«الدولة اللبنانية تُمعن في ضرب التعليم في لبنان. تضرب الأستاذ براتبه، والتلميذ بشهادته». هذا ما تقوم بترجمته فعلياً القوى السياسية المسيطرة على قرار الدولة. آلاف الطلاب ينتظرون شهاداتهم الرسمية لاستكمال مسيرة تخصصهم، يقولون إن أحلامهم تتهاوى، ولا يجدون من يسأل عنهم. قلّة منهم قررت التعبير عن الغضب
حسين مهدي - الاخبار
استطاع أحمد الحصول على منحة لدراسة الهندسة البترولية في إحدى الجامعات في الخارج، إلا أن الدولة قتلت حلمه، فالجهة المانحة اشترطت عليه خلال مهلة محددة أن يقدم لها شهادته الرسمية التي لم تصدر بعد بسبب عدم إقرار المجلس النيابي لسلسلة الرتب والرواتب. حال أحمد تشبه حال الكثير من زملائه الذين حُرموا فرص السفر إلى الخارج بهدف التحصيل الدراسي، والباقون هنا مهددون اليوم بحرمانهم بدء العام الدراسي الجامعي.
باكورة التحرك الطلابي على الأرض
أمس، اعتصم العشرات من طلاب الشهادة الرسمية من ثانويات مختلفة في بيروت وضواحيها لمطالبة المسؤولين السياسيين بإيجاد حل في القريب العاجل لمشكلتهم العالقة في التجاذبات السياسية. ألقت الطالبة أروى شميطلي كلمة باسم الطلاب، اتسمت بالعفوية والبساطة، فتحدثت عن «السارقين والمرتشين» الذين يحرمون الأساتذة حقهم في سلسلة تنصفهم، وحق التلامذة في شهادة يحتاجون إليها لاستكمال مسيرتهم. «شو ذنبنا نحن نضل ناطرين لتطلع النتيجة؟ انتو عم تجبرونا نهاجر». دلّت شميطلي النواب المسؤولين على أحلام الطلاب، يريدون أن يصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين وحتى نواب ووزراء، «بس انتو عم تهدّولنا أحلامنا». وشرحت بعض الهواجس المتعلقة بالراسبين الذين قد لا يتاح لهم الوقت اللازم لكي يدرسوا للدورة الثانية غير المقررة حتى إصدار نتائج الدورة الأولى من الامتحانات. «بدنا تطلع نتايجنا، ما بدنا السنة تروح علفاضي»، صرخة أطلقها الطلاب بوجه المعنيين من النواب والوزراء والفرقاء السياسيين. ولدى سؤال أحدهم عن سبب توجه الطلاب بخطابهم إلى السياسيين بدل دعوتهم الأساتذة إلى تصحيح المسابقات وإعلان النتائج، يجيب أحد الطلاب: «ابحثوا عن السبب، لا عن النتيجة». يعرف هؤلاء الطلاب أن النواب هم من أهملوا ملفهم وتقاعسوا في إقرار حقوق أساتذتهم المشروعة. «نحن جاهزين لبدكن ياه»، قالها الطلاب لأعضاء هيئة التنسيق النقابية الذين حضروا إلى الاعتصام، ورأى الطلاب أن تحركهم هو الأول، لكن «ليس الأخير حكماً»، على أن يكون التحرك المقبل باتجاه ساحة رياض الصلح.
أُعلن عن الهيئة التأسيسية لرابطة لجان الأهل في الثانويات شارك الأهالي في الاعتصام أيضاً، وأعلن سعيد اللحام تأسيس الهيئة التأسيسية لرابطة لجان الأهل في الثانويات الرسمية كبداية لإنشاء هذه الرابطة، وصولاً إلى بناء قوة نقابية فاعلة تدافع عن الثانوية الرسمية والتعليم الرسمي، وحقوق الأهل والطلاب «في تحسين نوعية التعليم الرسمي»، والرابطة يفترض بها أن تجمع أهل الطلاب في كل لبنان، على قاعدة وحدة الموقف بين الأهل والأساتذة تجاه مطالب هيئة التنسيق النقابية. «لكي يأخذ الطالب حقه، يجب أن ينال الأستاذ حقه»، يقول اللحام، فالتعليم كي يصبح محترماً في لبنان، على الدولة أن تحترم الأساتذة. الهيئة التأسيسية أعلنت نيتها الدعوة إلى اجتماع لمجالس الأهل في ثانويات بيروت، للإعداد لتحركات مقبلة، على أن يُشرَك لاحقاًَ الأهل والتلامذة من المناطق كافة. ودعت لجان الأهل في ثانويات بيروت إلى الاجتماع نهار الأربعاء في 6/8/2014 الساعة الخامسة مساءً في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي الذي اتخذته مقراً مؤقتاً لها.
