حلمي موسى - السفير
اجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر أمس للبحث في الوضع المتأزم على الحدود مع قطاع غزة. ورغم أن الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول سبل مواجهة التسخين الحالي وقيام زعيم «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية افيغدور ليبرمان بإعلان فك تحالفه مع «الليكود»، إلا أن المجلس الأمني المصغر أقر استمرار سياسة «ضبط النفس» وعدم الخروج لعملية واسعة ضد القطاع. ومع ذلك فإن المجلس قرر توسيع الرد على قصف الصواريخ والاستعداد للمرحلة المقبلة بتجنيد 1500 من عناصر القوات الاحتياطية غير المقاتلة. وبحسب مصادر متعددة، فإن المجلس الوزاري المصغر فوّض الجيش توسيع العمليات وفق المقتضيات، لكن بهدف «عدم الانجرار إلى حرب أو عملية واسعة، والسعي للحفاظ على المواجهة في المدى الحالي، وعدم إدخال مناطق جديدة في الجنوب والوسط في مدى النيران». وجاء رد المقاومة على التصعيد الإسرائيلي الجديد بإطلاق صليات مكثفة من الصواريخ على مدى 40 كيلومترا طالت بئر السبع وأسدود ورحوفوت، بالاضافة الى بيت شيمش قرب مستوطنة غوش عتصيون التي تبعد حوالي 60 كيلومترا عن غزة. وكانت الضربة المكثفة، التي تبنتها «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، احتوت، خلال أقل من ساعة بعد الثامنة ليل أمس، على أكثر من 70 صاروخا. وأثار ارتباك الموقف الإسرائيلي مخاوف من احتمال توسع المواجهات لتصل الصواريخ إلى القدس وتل أبيب. ووجد ذلك تعبيرا في انطلاق صافرات الإنذار في معظم مدن وسط إسرائيل، التي سرعان ما أُعلن أنها انطلقت بطريق الخطأ. ومع ذلك تعززت المخاوف من أن ما اعتبرته إسرائيل «تصعيدا مدروسا» يمكن أن يتحول بسرعة إلى مواجهة شاملة، حتى لو لم تكن هناك رغبة من «حماس» وإسرائيل على حد سواء. وحظرت إسرائيل في المناطق التي تبعد عن قطاع غزة 40 كيلومترا وأقل، التجمع والاحتشاد، وطلبت من البلديات في المدن والمستوطنات الرئيسية إعداد الملاجئ وتجهيز وحدات الدفاع المدني لأي طارئ. ومن الجائز أن تحاول إسرائيل الإيحاء أنها في طريق استيعاب غضب «حماس» على استشهاد سبعة من أفرادها على أمل أن يمنع هذا تطور الوضع نحو مواجهة شاملة تقع في إطارها مدن كالقدس وتل أبيب ضمن مدى الصواريخ، كما أن مثل هذا التوسع سيقود إلى إعلان تعبئة شاملة وتزايد احتمالات تنفيذ عملية عسكرية برية في قطاع غزة. ونقلت القناة العاشرة عن مسؤولين إسرائيليين أن «حماس بإطلاقها هذه الصواريخ تجاوزت خطا أحمر ينبغي أن تدفع ثمنه». وكانت الأوضاع قد تأزمت جدا في غزة بعد استشهاد تسعة من نشطاء المقاومة في غارات إسرائيلية على الأنفاق ومرابض الصواريخ. واعتبرت أوساط المقاومة الغارات الإسرائيلية، التي أتت بعد محاولات لفرض وقف النار، تصعيدا إسرائيليا مقصودا. لكن أوساطا عسكرية إسرائيلية أشارت إلى أن اغتيال ناشطين من حركة «الجهاد الإسلامي» في مخيم البريج جاء إثر مشاركتهما في القصف، فيما شابَ استشهاد ستة آخرين تضارب في التقارير. فقد أعلنت «حماس» أنهم استشهدوا إثر قصف إسرائيل لنفق كانوا فيه في حين أعلن الاحتلال في البداية أنهم استشهدوا نتيجة انفجار ناجم، ربما، عن خلل فني. وذهبت إسرائيل أبعد من ذلك حين اتهمت الشهداء بأنهم كانوا يخططون لتنفيذ عمل عبر الأنفاق في إسرائيل، لكن الجيش الإسرائيلي عاد، في وقت لاحق، واعترف بأن استشهاد الستة كان نتيجة قصف مقصود لأحد الأنفاق الهجومية. كما استشهد مقاوم من «حماس» في غارة على منطقة اخرى من القطاع. وأصيب خمسة أشخاص في الغارات والقصف على غزة، كما أصيب جندي إسرائيلي في قصف المقاومة. ورغم الدماء الغزيرة في قطاع غزة إلا أن ذلك لم يغط على الأحداث والصدامات مع الجيش الإسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة وفي بلدات المثلث والجليل والنقب، احتجاجا على حرق الفتى محمد أبو خضير، الذي اعترف ثلاثة يهود بحرقه. وقد انضمت لهذه الصدامات أمس الأول قذائف انطلقت أيضا من الAffinityCMSن السوري باتجاه الأراضي المحتلة هناك. