أنهى الموظف في وزارة الزراعة د. علي برو، إضرابه عن الطعام بناءً على تمنيات عدّة، أبرزها من هيئة التنسيق النقابية، وقرر فك اعتصامه في ساحة رياض الصلح ليعود إلى النضال في صفوف الهيئة وبرامج تحركاتها. يقول إنّ الخرق صعب في بلد «المتمسحين»، إلا أن ذلك لن «يجعلني أعدم أي وسيلة، وسأواصل معركتي ضد الظلم والفساد من موقع آخر وبأشكال أخرى»
فاتن الحاج - الاخبار
قبل 20 يوماً، خرج الموظف في وزارة الزراعة د. علي برو إلى ساحة رياض الصلح يتلمس بشجاعة بقايا ضمير كان لا يزال يراهن عليه لدى أصحاب القرار. هكذا، في الأيام الأولى للإضراب عن الطعام، كان الأمل بإحداث خرق في الواقع بكل مفرداته السيئة يحدو ابن الـ63 عاماً. لكن عضو هيئة التنسيق النقابية لم يتأخر كثيراً في إدراك صعوبة الخرق في بلد «المتمسحين»، حسب توصيفه.
الاشتباك في معركة الأمعاء الخاوية بدأ بحرمان المضرب عن الطعام خيمة تقيه حرّ الشمس ورطوبة الليل، ولم ينته بهزالة التضامن مع حركة احتجاجية نوعية في مسار تحرك هيئة التنسيق، إن كان من أصحاب المصلحة المشمولين بسلسلة الرواتب، أو من قوى المجتمع المدني الوهمية، كما يسميها برو نفسه. يشنّ هجوماً على «الأشكال البراقة» لهذا المجتمع الذي لم يحرك ساكناً في القضية المطلبية ولا حتى في القضية الوطنية التي ارتقى إليها أخيراً. يدفع هذا الواقع برو للقول: «إن تمويل الدولة لهذه الجمعيات هو أحد مزاريب الهدر والفساد، وهذه الجمعيات هي في أحسن الأحوال مبيعة أو مشتراة». بعد 20 يوماً، فك الموظف اعتصامه يحدوه أمل جديد باستكمال معركة ضد الظلم والفساد كان قد بدأها في الأيام الأخيرة للإضراب، وذلك من موقع آخر وبأشكال مختلفة، كما يقول. بدا مستغرِباً كيف أنّ هذه المعركة أيضاً لم تجتذب الرأي العام. كان برو يظن أن كثيرين سينضمون إلى الاعتصام بمجرد توسيع العنوان ليتجاوز أصحاب السلسلة إلى 95% من اللبنانيين. لكن الأيام العشرين لم تستقطب أحداً.
وحده برو صام نيابة عن كل المعلمين والموظفين والمواطنين بعدما جاوز الظالمون المدى. ربما ساعده في ذلك وضعه الوظيفي وكان محروقاً ليحظى بـ«شوية» تحسينات على راتبه وهو على عتبة التقاعد وخصوصاً أن راتبه التقاعدي لن يتجاوز 500 دولار أميركي. وما زاده إصراراً على مواصلة الحراك هو معاقبته في الوزارة بحرمانه الساعات الإضافية والمكافآت السنوية لأنّه رفض الانصياع إلى دهاليز الصفقات والمشاريع المشبوهة. إلا أنّ المعركة لا تزال في أولها، والسلاح الأول وليس الوحيد فيها هو المادة 13 من قانون المحاسبة العمومية والمشوار طويل، هكذا يسدل برو الستار على تجربة أعادته 35 عاماً إلى الوراء (أيام النضال الثوري)، وأيقن بعدها أن «التغيير ليس سهلاً، لكن يجب أن لا نترك الأمر الواقع يعدمنا ويلغينا ويحوّلنا إلى أصنام». سيعود برو اليوم إلى تحركات هيئة التنسيق، وهو لم ينفك يوماً عن القول