يبدو أن هيئة التنسيق وحدها تتمتع بحس المسؤولية الوطنية. ففيما قررت تأجيل الإضراب والاعتصام غداً «نظراً للظروف الأمنية الطارئة والحساسة التي تمر بها البلاد»، كان وزير التربية الياس بو صعب يجمع المكاتب التربوية في الاحزاب لاستكمال الطوق حول رقبة الهيئة
فاتن الحاج - الاخبار
أعلنت هيئة التنسيق النقابية تأجيل تنفيذ الإضراب العام الشامل في الوزارات والإدارات، الذي كان مقرراً غدا الأربعاء، وكذلك الاعتصام المركزي في ساحة رياض الصلح، وبررت قرارها بأن «الوطن يمر بظروف غاية في الصعوبة»، داعية «جميع اللبنانيين الى الالتفاف خلف جيشنا الوطني»، وتوجهت في بيان تلاه أمين سر رابطة معلمي التعليم الأساسي الرسمي في لبنان بهاء تدمري «الى أطراف السلطة السياسية بالقول: كونوا أيها السادة المسؤولون على قدر المسؤولية الوطنية.
لقد ناشدناكم مراراً وتكراراً رفع الظلم عن كل العاملين في القطاع العام ومنهم القوى العسكرية والامنية، لكنكم أدرتم الأذن الصماء على مدار ثلاث سنوات ونيف. إن مسؤولياتكم تحتم عليكم اليوم النزول فوراً الى المجلس النيابي وإقرار الحقوق بالقانون بعد أن أقررتم بها بالفعل والاعلان. كفاكم تشاطراً وكفى وضعكم لحساباتكم السياسية فوق حسابات الوطن وبنيه. لقد تسببتم بالفراغ بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبحال الشلل ووقف التشريع في المجلس النيابي، والاكتفاء بتصريف الأعمال حكومياً، وأخذتم بهذه الممارسات الشعب اللبناني كله رهينة، وتركتم الجيش اللبناني من دون مظلة وحماية سياسية رسمية، مثلما تركتم هيئة التنسيق النقابية ومصالح المواطنين معطلة منذ سنوات وسنوات».
هذا الموقف الوطني لهيئة التنسيق النقابية قابله وزير التربية الياس بو صعب بمحاولة إضافية للنيل من الهيئة وسحب سلاحها الأمضى حالياً، المتمثل في مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية لإجبار الكتل النيابية على إقرار سلسلة الرواتب العالقة منذ أكثر من ثلاث سنوات. فالوزير بو صعب لا يزال مصراً على إصدار مشروع قراره الرامي الى منح الطلاب إفادات مؤقتة تسمح لهم بالتسجيل في الجامعات بانتظار صدور نتائج الامتحانات الرسمية، وهذا الإجراء وصفته الهيئة بأنه «لاتربوي»، وحمّلت الوزير بو صعب «مسؤولية اتخاذه مع كل النتائج السلبية الناتجة منه». فالتآمر على الشهادة الرسمية ليس جديداً، كما قال تدمري، بل بدأ مع إعطاء معادلة الفريشمن والبكالوريا الفرنسية ومن ثم الدولية، وها هو يستكمل اليوم عبر الإفادات المدرسية على يد وزير التربية. وطالبت الهيئة بو صعب بإلغاء كل هذه المعادلات بالنسبة إلى الطلاب المقيمين في لبنان بدلاً من توزيع الإفادات. في هذه الأثناء، تحرك بو صعب من أجل الالتفاف على هيئة التنسيق وقرارها القاضي بمواصلة مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية وإصدار نتائجها، فاستعان بالمكاتب التربوية للأحزاب التي تمتلك حضوراً حاسماً في الهيئة، وعقد لقاءً معها لإقناعها بدعم مشروع قراره وتأمين التغطية الحزبية له. وهو ما عدّه البعض محاولة لاستكمال تهميش الهيئة بعد استبعادها من المفاوضات بين الكتل النيابية. نقل ممثلو المكاتب التربوية للأحزاب عن بو صعب استبعاده إقرار سلسلة الرتب والرواتب قبل شهر على الأقل، «رغم أنّ لديه ثقة كاملة بأن الكتل النيابية ستقر أخيراً الحق الذي اعترفت به». لكن الوزير قال لممثلي