بو صعب: الإفادات ضربة للتعليم
بو صعب أعرب عن سعادته لرؤية هيئة التنسيق والأهل والطلاب موحدين ويشكون الوضع المؤسف الذي وصل إليه قطاع التربية. صرّح بأنه إذا استمر الوضع كما هو خلال الأيام الأربعة المقبلة، يدخل العام الدراسي في المحظور «إذا لم نبدأ بتصحيح المسابقات، فلن يكون بمقدور الطلاب الالتحاق بالجامعات في الخارج، ولن نتمكن من بدء عام دراسي جديد». القرار ليس عند وزارة التربية، والمعرقل «معروف»، بحسب بو صعب، والطرف السياسي الذي يقاطع نوابه الجلسات المخصصة لإقرار السلسلة «مش سألان عن مستقبل الطلاب ولا عن التعليم في لبنان». لفت بو صعب أيضاً إلى ملفات الجامعة اللبنانية، فلا نتائج ستصدر في ظل مقاطعة الأساتذة المتعاقدين للتصحيح، ولا دورة ثانية للامتحانات، وبالتالي لا بداية للعام الدراسي الجديد إن لم يُقَرّ ملفا التفرغ وتعيين العمداء. وطالِب الجامعة اللبنانية متجه إلى خسارة جميع الفرص المتاحة أمامه لاستكمال دراسته في الخارج إن لم تصدر النتائج قريباً. «العالم مش ناطرينا»، يقول بو صعب خلال الاعتصام، مشيراً إلى أن الملفات التربوية من الجامعة اللبنانية وسلسلة الرتب والرواتب «لا مفر منها»، وإن لم تنجح السلطة السياسية في إقرارها «فلن يقر أي ملف آخر في البلد». عضو هيئة التنسيق النقابية حنا غريب، حضر مع وفد لمشاركة الأهل والطلاب صرختهم، موجهاً رسالة للمعنيين حول «إفشال المشروع المراهن على وضع الأهل والطلاب في مواجهة الأساتذة»، مشدداً على قدرة هيئة التنسيق على استكمال معركتها في مواجهة كل من يقوم بعرقلة الملفات. دخول الطلاب والأهل على خط العمل النقابي المطلبي، ستساعد به هيئة التنسيق ورابطة التعليم الثانوي، حيث أعلن غريب إمكانية التواصل مع 40 ألف طالب من الشهادة الثانوية، لإشراكهم في أوسع حشد نقابي تربوي شعبي في الشارع، إذا ما تلكأت السلطة السياسية في إقرار سلسلة الرتب والرواتب خلال الأيام المقبلة.
ما هو مصير العام الدراسي الجامعي؟
ضاعت فرصة السفر إلى الخارج بالنسبة إلى العديد من طلاب الشهادة الثانوية وطلاب الجامعة اللبنانية، لكن هل من الممكن أن يضيع العام الدراسي بأكمله؟ وما هي الإجراءات التي قد تتبعها الجامعات في لبنان؟ بدأ معظم الجامعات الخاصة باستقبال طلبات التسجيل للطلاب الجدد، وبعضها بدأ أيضاً بإجراء مباريات الدخول لعدد من الاختصاصات لديها، لكن تأخر انطلاق العام الدراسي يفتح الباب أمام تساؤل عن إمكانية أن تستعيض الجامعات عن الشهادة الرسمية بإفادات مدرسية لتنطلق بعامها الدراسي، وهي مسألة حذّر منها عدد من المعنيين بالشأن التربوي لما فيه من ضرب للشهادة الرسمية ومستوى التعليم، فرأى وزير التربية الياس بو صعب أن الإفادة «ضربة للتربية». الجامعة الأميركية وافقت في فترات سابقة (الحرب الأهلية) على تسجيل الطلاب بإفاداتهم المدرسية، شرط أن يكون مصدَّقاً عليها من الجهات المعنية، وبالتالي هناك سابقة قد سجّلت يمكن الاستناد إليها، وإذا بدأ الفصل الدراسي وتبيّن لاحقاً أن الطالب راسب تعاد له أمواله. إلا أن مها العزار، مديرة الإعلام في الجامعة، أفادت «الأخبار» بأن البحث عن خيارات أخرى ممكن، وليس هناك شيء جاهز «وأكيد لن نعطّل الطلاب». أما الجامعة اللبنانية الأميركية، فبدأت بقبول طلبات الطلاب، لكن مشروطة بإرفاق الشهادة الرسمية لاحقاً لدى صدورها. وبحسب مدير الإعلام في الجامعة، كريستيان أوسي، لا حلول لدى الجامعة، «ما فينا نبلش العام الدراسي إذا ما في نتائج». جامعة القديس يوسف أنجزت كل مباريات الدخول إلى الكليات التي تحتاج إلى مباريات دخول، لكن إصدار النتائج مشروط بنيل الشهادة الرسمية كما ينص القانون، ويعتبر هنري عويط، نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، «لا نملك إلاّ أن نتمنى إيجاد حل عادل ومرضٍ للرواتب من جهة، وأن يجري تفهم مصالح الطلاب من جهة ثانية. أعتقد أنّ مشكلة الطلاب الذين ينوون الالتحاق بجامعات في لبنان هي أسهل من مشكلة من يريدون الدراسة في جامعات خارج لبنان، إذ بإمكاننا في الداخل أن نتفهم وضع الطلاب». عدد من الجامعات مثل الجامعة اللبنانية الدولية تقوم «بحجز مقاعد» للطلاب الجدد، بعد تقديمهم المستندات اللازمة، على أن تقوم بتثبيت تسجيلهم فور صدور النتائج، واسترجاع الأموال أو الرسوم التي دفعت في حال رسوب الطالب في الامتحانات الرسمية. ويتخوف العديد من الجهات المعنية أن يقوم لاحقاً عدد من الجامعات بخطوات تمهّد لفرض «أمر واقع» يجبر الوزارة على اعتماد الإفادة المدرسية المصدَّق عليها كمستند رسمي للبدء بعام جامعي جديد، والتخوف من ذلك ينبع من مستوى بعض المدارس «الضعيف»، ومن سهولة حصول البعض على إفادات نجاح بطرق ملتوية «غير قانونية» من بعض المدارس الخاصة. فبعض الجامعات (الدكاكين الجامعية) تقبل الطالب دون دراسة ملفه أو تقويمه عبر امتحان تقويمي، وبالتالي يكمن التخوف في التجاوزات التي قد ترتكبها هذه الجامعات بحق التعليم العالي في لبنان.