إن صيامه خرج من رحمها. سينضم إلى الاعتصام الطويل الذي تنفذه الهيئة على مدى 24 ساعة في وزارة التربية. حتى مساء أول من أمس، لم تكن فكرة الخروج من ساحة الاعتصام واردة، بل إنّ الطرح الذي قدمته هيئة التنسيق عشية تعليق الإضراب أثار للوهلة الأولى حفيظة برو ورفضه رفضاً قاطعاً، وخصوصاً أنّه كان لا يزال يعيش روحية الاستمرار إلى «الأفق الذي أستطيع تحمله». يعود وفد هيئة التنسيق أدراجه ويختلي برو بنفسه مستعيداً المشهد منذ اليوم الأول وكيف أن مطالبته بحقه في سلسلة الرواتب بقيت عبثية بلا أفق قبل أن يتجاوزها بالانتقال إلى المرحلة الثانية التي لم ير أي استجابة لها أيضاً، فاتصل منتصف الليل بهيئة التنسيق ليبلغها بأنّ لا مانع لديه من العودة إلى برنامج تحركاتها. أمس، حضر وفد من هيئة التنسيق إلى ساحة الاعتصام، واقترب من برو الذي كان جالساً على الفراش، وتمنى عليه العودة عن إضرابه. ومما قاله رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر: «جئنا إليك لنلقي عليك تحية كل جماهير هيئة التنسيق الذين يفتخرون بالخطوة الجبارة والبطولية، إذ أطلقت صرخة لكل المسؤولين، لكن لم تصل إلى آذانهم الصماء، ولم يأت أحد منهم ليسألك عن حالتك. لذا نتمنى عليك بعد تقدير هذه الخطوة أن تتخلى عن الصيام عن الطعام وتعود إلى تحركات هيئة التنسيق وأنت ركن أساسي فيها، التي ستبقى مستمرة لإقرار الحقوق، ولا سيما حقوق الموظفين الإداريين، وأنت واحد منهم». شارك في اللقاء مع برو أيضاً وزير الزراعة أكرم شهيب، الذي كان قد زاره ثلاث مرات من قبل، حاول فيها أن يثنيه عن قراره بالإضراب عن الطعام مقابل تسوية أوضاعه في الوزارة. وكان برو يرفض في كل مرة، باعتبار أنّه لا يجوز أن تكون «التخريجة» شخصية لقضية وطنية. شهيب قال إنّه احترم خيار برو، لكنه رأى منذ البداية أنّها «صرخة في البرية» في ظرف سياسي صعب في البلد ومتفجر في المنطقة. وفيما أشار شهيب إلى أنّه اطلع على ملف برو وهو من الموظفين الأوادم، «وإذا كانت ثمة ظلامة لحقته في السنوات الماضية فلست مسؤولاً معها». وبالنسبة إلى السلسلة، أكد شهيب أنّه لا بد من إيجاد صيغة تعطي الموظفين حقوقهم ولا تضر بالاقتصاد. أما مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي، فقال إنّ «برو كان شجاعاً عندما أعلن خطوته بالصيام والاعتصام، وأكثر شجاعة لما استجاب لتمني هيئة التنسيق النقابية بالعودة عن الاعتصام». ورأى أن تحركه كشف عورة النظام السياسي الذي لا يقيم وزناً للإنسان الفرد من أجل حقه ولا يسمع أصوات آلاف المتظاهرين على مدى أشهر يطالبون بحقوقهم، كذلك عرّى المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان التي غابت بصورة شبه كلية طوال 20 يوماً و20 ليلة. برأيه، يرسم ذلك سؤال كبيراً: «ماذا تعني الديموقراطية إذا كانت صرخة الأمعاء الخاوية لا تصل إلى أصحاب القرار؟».
