عماد الزغبي - السفير
ستة أيام مرت على إضرابه عن الطعام. ما زال الموظف في وزارة الزراعة المهندس علي برو صامداً. موقفه لم يتغير قيد أنملة. يصّر على مواصلة اعتصامه في ساحة رياض الصلح. أسلوب ديموقراطي لجأ إليه، بعد ثلاث سنوات من المماطلة والتسويف في موضوع إقرار سلسلة الرتب والرواتب. لم يعد يستطيع التحمل أكثر. وعود وتراجع وإضرابات واعتصامات وتظاهرات، ثم وعود وتراجع.. حقه مهدور.. ومطلبه محق بسلسلة عادلة تمنع عنه العوز بعد خروجه إلى التقاعد. لن يتراجع برو عن موقف أتخذه، مهما كانت الصعاب والمعاناة. «الجوع تعودت عليه.. لكنني لن أقبل أن يرافق الجوع تقاعدي». ما يحز في نفس برو حرمانه في اعتصامه من أبسط مقومات الصمود. مظلة صغيرة منعت عنه. ممنوع حمل مظلة بيده تقيه حرارة الشمس. ممنوع الجلوس في الظل. ممنوع تعليق المظلة التي أحضرتها زميلته نوال. لا يبدي برو أي اعتراض أمام عناصر قوى الأمن الداخلي وهي ترفع المظلة عن الشجيرة. الناظر في عيني برو يرى مدى الانزعاج والأسف، لترك هؤلاء العناصر لمهامهم، ومراقبته ما إذا كان يستظل بمظلة أم لا. يعتذر الرتيب في قوى الأمن من برو، «عبدٌ مأمور.. عليّ تنفيذ الأوامر». يرمقه برو بنظرة خاطفه، ثم يجيب: «إذا كانت المظلة تسبب إزعاجاً لكم، فحطموها». يكتفي العنصر الأمني بوضع المظلة أمام برو، ويغادر. حالة من الانفعال تظهر على برو، عندما يزوره وفد من زملائه في العمل. لم يعد قادراً على الكتمان. يقول: «لم أنزعج ممن طالبني بفك الاعتصام ووقف الإضراب نظراً للأوضاع الأمنية.. لكن أن يُمنع عليّ حمل مظلة صغيرة فوق رأسي، فهو أمر في غاية الإزعاج». ويؤكد: «لن أتراجع مهما فعلوا.. بمظلة أو بدونها». ويتوجه إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق بالقول: «إذا سقطت من الجوع، أنا المسؤول.. أما إذا سقطت من ضربة شمس.. فأنت المسؤول، لأن أحد ضباطك منعني من وضع شمسية فوق رأسي». يحاول زملاؤه تهدئة خاطره، فيجيب: «يخوض الأسرى الفلسطينيون معركة الأمعاء الخاوية في فلسطين المحتلة في وجه مغتصب لأرضهم ووطنهم.. وأخوض معركتي ضد مغتصب حقي، وهو يعرف نفسه..». يثق برو بقدرته على الصمود، ويخطر على باله قصيدة للشاعر محمود درويش «نيرون مات ولم تمت روما.. بعينيها تقاتل وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل». تركت حادثة رفع المظلة أثراً في نفس برو، لا تهدئها سوى قراءة الكتب التي أهداها إليه عدد من الشبان، بين زائر وآخر، من بينها «الأعمال الكاملة» لغسان كنفاني، وديوانا شعر. ع. ز.