الأحزاب إنّه «لا يسعه من موقع مسؤوليته إلاّ أن يتخذ قراراً ينصف 108 آلاف طالب ويعطيهم مستنداً يسيّر أمورهم». لم تكن أمس مواقف المكاتب التربوية في الأحزاب السياسية موحّدة حيال مشروع القرار. النقاش مع بو صعب عكس مواقف متفاوتة، بحسب مصادر شاركت في الاجتماع، إذ بدا أن بعض القوى ترحّب بإعطاء إفادات، فيما غلّفت قوى أخرى عدم ممانعتها للقرار بطلب التريث 48 ساعة في انتظار التواصل مع قواعدها في هيئة التنسيق علّ التشاور يفضي إلى مخرج «لائق» للأساتذة، على خلفية أن أي حل يجب أن يتم بالتوافق مع هيئة التنسيق، مثل العودة إلى التصحيح وربط النزاع مع السلطة السياسية. هذه القوى قالت إنها لا تغطي قرار بو صعب، إذ إنّ موقفها المبدئي هو مع هيئة التنسيق والوزير يتحمل المسؤولية السياسية لقراره. في المقابل، رفض قسم ثالث رفضاً قاطعاً إعطاء الإفادات وضرب الشهادة الرسمية والضغط على هيئة التنسيق. وبحسب البيان الصادر عن وزارة التربية، فإن المجتمعين توافقوا على إعطاء مهلة 48 ساعة للتواصل مع هيئة التنسيق من جانب المكاتب التربوية والوزير، وهم ملتزمون بدعم هيئة التنسيق والوقوف إلى جانبها، والمطالبة بحقوق الأساتذة والحفاظ على وحدة الهيئة، بصرف النظر عن القرار الذي يمكن أن يتخذه الوزير. وذكر البيان أنّ المسؤولين التربويين سيعقدون اجتماعاً ثانياً يوم الأربعاء للبحث والتقويم واتخاذ القرار المناسب. وعلمت «الأخبار» أن المكاتب التربوية للأحزاب ستلتقي مع هيئة التنسيق النقابية قبل ظهر غد، قبل أن تلتقي الوزير بو صعب لإبلاغه مواقفها. رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب رأى أن «من يقف ضد إقرار السلسلة يقف ضد الوحدة الوطنية في البلد»، مشيراً الى أن «ما حصل مع هيئة التنسيق حصل أيضاً مع الجيش اللبناني الذي تركوه في الساحة وحيداً». وسأل: «هل إذا أوقفنا مقاطعة التصحيح تحل المشكلة؟». وقال: «طبعاً لا. ففي الاساس البلد يعاني من الشلل». وحمّل غريب مجلس النواب «مسؤولية الاستمرار في تعطيل المؤسسات وشلها». وقال: «لا حل إلا بنزول النواب الى المجلس النيابي لإقرار السلسلة، أما أن يستفردوا بقطاعات ويضربوها ويستقووا بداعش على هيئة التنسيق فهذا أمر مرفوض». تشعر هيئة التنسيق النقابية، بحسب ما قالت في مؤتمرها الصحافي أمس، أن هناك محاولات حثيثة لضرب الهيئة عبر وسائل ثلاث: عدم إقرار الحقوق رغم الاعتراف بها، عدم إعطاء جميع القطاعات الوظيفية نسبة موحدة من الزيادة بهدف ضرب هذه القطاعات بعضها ببعض، محاولة فرض ضرائب جديدة على الفقراء لا لزوم لها بعد توازن الواردات والنفقات، لإيجاد شرخ بين هيئة التنسيق وقطاعات واسعة من الشعب اللبناني. ومن دلائل الهيئة على محاولات ضربها، إقرار جميع الملفات المحقة المطروحة، رغم أنها تشكل إنفاقاً مالياً جديداً، وآخرها ملف الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، وعدم إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب رغم إشباعه درساً وتمحيصاً من جميع أنواع اللجان النيابية والوزارية. كذلك عدم إشراك الهيئة في كل مراحل دراسة مشروع السلسلة، والاكتفاء بتسلم المذكرات منها دون الرد عليها، فضلاً عن عدم التزام الحكومات المتعاقبة بتعهداتها درس مؤشر الأسعار سنوياً، رغم وجود نص قانوني بذلك، وبالتالي عدم إقرار غلاء معيشة يوازي ارتفاع المؤشر، ما أدى إلى هذا التراكم في الحقوق.