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ضابط رفيع المستوى قوله إن الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال أن يتوسع التصعيد الحالي، وأن تزداد الغارات الجوية ليس فقط على مرابض الصواريخ بل أيضا على الأنفاق. وأضاف «أننا ندخل لمنظومة درجات تأخذ بالحسبان كل عواقب التصعيد في هذا الاتجاه»، موضحا أن «رسالتنا لحماس بالغة الوضوح. نحن مستعدون للتصعيد لأن الهدوء لم يقابل بالهدوء كما يبدو. وحماس لا تمنع إطلاق الصواريخ، بل هي بنفسها تطلق الصواريخ. معظم الإطلاقات هي من حماس». ووجه الضابط رسالة مفادها أن تقييم الوضع في الجيش الإسرائيلي يمكن أن يتغير من النقيض إلى النقيض، و«اننا ندرس أيضا ضلوع عرب إسرائيل، والضفة الغربية ونفهم استحالة أن لا نعالج أمر غزة وعازمون على ذلك». وأُعلن أن لواءي مشاة جاهزان للهجوم على غزة، لكن من يعرف القتال في غزة يدرك أن هذين اللواءين لا يصلحان لشيء في الواقع الراهن. وليس مستبعدا أن يكون تهديد هذا الضابط جزءاً من حرب نفسية، خصوصا أن الطائرات الإسرائيلية ألقت منشورات على المناطق الحدودية في قطاع غزة تطالب السكان بالابتعاد عن الأنفاق التي باتت «هدفا عسكريا» وتحذرهم من أن حافري الأنفاق يعرضونهم للخطر. ورغم ذلك فإن مصادر سياسية إسرائيلية ترى أن «حماس تطلق النار من ضائقة. وليس صدفة أنها لا تعلن مسؤوليتها عن الإطلاقات. وحتى الآن نحتوي الإطلاقات لكننا نزيد الغارات. هم ونحن لا نريد تصعيدا. وإذا اضطررنا فسيزداد وضعهم صعوبة لأننا سنزيد الضغط عليهم». وبخصوص شهداء النفق الستة فإنه بعد تصريحات تنصلية تنكر فيها الجيش الإسرائيلي لدوره في التفجير، بغرض تأكيد أنه لا يؤدي دورا تصعيديا، عاد وأقر بأنه من قام بتفجير النفق. وأشارت أوساط عسكرية إلى أن الجيش عمل على اكتشاف النفق الذي يحوي موادَّ متفجرة. وفي الليل، وبعدما لاحظ وجود حركة في المكان قام بعملية قصف أدت إلى تفجير النفق. وفي كل حال فإن اجتماع المجلس الوزاري المصغر جاء بعدما ألقى ليبرمان بقنبلة سياسية أعلن فيها فك التحالف مع «الليكود» القائم منذ الانتخابات. وقال «هذا التحالف لم ينجح في الانتخابات، ولا بعد الانتخابات وليس حتى الآن. كانت هناك مشاكل فنية كثيرة، وعندما تغدو مبدئية لا جدوى من إخفاء الأمر». وشدد على أن «خلافات الرأي مع (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو لا تسمح بأن نكون في إطار مشترك». وأضاف ليبرمان «واقعنا اليومي يتمثل بوجود مئات من الصواريخ بحوزة منظمة إرهابية تستطيع أن تقرر استخدامها في أي لحظة، وهذا غير مقبول». وكرر دعوته إلى «إعادة احتلال قطاع غزة، والتدمير الفوري لمصانع الصواريخ والبنى التحتية الإرهابية في غزة». لكن ليبرمان خفف من أثر هذه القنبلة في هذه الظروف معلنا أنها لن تمس الائتلاف الحكومي الحالي الذي وصفه بالجيد. غير أن المطلعين على العلاقات داخل الحكومة يعرفون أن جانبا من دوافع ليبرمان، وتطرف زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت، انتخابية. فالتطرف هو السلعة الأشد رواجا اليوم لدى الجمهور الإسرائيلي، وليبرمان وبينت يحضّران نفسيهما لانتخابات مبكرة. ومعروف أن تلاسنا حادا جرى في اليومين الأخيرين بين نتنياهو وكل من ليبرمان وبينت وبين «الليكود» وحزبيهما. وأشيعت أنباء بأن «إسرائيل بيتنا» و«البيت اليهودي» ينويان عدم الوقوف إلى جانب الحكومة عند تعرضها لاقتراحات حجب ثقة. وحاول الحزبان إظهار أن الخلاف مع نتنياهو و«الليكود» سياسي، أمني، واستراتيجي وليس انتخابيا. ومن المؤكد أن جانبا من موقف نتنياهو ضد ليبرمان وبينت ينبع أيضا من أسباب انتخابية، خصوصا أنه يعرف بوجود استطلاعات رأي تظهر تراجع شعبيته في الشارع الإسرائيلي. وأثار إعلان ليبرمان عن فك التحالف مع «الليكود» ردود فعل شديدة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. إذ طالب زعيم «حزب العمل» اسحق هرتسوغ زعيمي «هناك مستقبل» يائير لبيد و«الحركة» تسيبي ليفني بترك الحكومة والحفاظ على ماء وجهيهما. أما زعيمة «ميرتس» زهافا غالئون فدعت إلى إبعاد ليبرمان عن وزارة الخارجية، بعدما أفصح عن عدم ثقته برئيس الحكومة وخرّب علاقات إسرائيل مع دول العالم.