5 سنوات مرّت على صدور التعميم المتعلّق بالقيد الطائفي في سجلات النفوس وجواز عدم التصريح عنه وشطبه. خطوة اعتُبرت آنذاك إنجازاً باتجاه بناء دولة القانون اللاطائفية. المتحمسون لهذه الفكرة كانوا كثراً. الداعون إلى إسقاط النظام الطائفي في المظاهرات القليلة التي نُظمّت وصل عددهم إلى عشرات الآلاف. لكنّ عدد شاطبي القيد الطائفي لا يُعرف حتى اليوم
إيفا الشوفي - الاخبار
جمعيات المجتمع المدني التي تتابع حملة «شطب القيد الطائفي» لا تعلم عدد شاطبي هذا القيد في لبنان، لأن وزارة الداخلية والبلديات لا تصرّح عن هذه المعلومات التي تصنّف في دائرة الخصوصية. إلّا أنّ رئيس «تيار المجتمع المدني» باسل عبدالله يؤكّد أنّ العدد لا يتجاوز ألف شخص، وعلى أقرب تقدير يتراوح بين 700 و800 شخص. هذا العدد الخجول بعد 5 سنوات من إصدار التعميم يطرح تساؤلات عدّة بشأن مكمن الخلل. هل الخلل في الجمعيات التي ترفع لواء معركة الدولة المدنية؟ أم في المواطنين؟ أم في القرار نفسه؟
جرت العملية بشكل تسلسلي لكن غير منظم. أُصدر تعميم شطب القيد، تلاه أوّل زواج مدني على الأراضي اللبنانية. حدثت الضجة الإعلامية وهاج المجتمع المدني أشهراً طويلة على الدولة المدنية، ثم خفتت الأصوات. خلال هذه الفترة، من عام 2009 حتى 2012، أفرز الإحصاء 442 شخصاً شطبوا مذهبهم. أُنجز الموضوع من الناحية القانونية وتمّت ملاحقته بشكل جيد، إلّا أنّ العمل الجدي على الأرض توقف. ثلاث هيئات أخذت المبادرة في هذا المجال هي «المركز المدني للمبادرة الوطنية»، «تيار المجتمع المدني» و«اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني». يعترف باسل عبدالله بتقصير المجتمع المدني في هذه القضية، «لم يحصل أي حراك شبابي ميداني جدّي على الأرض. الجهود كانت مشتتة بين الجمعيات، ما لم يساعد على إنتاج حملة موحدة لدفع الناس إلى شطب القيد. لم يجر شرح أهمية هذه الخطوة ورمزيتها، إلّا أننا أنجزنا أخيراً نشرة تتضمن كافة المعلومات وسنقوم بتوزيعها في الأيام المقبلة».
رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني حسان زيتونة يؤكّد أنّ «الحملات كانت في البداية ممنهجة ومركّزة، وفي ما بعد فقدت هذا الطابع. خفتت حماسة الشباب تجاه الموضوع بعد اكتساب حرية الاختيار كحق شرعي، وبالتالي لم يعد يشكّل معركة، لأنه أصبح أمراً واقعاً عادياً». يلفت رئيس الهيئة الإدارية لـ«المركز المدني للمبادرة الوطنية» طلال الحسيني إلى أنّ «أول حالة شطب حصلت عام 1939، حين تقدمت سيدة مارونية بطلب لشطب القيد. آنذاك لم يستجب مأمور النفوس، فأمر المفوض السامي بتنفيذ طلبها». إذاً التعميم الذي صدر عام 2009 لم يكن بمثابة قرار جديد، بل كان تذكيراً بقانونية شطب القيد الطائفي من سجلات النفوس. يرفض الحسيني تسمية «مجتمع مدني»، ويرى أنّ «هناك هيئات مدنية تنقسم إلى ثلاث فئات: فئة شكلية وأخرى جاهلة وفئة أخيرة فاعلة هي التي عملت على موضوع شطب القيد». بعد تعميم إزالة الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس، وعقد أول زواج مدني على الأراضي اللبنانية، تتجه هذه الجمعيات إلى الإعلان قريباً عن خطوة ثالثة تتعلّق بوثيقة الولادة، أي تثبيت حق من شطب قيده الطائفي في الحصول على وثيقة ولادة جديدة لا تذكر قيده الطائفي، ما سيعيد الزخم إلى الموضوع. إجراءات إزالة الإشارة إلى الطائفة سهلة ويمكن تنفيذها بسرعة. لا يوجد منع مباشر من قبل مأموري النفوس للراغبين في شطب قيدهم، لكن بعضهم يمارس نوعاً من التخويف والترهيب على هؤلاء لحثّهم على التراجع عن هذه الخطوة. إحدى الفتيات في منطقة طرابلس اتُّهمت بالكفر والخروج عن الدين، فتحوّلت إجراءات شطب القيد إلى وعظ ديني. في مناطق أخرى روّج مأمورو النفوس شائعات مفادها أنّ شطب القيد يمنع المعني من التقدّم إلى وظائف عبر مجلس الخدمة المدنية وفي سلكي الدرك والأمن العام، كذلك يمنعه من أن يرث والديه ولا يُصلّى على جثمانه... يبقى هذا كله في إطار الإشاعات الكاذبة. كثيرون من دعاة الدولة المدنية لم يقدموا على شطب قيدهم لاقتناعهم بعدم جدوى الخطوة فعلياً. ترى فرح أنّ الموضوع لم يتعدّ الشكليات «خطوة لا تقدّم ولا تؤخّر. يتم شطب المذهب عن إخراج القيد فقط وليس عن جميع سجلات الأحوال الشخصية، وبالتالي نحن في صدد إخفاء الموضوع ليس أكثر». آخرون يعتقدون أنّ الخطوة لا تقاس بفاعلية تأثيرها أكثر من أنها تسجيل موقف. حسين لم يشطب قيده الطائفي على الرغم من اقتناعه بفكرة الدولة المدنية. «اسمي حسين وبيّي علي والخطوة شكلية، إذا شطبت رح يبطلو يتعاملو معي بمنحى طائفي؟!». يطرح عربي العنداري الذي شطب قيده الطائفي التساؤل نفسه بشأن مدى التجاوب مع الخطوة، «أين هم مدّعو العلمانية من موضوع شطب القيد الطائفي؟ بالتأكيد هم أكثر من عدد الشاطبين حتى اليوم!». القرار الصادر في 21 تشرين الأول 2008، والمعمم في 6 شباط 2009 ، أكّد على استبدال المذهب بإشارة «/» ما يكفي لإعلان الفرد تنظيم علاقته مع الدولة على أسس المواطنية ليصبح انتماؤه للدولة فقط. شكليّة القرار أُثبتت بجواب «هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل» على الكتاب الذي أرسله وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود بشأن انعكاس عدم التصريح عن القيد الطائفي أو شطبه من سجلات الأحوال الشخصية على الترشح والاقتراع في الانتخابات النيابية. جاءت خاتمة الجواب أنّه يمكنه الترشّح على أن «يقدم إفادة من هذه الطائفة بأنه لا يزال منتمياً إليها رغم شطب قيده الطائفي من سجلات الأحوال الشخصية». إلّا أنّه لا يمكن إنكار أنّ هذا القرار أنتج مفاعيل قانونية مهمة أبرزها إمكانية عقد زواج مدني على الأراضي اللبنانية وفق القرار 60 ل.ر.