المجلس الدستوري المواد المتعلقة بها، «عملها تقني، إذ إن اللجنة أشبه بمجالس تحكيمية، وهي ليست لجنة قضائية. المجلس الدستوري أبطل القانون على نحو جزئي، أي إن الإبطال يسري فقط على المواد المذكورة، بينما تبقى جميع مواد القانون الباقية سارية، لأن المجلس لم يعلن إبطال القانون على نحو كامل». أضاف شرفان أن «قرار المجلس الدستوري هو أكبر دليل على دستورية قانون الإيجارات، لكن المتضرر الأكبر من قرار قبول الطعن هو المستأجر نفسه، لأنه ليس هناك حالياً لجنة للنظر في طلبات المستأجرين ذوي الدخل المحدود للحصول على المساعدات من الصندوق الخاص بالإيجارات السكنية». لن تبقى إشكالية عدم وجود لجنة من دون حل، إذ سارعت اللجنة القانونية إلى طرح الآلية الأفضل بنظرها، وهي العودة إلى المادة 50 من القانون نفسه، التي تعطي القاضي المنفرد المدني صلاحية النظر للفصل في جميع دعاوى الإيجار وجميع الطلبات والدفوع التي تلازمها مهما بلغ بدل الإيجار السنوي.
نافذ أم غير نافذ؟
هكذا، أعلن شرفان أنه ابتداء من 1-1-2015، يبدأ تطبيق قانون الإيجار الجديد. في المقابل، أعلن عضو لجنة الدفاع عن المستأجرين كاسترو عبدالله أن «اللجنة (التي أبطلها المجلس الدستوري) هي أساس القانون»، ما يعني أن إبطالها هو إبطال للقانون نفسه، الذي بات «غير نافذ». «سيعود القانون إلى مجلس النواب ليجري البحث فيه مجدداً»، قال عبدالله، مضيفاً أن لجان المستأجرين والنواب مقدمي الطعون وخبراء اقتصاديين واكتواريين سيطرحون أفكاراً لتعديل القانون، كي يصبح منصفاً للمستأجر والمالك_ لا لسماسرة العقار_ على حد سواء؛ كما ستُطرح أفكار لخطة إسكانية تكون الدولة مسؤولة عنها، وكذلك أفكار لتعديل التشريعات الخاصة بالسكن والإيجار، وسيطرح قانون الإيجار التملّك». يشير عبدالله إلى أنه من تاريخ 1-1-2013 ما من قانون للإيجار، في ظل «صراع كبير بين ممثلي الحق وبعض السماسرة والشركات العقارية»؛ ولا يستبعد عبدالله أن يتنصل مجلس النواب من حسم الصراع هذا عبر تمديد صلاحية قانون الإيجارات القديم.