هيئة التنسيق: لسنا طرفاً سياسياً
زج هيئة التنسيق النقابية مع هذا الجانب السياسي أو ذاك مرفوض، وتحرك الهيئة من أجل إقرار سلسلة الرواتب سيبقى في موقعه النقابي المستقل، وخارج الاصطفافات السياسية. هذه هي الرسالة الأساسية التي وجهها رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب في المؤتمر الصحافي أمس. برأي غريب، ليست مسؤولية هيئة التنسيق والأهالي والطلاب إذا كان هناك من نائب لا يشارك في جلسات انتخاب رئاسة الجمهورية، أو في جلسات التشريع النيابية، بل إنّ هؤلاء يدفعون الثمن من دون أن يكون لهم ناقة أو جمل في هذا الموقف السياسي أو ذاك. حتى حجة الفراغ والشلل، هي من صنع السياسيين، يقول غريب. ويجزم بأنّه لا عودة إلى الوراء، وبأن السياسيين يتحملون مسؤولية مقاطعة التصحيح في الامتحانات الرسمية تجاه الرأي العام اللبناني عموماً، والموظفين والمعلمين والأهالي والطلاب خصوصاً. يسأل غريب ما إذا كانت تجربة السلسلة قد تكررت في أي مشروع قانون آخر طرح على الهيئة العامة للمجلس النيابي، وما إذا سبق أن رُبط مشروع السلسلة كأحد أبواب الإنفاق في الموازنة بمشروع إيرادات من خارج الموازنة، وبصورة غير دستورية، كما يحصل اليوم، أي إنّهم لا يقرون الموازنة ولا المشروعين. ويرى أن السياسيين يستغلون الوضع الأمني لعدم إقرار الحقوق في السلسلة، فيضربون بذلك الأمن الاجتماعي كأحد جوانب السلم الأهلي في البلاد، ومعه يضربون هيئة التنسيق النقابية والوحدة الوطنية التي جسدتها بين اللبنانيين، وبذلك يدعمون عن قصد أو عن غير قصد، الانقسامات الطائفية والمذهبية والتطرف في البلاد. وإذا كانت هيئة التنسيق تقر بأنه لا دولة من دون قانون موازنة عامة ورقابة جدية على الإنفاق العام، فليس معنى ذلك، بحسب غريب، المساس بدفع الرواتب والأجور، محذراً من ذلك تحت أي ظرف من الظروف. يتساءل هنا: «لماذا اقتصر التهديد فقط على رواتبنا، إذا لم ينعقد مجلس النواب لإقرار قانون خاص يشرّع الإنفاق الإضافي، ولم يطل أيضاً 6 آلاف مليار ليرة التي تسددها الخزينة للمصارف كفوائد على الدين العام؟». لا يقول ذلك استهانة بأهمية إعادة الانتظام إلى المالية العامّة، بحسب تعبيره، بل رفضاً لأي محاولة «لأخذنا رهائن في الفراغ وشلل المؤسسات الدولة الدستورية». وبناءً عليه، يدعو غريب المسؤولين للقيام بواجبهم ليس بضمان حصول الأساتذة والموظفين على رواتبهم فحسب، بل بإقرار حقوقهم في سلسلة الرتب والرواتب، مع إلغاء بنود التعاقد الوظيفي وعدم فرض الضرائب على الفقراء، بل تمويل السلسلة من مزاريب الهدر والفساد والسرقات والتهريب على المرفأ والمطار ومن مغتصبي الأملاك البحرية والنهرية والريوع المصرفية والعقارية. وإذا كان ثمة من تنازل فلا يكون، بحسب غريب، إلاّ للفقراء ومقابل تأمين الضمان الصحي لهم، وإقرار ضمان الشيخوخة والحق بالتقاعد وتوسيع مرحلة الروضة في التعليم الرسمي لتحسين نوعيته والتخلص من غلاء الأقساط المدرسية على كاهل الأهل. ويطالب غريب الأهالي بالوقوف إلى جانب هيئة التنسيق لمواجهة من يعملون على تصفية الدولة وخصخصة مؤسساتها، بالتواطؤ مع حيتان المال وعلى حساب الوطن والمواطنين. وبالنسبة إلى برنامج التحركات، تستمر هيئة التنسيق في مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح في الامتحانات الرسمية حتى إقرار السلسلة وضمان حقوق جميع القطاعات الوظيفية من دون استثناء. وتنفذ اليوم إضراباً في الإدارات العامة واعتصاماً مركزياً لمدة 24 ساعة (ليل – نهار) أمام وزارة التربية بمشاركة ممثلين عن مجالس الأهل والطلاب اعتبارا من الحادية عشرة قبل الظهر، على أن يكون هذا الاعتصام مقدمة لاعتصامات مشابهة في بقية الوزارات. كذلك فإنّ الهيئة ستشكل لجان متابعة مع مجالس الأهل وممثلي الطلاب من أجل توحيد الطاقات لإقرار الحقوق في السلسلة وإعطاء الشهادة الرسمية.